إن الحاجة إلى الدين أشد من الحاجة إلى الطعام والشراب، الإنسان بطبعه متدين فلو لم يهتدِ إلى الدين الحق، لسوف يخترع له ديناً كما حصل في الديانات الوثنية التي اخترعها البشر، والإنسان محتاج للأمن في الدنيا كما أنه محتاج للأمن في منقلبه وبعد موته، والدين الحق هو الذي يمنح أتباعه الأمن التام في الدارين.
من مقاييس الدين الحق:
الايمان بإله:
لابد للإنسان من الايمان، سواءً كان الإيمان بالإله الحق أو بأي إله باطل. يمكن أن يسميه إلهًا أو يسميه أي شي آخر، وقد يكون الإله شجرة أو نجمًا في السماء أو امرأة أو رئيسه في العمل أو نظرية علمية أو حتى هوىً في نفسه، لكن لابد له من الإيمان بشيء يتبعه ويقدسه ويرجع له في نهج حياته وقد يموت لأجله، وهذا ما نسميه العبادة. فعبادة الإله الحق تحرر الإنسان من “العبودية” للآخرين والمجتمع.
الإله الحق هو الخالق:
يجب أن يكون وجود الخالق قد سبق وجود الزمان، المكان، والطاقة، واستناداً على ذلك، لا يمكن للطبيعة أن تكون هي المُسبب بخلق الكون، لأن الطبيعة نفسها تتكون من زمان، مكان وطاقة وبالتالي يجب أن يكون ذلك السبب موجودًا قبل وجود الطبيعة.
يجب أن يكون قاهراً أي يمتلك السلطة على كل شيء.
يجب أن يكون بيده الأمر، ليصدر أمره ببدء الخلق.
يجب أن يمتلك علمًا كليًا بكل أمر، أي لديه معرفة كاملة بجميع الأشياء.
يجب أن يكون واحدًا فردًا، لا ينبغي أن يحتاج لوجود مسببًا آخرًا معه، ولا ينبغي أن يحتاج أن يتجسد في صورة أحد من مخلوقاته، ولا يحتاج أن يكون له زوجة أو ولد في أي حال من الأحوال، لأنه يجب أن يكون جامع لصفات الكمال.
يجب أن يكون حكيماً لا يفعل شيء إلا لحكمة خاصة.
يجب أن يكون عادلاً، ومن عدله أن يكافئ ويعاقب، وأن يكون ذا صلة بالبشر، فلن يكون إلهاً لو خلقهم وتركهم، ولهذا فهو يرسل الرسل إليهم ليوضح لهم الطريق ويبلغ البشر منهجه، والذي يستحق المكافأة من سلك هذا الطريق، والعقاب لمن حاد عنه، ويتمثل ذلك في الدار الآخرة في نعيم الجنة وعذاب النار.
الدين:
هو منهج الحياة الدنيا والذي ينظم علاقة الإنسان بخالقه وبمن حوله، وهو الطريق إلى الآخرة.
يجب أن يكون أقرب إلى فطرة الانسان الأولى التي تمثل الفضائل والسجايا الخيَّرة في الإنسان.
يجب أن يكون دين واحد، سهل وبسيط، مفهوم وغير معقد، صالح لكل زمان ومكان، مجاني.
يجب أن يكون دينًا ثابتاً لكل الاجيال ولكل البلاد ولكل أنواع البشر، لا يقبل الزيادة ولا النقصان حسب الأهواء.
يجب أن يحتوي على عقائد واضحة ومبرهنة ولا يحتاج لوسيط ولا يؤخذ الدين بالوجدانيات بل بالدليل الصحيح المبرهن.
يجب أن يغطي كل قضايا الحياة وكل زمان ومكان، وينبغي أن يصلح للدنيا وكذلك للآخرة، يبني الجسد ولا ينسى الروح.
يجب أن يحمي حياة الناس ويحافظ على أعراضهم وأموالهم.
وبذلك من لم يتبع هذا المنهج الذي جاء بتوافق مع فطرته، عاش حالة اضطراب وعدم استقرار، والشعور بضيق الصدر والنفس، فضلاً عن عذاب الآخرة.
لماذا الإسلام؟
دين الإسلام تعاليمه مرنه وشاملة لكل نواحي الحياة، لأنه متعلق بالفطرة البشرية التي خلق الله الإنسان عليها، وقد جاء هذا الدين مطابقًا لسُنن هذه الفطرة. وهي:
الإيمان بإله واحد أحد، وهو الخالق الذي ليس له شريك ولا ولد، ولا يتجسد في صورة إنسان أو حيوان ولا صنم أو حجر، وليس ثالوثًا. وعبادة هذا الخالق وحده بدون وسيط. وهو الخالق للكون وما يحتويه، والذي ليس كمثله شيء، وعلى البشر عبادة الخالق وحده، وذلك بالتواصل معه مباشرةً عند التوبة من ذنب أو طلب المعونة، وليس من خلال قسيس ولا قديس ولا أي وسيط. وأن رب العالمين رحيم بخلقه أكثر من الأم بأولادها، فهو يغفر لهم كلما رجعوا وتابوا إليه. وأنه من حق الخالق أن يُعبَد وحده، ومن حق الإنسان أن يكون له صلة مباشرة بربِّه.
دين الإسلام عقيدته مبرهنة، واضحة وبسيطة، بعيدة كل البعد عن الاعتقاد الأعمى، فالإسلام لا يكتفي بمخاطبة القلب والوجدان والاعتماد عليهما أساسًا للاعتقاد، بل يتبع مبادئه بالحجة المقنعة الدامغة، والبرهان الواضح، والتعليل الصحيح الذي يملك زمام العقول ويأخذ الطريق الى القلوب، وكان ذلك عن طريق:
إرسال الرسل للإجابة على الأسئلة الفطرية التي تدور في خلد البشر عن غاية الوجود ومصدر الوجود والمصير بعد الموت، ويقيم الأدلة في مسألة الألوهية من الكون، ومن النفس، ومن التاريخ على وجود ووحدانية الله وكماله، وفي مسألة البعث يدلل على إمكانيه خلق الإنسان وخلق السماوات والأرض، وإحياء الأرض بعد موتها، ويدلل على حكمته بالعدالة في إثابة المحسن وعقوبة المسيء.
وتجتمع الإنسانية في أصل واحد، وتمضي نحو غاية واحدة، والتنوع والاختلاف ضرورة كونية تُلزم الإنسان ضرورة استمرار منطق الحوار.
” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ “[1].
والغاية من هذا الاختلاف هو: التعارف والتكامل بين جميع الأجناس والأعراق، وطريق الحوار هو الطريق الذي سلكه رسل الله من آدم إلى محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين.
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ” [2].
والجميع من أصل واحد، وجاءوا إلى الأرض لهدف واحد وهي توحيد الله، بعبادته وحدة كما عبد الرسول ربه، وليس بعبادة الرسول أو أي شيء آخر.
ولتقرير رسالة التوحيد، بعث الله جميع الرسل إلى كل الأمم مرشدين أقوامهم إلى حقائق الكون؛ لينطلقوا منها، ويحققوا غاية خلقهم، وإن لكل أمة رسول، وكل الرسالات السماوية عبر الزمان والمكان جاءت لخدمة هذه الغاية.
” وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ”[3].
وكل رسالة سماوية تؤكد ما جاءت به سابقتها، حيث تدرج الرسل عليهم الصلاة والسلام في إبلاغ مراد الله، وتوحدوا في أصل التوحيد، ثم تنوعوا في الشرائع حسب حاجة الإنسان.
فالقرآن الكريم وهو كتاب الله وكلامه الذي لم يتغير ولم يتبدل رغم مئات السنين، ورغم اختلاف البلاد والحضارات، لازال كما أنزل، ولازال يقود المسلمين في حياتهم الدنيا وفي طريقهم للآخرة، يُصدق أصول الديانات التي سبقته وامتدت إلى زمانه، والتي جاءت بها الرسل مناسبة لزمانهم، ومع تغير الحاجة يأتي طور من الديانة جديد يتفق في أصله ويختلف في الشريعة تدرجا مع الحاجات، مع تصديق اللاحق للسابق في أصل التوحيد، وباتخاذ سبيل الحوار يكون المؤمن قد استوعب حقيقة وحدة المصدر لرسالة الخالق؛ لينطلق من نقطة الإيمان الخاص به، إلى بدء رحلة الاستخلاف في الأرض.
وهذا التنوع لا يُشكل عائقاً أمام التواصل الإنساني، فالحوار له أصول ومنطلقات وجودية وإيمانية، تُحتم على الإنسان احترامها والانطلاق منها للتواصل مع الآخر؛ لأن الغاية من هذا الحوار هو التخلص من التعصب والهوى الذي هو عبارة عن إسقاطات للانتماءات العصبية العمياء؛ التي تحول بين الإنسان وحقيقة التوحيد النقي، وتؤدي إلى التصادم والدمار، كما هو واقعنا الآن.
وينطلق حوار رسل الله على أساس جوهري وهو الإيمان بكل الرسالات السماوية، والاعتراف بها؛ فلا يمكن إنكار حقيقة التنوع، كما لا يمكن إنكار حقيقة تواتر الرسل.
وباعتراف القرآن الكريم بالحقائق الكونية، وبعرضه ملخص الرسالات السماوية التي تجتمع في أصل التوحيد، وبدعوة أتباعه إلى الاعتراف بهذا الأصل، كان هذا الكتاب الخاتم تتويجا لهذا التواصل البشري. والإنسان المؤمن يُسلِّم بأن الله هو مصدر كل شيء، وهذا هو الدافع الأكبر لرحلته في الحياة وفق منهج الله وشريعته.
والحياة الدنيا بداية لرحلة أبدية يستأنفها الإنسان بعد الموت بالبعث والحساب ومن ثم الجزاء، ويَعتبر الإسلام أن وجودنا في هذه الدنيا هو لهدف وغاية سامية وهي معرفة الله عز وجل، وعبادته والتوجه إليه مباشرة.
ورغم قصر الحياة الدنيا، فهي بمثابة دار ابتلاء وامتحان للبشر، ليتمايزوا على درجات ومراتب عند اقبالهم على الحياة الأخرة.
والذي يقع من ابتلاءات هو إرادة الله، والذي أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، حيث أنه لا يوجد شر مطلق بالوجود.
وبتوفير الإسلام للترابط والانسجام بين العقل والدين، العقل والنقل، والعقل والقلب، فإنه لا تنوير ولا نهضة ولا تقدم ولا جمال ولا علم حقيقي إلا بالإسلام، وقد نجح الإسلام كمنهج، بينما فشلت الرأسمالية والشيوعية، وإنه ما من مستشرق درس الإسلام وحضارته – مهما كان موقفة منه - إلا واعترف بأن الإسلام دين ودولة.
ولكن ابتعاد المسلمين عن دينهم الصحيح وعجزهم عن نشر مبادئ الإسلام بصورة صحيحة، ساهم في العقود الأخيرة بازدياد نسبة الملحدين والمشككين والحائرين في العالم.
ولقد تقدم الناس في الغرب
بالعلوم والمعارف عندما تركوا المعتقدات الخاطئة، والتي كانت تقوم على أساس الدين
المشوه لديهم، وأخذوا بأسلوب العلم والمنطق، لكن مع توجههم للعلم بطريقة سليمة،
كانوا قد خسروا القيم والأخلاق والغاية من وجودهم، بتغاضيهم عن اعتناق الدين الصحيح.
[1] (هود:118).
[2] (الحجرات:13).
[3](النحل:36).