ردود قرآنية:

من الأمور التي لفتت انتباهي منذ نعومة أظفاري هي بعض الآيات القرآنية التي لم يتبين لي معناها إلا عند الكبر.

حيث كنت في صغري أتساءل دائمًا لماذا ذكر الله تعالى في القرآن الكريم أنه خلق السماوات بدون أن يتعب، وكنت أتعجب جدًا من الداعي لذكر هذه النقطة، حيث أنه معروف أن الله تعالى لا یتعب، حتى التحقت بمجال الدعوة، عندما عرفت أن النصراني یعتقد أن الله عندما خلق السماوات والأرض ارتاح يوم الأحد. وهم دائمًا يسألونني لماذا لا یعتبر المسلمون یوم الأحد هو یوم مقدس، وأقول ببساطة لأن الله لا یتعب لكي یرتاح. المفاجأة أنهم یضحكوا بشدة من جوابي ويقولون فعلاً نعم كلامك صحيح.

قال الله تعالى في سورة ق:

وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ (38)

وجاء الرد القرآني على من اعتقد أن نبي الله سليمان مات مرتدًا.

قال تعالى في سورة البقرة :102:

وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا

وتتوالى ردود القرآن على المشككين والملحدين.

لعبة الحياة:

من أعجب ما قرأت مؤخرًا هو الزعم بأن البشر يعيشون لعبة من ألعاب الكمبيوتر الضخمة.

والتي يتحكم بها قوة خارقة من الخارج.

وأن البشر يعيشون حياة افتراضية ليست واقعية.

وقد خطر ببالي الرد المباشر من رب العالمين حيث يقول في سورة الدخان:

( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين ( 16 ) لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين ( 17 ) بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون ( 18 ) وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون ( 19 ) يسبحون الليل والنهار لا يفترون ( 20 ) ) .

وتأتي إجابات القرآن كدليل حتمي على صلاحية القرآن لكل زمان ومكان.

السعادة الزائفة:

في حواري مع عالمة فيزياء أرمينية لا تؤمن بوجود خالق للكون، ولا هدف لوجودنا في الحياة، أذكر أنني قلت لها:

أنتم تَزعمون أن كُل شيء لا معنى له جوهريًا، وبالتالي لدينا الحُرية في إيجاد مَعنى لأنُفسنا من أجل الحصول على حياة مُرضِية. إنكار الهدف من وُجودنا، هو في الواقع خِداع للذات. وكأننا نقول لأنفسنا “دعونا نفترض أو نتظاهر بأن لدينا هدفًا في هذه الحياة”. وكأنّ حالنا كحال الأطفال الذين يتظاهرون باللَّعب بأنهم أطباء وممرضين، أو أمهات وآباء.

 إننا لن نحقق السعادة إلا إذا عرفنا هدفنا في الحياة.

قالت: أنا سعيدة هكذا.

قلت لها: ما هي السعادة الحقيقية والهادفة؟  تخيلي أنكِ وُضعتِ ضد إرادتك في قطار فخم. وتجدين نفسك في الدرجة الأولى، تَجربة فاخرة ومريحة، قمّة في الرفاهية.

هل ستكونين سعيدة في هذه الرحلة دون الحصول على أجوبة لأسئلة تدور في ذهنكِ مِثل: كيف رَكبتِ القطار؟ ما هو الغرض من الرِّحلة؟ الى أين تتّجه؟ إذا بقيت هذه الأسئلة دون إجابة، كيف يُمكنك أن تكونين سعيدة؟ حتى إذا بدأتِ في الاستمتاع بكل الكماليات التي تحت تصرفك، فلن تُحقّقي أبدًا سعادة حقيقية وذات مغزى. هل الوجبة الشهية في هذه الرحلة كافية لأن تُنسيك هذه الأسئلة؟

إنّ هذا النّوع مِن السّعادة سَيكون مُؤقتًا ومُزيفًا، لا يَتحقّق إلا بتجاهل مُتعمَّد لإيجاد أجوبة لهذه الأسئلة المُهّمة. إنها كحالة من حالات النشوى الزائفة الناتجة عن السُكر التي تُودي بصاحبها إلى الهلاك.

يقول عالم الأحياء الحائز على جائزة نوبل بيتر ميداور:
“إن محدودية العلم تظهر بجلاء في عجزه عن الإجابة على الأسئلة البدائية الطفولية المتعلقة بالأشياء الأولى والأخيرة، أسئلة من قبيل: كيف بدأ كل شيء؟ ما الغرض من وجودنا هنا؟ ما الهدف من الحياة؟”

نظرية المحاكاة:

تَكثرُ الأسئلة حول كوننا نعيش في محاكاة من صُنع حاسوب فائق أو شيء أعمق من ذلك بكثير، لدرجة أنها أرّقت أذكى الفلاسفة.

ماذا لو كانت المحاكاة حقيقية؟ ماذا لو كانت هذه الحياة هي مجرد محاكاة لواقع حقيقي؟

لكي نفهم الحقيقة، يجبُ علينا أولاً أن نتعرف على ماهية الحاسوب، وهو في الأساس آلة تنفذ العمليات الحسابية، ولكي يتمكن الحاسوب من محاكاة الواقع أيضًا، فإنه بحاجة إلى ما يكفي من القدرات البنيوية لتوليد الظواهر التي نعيشها في بيئة المحاكاة التي بناها، والتي تُمثِّل بيئتنا.

لكن ما اكتشفه بعض الباحثين هو أن تخزين المعلومات اللازمة لمحاكاة سلوكيات معينة لبضع مئاتٍ من الإلكترونات فقط، يتطلب عددًا من الذرات أكثر مما هو موجود في الكون!

باختصار وبعبارةٍ موجزة، لا يمكننا تشكيل ومحاكاة فيزياء الكمّ ومبادئها المعقدة بأي تكنولوجيا متقدمة نعرفها حتى على أكبر حاسوب يمكن أن تتخيله. إذاً يمكننا القول بأننا لا نعيش في محاكاة.

يقول رينجل:

“عندما تدرس الفيزياء وتواجه مسألة لا تعرف حلاً لها، فإنك تقول في قرارة نفسك، ربما يمكنني فقط أن أجعل حاسوبي يقوم بحلها وسيمنحني ذلك نظرة أعمق”.

تفترض الدراسة أنه إذا كان هناك من يتحكمون بعالمنا، وهم يستخدمون أجهزة حاسوبية كالتي نعرفها، يقول رينجل:

“إن كانوا يعلمون بطريقة ما كيفية تشغيل الحواسيب الكمية، فهذا يلغي مزاعمنا تمامًا”.

فالحواسيب التقليدية تتعامل مع الإلكترونات على أنها جسيمات. أضف على ذلك أن فيزياء الكم تجعل من هذا غير محتمل بشكل لا يصدق، باعتبار الإلكترونات والذرات ليسوا كرات صغيرة تتحرك بمسارات واتجاهات متوقعة عبر الفضاء. إذا لم يكن كونُنا نتيجة صياغة خضع لها منذ نشأته، فإن العالم الذي نعيش فيه هو على الأرجح عالم حقيقي.

وجود خالق:

كلّ ذلك يَقودُنا إلى الجواب الذي لا مفر منه، وهو وجود خالق. والغريب أن الإنسان يحاول دائمًا أن يفترض احتمالات كثيرة بعيدة عن هذا الإحتمال، وكأنّ هذا الإحتمال شيء خيالي مستبعد لا يمكن تصديقه أو التحقق من وجوده.

فلو وَقفنا وَقفه صادقة، عادلة ونظرة عِلمية ثاقبة، لتَوصّلنا لحقيقة أن الإله الخالق لا يمكن الإحاطة به، فهو الذي خلق الكون بأسره، فلا بد أن ذاته خارج الإدراك الإنساني، ومن المنطقي أن نفترض أن هذه القوة الغيبية ليس من السهل التحقق من وجودها، ولا بد من هذه القوة أن تُفصِح عن ذاتها بنفسها بالطريقة التي تراها مناسبة للإدراك البشري.

ولا بد للإنسان أن يصل لقناعة، أن هذه القوة الغيبية حقيقة موجودة وأنه لا مفر من اليقين بهذا الإحتمال الأخير والمتبقي لتفسير سر هذا الوجود.

“فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ” (الذاريات: 50)

وأنه لا بد من الإيمان والتسليم بوجود هذا الإله الخالق المبدع، إذا ما كنا نبحث عن دوام الخير والنعيم والخلود الأبدي.

لماذا الهروب؟

وجود نظريات وقناعات متنوعة عند البشر لا يعني عدم وجود حقيقة واحدة صحيحة، فعلى سبيل المثال، مهما تعددت مفاهيم الناس وتصوراتهم عن وسيلة المواصلات التي يستخدمها شخص يملك سيارة سوداء اللون مثلا، لا ينفي حقيقة أنه يملك سيارة سوداء اللون، ولو اعتقد العالم بأسره أن سيارة هذا الشخص حمراء، فهذا الاعتقاد لا يجعلها حمراء، فهناك حقيقة واحدة وهي أنها سيارة سوداء.

فتعدد المفاهيم والتصورات عن حقيقة شيء ما لا ينفي وجود حقيقة واحدة ثابتة لهذا الشيء.

ولله المثل الأعلى، فمهما تعددت تصورات البشر ومفاهيمهم عن أصل الوجود، فهذا لا ينفي وجود حقيقة واحدة وهي الإله الخالق الواحد الأحد الذي ليس له صورة يعرفها البشر وليس له شريك ولا ولد، فلو أراد العالم بأسره تبني أن الخالق يتجسد في صورة حيوان مثلاً أو إنسان، فهذا لا يجعله كذلك، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا.

الواقع هو أن الاعتراف بوجود الخالق واعتناق الدين التزام ومسؤولية يتهرب منها الكثير بتبني أي نظرية لأصل الوجود ما عدا حقيقة وجود خالق.

إن الإيمان بوجود خالق للكون يجعل الضمير متيقظًا، ويحث المؤمن على محاسبة نفسه في كل صغيرة وكبيرة، المؤمن مسؤول عن نفسه وأسرته وجاره وحتى عن عابر السبيل، وهو يأخذ بالأسباب ويتوكل على الله،

والإلحاد يدعو أتباعه للمادية، وتهميش علاقتهم مع خالقهم برفضهم للدين والتخلي عن المسؤوليات والواجبات، وحثهم على الاستمتاع باللحظة التي يعيشونها بغض النظر عن العواقب، فيفعلوا ما يحلو لهم حال الأمن من العقوبة الدنيوية، معتقدين بعدم وجود رقيب أو حسيب إلهي، ولا بعث أو حساب.

البحث عن الحقيفة:

يُوجد في داخل النفس البشرية دافعًا فطريًا شديدًا لمعرفة أصله ومصدره والغاية من وجوده، إن فطرة الإنسان تدفعه دومًا للبحث عن المتسبب بوجوده.

فالشخص الذي يُولد ولا يجد والده أو والدته، تبقى لديه رغبة جامحة للبحث والتعرّف على أُمه وأَبيه المتسببين في وجوده في هذه الحياة.

وكذلك الإنسان تدفعه فطرته دومًا للبحث عن المُتسبب في وجوده. والفطرة السليمة التي لم تتأثر بشيء يمكن لها أن تهتدي لخالقها ولكنها غير كافية ويبقى الإنسان بحاجة لهداية من رب العالمين من خلال إرسال الرسل، لإرشاده إلى الطريق السليم ومعرفة خالقه على النحو الذي يليق .

فنجد أن كثيرًا من الشعوب وجدت طريقها في الرسالات السماوية، في حين أن غيرها من الشعوب لا زالت في ضلالها تبحث عن الحقيقة، وتوقفت في تفكيرها عند الرموز المادية الأرضية.

إن وجود الدافع الفطري لدى الإنسان للتواصل مع خالقه ومعرفه الغایة من وجوده ومعرفة مآله بعد الموت، بزغت عند الإنسان مُنذ القدم، ووضع لها الأساطير، وأَسّس لها الفلسفات التي تقوم على هذه الأسئلة الوُجودية والمِحورية.

إن وجود هذه الأفكار في وعي الانسان وتوجهه للبحث عن أجوبة في هذا المجال، تُعطينا دليلا ً قوياً على أن هناك إرادة غيبية تقف وراء ذلك، وتدفع بالإنسان للبحث والتواصل مع خالقه. وإنه لمن المُستنكر أن يُترك المخلوق بهذه الفطرة بدون ارشاد أو هداية من المصدر الذي زَرع تلك الفطرة فيه.

حقائق فطرية:

إن ظمئنا للماء هو دلیل على وُجود الماء قبل أن نعرف بِوجوده. كذلك شوقنا إلى العدل هو دلیل على وجود العادل.

فالإنسان الذي یشاهِد ما في هذه الحیاة من نقائص، ومن ظلم الناس بعضهم البعض، لا يقتنع بأن الحیاة يمكن أن تنتهي بنجاة الظالم وضياع حق المظلوم.

بل إن الإنسان يشعر بالراحة والطمأنينة عندما تُطرح عليه فكرة وجود البعث والحياة الآخرة والقصاص. لا شك أن الإنسان الذي سوف يُحاسَب على أعماله، لا يمكن أن يُترك دون توجیه وإرشاد، وبدون ترغیب أو ترهیب، وهذا هو دور الدين.

كما أن وجود الديانات السماوية الحالية الذي يُؤمن أتباعها بألوهية مصدرها، يُعتبر دليل مباشر على تواصل الخالق مع البشر. وحتى وإن أنكر المُلحدون إرسال رب العالمين لرسل أو كُتُب سماوية، فيكفي وجودها وبقائها دليلاً قويًا على حقيقة واحدة وهي رغبة الإنسان الجامحة في التواصل مع الإله، واشباع الفراغ الفطري لديه.

نَجد في القرآن الكريم الحرص الواضح على تقديم الأدلة على صِدق الأنبياء والمُرسلين، واختيار الأسلوب في الإقناع الذي يُناسب كل زمان ومكان. فليس من المنطق أن نقبل أو نُؤمن بوجود خالق، ولا يكون هُناك تواصل (طريقة، شريعة أو منهاج تواصل) معه، وهذا هُو الدين.

تتلخص رسالة الرُّسل بما يلي:

  • الإيمان بأن لا إله إلا الله وحده، الذي ليس له شريك ولا ولد، وهو الخالق والرازق للكون وما يحتويه.
  • اجتناب الطاغوت (الوثنية). بمعنى الالتزام بعبادة الله وحده بدون وسيط، كما فعل الرسول، وليس عبادة الرسول نفسه باللجوء إليه بالطلب، أو جعله إلهًا.
  • اتباع الشريعة التي جاء بها الرسول مناسبة لزمانهم. مع تصديق الرسالات السابقة في أصل التوحيد، ومن ضمن وصايا الرُّسل البشارة بقدوم خاتم النبيين، محمد عليه الصلاة والسلام، والحث على الإيمان به واتباعه لمن أدرك زمانه أو سمع عن رسالته لاحقًا.
  • فعل الخيرات واجتناب السيئات، استعدادَا للقاء الخالق بعد الموت للحساب، ومن ثم الثواب أو العقاب.

حكمة الخالق:

إن من صِفات الخالق الحكمة، ومن الصِّفات المَفطورة في الإنسان هو تنازع الخير والشر وَوُجود الإرادة للاختيار. فمن البَديهي أن يَتبين لنا حتمية حكمة الخالق، ويكفي وجود الموت على حتمية الحساب.  فالموت ليس افناء إنما هو مرحلة الانتقال للحساب. وهذا هو دور الديانات السماوية في تبيان هذه الحقيقة.

إذاً، الحياة الدنيا بداية لرحلة أبدية يستأنفها الإنسان بعد الموت بالبعث والحساب ومن ثم الجزاء، ويَعتبر الإسلام أن وجودنا في هذه الدنيا هو لهدف وغاية سامية وهي معرفة الله عز وجل، وعبادته والتوجه إليه مباشرة.

والذي يقع من ابتلاءات هو أراده الله، والذي أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، حيث أنه لا يوجد شر مطلق بالوجود.


مرجع:

كتاب لماذا الدين ؟ رحلة من الذاكرة

فاتن صبري

ناسا بالعربي مقال

خبر سار: نحن لا نعيش في محاكاة حاسوبية

المصدر: https://nasainarabic.net/main/articles/view/human-and-computer-simulation

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *