جاء محمد عليه الصلاة والسلام بدين جميع الأنبياء من قبله وهو: الإيمان باله واحد أحد ليس له شريك أو ولد وعبادته وحده وليس من خلال صنم أو حجر، وبلا قديس ولا قسيس ولا أي وسيط.
والإسلام دين يحقق أولاً السلام الداخلي للإنسان بمعرفته لخالقه وعبادة الخالق مباشرة بدون وسيط، وبالإجابة التي يقدمها الإسلام عن الأسئلة التي تدور في خلد الإنسان بخصوص مصدر وجوده، والهدف من وجوده، ومآله بعد الموت.
والإسلام يقدر الحياة، وتحيته سلام، ويحث على السلام، فلا يجوز مقاتلة المسالمين والمدنيين، كما يجب حماية الممتلكات والأطفال والنساء حتى في أثناء الحروب، كما لا يجوز التشويه أو التمثيل في القتلى، فهي ليست من أخلاق الإسلام.
قال الله تعالى في سورة الأنفال:
وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)
هيا بنا نناقش بعض النقاط التي تبرهن على أن الإسلام جاء بالسلام.
القتل أم القتال؟
الإسلام سمح بالقتال وليس بالقتل، وذلك في حالات محدودة للدفاع عن النفس أو صد لعدوان يمنع المسلم من ممارسة شعائره، و يمنعه من التعريف بوجود الخالق الواحد الأحد الذي ليس له شريك أو ولد وعبادته وحده.
والقتال يستلزم حصوله من طرفين وليس من طرف واحد ولو توقف أحد الطرفين عن القتال واستمر الآخر فيكون اسمه في هذه الحالة عدوان، وهو منهي عنه قطعًا.
قال الله تعالى في سورة الممتحنة – 8:
لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين(٨)إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
وقال تعالى في سورة المائدة – 32:
مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كثيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ
فغير المسلم هو واحد من أربعة:
مستأمن:
وهو الذي أُعطِي الأمان.
وتشمل من دخل بلادنا بفيزا سياحية، ومن أقام على أرضنا وغيرهم.
قال الله تعالى في سورة التوبة-6:
وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ
وهنا نفهم من الآية الكريمة أنه بمجرد سماع غير المسلم الآيات القرآنية التي تُعرفه بوجود خالقه وتدعوه لعبادة هذا الخالق مباشرة بلا وسيط، وأراد غير المسلم البقاء على دينه بعد سماعه الآيات، فيجب على المسلم أن يعطيه الأمان.
معاهَد:
وهو الذي عاهده المسلمون على ترك القتال.
وتشمل معظم دول العالم في زمننا.
قال الله تعالى في سورة التوبة -12:
وَإِن نَكَثوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ۙ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ
ذِميّ:
الذمة هي العهد، وأهل الذمة هم غير المسلمين الذين تعاقدوا مع المسلمين على اعطاء الجزية والالتزام بشروط معينة، مقابل بقائهم على دينهم وتوفير الأمن والحماية لهم.
وهو مبلغ بسيط يُدفع على حسب استطاعتهم، ويُؤخذ من المقاتلين دون غيرهم، وهم الرجال الأحرار البالغين الذين يقاتلون دون النساء والأطفال والغير عاقلين. وهذا المبلغ يدفعه هؤلاء المقاتلون وهم صاغرون بمعنى خاضعون للقانون الإلهي.
وهي تشبه الضريبة نوعًا ما إن جاز التعبير، وهي التي يدفعها الملايين في يومنا هذا في جميع أنحاء العالم، لكن الضريبة تشمل جميع الأفراد، وبمبالغ أكبر مقابل رعاية الدولة لشؤونهم، وهم خاضعون لهذا القانون العالمي.
مع العلم أن المسلم مطالب بدفع الزكاة، والتي هي عبارة عن نسبة من مدخرات الصغير والكبير في أسرته، حتى الرضيع منهم، وقد تصل نسبتها إلى أضعاف مضاعفة عن مبلغ الجزية.
قال الله تعالى في سورة التوبة -29:
قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ
محارب:
وهو من أعلن القتال ضد المسلمين، فهذا لا عهد له ولا ذمة ولا أمان.
وهم الذين قال الله تعالى فيهم في سورة الأنفال-39:
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
وفئة المحارِب هي من علينا مقاتلتها فقط، ولم يأمر الله بالقتل، ولكن بالقتال، وهناك فرق كبير بينهما، فالقتال هنا بمعنى المواجهة في الحرب بين مقاتل ومقاتل للدفاع عن النفس، وهذا ما تنص عليه كل القوانين العالمية.
قال الله تعالى في سورة البقرة – 190:
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ
وهذه الآية الكريمة هي القاعدة والآية المحكمة التي يقاس عليها مفهوم القتال في الأحاديث المشتبه في تفسيرها أو معناها، أو الآيات المتشابهات.
قتال الناس:
لماذا قال الرسول الكريم أُمرت أن أُقاتل الناس؟
صحيح البخاري (1/ 14) 25 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ».
هذا الحديث يُعبر عن حالة خاصة ببعض المجموعات من القبائل العربية التي منعت المسلمين من ممارسة شعائرهم الدينية، أو القبائل التي اعتنقت الاسلام وعاهدت الرسول على إقامة الصلاة وايتاء الزكاة، فنكثوا العهد وحاربوا الرسول ومنعوا من بقي منهم على الإسلام من ممارسة شعائرهم الدينية من إقامة الصلاة وايتاء الزكاة وشهادة أن لا إله إلا الله، واضهدوهم.
وليس كما يفهم البعض أن على المسلمين قتال كل الناس حتى يعتنقوا الإسلام.
علينا أن نفهم أيضًا:
- أن الرسول الكريم كان عليه أن يقاتل من يقاتله فقط، لكن إن ترك العدو القتال، فإنه لا يقاتَل ولا يُقتَل
- أقاتل على وزن أفاعل، دليل على المواجهة بين طرفين
- أقاتل تعني: رد الإعتداء ومقاومة من اعتدى وليس البدء بالإعتداء
ماذا قصد بالناس؟
قال الله تعالى في سورة آل عمران-173:
الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا
يفهم مهاجمي الإسلام هذه الآية على هذا المعنى: الذين قال لهم كل الناس إن كل الناس قد جمعوا لكم .
فكيف سيذهب كل الناس ليقولوا لكل الناس إن كل الناس قد جمعوا لكم، وهم في الواقع نفس الناس !
إذًا، فمنطقيًا أن يكون المراد بالناس هنا ليس كل الناس، ولكن فئة معينة من الناس، وقد أخبرتنا التفاسير على أن المقصود بالناس الأولى “قَالَ لَهُمْ الناس” ، أَيْ نَعِيم بْن مَسْعُود الْأَشْجَعِيّ، والثانية” إنَّ النَّاس” المقصود بها أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه، يعني كلمة الناس أطلقت على شخص واحد فقط !
قال الله تعالى في سورة النساء-54:
أَمْ يحسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ
إذا كانت الآية تقول (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ)، فمن الذي سوف يحسد الناس، إذا كانت كلمة الناس تعني كل الناس وكل البشر؟
فكلمة الناس منطقيًا هنا ليس المقصود بها كل الناس، فالمقصود بالناس هنا، هو سيدنا محمد وأتباعه وليس كل البشر.
نفهم من الشرح السابق أن:
- أُمرت أن أقاتل الناس : تعني أُمرت أن أقاتل من يقاتلتي من مشركي الجزيرة العربية
- تخصيص معنى لفظة الناس بمن قاتله من المشركين
- معنى الحديث: أُمرت أن أصد أي عدوان يمنعني ويمنع المسلمين من ممارسة شعائرهم ويضطهدهم
كيف فهم علماء المسلمين الحديث؟
قال ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوى (19-20):
وقول النبي أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله وأن محمد رسول الله ويقيموا ويؤتوا الزكاة مراده قتال المحاربين الذين أذن الله في قتالهم، فهو لم يرد قتال المعاهدين الذين أمر الله بوفاء عهدهم”.
حتى أن ابن تيمية رحمه الله له كتاب بعنوان “قاعدة مختصرة في قتال الكفار ومهادنتهم وتحريم قتلهم لمجرد كفرهم”.
وكل ذلك داخل فيما أجمله ابن عباس رضي الله عنهما في صحيح البخاري بقوله:
“كان المشركون على منزلتين من النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين؛ كانوا مشركي أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه، ومشركي أهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه”.
؟ما هو معنى مصطلح الجهاد
الجهاد يعني مجاهدة النفس في الكف عن المعاصي، جهاد الأم في حملها بتحمل آلام الحمل، اجتهاد الطالب في دراسته، جهاد المدافع عن ماله وعرضه ودينه، حتى المثابرة على العبادات مثل الصوم والصلاة على وقتها تعتبر نوعًا من أنواع الجهاد.
فنجد أن معنى الجهاد ليس كما يفهمه البعض على أنه قتل غير المسلمين من أبرياء ومسالمين.
دين الفطرة:
كثيرًا ما نسمع من غير المسلمين الموحدين أنهم لم يكونوا يعتقدون بوجود دين على وجه الأرض يقول بلا إله إلا الله. فقد اعتقدوا أن المسلمون يعبدون محمدًا.
ومع عبادة المسيحيون للمسيح، وعبادة البوذيون لبوذا وغيرها من الديانات التي تقدس بشر، فإن ما يجدونه من ديانات على وجه الأرض لا يطابق ما في قلوبهم.وهو عبادة الله الواحد الأحد.
فيأتي دور المسلم ليوضح لهم أن المسلمون لا يعبدون محمدًا عليه الصلاة والسلام، بل يعبدون الخالق الواحد الأحد مباشرة.
ومحمد عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء والمرسلين فقط.
ولا تصح عبادته ولا اللجوء إليه أو إلى غيره بالطلب أو التوبة من ذنب، بل على جميع البشر اللجوء إلى الخالق مباشرة.
هنا يتبين لنا أهمية تعريف الناس الدين الصحيح الذي كان ولا زال ينتظره الكثيرون بفارغ الصبر، وهو أقرب تعريف لمفهوم جهاد الطلب الذي يؤخذ على محمل القتل وليس على الوجه الصحيح الذي هو قتال من يهاجم و يقاتل المسلم (دفاع) أثناء قيامه بتوضيح معنى دين الإسلام وتعريف الناس عليه، والذي هدفه ايصال رسالة التوحيد فقط، وذلك بإعطاء تفسير ومعنى لكلمة الإسلام، ضمن حدود لا اكراه في الدين، وبدون قتل ولا دم ولا إرهاب.
وعلى غير المسلمين بالمقابل احترام حرمات الآخرين، وعدم التعرض للمسلمين، وأداء ما عليهم من التزامات مقابل بقائهم على دينهم وتوفير الأمن والحماية لهم. كما حدث في بلاد مصر وفي بلاد الأندلس وغيرها الكثير.
تقول الكاتبة الإيطالية الدكتورة “لورا فيتشا فاليري”:
“وحسبُك أنَّ الحروب التي هي أقصى ضرورات الحياة الإنسانية قد صارت بفضل محمد أقلَّ وحشية وقسوة؛ إذ إنَّه كان يطلب من جنودِه ألا يقتلوا شيخًا ولا امرأة ولا طفلاً، ولا يهدموا بيوتًا لم تتخذْ كمعاقل حربية، ولا يدمروا ما بها من أسباب الحياة، ولا يَمسوا الأشجارَ المثمرة والنخيل”.
وكلمة سيف لم تُذكر في القرآن الكريم ولا مرة واحدة، إن البلاد التي لم يشهد فيها تاريخ الإسلام حروبًا، هي التي يقيم فيها أكثر مسلمي العالم اليوم، مثل أندونيسيا والهند والصين وغيرها.
والدليل على ذلك وجود النصارى والهندوس وغيرهم إلى يومنا الحالي في البلدان التي فتحها المسلمون.
بينما لا يوجد مسلمون إلا القليل في البلدان التي استعمرها غير المسلمين. والتي كانت حروب إبادة جماعية وإجبار للقاصي والداني على اعتناق عقيدتهم كالحروب الصليبية وغيرها.
قال إدوار مونتيه مدير جامعة جنيف في محاضرة له:
“إن الإسلام دين سريع الانتشار، ينتشر من تلقاء نفسه دون أيِّ تشجيع تقدمه له مراكز منظمة، وذلك لأن كل مسلم مبشر بطبيعته، المسلم شديد الإيمان، وشدة إيمانه تستولي على قلبه وعقله، وهذه ميزة في الإسلام ليست لدين سواه، ولهذا السبب ترى المسلم الملتهب إيمانًا يبشر بدينه أينما ذهب وأينما حَلّ، وينقل عدوى الإيمان الشديد لكل من يتصل به من الوثنيين. وإضافة إلى الإيمان، فالإسلام تمشى مع الأحوال الاجتماعية والاقتصادية، وله قدرة عجيبة على التكيف بحسب المحيط وعلى تكييف المحيط حسب ما يقتضيه هذا الدين القوى”.
الخلاصة:
أنه لا مبرر ولا عذر لأي عمل إرهابي باسم الاسلام، والإسلام يبرأ من كل ما نسب إليه من افتراءات، وقتل الأبرياء جريمة سوف يحاسب عليها القاتل من خالق الكون.
المرجع:
كتاب لماذا الدين رحلة من الذاكرة. فاتن صبري