الاستبدال الكبير:
يتحدث غير المسلم اليوم عن نظرية تدعى بنظرية الاستبدال الكبير، والتي نشأت من خوف غير المسلم الشديد من انتشار الإسلام الكبير وازدياد أعداد المسلمين الملحوظ. مما أدى به إلى الاعتقاد أن هذه مؤامرة تريد الاطاحة به وتثبيت المسلم مكانه.
وقد أصبحت هذه النظرية ذريعة لقتل المسلم وتعذيبه أو تهجيره من بلده.
ولكن ما القصة؟
قالت لي سيدة فرتسية يوما:
الحجاب ليس من الأمور الطبيعية لدينا.
قالت أيضا:
غطاء الرأس تخلف ورجوع إلى الوراء.
قلت لها:
وهل يوجد وراء أبعد من زمن آدم؟ كشف الرأس هو الرجوع إلى الوراء بعينه، ثم مع تطور البشر كانوا يغطون أجزاء أكبر من أجسادهم. عودي إلى صور جدتك وهي في طريقها إلى المدرسة، وانظري ماذا كانت ترتدي؟
عندما ظهر مايوه السباحة لأول مرة، خرجت مظاهرات في أوروبا وأستراليا ضده لأنه مخالف للفطرة والعرف وليس لأسباب دينية، وعكفت شركات التصنيع على عمل إعلانات مكثفة باستخدام بنات في عمر الخمس سنوات لأن تظهر فيه في البداية لتشجع النساء على ارتدائه، وقد ظهرت أول طفلة تمشي به بخجل شديد، ولم تستطع الاستمرار في العرض. وقد كان النساء والرجال آنذاك يعومون بملابس سباحة تغطي كامل الجسد باللونين الأبيض والأسود.
قلت لها:
سوف أروي لك قصة رمزية لحاكم قرية من القرى، عندما أصيب بمرض خطير، وقد قُطِع على أثره أنفه بناءً على طلب من طبيبه الخاص، وفي اليوم التالي لقطع أنفه، دخل الوزير على الملك فضحك اندهاشاً من منظر الملك، فغضب الملك، وأمر الطبيب أن يقطع أنف الوزير، وفي اليوم الثالث، ضحك الوزراء المساعدين مندهشين من منظر الوزير، فغضب الوزير، وأخبر الملك بالذي حدث فأمر الملك أن يقوم الطبيب بقطع أنوف الوزراء. وفي اليوم الرابع خرج الحاكم مع الوزير والوزراء المساعدين لحل بعض مشاكل الشعب، فضحك الشعب عليهم، وأمر الملك حينها أن يقوم الطبيب أيضاً بقطع أنوف جميع الشعب وأنوف من يولد من الأطفال، وأصبح سكان القرية كاملة بلا أنوف، وعندما جاء لاحقاً شخص طبيعي بأنف سليم من قرية أخرى لزيارة قريتهم، أشار الجميع إليه بالبنان وقالوا: هذا له أنف إنه ليس إنساناً طبيعياً.
لكن الواقع هو أن من له أنف هو الطبيعي.
لقد تكفل الخالق بعودة الطبيعي دائما إلى المشهد حتى ولو بعد حين.
- الإيمان بأن لهذا الكون خالق عظيم هو الطبيعي.
- الإيمان بأن الخالق لا يتجسد في صورة إنسان أو حيوان هو الطبيعي.
- عبادة الخالق وحده بدون قديس ولا قسيس هو الطبيعي.
- عبادة الخالق بدون اللجوء إلى نبي الله محمد أو لأي فرد من آل بيته هو الطبيعي.
- الإيمان بجميع رسل الخالق من آدم إلى محمد بما فيهم موسى و المسيح عليهم الصلاة والسلام هو الطبيعي.
- ستر الجسم وعدم التعري هو الطبيعي.
- زواج الذكر بالأنثى هو الطبيعي.
- علاقات داخل نطاق الزواج هو الطبيعي.
- لا فرق بين أبيض وأسود ولا غني أو فقير هو الطبيعي.
و إذا لم يقم الإنسان المستخلف -أفراداً وجماعات- بواجبه الديني والأخلاقي؛ فإن الله عز وجل يستبدله، ويأتي بغيره، يكون هذا المستخلف قادراً على الوفاء بواجبه الاستخلافي، وهذا ظاهر جليا في قوله عز وجل:
“وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ“(محمد:38)
وهذه المهمة هي التي يرزق الله الإنسان فيها بالهواء والماء والطعام والشراب والصحة وغيرها من النعم، وهو أشبه بما يسمى دوليا (بدل الإقامة اليومي) لمن يسند إليه مهمة من مؤسسة معينة.
يشتمل بدل الإقامة اليومي (DSA) على إجمالي مساهمة المؤسسة في مثل هذه الرسوم مثل السكن والوجبات والإكراميات وتكلفة النقل من مكان الإقامة إلى المركز الأول للعمل الرسمي والعكس صحيح والمدفوعات الأخرى المقدمة للخدمات الشخصية المقدمة.
لكن عندما يفشل المكلف بالمهمة باتمام المهمة الموكلة إليه وينشغل بغير الهدف الموكل به، تقوم الشركة باستبداله.
وسنة الاستبدال هي سنة كونية.
اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (فاطر:43)
وتأتي السنن في القرآن الكريم باعتبارها؛ مجموعة القوانين التي يسير وفقها الوجود كله، وتتحرك بمقتضاها الحياة، وتحكم جزئيتها ومفرداتها، فلا يشذ عنها مخلوق. وما في الكون ذرة أو حركة إلا لها قانون وسنة، فكل الكائنات الحية من إنسان وحيوان ونبات، الخ، إلا ولها قانون.
وما من كوكب أو نجم، وإلا وله قانون لا إرادي أو لا ذاتي يسير وفقه. وما من حركة نفسية أو اجتماعية أو نقلة حضارية، إلا ولها قانون أيضاً يتجلى في الأسباب والعوامل المؤدية إليها. وبهذا المعنى تنقسم السنن إلى قسمين:
- سنن إجبارية: تجري على كل الكائنات الحية بما فيها الإنسان. وذلك كالولادة والموت والحياة وكالأوصاف الخلقية والحالات الفطرية للإنسان وكل ما في عالم الغيب بما اختصت به القدرة والمشيئة الإلهية من الأمور التي لا طاقة للإنسان بها.
- سنن اختيارية: وهي القائمة على مستوى إرادة الإنسان الداخلة في دائرة القدرة الإنسانية. وهذا النوع من السنن هو أساس نجاح الإنسان أو فشله في المشروع الاستخلافي الموكل له بوصفه خليفة لله سبحانه وتعالى، بتعبير آخر، فالإنسان لن يحقق مشروع الاستخلاف كما ارتضاه الله، ولن يبني الحضارة والعمران المنشود، إلا عن طريق فهمه للسنن الإلهية وتسخيرها، ومنذ تلك اللحظة أصبحت السنن هي القانون الوجودي والكوني والتاريخي الذي يحكم عمران الإنسان واستخلافه.
ولا يعني الاستبدال الإبادة وهلاك الاستئصال للأفراد؛ بل قد يحدث أن تتحلل المجتمعات وتنهار قوى الأمم، ويمحى أثرها الاجتماعي والسياسي في حياة الناس القائمة.
ومع ذلك فإن عدد أفرادها ونسبة سكان مجتمعات هذه الأمة قد لا تتغير بل قد يزيد، وقد ينقص بسبب اهمال مؤسسية الزواج، واللجوء للمثلية وغيرها من الأسباب.
لكنها تبقى أمم ممسوخة بلا ملامح ولا هدف.
فالمسلم الحق لا يتآمر ولا يخطط ولا يدبر للقضاء على عرق أو شعب، هو فقط مشغول بالمهمة الحقيقية التي تم تكليفه بها، وهي عمارة الأرض من خلال عبادة خالق الأرض، والخالق يتكفل بأمور تمكينه.
قال تعالى:
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ قَدِيرًا (النساء:133)
صناعة الجهل:
وضع مجموعة من العلماء خمسة قرود في قفص واحد، كما وضعوا في وسطه سلم، وفي أعلاه وضعوا بعض الموز، وقاموا بالتجربة التالية:
في كل مرة يحاول أحد القرود تسلق السلم لأخذ الموز، يقوم العلماء برش باقي القرود بالماء البارد.
وبعد عدة محاولات من القرود الخمسة تسلق السلم لأخذ الموز، فقد ظهر سلوك معين لدى القردة، إذ أصبحوا يقومون بمنع و ضرب كل قرد يحاول تسلق السلم حتى لا يرشهم أحد بالماء البارد.
وهكذا ترسخ السلوك بالقردة مع مرور الوقت، ولم يجرؤ أي منهم أن يصعد السلم لأخذ الموز، خوفا من الضرب، بعدها قرر العلماء أن يقوموا بتبديل أحد القرود الخمسة و يضعوا مكانه قردا جديدا.
ومن الطبيعي أن أول ما يقوم به القرد الجديد هو محاولة صعود السلم ليأخذ الموز، لكن على الفور فإن الأربعة قردة الباقين يضربونه ويجبرونه على النزول.
بعد عدة مرات من الضرب يفهم القرد الجديد بأن عليه أن لا يصعد السلم مع أنه لا يدري ما السبب.
قام العلماء أيضا بتبديل قرد آخر من القدامى بقرد آخر جديد، وحل به ما حل بالقرد البديل الأول حتى أن القرد البديل الأول شارك زملائه بالضرب و هو لا يدري لماذا يضرب، وهكذا حتى تم تبديل جميع القرود الخمسة الأوائل بقرود جديدة، حتى تم تغيير كافة القرود الأولى وصار في القفص خمسة قرود جديدة لم يرش عليهم ماء بارد أبدا، ولا يعرفوا شيء عن ذلك الماء البارد، لكنهم استمروا بنفس السلوك، إذ كانوا يضربون أي قرد تسول إليه نفسه صعود السلم دون أن يعرفوا ما السبب.
للأسف هذا ما تصنعه المجتمعات اليوم، فهم يحاولون دائما أن يجعلوا البشر جهلة، وهم في بادئ الأمر يفعلون هكذا دون أن يعلموا لماذا يفعلون هذا ولكنهم يخطون خطى السابقين.
كثير من الناس يتطبعون بهذا الطبع مثل القرود تماما وهذا هو الجهل بعينه.
هناك تصرفات عديدة في حياتنا، في منازلنا، في أماكن العمل، في محيطنا، و لا نعلم الأسباب الحقيقية من ورائها، ومع ذلك، فهناك من يستميت دفاعاً عنها بالرغم من عدم معرفته بالدوافع الحقيقية لها.
- يتوسل بعض البشر اليوم بحيوان أو صنم ولا يدري لماذا يفعل هذا.
- يلجأ البعض للقديس والقسيس ويستغيث بالأموات ولا يعرف لماذا.
- يشكر بعض البشر غير الخالق على النعم التي تحيطه والتي هي هبة من الخالق ولا يعرف لماذا.
- يتزوج الذكر بالذكر والأنثى بالأنثى ولا يعرفون لماذا.
- يتزوج بعض البشر بالحيوان ولا يعرف لماذا
- يهاجم بعض البشر من سترت جسدها ويمجد من عرت نفسها من الثياب ولا يعرف لماذا.
هنا يجب على الإنسان أن يسأل نفسه حين يتصرف بسلوك ما. لماذا أتصرف هكذا؟ حتى يتبين له مكامن الخطأ ويتبين له السلوك الصحيح من السلوك الخاطئ، فلابد للإنسان من أن يبحث عن ذاته، ويستخدم العقلانية التي ميزه الله بها عن الحيوان قبل فوات الأوان.
كتاب لماذا الدين؟ رحلة من الذاكرة
فاتن صبري
مقال:
القرآن الكريم والتاريخ الإنساني: مناهج المراجعة وسنن الاستبدال
محمد الناصري
حسن يوسف
مقال رائع
بارك الله فيك
Admin
وفيكم بارك