بدأت فكرة الإيمان بإله واحد أحد كمفهوم لاهوتي في مرحلة مبكرة جدًا من التاريخ. منذ زمن آدم عليه السلام، فنجد هذا الإعتقاد قد سبق بآلاف السنين فكرة الإيمان بالثالوث الذي لم يُذكر في تعاليم أنبياء الله كإبراهيم وموسى و لا حتى تعاليم المسيح نفسه. فقد حمل الأنبياء جميعهم نفس الرسالة لكل الشعوب.

رسالة بسيطة صريحة تعد شرط الخلاص والنجاة بعد الموت وهي: الإيمان بإله واحد أحد، والذي ليس له شريك ولا ولد (الخالق)، وعبادته وحده . وقد كان سبيل الوصول إلى الخلاص لكل أمة من الأمم هو: رسولها، عن طريق تصديقه واتباع تعاليمه والإقتداء به، وليس بعبادة الرسول نفسه أو باتخاذ واسطة بين الإنسان وخالقه من (صنم أو قديس أو قسيس، …إلخ).

فمن حق الخالق أن يُعبد وحده، ومن حق كل إنسان أن تكون له علاقة مباشرة بالخالق دون وسيط.

كان نبي الله إبراهيم عليه السلام جد يهوذا الذي انتسب إليه اليهود، واليهود كان لديهم إيمان راسخ باله واحد. فقد علَّم يهوذا قومه الدين الذي كان عليه جده نبي الله إبراهيم وسائر الأنبياء قبله، وهو التوحيد الخالص (الإيمان بإله واحد وتوحيده في العبادة).

وهذا هو أدق تعريف للإسلام، فهو الدين الذي بدأ منذ النبي آدم وخُتم مع النبي محمد آخر الأنبياء.

سعى المسيح عليه السلام كأحد هؤلاء الأنبياء الأتقياء لهداية قومه للدين الحق. فقد جاء المسيح لتصديق رسالة موسى عليه السلام .

“لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمّل”. (متى 5: 17)

فنجد أنه من الصعب جدًا التوفيق بين الرسالة الأصلية للمسيح – النبي البشري المكرم الذي دعى إلى عقيدة التوحيد في القدس- وبين عقيدة التثليث التي تقول بأن المسيح هو الإله و/أو ابن الإله المعلنة في مجمع نيقية بعد ثلاثة قرون من رفع المسيح. ووفقًا لما ذُكر عن المسيح :

فأجابه يسوع: أن أول كل الوصايا هي، اسمع يا إسرائيل. الله إلهنا رب واحد”. (مرقس 12: 29)

“وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته”. (يوحنا 17: 3)

ووفقًا ل “ويل ديورنت”، فإن عقيدة الثالوث التي تم التأكيد عليها في القرن الرابع بعد الميلاد لا تحمل أي تشابه مع التعاليم الأصلية للمسيح. وهذا يُعد إنحرافًا كاملاً عن تعاليمه.

ويل ديورنت:

“عندما غزا النصارى روما، فإن الدين الجديد (النصرانية) تداخل مع أصول الدين الوثني القديم؛ مثل لقب المطران وعبادة الأم والإبن، وعدد لا يحصى من الآلهة التي تبعث الطمأنينة. كل هذا دخل إلى النصرانية كما يدخل دم الأم إلى جنينها. وقد سلمت الإمبراطورية المتحضرة السلطة والإدارة إلى البابوية، واستُبدل تأثير الكلمة بتأثير السلاح. وبدأ وعاظ الكنيسة يأخذون مكانتهم في السلطة، وبدلاً من أن تضع النصرانية حدًا للوثنية، أكدت عليها، فعادت العقيدة الرومانية متمثلة في شرائع وعقائد الكنيسة والقديسيون الرهبانيون.”

إن عقيدة الثالوث المقدس وفكرة عبادة الأم والطفل وفكرة الوحدة الروحية للرب جاءت من مصر وأدت إلى ظهور مذهب الأفلاطونية واللاأدرية ومحو العقيدة النصرانية.

ازدهرت الديانة الميثرائية في بلاد فارس قبل حوالي ستة قرون من ميلاد المسيح والتي وصلت إلى روما بعد ميلاد المسيح بحوالي 70 سنة وانتشرت في الأراضي الرومانية، ثم وصلت إلى بريطانيا وانتشرت بعدها في عدد من المدن البريطانية.

 كان ميثرا وسيطاً بين الله والإنسان (كما في العقيدة النصرانية).
 ولد في كهف أو في زاوية من الأرض.
 ولد يوم 25 ديسمبر (وهو يوم عيد للنصارى باعتباره يوم ميلاد المسيح).
 كان له إثني عشرة تابع.
 مات من أجل إنقاذ العالم.
 دُفن لكنه رجع مرة أخرى إلى الحياة.
 أُطلق عليه المخلص.
 كان من بين ألقابه “الحمل”.
 من بين رموزه التعميد.
 كان يوم الأحد مقدس لديه.

ماذا يقول علماء الإنجيل عن الثالوث؟

جوزيف ليون:

“كان مفهوم الثالوث موجودًا في الفلسفة اليونانية، وخاصة في الأفكار الفارسية الجديدة، والتي أخذت من بلاتو قواعد فكرة الثالوث كرؤيتة عن خالق الكون، ثم تطورت إلى مدى بعيد بحيث أصبح التشابه كبيرًا بين هذه الفكرة والنصرانية. لذلك فإن من وجهة نظرهم أن الخالق هو الذي له الكمال المطلق، وقد اتخذ واسطتين بينه وبين البشر، وهما منبثقين وجزء منه

في نفس الوقت، والذي يعني أن كلاهما يحويان ذاته. وهذان الكيانان يُعدان أرواحًا إلهية “.

ثم قال:

“إن اقتران المعتقد اليهودي مع الفلسفة اليونانية لم تنتج فلسفة فحسب، بل أنتجت دينًا أيضًا وهو: “النصرانية “، التي تشربت أفكارًا عديدة من اليونانيين. فالمفهوم النصراني عن الألوهية مأخوذ من نفس مصدر الأفلاطونية الحديثة، وبالتالي تُوجد العديد من التشابهات بين الإثنين، على الرغم من أنهم قد يختلفوا في التفاصيل. حيث يعتمد كلاهما على عقيدة الثالوث والتي تشير إلى ثلاثة ذوات في واحد”.

وقد أخبر الله تعالى عن هذا الأمر في القرآن الكريم بقوله:
“.. وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ..” القرآن (9:30)

دريبر:

“إن الوثنية ومذهب تعدد الآلهة، دخلا في النصرانية من خلال تأثير المنافقين الذين احتلوا مراكز التأثير والمراكز العليا في دولة روما بادعائهم النصرانية، ولكنهم لم يهتموا بأمور الدين ولم يكونوا مخلصين أبدًا. وبنفس الطريقة قضى قسطنطين حياته في الظلام والشر ولم يتبع أوامر الكنيسة باستثناء فترة قصيرة في آخر حياته”.

الفقرة الوحيدة في الإنجيل التي يُمكن أن تؤخذ كدليل على الثالوث:
 “فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد. والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة الروح والماء والدم والثلاثة هم في الواحد”. (يوحنا الأول 5: 7-8 نسخة الملك جيمس)
وعلى الرغم من ذلك، فإنه من المعروف جيدًا أن هذه الفقرة قد أضافتها الكنيسة مُؤخرًا.

“…، هذا يمثل الحالة الأكثر وضوحًا للفساد المدفوع لاهوتيًا في المخطوطات التقليدية للعهد الجديد”.
هذه الفقرة تعد من التعديل اللاتيني الذي وجد طريقه في الترجمة اليونانية للإنجيل على الرغم من عدم وجوده في آلاف النسخ الإنجيلية الأخرى.

بارت إيهران:

تعرف هذه الفقرة جيدًا بلقب خاص أُطلق عليها وهو” الفاصلة اليوحناوية”. وقد جاءت تراجم الإنجيل الحديثة من مخطوطتين:

 المخطوطة السينائية والتي أجري عليها تعديلات أكثر من أي مخطوطة أخرى في التاريخ الإنجيلي وقد بلغ عددها (14800 تعديل).
 المخطوطة الفاتيكانية والتي صدرت في الفاتيكان.

ولم تحوي أيا من هاتين المخطوطتين الفاصلة اليوحناوية. كما لم تُذكر في أي من تراجم الإنجيل الحديثة، إلا في نسخة الملك جيمس الجديدة، وأُضيفت إليها لتتماشى مع نسخة الملك جيمس القديمة. ومن المُمكن أن يكون هذا بسبب أن نسخة الملك جيمس للعهد الجديد تم تجميعها من 5000 نسخة من نسخ المخطوطات الأصلية التي اندثرت منذ فترة طويلة. وقد عثر على هذه الفقرة المُضافة في نسخة واحدة فقط من 5000 نسخة إضافية. وبالتالي لا يعترف بهذه الفقرة كبار علماء الدين النصراني.

وفي نسخة الملك جيمس، نجد هذه الفقرات:

“(7) فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد. (8) والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة الروح والماء والدم والثلاثة هم في الواحد.” (يوحنا الأول 5 :7-8)

توماس نيلسون:

” تم الاتفاق الآن على أن هذه االفقرة التي يُطلق عليها الفاصلة اليوحناوية عبارة عن تعليق دخل إلى النص من اللاتينية القديمة والنسخة اللاتينية للإنجيل قديمًا، لكن وَجد طريقه في النص اليوناني فقط في القرنين الخامس والسادس عشر”.
إن الفقرة المذكورة في إنجيل يوحنا (5: 7-8) في النسخة الدولية الجديدة ومعظم تراجم الإنجيل الأخرى نجدها:
“(7) فإن الذين يشهدون ثلاثة: (8) الروح والماء والدم وهؤلاء الثلاثة هم واحد”.

تعد “Novum Instrumentum omne” لديسيدريوس إيراسموس أول نسخة للعهد الجديد صدرت في اليونان ، ولم تذكر الفاصلة اليوحناوية المعيبة المذكورة في يوحنا5: 7-8 في إصدار عام 1516 أو 1519. وعلى الرغم من ذلك فإنها وجدت طريقها في الإصدار الثالث في عام “1522 “بسبب الضغط المُوجه من الكنيسة الكاثوليكية.

لذلك دخلت الفاصلة إلى العهد الجديد اليوناني لستيفانوس عام ١٥٥١ (أول عهد جديد بالفقرات) والذي أطلق عليه النص المتلقى، والذي أصبح قاعدة لنسخة جنيفا للعهد الجديد عام ١٥٥٧، ونسخة كنج جامس الموثقة عام 1611.

وعندما نشر الإصدار الأول عام ١٥١٦، أثار ضجة كبيرة على غياب الفاصلة التي جادل من أجلها إيراسموس مدافعًا عن نفسه، أنه لم يضف المعادلة الثلاثية المذكورة في الفاصلة لأنه لم يجدها في أي من المخطوطات اليونانية. ومنذ أن صدرت -المخطوطة 61- والتي كتبها روي أو فرويد في أكسفورد 1520، اضطر إلى إضافتها في الإصدار التالي. وربما غير إيراسموس النص بسبب القلق السياسي اللاهوتي الاقتصادي، فلم يرد أن تُحطم سمعته ويؤثر على بيع كتابه الجديد.

بنجامين ويلسون:

“هذا النص الخاص بالشهادة لم يُذكر في أي من المخطوطات اليونانية، والتي كُتبت قبل حوالي خمسة عشر قرنًا. فلم يذكرها أحدًا من الكتاب الإكلركيين؛ ولا من آباء اللاتينية، ولذلك تبدو بوضوح أنها زائفة “.

وقد رفض مارتن لازر إضافة هذه الفقرة في ترجمته الألمانية للإنجيل 1545. لكن في عام 1574 أضافها الطابع فيرابيند في الإصدار الأخير لترجمة لازر.

إيدوارد جيبون:

“إن كل المخطوطات الموجودة حاليًا البالغ عددها الثمانون، يرجع بعضها إلى أكثر من 1200 عام، وأصبحت نسخ الارثوزكس الخاص بالفاتيكان وروبرت ستيفنز مخفية؛ ولا يمكن استثناء مخطوطي دابلين وبرلن. وفي القرن الحادي والثاني عشر، قام بتصحيح الإنجيل كلا من لان فرانك، رئيس أساقفة كأنتربيري، ونيكولاس، وكاردينال وأمين مكتبة الأحد في الكنيسة الرومانية.

وعلى الرغم من هذه التصليحات، فإن النص لايزال مفقودًا في خمسة وعشرين مخطوطة لاتينية تُعد الأقدم والأعدل؛ وهما ميزتان نادرًا ما يجتمعان إلا في المخطوطات. وقد تم تثبيت النص في عهودنا اليونانية “.

إن اكتشافات جيبونز قد دعمها المعاصرون كالعالم البريطاني البارز ريتشارد بورسون، الذي عمل على نشر أدلة ختامية،

على أن فقرة (يوحنا الأول 5: 7) قد أضافتها الكنيسة في عام 400 بعد الميلاد.
وعلى الرغم من إجماع أكثر علماء النصرانية أن هذه الفقرة تعد مما أدخلته الكنيسة مؤخرًا، فإنه لم يتم منع تواجد النص في الأناجيل الحديثة.

وحتى يومنا هذا، فإن الإنجيل الذي بين أيدي معظم النصارى كنسخة الملك جيمس مازال يحوي هذه الفقرة باعتبارها كلام موحى من الله بدون أي هامش، مع أن هناك إجماع من علماء النصرانية البارزين بأن هذه الفقرة تعد من الإختلاق المتأخر.

كانت المخاوف من الاستجوابات التي أعادت إسحاق نيوتن إلى كشف هذه الحقائق علنًا. ووفقًا لنيوتن فإن هذه الفقرة ظهرت لأول مرة في الإصدار الثالث في العهد الجديد لإيراسماس (1466-1536).

كما أن النص الموجود في (يوحنا الأول 5: 7) موجود فقط في ثماني مخطوطات يونانية. فهذه المخطوطات تحوي الفقرة كترجمة من النصوص المنقحة من النسخة اللاتينية للإنجيل. وأربعة من النسخ الثمانية تحوي هذه الفقرة كقراءة مختلفة مكتوبة في الهامش لتحديدها كإضافة مؤخرة إلى المخطوطة.
ولم ينقل هذا النص أيًا من الآباء اليونانيين، مما يؤكد أنه تم اعتمادها في الخلافات الثالوثية. وكان ظهورها الأول في اليونان في نسخة يونانية لقوانين مجمع لاتيران (اللاتيني) عام 1215.

وعلاوة على ذلك، فإن النص لم يوجد في مخطوطات النسخ القديمة كلها مثل (السريانية والقبطية والأرمنية والأثيوبية والعربية والسلافية)، باستثناء النسخة اللاتينية؛ كما أنها لم توجد في النسخة اللاتينية القديمة في شكلها القديم (ترتيليان قبرصي أوغاسطن)، أو النسخة اللاتينية للإنجيل.

لوف بوورو:

“لم تظهر كلمة الثالوث في أي مكان في نسخ الكتاب المقدس، والنص الأساسي الذي من المفترض أن يشير إليه هو (يوحنا الأول 5: 7) الذي يعد إدخالاً “.
في الحقيقة إن هذا النص لا يعد” حجة دينية قوية” على أي حال. فلا يظهر النص في أي من المخطوطات اليونانية القديمة التي ترجع إلى ما قبل القرن الثالث عشر تقريبًا بعد الميلاد. فعلى الرغم من دخولها إلى الترجمة الأصلية للملك جيمس إلى الإنجليزية عام ،1611 فإنه بعيد الاحتمال كثيرًا عن وجودها في النسخة الأصلية ليوحنا وكأنه كتبها.

دينيس فورتين:

“إن العهد الجديد لا يحوي أي نص صريح عن الثالوث غير ما ذُكر في يوحنا 5:7، والتي تم رفضها باعتبارها إضافة للنص من القرون الوسطى”.

عندما قام ثلاثة وعشرون عالمًا بالإنجيل مَدعمون من خمسين طائفة نصرانية معًا بجمع النسخة القياسية المنقحة للإنجيل اعتمادًا على أقدم المخطوطات الإنجيلية المتاحة لديهم اليوم، كانت هناك بعض التغيرات الواسعة جدًا، ومن بينها كان الرفض غير الرسمي باعتبار نص يوحنا الأول 5: 7إضافة مختلقة، والتي لا تنتمي مطلقًا إلى كلام الله. وعلى أي حال فإن هذه الإضافة لا تؤكد على عقيدة الثالوث. فهي إضافة غير شرعية تُمثل الأب والكلمة والروح القدس كشهود. فهي لا تقدم شرحًا عن شخصية كل من الثلاثة.

إن كلمة (الثالوث) لم يكن لها استخدام شائع كلفظة دينية حتى بعد مجمع نيقيا في الخامس من شهر مايو 235 بعد الميلاد، فقد كانت بعد قرون عدة من اكتمال آخر كتاب للعهد الجديد، وفي الحقيقة لم يكن مصطلحًا إنجيليًا، فقد أثبت نشأته من عبادة الشمس الوثنية.

وقد ذكر جيمس وايت عددًا من النصوص المنافية للثالوث، ولم يغير أبدًا موقفه اتجاه عقيدة الثالوث حتى في سنة وفاته عام 1881 عندما قال: ” إن الأب كان أعظم من الإبن في كونه أولاً “.

مراجع:

دربير.تاريخ الصراع بين الدين والعلم، للعالم الانجليزي جون ويليام.

“جوزيف ليون ،مستشرق فرنسي.”مقدمة عن الفلسفة الإسلامية .

بارت ايهران.نشر عام 1996.صفحة 116. عالم أمريكي في العهد الجديد. الفساد الأرثوذكسي للكتاب المقدس

.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *