يقول العلم الحديث مؤحرًا بحقيقة وجود بداية ونهاية للكون، وهذا حسب العلم التجريبي. والذي هو دائم التغير. هذه الحقيقة الذي جاء بها الدين اﻹسلامي قبل العلم بأربعة عشر قرنًا من خلال اقراره بوجود خالق للكون وحتمية لقاء الخالق بعد الموت للحساب.  مما يدحض فلسفة تناسخ الأرواح.

إن كل ما في الكون يقع تحت هيمنة الخالق، فهو وحده يمتلك المعرفة الشاملة والعلم المطلق والقدرة والقوة لإخضاع كل شيء لإرادته. فالشمس والكواكب والمجرات تعمل بدقة متناهية منذ بدء الخليقة، وهذه الدقة والقدرة تنطبق نفسها على خلق البشر. فلو تأملنا الانسجام الموجود بين أجساد البشر وأرواحهم لتبين لنا أنه من غير الممكن جعل هذه الأرواح تسكن في أجساد الحيوانات ولا يمكنها التجول بين النباتات والحشرات (تناسخ الأرواح).

ميز الله الإنسان بالعقل والمعرفة وجعله خليفة في الأرض وفضله وكرمه ورفع من شأنه على جميع الخلائق. ومن عدل الخالق وجود يوم القيامة والحساب والجنة والنار لأن كل الأعمال الصالحة والسيئة سوف تُقاس وتُوزن في هذا اليوم.

قال تعالى:

فمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ  (الزلزلة: 7-8).

إذًا، الحياة الدنيا بداية لرحلة أبدية يستأنفها الإنسان بعد الموت بالبعث والحساب ومن ثم الجزاء، ويعتبر الإسلام أن وجودنا في هذه الدنيا هو لهدف وغاية سامية وهي معرفة الله عز وجل، وعبادته والتوجه إليه مباشرة.

كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (آل عمران: 185).

في حوار لي مع مجموعة من شباب بوذيين يدافعون عن مفهوم تناسخ الأرواح، حيث قلت لهم:

هل تقبل إدارة أيّ مَدرسة أو جامعة لأيٍّ مِن تلاميذها، أن يُكمل أحدًا عنه الاختِبار عند انتهاء الوقت المحدد؟ الحياة هي ورقة اختبارك.

لماذا لا يولد الرضع بنفس القدرات العقلية للبالغين؟

لماذا أعداد الكائنات يزيد باستمرار؟ أليس من المفروض أن يثبت أعداد الكائنات بناء على مفهوم تناسخ اﻷرواح؟

لماذا لا يوجد من يتذكر حياته الماضية؟

ألم يكن هناك فترة من الزمان بلا كون؟

ألم يكن هناك  فترة من الزمان تحتوي على كون بلا كائنات؟

ألم يكن هناك  فترة من الزمان تحتوي على كون بكائنات قليلة؟

لماذا يؤدي الهندوسي طقوسًا دينية لتسكين أرواح الموتى (شرادة) ما دامت الروح تنتقل من جسد إلى آخر؟

ألا تبرر عقيدة تناسخ اﻷرواح فعل الجرائم، لأن اﻹنسان حتمًا سيخلص في ولادة قادمة من الولادات، وعليه الاستمتاع بهذه الولادة؟

أرواح الأشجار تختلف عن أرواح الإنسان، فكيف تختار روح الإنسان صورة الأشجار؟ وإذا سلمنا بأن أرواح الإنسان اختارت أجسام الحيوانات فأصبحت متغيرة بأصلها فيكون العذاب للصورة المتغيرة لا لأرواح البشر المخطئيين.

الأشجار والحيوانات نعمة من الخالق للإنسان يستفيد منها في حاجاته الدنيوية، فلو كانت جزاء لذنوب العباد من خلال تجسد أرواح البشر فيها، فكأن ذنوب البشر أصبحت ضرورة حتمية لاستثمار الأشجار والحيوانات.

يستلزم من عقيدة تناسخ اﻷرواح أن يساء الظن بالفقراء والمرضي وأصحاب العاهات، وكأنهم وصلوا إلي هذه الحالة السيئة بسبب ارتكابهم الذنوب والمعاصي في الحياة السابقة مما يؤدي إلى الطبقية.

ما الأصل في بداية الولادة، الإنسان أم الحيوان؟ إذا كان الأول، فما هي الحسنة التي جاء بها في أول الولادة ؟ وإذا كان الثاني فما هي السيئة التي ارتكبها؟ لأنكم تقولون أنه جزاء للأعمال السابقة.

فالحياة الدنيا لا يمكن أن تصلح للمحاسبة المجرم، إذ أن أقصى عقوبة له في الدنيا (وهي: قتله) ليست إلا قصاصًا لحياة بشرية  واحدة تسبب في قتلها، ومن ثم ماذا عن باقي الأنفس البشرية التي لم يؤخذ لها حقّها ولم يقتص لها منه؟!

عندما يعرِّض الإنسان نفسه للقتل من أجل إنقاذ حياة إنسان آخر (عند الدفاع عنه)، فإن هذا السلوك يُعد سلوكًا أخلاقيًا طيبًا ومحمودًا. فهل تحلي الإنسان بالخُلُق الحسن كافيًا لأن يجعله يُعرض نفسه للقتل من أجل إنقاذ شخص آخر؟

هل من المنطقي أن يخسر الإنسان حياته من أجل التحلِّي بالخلق الحسن فحسب، ومن ثم لا يكون هناك مكافأة لهذا العمل الكبير الذي قام به؟ أم أن يبذل الإنسان نفسه وحياته احتسابًا للخالق وانتظارًا لمكافئته له، وذلك لأن الخالق قد حثّ الإنسان على ذلك. لا شك أن الإجابة المنطقية هي: أن يبذل الإنسان نفسه وحياته عملاً بما حثّه الله تعالى عليه.

إن الإنسان الذي یشاهِد ما في هذه الحیاة من نقائص، ومن ظلم الناس لبعضهم البعض، لا يقتنع بأن الحیاة يمكن أن تنتهي بنجاة الظالم وضياع حق المظلوم. بل إن الإنسان يشعر بالراحة والطمأنينة عندما تُطرح عليه فكرة وجود البعث والحياة الآخرة والقصاص. لا شك أن الإنسان الذي سوف يُحاسَب على أعماله، لا يمكن أن يُترك دون توجیه وإرشاد، وبدون ترغیب أو ترهیب، وهذا هو دور الدين.

الدين الصحيح هو:

الاعتراف بخالق الكون الذي ليس له ولد ولا شريك، وأنه هو المعبود الحق، والذي لا يتجسد في صورة إنسان ولا حيوان، ولا يتحد مع مخلوقاته. وعلى الجميع التواصل مع هذا الخالق مباشرة وليس من خلال قديس ولا  قسيس. والاعتراف بيوم آخر يحاسب الخالق فيه البشر على أعمالهم. ونستطيع أن نعيش بسلام ونحصل على دين عالمي بهذه الطريقة فقط.


من كتاب دين عالمي

فاتن صبري

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *