قال لي ياباني بوذي يومًا:
تعتمد تعاليم بوذا كليًا على عدم العنف نحو أي مخلوق حي non-violence ولذلك لا تتبني البوذية مشروع القصاص كالإسلام (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) (البقرة 179).
تشجع البوذية أتباعها أن يمتنعوا عن إيذاء أو جرح أو قتل المخلوقات الأخرى. وعقاب القاتل لا يكون بالقتل بل بالتأهيل rehabilitation.
قال بوذا: “إذا أساء إليّ أحدٌ من الناس، سوف أرد إساءته بالحب من جانبي، وكل ما كثر الشر من جانبه، كلما كثر حسن النية من جانبي”.
حتى في حالة الدفاع عن النفس لا يباح للراهب البوذي أن يقتل.
وقد قال بوذا: “حتى لو قطّعك اللصوص عضوًا عضوًا بمنشار ذي شفرتين، فإن فكرت بعقلك أن ترد العدوان، فأنت لم تتبع تعاليمي”.
قلت للسائل:
تخيل نفسك تعود لمنزلك وتجد أفراد أُسرتك قد قُتلوا على يد أحدهم بهدف السرقة أو الانتقام مثلاً، وجاءت السُلُطات لتقبض عليه وتحكم عليه بالسجن لمدة معينة، طويلة كانت أو قصيرة، يأكل فيها وينتفع بالخدمات الموجودة في السجون، والتي تُساهم بتوفيرها أنت بنفسك عن طريق دفع الضرائب.
قلت له مُستطردة:
ماذا سوف تكون ردة فعلك في هذه اللحظة؟ سوف ينتهي بك الأمر للجُنون، أو الإدمان على المخدرات لتنسى آلامك. إن الموقف نفسه لو حدث في دولة تُطبق الشريعة الإسلامية، سوف يكون تصرف السُّلطات مُختلف، سوف يأتون بالمُجرم إلى أهل المجني عليهم، لإعطاء القرار في شأن هذا الجاني، إما أن يأخذوا بالقصاص، وهو العدل بعينه، أو دفع الدية وهي المال الواجب بقتل آدمي حرٍّ، عوضًا عن دمه أو العفو، والعفو أفضل كما جاء في القرآن الكريم.
– “وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” . (التغابن :14)
قلت مستطردة:
بخصوص محبة اﻷعداء فلا تكليف بغير مقدور، حسب الدساتير العالمية.
لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ … (البقرة:286)
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( التغابن:16)
الخالق يعلم ما يقدر عليه الإنسان لأنه خالقه ويعرف طبيعته.
أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (الملك:14)
علميًا فإنه ليس بمقدور الإنسان التحكم في عملية الحب والكره. فلقد فُطر الإنسان على حب من يحسن إليه وعلى كره من يسئ إليه.
هل يحب اﻹنسان من قتل ابنه أو من اغتصب زوجته؟
قدم لنا اﻹسلام بديلاً منطقيًا و عمليًا لوصايا بوذا وهي:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ( المائدة:8)
بمعنى أن لا تحملكم عداوة شخص على ظلمه، بل عاملوا الجميع بالعدل.
فلا يطالبنا اﻹسلام بحب من اعتدى علينا بالظلم، ولكن يطالبنا بعدم ظلمه.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ( النساء:135)
أذكر أنني كنت معجبة بكتاب لشخص ما جدًا وكنت على يقين من الفائدة التي قد تعم على البشر من هذا الكتاب. وقد تعرضت لظلم كبير من هذا الكاتب لدرجة أنني بكيت من شدة الظلم، وجاءني من استغل هذا الموقف واستغل كوني أحد أعضاء لجنة لقبول كتاب هذا الظالم للتكفل بالنشر والتوزيع، وطلب مني أن أُصوت برفض الكتاب.
فتذكرت اﻵية الكريمة:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ….
و أعطيت صوتي بقبول الكتاب في الحال. وهذا ما يجعلني فخورة بتعاليم هذا الدين العظيم.
قال تعالى:
وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (فصلت:34)
هل جاء الدين ليعيش الإنسان عزيزًا أم ذليلاً؟ الإنسان عزيز بدينه، هل أطبق ديني لأُذل؟
أوامر الله فيها عز.
قال تعالى:
… وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (البقرة:190)
ولكن قبل ذلك دافع عن نفسك ولا تدع أحد يهينك.
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ … (البقرة:190)
والدفاع عن النفس من الحقوق المشروعة عالميًا، ومن قتل غبره بهدف الدفاع عن النفس يكون عقابه مخففًا في هذه القوانين الوضعية.
لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (آل عمران:186)
وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ( الشورى:40)
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (اﻷعراف:199)
قال السائل:
فعلاً تعاليم دينكم عظيمة ومنطقية.
واستطرد قائلاً:
لقد حذرنا بودا من سوء النية في طلب الأشياء، وذلك من تمكين اللذات في النفس، فإن الغرض الفاسد يتحكم في طلب الإنسان للأشياء، فلا يصير واضح المقصد بين الغاية لما له من مآرب يطلبها ويسترها، وغايات تدفعه ولا ينالها، ويدفعه إلى الكتمان رغبة نيلها.
قلت له:
وهذا ما قاله خاتم رسل الله محمد تمامًا.
( إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امريء مانوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه ) رواه البخاري ومسلم في صحيحهما.