قال لي أحدهم يومًا:

إن الحروب في الإسلام كانت لإجبار غير المسلمين على الدخول في الإسلام، وأن الذين اعتنقوا الإسلام دخلوا فيه بالإكراه والقهر، لا عن اقتناع وتسليم.

قلت له:

من أجبر التتار على دخول الإسلام، وهم المنتصرون في المعركة؟

هل يعتنق المنتصر دين المغلوب مجبرًا؟

ألم يرحب أقباط مصر بالمسلمين واعتبروهم محررين لهم من اضطهاد الرومان؟

بل وساعدوهم على دخول البلاد للتخلص من سيطرة الرومان.

أليس الصحابي عمرو بن العاص  هو من أعاد إلى بطريرك القبط في بلاد مصر كنائسه ورفع الظلم عنه بإعادته إلى مزاولة عمله، عندما كان مضطهدًا من الرومان وهاربًا من بطشهم؟

قال السائل:

لكن المسلمون قد قاموا بفرض الجزية على الأقباط.

قلت له:

يقر دين الإسلام بأن غير المسلمين الذين يعيشون تحت الأرض الإسلامية يمكنهم أن يعيشوا وفقًا لقوانينهم الخاصة. لا يمكن للمسلمين فرض دينهم على غير المسلمين. لا تستطيع الدولة الإسلامية إجبار غير المسلمين على أداء أي واجب ديني يخص المسلمين فقط. عليهم أن يحترموا أن غير المسلمين لديهم دين مختلف.

قال الخالق في سورة الكافرون:

  1. قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ
  2. لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ
  3. وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ
  4. وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ
  5. وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ
  6. لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ

وفقًا للعهد الجديد ، يجب دفع الضريبة لمن يستحقها.

فَأَعْطُوا الْجَمِيعَ حُقُوقَهُمُ: الْجِزْيَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِزْيَةُ. الْجِبَايَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِبَايَةُ. وَالْخَوْفَ لِمَنْ لَهُ الْخَوْفُ. وَالإِكْرَامَ لِمَنْ لَهُ الإِكْرَامُ. رومية 13: 7)

لذلك، عندما يستخدم غير المسلمين الوظائف الحكومية والشوارع والأمن على سبيل المثال، يتعين عليهم دفع ضريبة استخدام هذه الخدمات، إلخ ، لكي تدير الحكومة شؤونهم وتقدم الخدمات غير الإسلامية لهم. بالإضافة إلى ذلك، إذا لم تستطع الحكومة الإسلامية توفير الأمن لهم، على سبيل المثال، في هذه الحالة، لا يمكنها أخذ الضريبة منهم.

قلت له أيضا:

وإن فرضوا الجزية على المقاتل فقط وليس على جميع أفراد المجتمع من الأقباط مقابل الحماية واعفائه من خوض الحروب معهم، لكنها تبقى مبلغًا ضيئلاً جدًا في واقعه وقياسًا على مبلغ الجزية الذي كانوا يدفعونه عن كل أفراد الأسرة وبمبالغ باهظة للدولة الرومانية.

بينما يدفع المسلم۵ ، ۲٪ من مدخراته على كل فرد من أفراد الأسرة، وهو أكبر من مبلغ الجوية بكثير.

وهي ما يشبه الضريبة التي أقرها القانون العالمي اليوم مقابل توفير الخدمات والحماية من الدولة لمواطنيها.

قال المؤرخ الهولندي “رينهاردت دوزي”[30]:

“لقد كان غالبية النصارى في الشرق ينتمون إلى مذاهب متعددة، كانت قد لقِيت من اضطهاد حكومة القسطنطينية وإعناتها ما أرهق أصحابها إرهاقًا، فلما جاء الإسلام – ومن طبيعته التسامح والإخاء – ترك لهم الحرية التامة في البقاء على دينهم، وظَلَّلهم بحمايته، وساوى بينهم في الحقوق على اختلاف مَذاهبهم، وبما أنهم كانوا مضطرين إلى دفع ضرائب فادحة للإمبراطور الروماني، فقد أعفاهم الإسلام منها، ولم يفرض عليهم إلا جزية معتدلة لا ترهق أحدًا”.
قلت له مسترسلة:

ألم يرفض عمر بن الخطاب الصلاة في كنيسة القيامة بعد سيطرته الكاملة على مدينة القدس حتى لا يظن المسلمون أنها رخصة بتحويل الكنيسة إلى مسجد؟

أليس مفتاح كنيسة القيامة في عهدة عائلة مسلمة حتى يومنا هذا[31]؟

يقول فرد من أفراد هذه الأسرة:

“تشرفت عائلتى بهذه المهمة المقدسة، منذ عام ١١٨٧، حيث قام القائد الفاتح صلاح الدين، بعد تحرير القدس من أيدى الصليبيين باتباع خطى الخليفة عمر بن الخطاب الذي خط بيده العهدة العمرية والتى تظهر سماحة الدين الإسلامى الذي أعطى النصارى عهدًا يضمن السماح لهم بممارسة شعائرهم الدينية في بيت المقدس”.

وممارسة شعائر غير المسلمين وفقًا للعهدة العمرية كانت بشروط من بينها:

عدم ايواء الجواسيس في كنائسهم أو منازلهم، وعدم غش المسلمين، وأن لا يضربوا بنواقيسهم إلا ضربًا خفيفًا في جوف كنائسهم. وغيرها من الشروط[32]. 

قال السائل: 

أليس ما فعله المسلمون هو استبدال استعمار باستعمار؟

قلت له:

حكم الدولة الإسلامية في ذلك الوقت كان ليس استعمارًا، فقد تحولت جماعة الفاتحين المسلمين لجماعة ضامنة لحقوق أهل الذمة، بمعنى أن الوضع المثالي كان يقتضي رقابة المسلمين جميعًا على أحوال أهل الذمة وحمايتهم، مع منحهم المواطنة الكاملة بمفهومها المعاصر.

وهذا بمقياس العصور الوسطى تقدم كبير للغاية.

إن الأمم غير العربية التي دخلها الإسلام ما زالت تحتفل بأعياد المسلمين لتمسكها الشديد بدين الإسلام، أما الأمم التي دخلها الاستعمار فإنها تجعل من فراق المستعمرين عيدًا قوميًا (أعياد الاستقلال في دول الوطن العزبي والعالم الإسلامي).

علينا أن نفهم أن الاستعمار بجميع أشكاله هو استغلال اقتصادي واستراتيجي لصالح الدولة المستعمرة، ولهذا نرى البلاد المستعمِرة نهضت على حساب الأراضي المستعمرة.

ثم أن الشعوب لم يسبق أن ثارت على الفاتحين المسلمين، الذين جاءوا بهدف رفع الظلم عن هذه الشعوب، كما ثارت على المستعمرين الذين قد أدركت هذه الشعوب أهدافهم من الظلم ونهب الثروات.

فهناك فرق كبير بين الاستعمار والفتح الإسلامي، فنلاحظ ردة فعل الشعوب بعد نهاية الحقبة الاستعمارية ، على سبيل المثال، (فرنسا والجزائر مثلاً، بريطانيا و مصر،  بريطانيا والهند…وهكذا).

أما المسلمون فأساس فتوحاتهم هو ضم الآخرين معهم ومشاركتهم لهم في حياتهم (لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين من حقوق وواجبات)، مع تباين في التطبيق الذي تعتريه العيوب، والذي أخذ بعض الأحيان في عصور لاحقة طابعًا سياسيًا بسبب الضعف البشري.

فلا بوجد تشابه بين الفتوحات اﻹسلامية وما فعله اﻹستعمار الغربي على سبيل المثال، في المئتين سنة الماضية. المدن التي فتحها المسلمون كانت من أعظم المراكز العلمية والحضارية لعقود من الزمن: بغداد، سمرقند، القاهرة، الخ. أما التي احتلها الغرب فقد أصبحت خرابا.

وهذا يقودنا إلى أهمية التمييز بين دين الإسلام المثالي والمسلمون الغير مثاليون.

وقد عاش اليهود والنصارى بكنف اﻹسلام يتمتعون بحقوقهم. وهذا ما ينادي بها العالم اليوم، الدين اﻹسلامي الذي جعل لغير المسلم حقوقًا عنده، وعرَّف البشرية كلها المعنى الحقيقي للتعايش السلمي، ولكن دون اﻹعتراف بصحة دين غير المسلم، فالدين الصحيح دين واحد لا تعددية فيه.

فلا تعددية في الحق.

وذلك بالتمسك بحقيقة مطلقة لا حياد عنها، وهي أن الدين الصحيح هو دين واحد فقط، وهو الإيمان بالخالق الواحد الأحد الذي ليس له شريك ولا ولد، فهو يخلق ولا يلد، وعبادته مباشرة دون تدخل قديس ولا قسيس ولا أي وسيط.

أوضح الله تعالى الدين الحق في هذه الآية من سورة البقرة:

آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285).

فدين الإسلام يقوم على فكرة عدم التفريق بين أنبياء ورسل الله من آدم إلى محمد بما فيهم موسى والمسيح عليهم الصلاة والسلام.

قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ  (136).


من كتاب دين عالمي

فاتن صبري

[30] كتاب نظرات في تاريخ الإسلام.

[31]https://www.almasryalyoum.com/news/details/1392598

[32] http://iswy.co/e140ib    

[33]           https://arabicpost.net/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9/2019/08/02/%D9%8A%D9%87%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%86%D8%AF%D9%84%D8%B3-%D9%8A%D9%87%D9%88%D8%AF-%D8%B3%D9%81%D8%A7%D8%B1%D8%AF%D9%8A%D9%85/

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *