أيها الإنسان:
كان مما قرأت وأعجبني:
لم تكن موجودًا أيها الإنسان ثم كنت، وقد علمت أنك لم توجد نفسك ولا أوجدك من هو مثلك.
فإذا كنت أنا لم أوجد نفسي يقينًا، ولا أوجدني الذي هو مثلي يقينًا، فيبقى الاحتمال الثالث الذي لا خيار غيره وهو أن الذي أوجدنا ليس مثلنا – فلو كان الذي أوجدنا مثلنا ويتصف بأوصافنا لاستطعنا نحن كذلك أن نوجِدَ خلقًا مثلنا، و قد تكون اللغة عاجزة عن التعبير الدقيق لهذا المعنى، وحتى العقل البشري أيضًا عاجز عن أن يصل لمعرفة كنه الخالق العظيم – وبين اللغة والعقل في قصورهما يمكن أن نخرج بحقيقة واحدة مطلقة، وهي أن الذي أوجدنا وأوجد الكون وأوجد قوانين الكون التي اكتشفها العلم المادي ليس مثلنا.
فإذا لم نستطع دفع الضرر عنا، ولم نستطع الإبقاء على أنفسنا وأحبابنا من الفناء، فقطعًا نحن لا نستطيع أن نوجد أنفسنا، فالمسألة بالفعل خارجة عن إرادتنا.
نحن لا نعلم ما في أحشائنا، وحتى المتخصصين في تشريح جسم الإنسان يقفون حيارى لعظيم الصنع والإبداع في الجسم البشري.
قال الخالق في سورة الطور 35-36::
أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ 35 أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ ۚ بَل لَّا يُوقِنُونَ
ولو نحن أوجدنا أنفسنا لأوجدناها كاملة دون نقص، قوية، وليست بحاجة إلى موجودات الكون، ومن ثم لاستطعنا أن نُبقي أنفسنا وأحبابنا دون أن نموت، لأن الإبقاء أسهل من الخلق والإيجاد.
وأقول أنا مؤكدة على هذا الكلام:
إن الإنسان يجب أن ينظر لذاته أولاً قبل أن يأخذه الغرور بعيدًا عن الحقيقة، فمهما تطورت العلوم والتكنولوجيا حوله، فالإنسان لا يستطيع أن يطور نفسه إلى خلق آخر قابل للخلود أو حتى أن يعيش مستقلاً بذاته ودون الحاجة للطعام، الشراب، الهواء أو حتى الاستغناء عن الذهاب للخلاء لقضاء حاجته. ويحاول الإنسان جاهدًا أن يبحث في هذا الفضاء الفسيح عن حياة توفر له الديمومة والسعادة، وهو يعلم يقينًا أنه يعجز أن يصل للقمر بدون ألبسة واقية أو يكون في داخل مركبة تخرجه عن نطاق الأرض، وكل ذلك خشية أن يدركه الموت. وهكذا نتيقن أننا لا نستطيع إعادة الحياة إلى أعزّ الخلق إلينا أو حتى أنفسنا مهما أوتينا من .قوة علمية
قال الخالق في سورة الإسراء:
قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ۚ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا ۖ قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ ۖ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا (الإسراء)
لماذا لا نطبق على معرفة مصدر وجودنا أبسط قوانين الكون وأبسط بديهيات الحياة وهي: ” لا شئ يأتي من لاشئ”؟
قانون طوارئ:
لو تلقى أب مكالمة عاجلة من طوارئ مستشفى معين يخبره أن ابنه الوحيد قد تعرض لحادث مروع وحياته في خطر، طالبين من هذا الأب التبرع لولده بجزء ما من جسمه لينقذ حياة ولده.
سوف يذهب الأب مسرعًا بلا تردد ودون أي شكوك حول درجة شهادة الطبيب العلمية ومدى صحتها، ولا حتى كفاءة الأجهزة، ولا كفاءة الممرضين، ولا دقة بناء مبنى المستشفى، ولا الآلية التي تعمل بها أجهزة المستشفى، ولا يطلب الأب أن يدرس هو بنفسه الطب كاملاً ليصبح طبيبًا يفهم في الأحياء العضوية والتشريح وما إلى ذلك.
لو تعامل الإنسان مع معرفة مصدر وجوده بهذه الدرجة من الخطورة فسوف ينجو بنفسه.
فأي قيمة لهذه الحياة التي تساوي صفرًا مقارنة باللانهاية.
إن أي رقم مقارنة باللانهاية هو صفر وفقًا للرياضيات. فحياتنا عبارة عن مجموعة أرقام، ينقص يوميًا من حياتنا رقم من هذه الأرقام، فحتى لو عشنا مائة أو مائتي سنة فمقارنة باللانهاية هو صفر، وان الموت آتٍ لا محالة في أي عمر، بمرض أو بدون مرض وساعة الموت محددة. فنحن نعيش في الصفر. إن الملحد لم يعرف الله حق المعرفة، لأنه لو عرفه حقًا لما رفض الإيمان به والتسليم له، فجهله بصفات الله تجعله يعامله وكأنه إنسان أمامه يقايضه بالمثل، ويشترط رؤية الخالق للإيمان به. فهل نفضل الصفر على اللانهاية.
فإننا إما أن نعيش سنوات أطول من غيرنا فنفقد خلالها ما نملك من ولد وأهل، أوأن نموت قبلهم ونترك وراءنا كل شئ.
ومع علم الملحد اليقيني أنه ممكن أن يموت فجأة في أي مكان وأي زمان ويلقى حتفه، إلا أنه لا زال يجيب عندما يسأله البعض:
من أين أتيت؟
إلى أين تذهب؟
لماذا أنت هنا؟
فيقول:
نحن أتينا من لا شئ، ونحن لا شئ، ونصير إلى لاشئ.
لا أدري.
أنا غير مهتم.
ربما أعرف لاحقًا.
فالوجود كما نراه (الكون والإنسان) لابد أن يوجده الذي يستوعبه بالكامل، فيجب أن لا تكون صفات خالق الوجود بمستوى هذا الوجود أو أقل منه.
فالكمال المطلق صفة الموجِد المطلق الذي يحتوي ويستوعب كل الوجود ويخلق قوانينه ويسيِّرها، والطريق لمعرفة الخالق يبدأ من معرفة النفس (فمن عرف نفسه فقد عرف ربه)، وبعد أن نتعرف على عظمة الموجد والمبدع لهذه النفس البشرية ولهذا الوجود الكوني، ندرك تمامًا أن الموجودات ناقصة ومحدودة رغم آفاقها قياسًا بالخالق المبدع، وبالتالي نستنتج أن صفاتنا تختلف عن صفات خالقنا.
والخالق واحد أحد، لا نظير له ولا ندّ له، ولا شبيه له ولا مثيل.
قال تعالى في صورة الشورى:
فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)
فالخالق لا يتجسد في صورة إنسان أو حيوان، ولا صنم أو حجر، وعلى البشر عبادته مباشرة دون قسيس ولا قديس أو أي وسيط.
ولهذا كان إعطاء حق الخالق لأحد من مخلوقاته من أعظم الذنوب، فاتخاذ قسيس أو قديس بيني وبين الخالق يعني أن أنني أعطيت حق الخالق والذي هو عبادته مباشرة لغيره، وتصوري أن الخالق يتجسد في صورة إنسان أكون بذلك أعطيته صفات بشرية والذي هو منزه عنها.
على سبيل المثال:
هل تتساوى فظاعة جرم قطع شجرة إلى نصفين، وقطع جسد طفل صغير إلى نصفين؟
بالطبع لا.
فقيمة صفات البشر أعلى من قيمة صفات النبات.
والخالق قيمة صفاته أعلى من قيمة صفات خلقه، إضافة إلى أنها غير محدودة أيضًا لأنه غير محدود.
ولهذا يكون عقاب من اتخذ وسطاء في علاقته بينه وبين الخالق أبدي وغير محدود.
الإسلام هو:
الإيمان بِأنْ لا إِلهَ إِلاّ الله وَحدهُ لا شَريكَ لَهُ وَلا وَلدْ، وَأنَّه هُو الخالِقُ وَالرّازِقُ لِلكَوْن كُلُّه ُوما يحتويه، لقد خلق الخالق المسيح بلا أب وخلق آدم من غير أب ولا أم، فهو يخلق ولا يلد، وعلينا عبادة الخالق مباشرة بدون قسيس ولا قديس ولا أي وسيط.
إن الميزة التي اختص بها دين الإسلام عن بقية ديانات الأرض هو المفهوم الحقيقي عن صفات الخالق، والذي هو مفهوم عالمي مشترك بين الجميع ولا يختلف عليه أحد.
فعلى سبيل المثال:
إنه يكفي أن نقوم بزيارة إلى دولة الهند مثلا، ونقول بين الجماهير:
الخالق واحد أحد ليس له صورة ولا ولد.
فنجد الجميع يقول نعم هذا صحيح.
لكنهم يختلفون ويتعاركون وقد يُذبح بعضهم البعض، عَلى نقطة أساسية وهي: الصورة والهيئة التي يأتي بها الله إلى الأرض.
فالهندي النصراني يقول مثلاً: الله واحد، لكنه يتجسد في ثلاثة أقانيم (الآب، الابن والروح القدس).
والهندي الهندوسي منهم من يقول:
الخالق واحد لكنه يتجسد في الثالوث المقدس: الإله ” براهما” في صورة الخالق، والإله “فشنو” في صورة الحافظ، والإله ” سيفا” في صورة الهادم.
ومنهم من يقول: يأتي الخالق في صورة حيوان أو إنسان، أو صنم.
ونجد الملحد أو حتى البوذي الذي يقدس شخص بوذا يلجؤون إلى القوة التي في السماء لنجدتهم عند تعرضهم لخوف شديد. وبذلك يكونون قد اعترفوا ضمنًا بوجود الخالق.
لو نفكر مليًا لوجدنا أن جميع المشاكل والفروقات بين طوائف الديانات والديانات نفسها، هي بسبب الوسطاء التي يتخذها البشر بينهم وبين خالقهم، فمثلاً طوائف الكاثوليكية وطوائف البروتِستانت وغيرها، وطوائف الهندوسية، تختلف جميعها على كيفية التواصل مع الخالق، وليس على مفهوم وجود الخالق نفسه، فلو عبدوا الله جميعهم مباشرة لتوحدوا.
“قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ”. (آل عمران:64)
إذًا، الحياة الدنيا بداية لرحلة أبدية يستأنفها الإنسان بعد الموت بالبعث والحساب ومن ثم الجزاء، ويعتبر الإسلام أن وجودنا في هذه الدنيا هو لهدف وغاية سامية وهي معرفة الله عز وجل، وعبادته والتوجه إليه مباشرة.
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (آل عمران: 185)
تأملات:
- إذا قلنا إن كل شيء له مصدر، وأن هذا المصدر له مصدر، وإذا استمر هذا التسلسل على الدوام فإنه من المنطق أن نصل إلى بداية أو نهاية. لا بد من أن نصل إلى مصدر ليس له مصدر، وهذا ما نسميه “السبب الأساسي”، وهو يختلف عن الحدث الأساسي، فعلى سبيل المثال، إذا افترضنا أن الانفجار الكبير هو الحدث الأساسي، فإن الخالق هو المسبب الأساسي الذي سَبَّب هذا الحدث.
- إن القول بأن خالق الكون بحاجة إلى خالق، رغم أنه خالق، كأننا نقول: إن المِلح يحتاج إلى ملح كي يكون مالحًا رغم أنه مالح. والسؤال: “من خلق الله؟” يساوي السؤال: ما الذي سبق الشيء الذي لا شيء قبله؟ ويساوي السؤال: ما بداية الشيء الذي لا بداية له؟ ويساوي السؤال: ” ما هي رائحة اللون الأصفر”. فكما أن اللون الأصفر لا يقع تحت قائمة الأشياء التي تشم، ولله المثل الأعلى، فالخالق لا يقع تحت قائمة الأشياء المخلوقة.
- للكون خالق وهو واحد، والسؤال “من خلق الخالق” لا يصح. على سبيل المثال، نأخذ مثال الجندي والرصاصة الشهير، الجندي يريد أن يطلق النار، ولكن حتى يطلق النار، يجب على الجندي أن يستأذن من الجندي الذي خلفه، وهذا الجندي حتى يعطي الإذن يجب أن يستأذن من الجندي الذي خلفه، وهكذا إلى ما لا نهاية، السؤال: هل سيطلق الجندي النار؟ الجواب: لا؛ لأنه لن يصل إلى الجندي الذي سيعطيه الإذن بإطلاق النار، أما إذا انتهت السلسلة إلى شخص لا يوجد فوقه أحد ليعطيه الإذن بإطلاق النار، فستنطلق الرصاصة، وبدون هذا الشخص، ومهما كثُر عدد الأشخاص، لن تنطلق الرصاصة؛ فهم كالأصفار إذا وضعتها بجانب بعضها البعض، فمهما كثرت وبلغت حدًّا لا نهاية له، فستظل لا تساوي شيئًا، إلا أن يوضع قبلها رقم: 1 فأكثر.
- إن الشركة المصنِّعة لسلعة أو بضاعة كالتلفزيون أو الثلاجة مثلاً، تضع قوانين وضوابط لاستخدام الجهاز، وتقوم بكتابة هذه التعليمات في كتاب يشرح طريقة استخدام الجهاز وتُرفقه مع الجهاز. وعلى المستهلك اتباع هذه التعليمات والتقيد بها إذا ما أراد أن يستفيد من الجهاز على النحو المطلوب، في حين أن الشركة المصنِّعة لا تخضع لهذه القوانين. لله المثل الأعلى، فالله هو الذي خلق قانون السببية، ولا يمكن اعتباره خاضعًا للقانون الذي خلقه. مع أن له طلاقة القدرة وهو فعال لما يريد.
- لو دخل شخص غرفته ووجد زجاج النافذة مكسورًا، حينها سوف يسأل أهله عمن كسر زجاج النافذة، فيجيبوه: لقد كُسرت بالصدفة. الجواب هنا خطأ، لأنه لم يسأل كيف كسرت النافذة، ولكنه سأل من كسر النافذة. فالصدفة وصف للفعل وليست فاعل. فلا تصح الاجابة بكلمة صدفة على سؤال من أوجد الكون. وإذا افترضنا دخول شخص ما إلى غرفته ووجد زجاج النافذة مكسورًا، وسأل أهله من كسره، فأجابوه: كسره فلان صدفة. الجواب هنا مقبول ومعقول، لأن كسر الزجاج أمر عشوائي يمكن أن يحدث صدفة. ولكن لو دخل نفس الشخص غرفته في اليوم التالي ووجد زجاج النافذة قد أُصلح وعاد كما كان، وسأل أهله: من أصله، لأجابوه: أصلحها فلان صدفة، فالجواب هنا غير مقبول، بل مستحيلٌ عقلًا، لأن الفعل وهو إصلاح الزجاج، ليس فعلاً عشوائيًا. لذلك نقول: يستحيل عقلاً أن يكون الكون والمخلوقات قد خلقت صدفة، بل خلقت عن قصد. وبهذا تخرج الصدفة نهائيًا من مسألة خلق الكون.
- إذا ألقى شخص قطعة نقدية ووقعت في يده على أحد وجهيها ( صورة أو كتابة)، فهنا يفسر الجميع هذا الحدث بالصدفة، لكن إذا كنا نعلم كل العوامل المرتبطة بهذا الفعل ككثافة المادة على سبيل المثال، رطوبة الهواء، درجة الحرارة، ضغط الهواء، الارتفاع التي ستقع منه، القوة التي رمى فيها الشخص هذه القطعة النقدية، وعندما تقع ما هو التأثير الذي ستحدثه على يده، والضغط الذي سيقع على يده وقوة الارتداد، فإذا وضعنا كل هذه العوامل في الحسبان في معادلتنا فيمكننا التنبأ باحتمال كبير أنها ستكون صورة أو كتابة. فحقيقة جهلنا بهذه العوامل هو ما يطلق عليه الجميع لقب صدفة، لكن إذا حصرنا جميع هذه العوامل، ويكون ذلك في المختبرات العلمية، فلن يكون هناك صدفة في تلك الحالة.
- يُعتبر د. روبرت هوايت، من أكبر العاملين في مجال زراعة المخ أو الرأس منذ عام 1960، وفي تجربة فريدة استطاع أن يحصل على مخ قرد ويبقيه خارج الجسد حي وذلك بالتبريد مع استخدام آلات خاصة تعمل على وصول الدم إلى هذا المخ فيما يشبه القلب الصناعي وبهذا يمكن إبقاء المخ في حالة سليمة وجاهز للنقل إلى جسد شخص آخر. وهذه التجربة السابقة ترد على الملحد الذي يقول بأن الحياة تنتهي بتلف الدماغ، حيث مات القرد وبقي المخ سليم لم يتلف، فهل يستطيع كل علماء الأرض أن يعيدوا هذا المخ السليم إلى جسد القرد الذي مات لترجع إليه الحياة؟ بالطبع مُحال.
- من المعلوم أن إدراك الكمبيوتر للمُدخلات العلمية ناتج عن برمجة سابقة من الإنسان، فهل يمكن للإنسان أن يدرك ما حوله بدون برمجة سابقة. فما تنقله لنا الحواس الخمسة ليس إلا إشارات كهربائية تنتقل من الحواس إلى العقل عبر الأعصاب فيتم التعرف عليها في العقل، فكل ما نشعر به من هذا الكون ليس إلا إشارات كهربائية في داخل الدماغ، فما الذي جعل الدماغ يتعرف على كل ما تدركه الحواس ويُفرق بينها بدقة شديدة، فهذا كبير وهذا صغير، هذا أصفر وهذا أخضر، هذا صوت حسن وهذا سيء. فما هي الآلة التي تعمل بداخلنا لتُدرك المحسوسات بكافة اختلافاتها، ليس بعد الولادة فحسب بل وقبل الولادة أيضا، فالجنين في بطن أمه بعد نفخة الروح يشعر بنفسه فيضحك ويضع إصبعه في فمه ويحرك أعضائه، كما يشعر بغيره فيمكنه السمع والاستجابة للأصوات والتفريق بين فرحة الأم وحزنها، فمن علمه وبرمجة ليفعل كل ذلك.
- لا يمكن للطبيعة أن تكون الموجدة للكون، فالطبيعة تتكون من زمان ومكان وطاقة، فهي مفتقرة إلى من أوجد هذه العوامل، وجعلها بهذا التعقيد الشديد والفروق الكبيرة بين مكوناتها واختلاف طبائعها وألوانها، ثم كيف أدركت الطبيعة أن العقل الإنساني ينبغي أن ينتبه لكل هذا الكم الرهيب من تفاصيل الكون فزودته بآلة الإدراك التي تميز بين الأشياء مع أنها لا تعدو أن تكون مجرد إشارات كهربائية تنتقل من الحواس إلى الدماغ. إن الربط بين تعقيد الدنيا وتعقيد الإدراك لابد أنه أمر مبرمج بحسابات دقيقة وليس صدفة، ولو كان صدفة لمكنته الطبيعة من إدراك كل شيء فيها فلا يغيب عنه شيء، أو لحرمته الطبيعة من إدراك أي شيء، ولكن لأن آلة الإدراك مبرمجة فهي تعمل في إطار محدد، وهكذا كل كائن حي له برمجته الخاصة التي تمكنه من إدراك أشياء معينة وتغيب عنه أشياء أخري.
- تكريم آدم أبو البشر لم يكن فقط أنه خُلق مستقلاً من طين، بل أنه خُلق مباشرةً بيديّ رب العالمين، وطلبه تعالى من الملائكة السجود لآدم طاعة لله.
- لقد جعل الله نسل آدم بداية من ماء مَهين للدلالة على وحدة مصدر الخلق ووحدانية الخالق، وأنه ميَّز آدم عن سائر المخلوقات بخلقه مستقلاً تكريمًا للإنسان ولتحقيق حكمة رب العالمين في جعله خليفة في الأرض. وأن خلق آدم من غير أب ولا أم هو أيضًا للدلالة على طلاقة القدرة، وضرب مثلاً آخر في خلق عيسى عليه السلام (المسيح) من غير أب لتكون معجزة على طلاقة القدرة وآية للناس. وأن ما يحاول الملحدون إنكاره بنظرية التطور هو دليل ضدهم.
إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (آل عمران: 59)
- عندما يجد الإنسان نفسه غني جدًا وكريم للغاية، فإنه سوف يدعو الأصدقاء والأحباب إلى الطعام والشراب. صفاتنا هذه ما هي إلا جزء بسيط مما عند الله، فالله الخالق له صفات جلال وجمال، هو الرحمن الرحيم، المعطي الكريم، لقد خلقنا لعبادته، ليرحمنا ويسعدنا ويعطينا، إن أخلصنا له العبادة وأطعناه وامتثلنا أمره، وكل الصفات البشرية الجميلة مشتقة من صفاته. إنه خلقنا ومنحنا القدرة على الاختيار، فإما أن نختار طريق الطاعة والعبادة، وإما أن ننكر وجوده ونختار طريق التمرد والمعصية.
- لقد ميَّز الله الجن والأنس منفردين دون سائر المخلوقات بحرية الاختيار. وأن تميز الإنسان هو بتوجهه لرب العالمين مباشرة بدون قديس ولا قسيس، وإخلاص العبودية لله بمحض إرادة الإنسان، والاعتقاد الكامل أن الله ليس له شريك ولا ولد، ولا يتجسد في صورة إنسان ولا حيوان ولا صنم أو حجر. ويكون بذلك قد حقق حكمة الخالق بجعل الإنسان على رأس المخلوقات.
- الإرادة والقدرة على الاختيار في حد ذاتها نعمة، إذا تم استخدامها وتوجيهها بصورة سليمة وصحيحة، وتكون نقمة إذا تم استغلالها لمقاصد ومآرب فاسدة.
- كان بإمكان الخالق أن يجعلنا مكرهين على الطاعة والعبادة، لكن الإكراه لا يحقق الهدف المَرجو من خلق الإنسان.
- الدرس الذي علمه الله للبشرية عند قبوله توبة آدم بسبب أكله من الشجرة المحرَّمة هو بمثابة أول مغفرة لرب العالمين للبشرية، حيث أنه لا يوجد معنى للخطيئة الموروثة، فلا تزر وازرة وزر أخرى، فكل إنسان يتحمل ذنبه وحده؛ وهذا من رحمة رب العالمين بنا. وأن الإنسان يُولد نقيًّا بلا خطيئة، ويكون مسؤولاً عن أعماله ابتداءً من سن البلوغ.
- الإنسان لن يُحاسَب عن ذنب لم يقترفه، كما أنه لن ينال النجاة إلا بإيمانه وعمله الصالح، منح الله الحياة للإنسان وأعطاه الإرادة للامتحان والابتلاء، وهو مسؤول فقط عن تصرفاته. وأن الإنسان يملك حرية الاختيار فقط في حدود معرفته وإمكانياته. إن الحساب مرهون بوجود المسؤولية وإمكانية الاختيار، فالخالق لن يحاسِب المرء على شكله ووضعه الاجتماعي. والحرية المحفوفة بالصراع والكفاح أعظم درجة وتكريم للمرء من الإنسان السعيد مسلوب الإرادة. إن الحساب والثواب ليس لهما معنى بدون الإرادة. وليس من المنطقي أن يمنح الله القدير الناس حرية الاختيار ثم يتركهم دون حساب. الحساب يتبع المسؤولية، يوم القيامة هو استكمال لنظام وجودنا.
- تطور الإلحاد عند البشر بصور مختلفة، ولكنه ظهر بعد تحريف أصحاب الشرائع السماوية السابقة للمفهوم الحقيقي للإله، وتعقيد هذا المفهوم المحرف كان بوصف الخالق بأوصاف لا تليق بجلاله، كأن يتعب ويرتاح ولا يعرف الخ، والذي ينافي المفهوم البسيط الذي فطره الله في قلوب البشر. من الأسباب الأخرى التي دفعت الناس للإلحاد هي مطالب وأوامر رجال الدين والمؤسسات الدينية الغير مقبولة ولكسب فوائد دنيوية وسياسية.
- إن الهدف الأساسي للحياة هو ليس التمتع بإحساس عابر بالسعادة؛ بل هو تحقيق سلام داخلي عميق من خلال معرفة الله وعبادته. إن تحقيق الهدف الإلهي سيؤدي إلى النعيم الأبدي والسعادة الحقيقية. لذا، إذا كان هذا هو هدفنا الأساسي، فإن مواجهة أي مشاكل أو متاعب سوف تهون في سبيل بلوغ هذه الغاية.
- هذه الدنيا اختبار، والإنسان يخرج من الدنيا فقط بشهادة ناجح أو راسب. فمن الخطأ أن يحب الإنسان الدنيا، فهو كمن يقول إنه يحب الامتحان ومتعلق به ولا يريد الشهادة التي يخرج بها من هذا الامتحان.
- إن الرجوع إلى صانع الطائرة عند عدم فهمِنا لآلية عَمل محرك الطائرة لا يُعتبر فجوة في التفكير، بالرغم من أن صانع الطائرة لا وجود له في أي خطوة من آلية عمل المحرك، لكنه مسؤول عن وجود الآليــات التي نعرفها. إن الإله ليس إلهًا لسد ثغرات منشــأها الجهل، لكنه السبب الأول وراء كل الآليات التي يكتشفها العِلم.
- إن العِلم المادي يقول إن الكون قد نشأ من العدم، بينما يخبرنا العِلم نفسه، أن المادة لا تَفنى ولا تُستحدث من عدم، مما أوقع العلماء في حيرة، فبما أن المادة لا تُستحدث من عدم، فكيف نشأ الكون من عدم؟ الآن يأتي دور الدين لتفســير ما أقــرَّ العِلــم بعجزه عن تفسيره، وأخبرهم الدين أن المادة تفنى، ولها خالق عظيم قد خلقها من العدم.
- قوانين الكون ما هي إلا حقيقة من حقائق الكون، وليست تفسيرًا لسبب وجود الكون، وما يُكتشف من قوانين ليست نفيًا لوجود الصانع، بل هي بيانًا لخلق الله. فعلى سبيل المثال، من يُودِع في مؤسسة ادخار كل شهر مبلغًا من المال ويأتي في نهاية العام ليستلم المال الذي ادَّخره مع الأرباح من المؤسسة ليقول له المحاسب: إن قانون الضرب الذي استخدمناه في حساب المبلغ هو الذي أوجد لك النقود. هل هذا من المنطق في شيء؟ في الواقع بدون ما قام به الشخص من إيداع للنقود ســيظل رصيده صفرًا، و من ثم، فــإن ادعاء أن قوانيــن الطبيعة هي التي أوجــدت الكون مناقض للعقل والمنطق.
- النظريــات والقوانيــن تصف مســار الأمور بدقة لكنهــا لا توجد شيئًا من العدم. قوانين الحركة تستطيع أن تصف مســار كــرة السَّلة، لكن يد اللاعب هي التي تحرك الكرة، وهكذا فإن القوانين تحتاج إلى موجود تؤثر فيه قوة محددة، في مكانٍ ما وزمانٍ ما، وبدون هذه العناصر لا عمل لهذه القوانين، بل لن تكون موجودة أصلاً.
- إذا كان قوس قزح هو انعكاس الأشعة الشمسية على المطر، فمن الخطأ القول: إن منفعتنا في الاستمتاع بمنظر قوس قزح هي التي تدفعنا للاعتقاد بوجود خالق، ومن الخطأ الاعتقاد أنه باكتشاف العِلم للآلية التي أظهرت ألوان قوس قزح فقد نفى بالقطعية وجود الخالق. فعلى سبيل المثال: إذا سار شخص في الطريق وضاع منه هاتفه المحمول، ووجد كابينة هاتف عمومي وأراد الاستفادة منها والاتصال بزوجته، هل استفادته من وجود هذا الهاتف واكتشافه لآلية عمله دليل على عدم وجود صانع أصلاً لهذا الهاتف؟ أم أن الهاتف العمومي وجود حقيقي وله صانع؟ إن تحقيق المنفعة من الشيء لا ينفي وجود صانع للشيء بل يؤيده. في الواقع، إن استمتاع البشر بمنظر قوس قزح الجميل واكتشاف العِلم للآلية التي أظهرت القوس لا ينفي وجود خالق الشمس ومُنزل المطر.
- تناقض الإلحاد يكمن في أنه يتطلب الاعتقاد بأن الانفجار الكبير حسب فرضيتهم حدث دون تدخل قوة خارجية، وأن الكون قد تشكل بدون أي غرض. ووفقًا لقوانين الترابط المستمر، كانت هناك القدرة وبدقة على تكرار وإعادة إنتاج الأنماط مرارًا وتكرارًا بدون هدف. يُطلب منا أن نصدق أن الذكاء والتفكير المجرد والوعي يمكن أن ينشأ بطريقة ما من مصادر غبية وغير عقلانية بدون غرض؛ والتصديق بأن الحزمة الضخمة من المعلومات المشفرة ذات الصلاحيات التنفيذية المطلقة (DNA) كتبت نفسها بدون مبرمج، وبدون سبب، وهذه المسألة الميتة يمكن أن تظهر فجأة مرة أخرى بدون هدف.
- القانون الثاني للديناميكا الحرارية يقول إن الزمن يسير بطريقة خطية Linear وليس بطريقة دورية cyclic فيستحيل أن تنتقل الحرارة من جسم بارد إلى جسم أسخن. وبالتالي هذا القانون يدحض الفكرة الدورية للزمن والعوالم، وفلسفة تناسخ الأرواح التي ينادي بها الديانات الهندوسية والبوذية والصينية التقليدية، وهذه كبرى الديانات الوثنية التي تعتقد أن الخالق يتجسد في صورة صنم أو حجر الخ. وذلك بتأكيد هذا القانون على وجود بداية ونهاية للكون فيدحض بذلك فلسفة تناسخ الأرواح.
- إن الإسلام ليس توحيد الربوبية فقط (الإيمان بإله واحد)، بل وتوحيد الإله في العبادة (توحيد الألوهية بمعنى عبادته وحده). إن الإيمان بإله واحد موجود في ديانات كثيرة، وكان موجود في عقيدة كفار قريش (قوم النبي محمد) أيضًا؛ فعندما سُئلوا عن سبب عبادتهم للأصنام قالوا: لتقربنا إلى الله زُلفى، فهم لا يُنكرون وجود الله.
قال الخالق:
…وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ … (الزمر:3)
وكان ذلك كله بسبب الجهل بالمفهوم الحقيقي للخالق، مما أدى إلى تشويش الأذهان وبالتالي اللجوء إلى الإلحاد، والتساؤل عن أسباب وجود الخالق وغيرها من الأسئلة المشككة بوجوده.
- الخالق خلق قانون السببية، فلا يخضع له، بمعنى أنه قبل كل شيء، وبعد كل شيء، وأنه لا يحيط به شيء من مخلوقاته. لذلك فهو لا يتغير، ولا يمر بنفس المراحل الزمنية التي نمر بها من خلال خضوعنا للوقت، ولا يتعب، ولا يحتاج إلى وضع نفسه في شكل مادي. فلا يمكننا رؤيته، لأننا محاصرون في الزمان والمكان. فعلى الشخص الذي يجلس في غرفة بلا نوافذ مثلاً، مغادرة الغرفة لرؤية ما في الخارج. ومع أن الخالق فعالٌ لما يريد وله طلاقة القدرة، فيجب أن نُسلّم أيضًا بأنه لا يفعل ما لا يليق بجلاله، تعالى عن ذلك علوًا كبيرا.
- إن كل ما في الكون يقع تحت هيمنة الخالق، فهو وحده يمتلك المعرفة الشاملة والعلم المطلق والقدرة والقوة لإخضاع كل شيء لإرادته. فالشمس والكواكب والمجرات تعمل بدقة متناهية منذ بدء الخليقة، وهذه الدقة والقدرة تنطبق نفسها على خلق البشر. فلو تأملنا الانسجام الموجود بين أجساد البشر وأرواحهم لتبين لنا أنه من غير الممكن جعل هذه الأرواح تسكن في أجساد الحيوانات ولا يمكنها التجول بين النباتات والحشرات (تناسخ الأرواح). ميز الله الإنسان بالعقل والمعرفة وجعله خليفة في الأرض وفضله وكرمه ورفع من شأنه على جميع الخلائق. ومن عدل الخالق وجود يوم القيامة والحساب والجنة والنار لأن كل الأعمال الصالحة والسيئة سوف تُقاس وتُوزن في هذا اليوم.
قال تعالى:
فمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (الزلزلة: 7-8)
- إن بعض أتباع داروين الذين يعتبرون الانتقاء الطبيعي (عملية فيزيائية غير عقلانية) قوة إبداعية فريدة تحل جميع المشاكل التطورية الصعبة دون أي أساس تجريبي حقيقي، كانوا قد اكتشفوا فيما بعد، تعقيد التصميم في بُنية وَوظيفة الخلايا البكتيرية، فبدأوا باستخدام عبارات مثل البكتيريا “الذكية”، “الذكاء الميكروبي”، “صُنع القرار” و” البكتيريا لحل المشاكل”. وبالتالي تحولت البكتيريا إلى إلهَهُم الجديد.
يقول ميشيل بيهي المؤلف وعالم الكيمياء الأمريكي الشهير:
” إنني مضطر للقبول بوجود الله كنتيجة لكل تلك الجهود المتراكمة لفحص الخلية. أي: لفحص الحياة على المستوى الجزيئي هي صرخة عالية واضحة حادة للتصميم”.
- الحقيقة أن فكرة أن الإنسان أصله قرد أو تطور عن قرد لم تكن من أفكار دارون أبدًا، لكنه يقول: بأن الإنسان والقرد يعودان إلى أصل واحد مشترك ومجهول سمَّاه (الحلقة المفقودة) والتي حدث لها تطور خاص وتحولت إلى إنسان، ومع أننا كمسلمين نرفض كلام داروين تمامًا، لكنه في كل الأحوال لم يقل كما يظن البعض: إن القرد هو جد الإنسان. وقد ثبت أن دارون آمن بوجود إله، لكن فكرة أن يكون الإنسان من أصل حيوان جاءت من أتباع دارون في المستقبل عندما أضافوها لنظريته وهم أصلاً من الملحدين.
- إن نظرية داروين التي تقول: أننا جئنا إلى هذا الكون نتيجة طفرات عشوائية وليس من خالق عظيم، هي مجرد نظرية ولم تُثبت بعد، وقد ثبت أن داروين نفسه واضع هذه النظرية كان لديه شكوك عديدة، وقد كتب رسائل عديدة إلى زملائه يُعبر عن شكوكه وعن أسفه، وقال:” إنه من الصعب جدًا بل من المستحيل أن نتصور أن كونًا هائلاً ككوننا وبه مخلوق يتمتع بقدراتنا الإنسانية الهائلة قد نشأ في البداية بمحض الصدفة العمياء أو لأن الحاجة أم الاختراع. وعندما أبحث حولي عن السبب الأول وراء هذا الوجود أجدني مدفوعًا إلى القول بوجود عقل ذكي، ومن ثم فإني أؤمن بوجود الإله”.
- إن نظرية التطور التي يراد بها إنكار وجود خالق، تنص على الأصل المشترك في نشأة جميع الكائنات الحية الحيوانية والنباتية، وأنها تطورت عن أصل واحد وهو كائن وحيد الخلية، وأن تشكيل الخلية الأولى كان نتيجة تجمع للأحماض الأمينية في الماء والتي بدورها شكلت البنية الأولى لحمض النووي DNA والذي يحمل الصفات الوراثية للكائن الحي. وبتجمع هذه الأحماض الأمينية شُكلت البينة الأولى للخلية الحية. ونتيجة لعوامل بيئية وخارجية مختلفة أدت لتكاثر هذه الخلايا والتي شكلت النُطفة الأولى ومن ثم تطورت لعَلقة ومن ثم تطورت لمُضغة.
وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ ۖ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ ۚ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (النور:45)
- يُقدم العلم الأدلة المقنعة على مفهوم التطور عن أصل مشترك، وهو ما ذكره القرآن الكريم.
“وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ”. (الأنبياء :30)
- الله سبحانه وتعالى خلق الكائنات الحية ذَكية ومَفطورة على أن تتلاءم مع البيئة المحيطة بها، ويمكن أن تتطور في الحجم أو الشكل أو الطول، فمثلاً الخِراف في البلاد الباردة لها شكل معيّن وجلود تحميها من البرد، ويَزداد الصُوف أو ينقص حسب حرارة الجو، وبلاد أخرى خلاف ذلك، فالأشكال والأنواع تختلف باختلاف البيئة، وحتى البشر يختلفون بألوانهم وصفاتهم وألسنتهم وأشكالهم، حيث إنه لا يوجد إنسان يشبه الآخر، غير أنهم يبقوا بشرًا لا يتغيرون إلى نوع آخر من الحيوانات.
قال سبحانه وتعالى:
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ (الروم:22)
- يقول العالم التطوري الشهير جول ديوانت في كتابه The Ascent of Nature in Darwin’s Descent of Man” p. 295:
” كان داروين يؤمن إيمانا عميقًا بأن مرتبة المرأة أقل بكثير من مرتبة الرجل! خاصة عند الحديث عن الصراع من أجل البقاء. وكان يضع الـبُـله والمعاقين والمتخلفين والمرأة في خانة واحدة! وكان يرى أن حجم مخ المرأة وكمية العضلات بها بالقياس بتلك التي لدى الرجل لا تسمح لها أن تدخل في صراع من أجل البقاء مع الرجل، بل يرى فيها نوعًا من القصور البيولوجي الذي لا يمكن تداركه “.
وهذه في الواقع مفارقة (مادية) تكشف معتقدات أتباع نظرية التطور والملحدين وخصوصًا الطاعنين منهم في وضع (المرأة) في الإسلام، تلك المرأة التي جعلها الله تعالى صنو الرجل في الخلقة: فهي مخلوقة منه: يحن لها وتحن إليه.
قال الله تعالى:
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الروم:21)
- ﺍﻧﻌﻘﺪ في ﻔﺮﻧﺴﺎ ﻋﺎﻡ 673 ﻣﺆﺗﻤﺮ أﻭﺭﻭﺑﻲ ﺣﻮﻝ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻟﻠﻤﺮأﺓ، ﻫﻞ ﻫﻲ إﻧﺴﺎﻥ أﻡ ﺣﻴﻮﺍﻥ، ﻓإﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ إﻧﺴﺎﻥ ﻓﻬﻞ ﺗﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ أﻡ ﻻ؟ ﻭإﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻴﻮﺍﻥ ﻓﻼ ﺗﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ. ﻭﺑﻌﺪ ﻧﻘﺎﺷﺎﺕ ﺣﺜﻴﺜﺔ ﺗﻮﺻﻠﻮﺍ ﺑﺎلإﺟﻤﺎﻉ إلى أﻥ ﺍﻟﻤﺮأﺓ إﻧﺴﺎﻥ، ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻻ ﺗﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻮق! ويتضح تأثير هذا المؤتمر المباشر على واضع نظرية التطور وتأثيره على قناعات المؤمنين بها، وهو دليل أيضًا على فضل عقيدة الإسلام وشريعته على ما سواها من العقائد، وكذلك القوانين والمذاهب الوضعية البشرية التي تنتقص من آدمية المرأة وإنسانيتها وكرامتها، وتعدها سلعة ومتعة رخيصة وعارية كما في دلائل التاريخ والواقع أيضًا، وحسبنا هذا المؤتمر في الدلالة على هذا الإسفاف والانحطاط الفكري والأخلاقي.
- لقد استخدم الداروينيون الألمان النظرية الداروينية لتحطيم مبدأ قدسية الحياة البشرية. فبناءً على نظرية داروين والتي نصت على عدم أهلية أصحاب العاهات للحياة، اقترح أدولف هتلر أن زمن الحرب “كان أنسب الأوقات للتخلص من الداء العضال”. فلم يرغب كثير من الألمان في تذكيرهم بالأفراد الذين لم يرتقوا إلى مفهومهم عن “الجنس السائد”. وتم تصوير المعاقين بدنيًا وعقليًا على أنهم “عديمي الفائدة” للمجتمع، وتهديد لنقاء الجينات الآرية، وأخيرًا، فإنهم لا يستحقون الحياة. وفي بداية الحرب العالمية الثانية، تم استهداف الأفراد المعاقين عقليًا وبدنيًا للقتل فيما أسماه النازيون برنامج ” T-4″، أو “القتل الرحيم”. وقد تم بالفعل حرق جثث الضحايا في أفران كبيرة تسمى أفران الحرق.
- إن وجود المصائب والشر والألم كان السبب وراء إلحاد كثير من الفلاسفة الماديين المعاصرين، ومنهم الفيلسوف “أنتوني فلو”، وكان قد اعترف بوجود الإله قبل موته وكتب كتابًا أسماه “يوجد إله “، على الرغم من أنه كان زعيمًا للإلحاد خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وعندما أقر بوجود إله قال:
“إن وجود الشر والألم في حياة البشر لا ينفي وجود الإله، لكنه يدفعنا لإعادة النظر في الصفات الإلهية”.
ويعتبر “أنتوني فلو” أن لهذه الكوارث الكثير من الإيجابيات، فهي تستفز قدرات الإنسان المادية فيبتكر ما يحقق له الأمان، كما تستفز أفضل سماته النفسية وتدفعه لمساعدة الناس. وقد كان لوجود الشر والألم الفضل في بناء الحضارات الإنسانية عبر التاريخ. وقال:
“إنه مهما تعددت أطروحات لتفسير هذه المعضلة فسيظل التفسير الديني هو الأكثر قبولاً والأكثر انسجامًا مع طبيعة الحياة”.
- من إحدى صفات رب العالمين الحكمة، فهو لا يخلق شيئًا عبثًا بدون غاية أو هدف، فهو خلقنا ليرحمنا ويسعدنا ويعطينا، وكل الصفات البشرية الجميلة مشتقة من صفاته. وأن وجودنا في هذه الدنيا هو لهدف وغاية سامية وهي معرفة الله عز وجل والتوجه إليه بالتوبة والاستعانة به مباشرة.
- تتحقق معرفة رب العالمين من خلال معرفة أسمائه الحسنى وصفاته العليا والتي تنقسم إلى مجموعتين أساسيتين وهي: أسماء جمال: وهي كل صفة تختص بالرحمة، العفو واللطف، منها الرحمن، الرحيم، الرزاق، الوهاب، البر، الرؤوف…إلخ. أسماء جلال: وهي كل صفة تختص بالقوة والمقدرة والعظمة والهيبة، ومنها العزيز، الجبار، القهار، القابض، الخافض…إلخ.
- يترتب على معرفتنا لصفات الله عز وجل القيام بعبادته على النحو الذي يليق بجلاله وتمجيده وتنزيهه عما لا يليق به، طمعًا في رحمته واتقاءً لغضبه وعقوبته. وتتمثل عبادته بالامتثال بالأوامر واجتناب النواهي والقيام بالإصلاح وتعمير الأرض. وبناءً على هذا يصبح مفهوم الحياة الدنيا عبارة عن امتحان واختبار للبشر، لكي يتمايزوا ويرفع الله درجات المتقين ويستحقوا بذلك خلافة الأرض ووراثة الجنة في الآخرة، في حين يلحق بالمفسدين الخزي في الدنيا ويكون مآلهم عذاب النار.
- الخالق وضع قوانين الطبيعة والسنن التي تحكمها وتصون نفسها عند ظهور فساد أو خلل بيئي وتحافظ على وجود هذا التوازن بهدف الإصلاح في الأرض واستمرار الحياة على نحو أفضل. وأن ما ينفع الناس والحياة هو الذي يمكث ويبقى في الأرض. وعندما يقع في الأرض من كوارث يتضرر منها البشر كالأمراض، البراكين، الزلازل والفيضانات، تتجلى أسماء الله وصفاته كالشافي والحفيظ مثلاً، في شفائه للمريض وحفظه للناجي، أو اسمه العدل في عقاب الظالم لغيره والعاصي، ويتجلى اسمه الحكيم في ابتلاء وامتحان غير العاصي والذي يُجازى عليه بالإحسان إن صبر وبالعذاب إن ضجر، وبذلك يتعرف الإنسان على عظمة ربه من خلال هذه الابتلاءات تمامًا كما يتعرف على جماله من خلال العطايا. فإن لم يعرف الإنسان إلا صفات الجمال الإلهي فكأنه لم يعرف الله عز وجل.
- الذي يقع من ابتلاءات هو مشيئة الله، والذي شاءه الله وقع، ومشيئة الله متعلقة بالحكمة المطلقة والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، حيث أنه لا يوجد شر مطلق بالوجود، وأن الحياة الدنيا التي يعيشها الإنسان ليست إلا لحظة مقارنة بالحياة الأخرى الأبدية ومن ثم يهون كل ما عاناه في الدنيا بغمسة واحدة في نعيم الجنة.
- إذا قام شخص مثلاً وضرب شخص آخر حتى أفقده القدرة على الحركة، فقد اكتسب صفة الظلم، والظلم شر.
لكن وجود القوّة لدى من يأخذ عصا ويضرب بها شخص آخر ليس شرًا.
ووجود الإرادة التي أعطاها الله له ليس شرًا.
ووجود قدرته على تحريك يده ليس شرًا؟
ووجود صفة الضرب في العصا ليس شرًا؟
إن كل هذه الأمور الوجودية هي خير، ولا تكتسب صفة الشر إلا إذا أدت إلى الضرر بإساءة استخدامها، وهو الشلل كما في المثال السابق، وبناءً على هذا المثال فوجود العقرب والأفعى ليس شرًا بعينه إلا إذا تعرض له الإنسان فلدغه، فالله تعالى لا يُنسب إليه الشر في أفعاله التي هي خير محض، بل في مفعولاته، والتي نتجت عن الاستخدام الخاطئ لهذا الخير من قبل البشر. وقد يسمح الله تعالى بهذا الشر أن يقع لما يترتب على هذا الشر من خير محض كالإنابة والرجوع إلى الله، فيكون بمثابة شرب الدواء المر لأجل الشفاء.
- إن السؤال المتكرر عن اجبار الخالق للبشر على أن يعيشوا حياة لا يريدون أن يعيشونها هو سؤال لا أساس له. إذا أراد الله أن يأخذ رأي خلقه في الخلق فيجب أن يتحقق وجودهم بدايةً. فكيف يمكن أن يكون للبشر رأي وهم في العدم؟ المسألة هنا مسألة وجود وعدم. إن تعلق الإنسان بالحياة وخوفه عليها لهو أكبر دليل على رضاه عن هذه النعمة. إن نعمة الحياة هي امتحان للبشر ليميز الانسان الطيب الراضي عن ربه عن الانسان الخبيث الساخط عليه. فحكمة رب العالمين من الخلق اقتضت لاستخلاص هؤلاء الراضين عنه ليحوزوا على دار كرامته في الآخرة. وقد أكد الله سبحانه وتعالى على أنه بعد حمل الإنسان الأمانة قد حضّر جميع البشر قبل إيجادهم في الكون، وأشهدهم على وحدانيته –تبارك وتعالى.
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ (172)
وأكبر دليل على ذلك اليوم الذي شهد فيه لله بالوحدانية هو أن الإنسان بما فيهم المؤمن وغير المؤمن عند تعرضه للخوف الشديد ترتفع عيناه إلى السماء دون أن يشعر لطلب النجدة.
وسبب عدم تذكر الإنسان هو أنه لو كان يتذكر أنه وقف أمام الله عز وجل وشهد أنه لا إلاه إلا هو، ثم وُجد هذا الإنسان في الأرض في زمان ومكان ما، لما كان هناك امتحان أصلاً، فجوهر الاختبار يتعلق بالإيمان، وجوهر الإيمان يتعلق بالإيمان بالغيب. فلو كان الغيب مشهودًا ومحسوسًا وحاضرًا في ذهن الجميع لما كان الغيب غيبًا؛ وبالتالي لم يكن هناك معنى للاختبار أصلاً، ولسقط مفهوم إرادة الاختيار من الأساس، فإذا كانت الذات الإلهية والحق المطلق والدار الآخرة معلومة علم اليقين لجميع البشر، فأين يكون الاختبار!
على سبيل المثال إذا افترضنا أن مجموعة من الطلاب دخلت قاعة الامتحان، وبدأ الامتحان، لم يُسمح لأحد من الطلاب أن ينظر إلى المرجع الذي ذاكر منه إلا بعد أن يفرغ من الامتحان، أما خلال الامتحان فلا يمكنه النظر إلى المرجع؛ لأن النظر إلى المرجع يلغي مفهوم الامتحان من الأساس.
يقول الفيلسوف الألماني الشهير ايمانويل كانط:
“إن عجزنا عن إدراك عالم ما وراء المحسوس ليس نقصًا، بل هو شرط ضروري لقيام الأخلاق، ولو كان الإنسان يطلع على المطلق مباشرة لما كان حرًا ومختارًا في أفعاله”.
بالتالي لم يُسمح لنا أن نتذكر هذا المشهد الذي حدث في عالم الذر حتى يصبح للاختيار معنى. إضافةً أن ميثاق الذر ليس وحده حجة مستلزمة للعقاب على من لم تبلغه الحجة (الرسالة)، فالحجة التي تستلزم التكليف والجزاء لا تقوم على الإنسان إلا ببلوغه رسالات الأنبياء التي تدعوه ليؤمن بالله وحده لا شريك له، فإذا أطاع أثيب، وإذا عصى عوقب.
فالإيمان يقوم على الدليل. و ربما تزيد الدلائل فيزيد الإيمان واليقين، لكن لن يكون أبدًا الغيب مشهودًا بالحواس، وإلا لسقط مفهوم الإيمان ذاته.
- يمكننا مقارنة فترات الصحة والفترات التي يظهر فيها المرض على مدى متوسط العمر، أو مقارنة عقود من الازدهار والرخاء وما يقابلها من فترات الخراب والدمار، وكذلك قرون من هدوء الطبيعة والسكينة وما يقابلها من ثوران البراكين والزلازل. من أين يأتي الخير السائد بدايةً؟ إن عالمـًا قائمًا على الفوضى والمصادفة لا يمكن أن ينتج عالمـًا جيدًا. والإنسان لا يشعر بطعم الصحة إلا إذا جرب المرض، ولا يميز الجميل إلا إذا رأى القبيح.
- ينص القانون الثاني للديناميكا الحرارية على أن الإنتروبيا الكلية (درجة الاضطراب أو العشوائية) في نظام معزول بدون أي تأثير خارجي ستزداد دائمًا، وأن هذه العملية لا رجعة فيها. بمعنى آخر، الأشياء المنظمة ستنهار وتتلاشى دائمًا ما لم يجمعها شيء من الخارج. على هذا النحو، فإن القوى الديناميكية الحرارية العمياء لم تكن لتنتج أبدًا أي شيء جيد من تلقاء نفسها، أو أن تكون جيدة على نطاق واسع كما هي دون أن ينظم الخالق هذه الظواهر العشوائية التي تظهر في الأشياء الرائعة مثل الجمال والحكمة والفرح والحب، وهذا كله فقط بعد إثبات أن القاعدة هي الخير والشر هو الاستثناء.
- إن نظرتنا إلى الشر والألم تتوقف على نظرتنا إلى حقيقة الحياة الدنيا والغرض من الوجود الإنساني فيها والتي تختلف لدى المتدينين عنها لدى الماديين. إن المنظور المادي يعتبر أن الحياة الدنيا ليس وراءها غرض تحكمها غاية، وأن الإنسان إذا مات صار عدمًا، إذ ليس هناك بعث تتبعه حياة أخرى، فعلى الإنسان أن يحصل على أقصى ما يستطيع من متع، وبالتالي يصبح ما قد يشعر به من ألم وكل ما يحجبه عن هذه المتع شر لا جدال فيه، وانطلاقًا من هذا المنظور يصبح ما يتعرض له الإنسان من شرور وآلام أمورًا عشوائية تمر به خلال حياته في دنيا نشأت بأسلوب عشوائي أيضًا، ومن ثم يصبح القول بوجود إله كله رحمة ومحبة ينظم هذه الحياة هراء وعبث بالنسبة لهم، وهذا يعني أن كل ما يحجبهم عن هذه المتعة يُعتبر ألم بالنسبة لهم. تمامًا عندما يعتقد الطفل أن والديه شريرين عندما يمنعانه من تناول دواء جده.
- قال فيكتور فرانكل: ” الناس اليوم لديهم كل وسائل العيش، ولكن لا معنى للعيش، مما يجعل الحياة سجنًا حيث يتدافع فيه القاطنون بين جدران الحياة والموت، مذعورين من كل لدغة، في حياة بدون معنى، كل ألم يُعتبر حدث عشوائي لا يمكن تفسيره – لا مفر منه – لا يمكن تصنيفه إلا من حيث الطاقة والمادة، ولا يمثل سوى الفوضى والاضطراب والمأساة”.
- إن الادعاء بأن الملحد لا يؤذي الآخرين، ولا يمكن أن يدفع إنسانًا لفعل تصرفات سيئة كما يفعل بعض المتدينين باسم الدين إنما هو ادعاء لا أساس له. فالدين يدعو إلى الأخلاق الحميدة وتجنب الأفعال السيئة، وبالتالي فإن السلوك السيئ لبعض المسلمين يرجع إلى عاداتهم الثقافية أو جهلهم بدينهم وابتعادهم عن الدين الصحيح. ألم نسمع عن محاولات إقامة الشيوعية في العالم التي تسببت بمقتل الملايين من المسلمين والمسيحيين؟ يقول أحد الفلاسفة الشيوعيين:
“كنا نظن أنه يمكن أن نكون أفضل دون إله، وأن نحافظ على إنسانية الإنسان، كم كنا مخطئين، لقد حطمنا الإله والإنسان سويًا”.
- معاملة الناس بعضهم بعضًا بخُلق حسن بهدف نفع الإنسانية وتعمير الأرض لا يُغني عن الإيمان بالخالق والالتزام بالأخلاق العالمية تحت مظلة الدين، لأن تعمير الأرض والخُلق الحسن ليسا الغاية للدين، لكنهما في الحقيقة وسيلة. فغاية الدين أن يُعرِّف الإنسان بربِّه، ثم بمصدره هو وطريقه ومصيره، ولا يتحقق حُسن النهاية والمصير إلا بالحصول على رضا رب العالمين من خلال عبادته مباشرة وطاعته، والسبيل إلى ذلك يكون بتعمير الأَرض والخُلق الحَسن.
- يقول علي عزت بيجوفيتش: “الأخلاق كظاهرة واقعية في الحياة الإنسانية، لا يمكن تفسيرها تفسيرًا عقليًا، ولعل في هذا الحجة الأولى والعملية للدين. فالسلوك الأخلاقي، إما أنه لا معنى له، وإما أن له معنى في وجود الله، وليس هناك اختيار ثالث. فإما أن نسقط الأخلاق باعتبارها كوْمة من التعصُّبات، أو أن نُدْخل في المعادلة قيمة يمكن أن نسميها الخلود، فإذا توافر شرط الحياة الخالدة، وأن هناك عالمًا آخر غير هذا العالم، وأن الله موجود، بذلك يكون سلوك الإنسان الأخلاقي له معنى وله مبرر”.
- المساواة بين البشر عبارة عن خصوصية أخلاقية وليست حقيقة طبيعية أو مادية أو عقلية، فالناس من المنظور المادي أو الطبيعي أو العقلي بلا شك غير متساوين، وتأسيسًا على الإيمان بالخالق والدين فقط يستطيع الضعفاء المطالبة بالمساواة، فالقول إن البشر متساوون ممكن فقط إذا كان الإنسان مخلوقًا لله.
- مما قرأت وأعجبني: إن الملحد عندما ينكر وجود الإله بسبب وجود الشر فهو يناقض نفسه. يقر الملحدون أنهم لا يؤمنون بوجود إله، بدعوى أنهم لا يؤمنون إلا بما هو مادي محسوس، بالتالي ينكرون العالم الغيبي، من ملائكة، وجن، ورسالات سماوية، وأنبياء ومعجزات، ويعترفون في المقابل بالمادة «الطبيعة». والطبيعة أو المادة (البيئة) بإقرارهم محايدة تمامًا؛ لا تخضع لحتمية الشر ولا لحتمية الخير، فضلاً أن تكون خاضعة للأخلاق أو مصدرًا لها. وإذا كان الإنسان ابن الطبيعة، وماديًا محضًا، وفاقد الشيء لا يعطيه، فلماذا لم يكن الإنسان محايدًا هو الآخر عن الخير والشر والأخلاق؟ كيف يفتخر الملحد بأخلاقه بينما الطبيعة باعترافه لا تعرف الأخلاق حسب زعمه؟ هذا يعني أن المفاهيم الأخلاقية التي يفتخر بها الملحد هي هبة من الخالق التي ينكر هو وجوده، وهذا ما نصطلح عليه بالفطرة، التي أودعها الله فينا لنكون جاهزين لاستقبال رسالاته التي يبلغنا إياها بواسطة أنبياء ورسل، وهذه هي الرسالة، أما العقل فبه نتصل بالعالمين:
- غيبي ــ لأن جزءًا مهمًا من العقل تجريدي – فنتعقَّل الرسالات السماوية.
- المادي: لنستطيع إعماره وفق ما تمليه الرسالة السماوية الخُلقية.
يقول الملحد البريطاني ريتشارد دوكنز في كتابه: “النهر الخارج من جنة عدن”:
“إن الطبيعة ليست شريرة، لكنها للأسف غير مبالية، وهذا من أصعب الدروس التي ينبغي أن يستوعبها الإنسان، فمن الصعب علينا الإقرار بأن كل الأمور ليست خيرة أو شريرة، ليست رحيمة أو شرسة، إنها لا مبالية بكل آلام الإنسان، إذ ليس لدى الطبيعة أي هدف”.
- الإلحاد دعوة للقضاء على العقل، وتجاهل المنطق والفطرة السليمة، والتمسك بالخيال العلمي، كل ذلك باسم العلم! بدون الله، وكونه، وقوانينه، والأفكار التي أعطانا إياها، لن يكون هناك شيء يمكن للعلماء دراسته أو يمكن للملحدين إنكاره.
- علاقة الإنسان بخالقه يجب أن تكون أفضل وأقوى من أي علاقة، فلذلك فالمسلم يجب أن يحرص على تطبيق تعاليم الإسلام، وهذه العلاقة هي العلاقة الحقيقية التي ستجلب له الخير كله واحترام الآخرين.
- كثيرًا من الناس يمرون بفترة يعتريها الشك والبحث والضياع، ولا يجدون السلام التام والراحة إلا بعد أن يجدوا طريقهم لرب العالمين. تمامًا كطفل ضائع يبحث عن والدته، وعندما يجدها يشعر بالسكينة ويكتشف أن هذا الأمان الذي كان يبحث عنه. فبالتالي فإن الإلحاد هو إعلان فشل صريح في التوصل إلى الحقيقة.
- إننا حين نقتني حيوانًا أليفًا فأقصى ما نرجوه منه هو الطاعة، وهذا لأننا اشتريناه فقط ولم نخلقه، ولله المثل الأعلى، فما بالنا بخالقنا وبارئنا، ألا يستحق منا الطاعة والعبادة والاستسلام، ونحن مستسلمون رغمًا عنا في هذه الرحلة الدنيوية في كثير من الأمور، قلبنا ينبض، جهازنا الهضمي يعمل، حواسنا تدرك على أكمل وجه، وما علينا إلا أن نُسلِّم لله بباقي أمورنا التي خُيِّرنا فيها لنصل سالمين إلى بر الأمان.
- القول بأن فكرة الإيمان ما هي إلا كقصص الأطفال المسلية أو رؤى المنام الجميلة التي تُسلي الإنسان عن همومه ولكن ليس أكثر لا أساس له. فالإيمان بوجود خالق عظيم قد خلقنا لهدف وينتظرنا بعد الموت نعيم أبدي هو حقيقة راسخة في قلوبنا، وهذه الحقيقة الجميلة أفضل من كابوس الإلحاد الذي يجعل الإنسان لا شيء، أتى من لا شيء، ويصير إلى لا شيء. هل يقبل الملحد رد ابنه عليه عندما يسأله ماذا يريد أن يصبح عندما يكبر ويقول له: لا شيء؟ إنه لن يقبل هذا الرد وسوف يعمل المستحيل لحث ابنه على العمل والدراسة والاجتهاد ليكون شخصًا ذا قيمة في المستقبل. فالحياة قصيرة، والموت يأتي فجأة، وكل ما نملك في هذه الحياة من مال وولد زائل، فإما أن نموت ونتركه خلفنا، أو قد نفقده في حياتنا قبل موتنا.
- الحياة ليست سوى فصل واحد من رواية تتعدد فصولها فالموت ليس نهاية القصة بل بدايتها. الإنسان خُلق لهدف عظيم وسامي، والإنسان الكيس الفطن الذي يخطط للحياة بعد الموت.
- إنه ليس من المنطق أن نحكم على عمل درامي دون أن نتابعه للنهاية، ولا أن نرفض كتابًا لأن الصفحة الأولى لم تعجبنا، هذا الحكم يُعتبر ناقصًا.
والفرصة لا زالت موجودة ما دام الإنسان على قيد الحياة، وهي فرصة الإيمان بالخالق الواحد الأحد الذي ليس له شريك في ملكه ولا ولد، ولا يتجسد في صورة إنسان ولا حيوان ولا صنم أو حجر، وعبادة هذا الخالق مباشرة، واللجوء إليه بالطلب عند الحاجة والتوبة عند المعصية مباشرة دون قديس ولا قسيس ولا أي وسيط.
وهذا هو الدين الذي يُعرف بدين الإسلام.
إن اعتناق دين الإسلام سهل وبسيط. كل ما يجب فعله هو الشهادة لله بالوحدانية ولنبيه محمد بالرسالة والعمل بمقتضاها، وذلك من خلال قول جملة معروفة بشهادة الإيمان، وهي:
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله
وأشهد أن جميع رسل الله حق
وأشهد
أن الجنة حق والنار حق.
مواضيع ذات صلة:
مرجع:
كتاب الإلحاد – إعلان فشل أم نجاح؟
فاتن صبري
كتاب لماذا الدين؟ رحلة من الذاكرة
فاتن صبري
كتاب وهم الإلحاد، د. عمرو شريف
كتاب شفاء لما في الصدور، د. هيثم طلعت
Atheism, A Giant leap of Faith, Dr. Raida Jarrar