الحق هو القول المطابق للواقع:

لطالما لفت انتباهي خلال تجوالي حول العالم الاستخدام الغريب لبعض المصطلحات من قبل بعض الشعوب للتعريف عن النفس أو عن الغير.

أذكر أنني واجهت مواقف مضحكة بسبب تعريف خادمة المنزل الأفريقية لصديقاتها وبنات وأبناء قريتها على أنهم إخوتها، حتى قلت لها يومًا مازحة: ما هذا العدد الكبير من الإخوة والأخوات، أنتم تصلحون لتكوين فريق كرة قدم.

أنا لا أنكر بالطبع إخوة جميع البشر في نسبتهم لآدم أبو البشر، لكن علمني الدين الإسلامي أن الوضوح ووضع الأمور في نصابها هو أساس الحياة السليمة القائمة على الحق الذي جاء الإسلام ليقيمه على الأرض.

الإيمان بإله واحد وهو الخالق، الذي ليس له شريك ولا ولد، وعبادته وحده بدون قسيس ولا قديس وبلا حجر أو صنم أو أي وسيط.

ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّـهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ“. (سورة الحج:62)

فجاء الإسلام ليقيم الحق بخصوص خالق الكون أولا، ثم ليقيم الحق بخصوص المخلوقات.

قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَتٍ مِّنْهُ ۚ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا ” . (سورة فاطر:40)

الآية تشير هنا إلى أن عبادة غير الله تتضمن الادعاء بأنهم آلهة، والإله لابد أن يكون خالقًا، والدليل على أنه الخالق يكون إما بمشاهدة ما خلقه في الكون، وإما بوحي من الإله الذي ثبت أنه خالق، فإذا لم يكن لهذا الادعاء دليل، لا من خلق الكون المشهود، ولا من كلام الإله الخالق، كانت بالضرورة باطلة.

كان بعض العرب يعتقدون أن الرجل الذكي له قلبان، وكان الواحد منهم إذا غضب من زوجته قال لها أنت كأمي، وكان الواحد منهم يتبنى ابن غيره وينسبه إلى نفسه كأنه ولده، كما يفعل الناس الآن في الغرب. فحَكَمَ الله تعالى على كل هذه الدعاوى بأنها مجرد كلام لساني، وأنها مُخالفة للحق.

مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ۚ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ ۚ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ ۖ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ “. ( سورة الأحزاب :4)

وهذا هو الفرق بين الحق والباطل، فالحق يعكس العلم الحقيقي المطابق للواقع، وأما الباطل فهو وهم.

الإسلام يحث على كفالة اليتيم، ويحث كافل اليتيم على أن يعامل اليتيم كمعاملته لأبنائه، لكن يُبقي الحق لليتيم لكي يتعرف على أسرته الحقيقية، لحفظ حقه في ميراث أبيه، ولتجنب اختلاط الأنساب.

إن قصة الفتاة الغربية التي عرفت بالصدفة بعد ثلاثين عامًا أنها ابنة بالتبني وانتحرت، هي أكبر دليل على فساد قانون التبني. لو كانوا أخبروها منذ الصغر لرحموها، ولأعطوها الفرصة لكي تبحث عن أهلها.

ولهذا كان من الضرورة التعريف السليم والصحيح لكل فرد من أفراد المجتمع، سواءً كانوا من الأخوة، أولاد العم، الأصدقاء، أو الغرباء، وهكذا.

إنصاف اللغة للجميع:

اليوم وفي ظل وجود المطالبات من قبل الشواذ بإلغاء ما يسمى بتحيز اللغة، واتهام اللغة بعدم الإنصاف باحتوائها على أسماء الإشارة التي تشير إلى الذكر بطريقة مختلفة عن اشارتها إلى الأنثى، والسعي لتوحيد المسميات والألقاب لتسهيل أمور حياتهم الشاذة، والتي هي عبارة عن خرق لقوانين الطبيعة، نجد أنفسنا نحن كمسلمين في اضطرار لفتح باب النقاش لإقناع بعض المفسدين بعدالة اللغة، والتي وضعت الأمور في نصابها التي خلقها الله عليه، وذلك بالإقرار بوجود ذكور وإناث في هذه الحياة، لهم طبيعة فسيولوجية مختلفة،

يطالبون بتوحيد المسميات والألقاب والجنس والهوية، ليجد الإنسان نفسه يومًا لا يدري هل من يعالجه طبيب أم طبيبة، وما هي هوية من يكلمه، وما هو جنس من يجلس إلى جانبه.

فنجد أنفسنا بذلك ندافع عن الثوابت الكونية التي خلقها الخالق، والتي هي أصلا من المسلمات و البديهيات.

إنصاف الدين للجميع:

أذكر قصة لمدرِّسة اللغة الفرنسية، وهي أفريقية من دولة “بنين” المجاورة لمدينة لاغوس حيث كنا نُقيم، والتي كُنت قد أبلغتها بعد المحاضرة بحاجتي لخادمة للمنزل تتكلم اللغة الفرنسية، لكي أتمكن وأولادي من مُمارسة اللغة الفرنسية معها، فتفاجأت بقولها: أنا مُستعدة لأن أعمل خادمة لديكِ.

قلت لها: أنتِ مُدرَستي ولك احترامك عليّ.

قالت: أنت لطيفة للغاية، ولكنني فعلاً بحاجة لهذا الأمر، فأنت تعرفين أنني آتي كل يوم من دولة “بنين” المجاورة لهذه المدينة، وأنا بحاجة إلى سكن، وسوف أنظف لكِ البيت صباحاً وأعمل في المركز مساءاً، وأنا لاحظت أنكم ودودون جداً، مع أن كتابكم (القرآن) لم يتحدث عن الحب أبداً، ولا حتى عن حب الخالق لعبيده، وكيف يحبهم وهو يُضيق عليهم في العيش.

قُلت لها: بالنسبة للسكن، فتفضلي للسكن بدون عمل ولا مُقابل، فلدينا مُلحق خاص للعاملين ومُمكن أن تشاركيهم في المبيت.

أما بخصوص القرآن، فهل قرأتِ القرآن أصلا؟

قالت: لا، ولكنني سمعت بذلك.

قلت لها: لو قرأتِ القرآن لأدركتِ ما فيه من ذكر لرحمة الله وحُبه لعباده، ولكن حُب الله جل جلاله للعبد ليس كحب العباد بعضهم بعضاً، لأن الحب في مقاييس البشـر هو حاجة يفتقدها المحب، فيجدها عند المحبوب، ولكن الله جل جلاله غني عنا، فحب الله لنا حب تفضل ورحمة، حبُّ قويٍّ لضعيف، وحب غني لفقير، وحب قادر لعاجز، حبُّ عظيمٍ لصغير، وحب حكمة.

قالت: كيف هذا؟

قلت لها: ألا تأخذي بيد طفلك الصغير بكل حب إلى غرفة العمليات ليشقوا بطنه، وأنتِ واثقة تماما من حكمة الطبيب وحبه للصغير وحرصه على نجاته.

قالت: كيف يُحبهم وهو يُقيد حريتهم ولا يسمح لهم بأن يفعلوا ما يحلو لهم؟ ألم تسمعي بالفردانية؟ ألم تسمعي بهذا المفهوم المتطور، وهو أن قرارات الفرد يجب أن تكون مستندة على منفعته ومتعته الشخصية وهو مركز الاهتمام الرئيسي، أي أن مصالحه الشخصية تتحقق فوق اعتبارات البلد وتأثيرات المجتمع والدين، وتسمح له بتغيير جنسه، ويفعل ما يحلو له، ويرتدي ويتصرف في الطريق كما يُريد، فالطريق للجميع.

قلت لها: وهل تسمحين لأطفالك بفعل ما يحلو لهم بذريعة حبك لهم؟ هل تسمحي لابنك الصغير أن يُلقي بنفسه من نافذة المنزل أو يلعب بسلك الكهرباء المكشوف؟

قلت لها: عبارة الطريق للجميع صحيحة لكن فهمك لها خاطئ، لو كنت تسكنين مع مجموعة من الأشخاص في منزل واحد مشترك، هل كان سيعجبك تفسيرك لهذه العبارة؟ هل كنت ستقبلين بأن يقوم أحد شركائك في المنزل بعمل مشين كقضاء الحاجة في صالة المنزل بحجة أن المنزل للجميع؟ هل ستقبلين الحياة بهذا المنزل بدون قوانين ولا ضوابط تحكمها؟ فالإنسان بالحرية المطلقة يصبح كائنًا قبيحًا، وكما ثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه عاجز على تحمل هذه الحرية.

الفردانية لا يمكن لها أن تكون هوية بديلة عن الهوية الجامعة مهما كانت قوة الفرد أو نفوذه. أفراد المجتمع طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غنى لبعضها عن بعض. فمنهم الجنود والأطباء والممرضون، والقضاة، فكيف يتسنى لأي منهم أن يُغلب منفعته ومصلحته الشخصية على الآخرين ليحقق سعادته، ويكون هو مركز الاهتمام الرئيسي؟

قالت: وكيف تتحقق السعادة إذاً؟

قلت لها: السعادة في الفردانية، هي الانتصار، الهيمنة وامتلاك التكنولوجيا. لكن السعادة في الإسلام، هي القلب المطمئن، الزواج الناجح، المسكن الواسع، الجار الصالح، المركب المريح، المشاركة والتعاون.

وقد جعلت الحضارة الإسلامية والتي تشكلت من مزيج من مختلف الشعوب والقبائل الفردانية  كالرسم البياني، فجعلت حساب وجزاء، واجبات وحقوق، وكما يقع على الفرد العقاب أيضاً يُكافأ،

ولقد حرر الإسلام أيضاً الفرد من العصبية القبلية وأعاده إلى الفطرة السليمة، كمدني اجتماعي، يعيش في جماعة تحترمه وتُقدر إمكانيته التفكيرية وقدرته على التعايش مع الآخرين.

فالأمة المُطلعة للتقدم والتي تتبنى هدفاً سامياً، تنطلق من مفهوم الكيان الواحد، فلكل فرد اجتهاده وأفكاره وقدراته، لكن التطبيق يحتاج إلى الجماعة، وبالتالي يتساوى الجميع هنا حسب ما قدمه كل فرد.

وبذلك يكون الإسلام قد حدد علاقة الفرد بالمجتمع، وأوضح بأن الفرد ليس سوى جزءٍ صغير لا يتجزأ عن الهوية الجماعية التي بدورها تكفل ضبط إيقاع الحياة. مما أنتج مجتمعاً مستقراً وآمناً، لأنه كلما اختل التوازن بين الطبقات، ستظهر الصراعات، ويُفتقد الرضا في المجتمع.

فلم يعد المال هو المعيار الأعلى الذي يُميز مالكه عن الآخرين، ولا بالمال تتحقق القوة وقيادة العالم. القائد في النظام الإسلامي لا يُقيَّم بما يملك من مال، لكن بما لديه من عِلم وأخلاق وعدل، وبهذه الصفات وحدها استطاعوا سابقاً التقدم وتحقيق الانتصارات.

قال الرسول صلى الله عليه وسلم:

“مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” رواه مسلم.

قالت: الفردانية ترتبط بالشذوذ الجنسي بشكل مباشر، فلماذا لا تُحبون الشاذ جنسياً، فما لديه من مُيول، هو مسألة جينية طبيعية، ومُيول طبيعي، ويجب أن نحترمه.

قلت لها: وهل تحترمي مُيول السارق إلى السرقة؟ فهذا أيضاً مُيول، ولكنه في الحالتين مُيول غير طبيعي، إنه خروج على الفطرة البشرية، واعتداء على الطبيعة، ويجب أن يُقوَّم.

لقد خلق الله الإنسان وهداه إلى الطريق السليم، ولديه حرية الاختيار بين طريق الخير وطريق الشر.

وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ”   (البلد10)

ولذلك نجد أن المجتمعات التي تُحرِّم المثلية نادراً ما يظهر فيها هذا الشذوذ، والبيئة التي تُبيح وتُشجع على هذا السلوك، تزداد فيها نسبة المثليين، مما يدل على أن الذي يُحدد احتمال الشذوذ لدى الإنسان، هو البيئة والتعاليم المحيطة به.

ولذلك قال تعالى عن قوم لوط:

وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82   ” . (سورة الأعراف:80-82)

هذه الآية تؤكد أن الشذوذ ليس وراثياً، وليس من أصل تركيب الشفرة الوراثية للإنسان، لأن قوم لوط هم أول من ابتدع هذا النوع من الفاحشة. وهذا يتطابق مع أوسع دراسة علمية، والتي تُؤكد أن الشذوذ الجنسي لا علاقة له بالجينات الوراثية[1].

إن هوية الإنسان تتغير في كل لحظة، حسب مشاهدته للفضائيات، أو استخدامه للتكنولوجيا أو تعصبه لفريق كرة قدم مثلاً، فالعولمة صنعت منه إنساناً معقدا. فالخائن أصبح صاحب وجهة نظر. والشاذ أصبح صاحب سلوك طبيعي، وأصبح لديه الصلاحية القانونية للمشاركة في نقاشات علنية، بل وعلينا دعمه والتصالح معه.

وأصبحت الغَلبة لمن لديه التكنولوجيا، فإذا كان الشاذ هو الطرف الذي يمتلك أسباب القوة، فسيفرض على الطرف الآخر قناعاته. مما أدى إلى إفساد علاقة الإنسان بنفسه وبمُجتمعه وبخالقه. 

وبارتباط الفردانية بالشذوذ الجنسي بشكل مباشر، تلاشت هنا الفطرة الآدمية التي ينتمي لها الجنس البشري، وسقطت مفاهيم العائلة الواحدة، فبدأ الغرب بوضع حلول للتخلص من الفردانية، لأن الاستمرار بهذا المفهوم سيُضيع المكاسب التي حققها الإنسان المعاصر، كما أضاع مفهوم العائلة، وبالتالي ما زال الغرب حتى اليوم يُعاني من مُشكلة تقلص أعداد الأفراد في المجتمع، والذي أدى إلى فتح الأبواب لاستقطاب المهاجرين.

فالإيمان بالله واحترام قوانين الكون التي خلقها لنا، والالتزام بأوامره ونواهيه، هو طريق السعادة في الدنيا والآخرة.

فبالتالي فإن اللغة والدين قد أنصفوا الجميع ووضعوا الأمور في نصابها[2].

دعوة لرفع شعار العدالة لا المساواة:

وفي إطار الحديث عن ظلم اللغة للمرأة والمطالبات الغربية بتوحيد الجنس في مجال أسماء الإشارة للذكر والأنثى، قد أقر المسلمون للغرب بمساواة المرأة للرجل من الناحية الإنسانية والحقوق الفطرية التي يهدي إليها الدين، إلاّ أنهم كمسلمين وكبشر أيضاً يخالفونهم في المساواة الجسدية والمعنوية.

إذ نؤمن ككلّ فرد واقعي بوجود الفوارق الجسمية التي تقتضي تقسيم العمل بنحو ينسجم مع الفرق بحسب الخلقة،

وإلاّ فإذا نظرنا إلى المساواة في كلّ شيء، فإنّ النتيجة ستكون تردي الحالة النفسية والأخلاقية للمرأة حتماً. فالتفريق بين الرجل والمرأة يعلي من شأن المرأة ويحفظ كرامتها.

وأذكر هنا حوار طريف لي مع زائرة لاتينية كانت قد سألتني قائلة: هل بمقدور المرأة المسلمة أن ترتدي أقراط في أذنيها كبقية النساء. وقد أضحكني بشدة هذا السؤال وقُلت لها: المرأة المسلمة مِن البشر، لا تختلف عن نسائكم، لكنها فَطِنة، وتستطيع أن تُميز بين الحقوق والواجبات وإعطاء الأوليات، وعمل التوازن في تطبيق هذه المُصطلحات بصورة مُذهلة، والتي قد عجزت المرأة اللاتينية والغربية عن القيام به.

قالت: ماذا تقصدين؟

قلت لها: المرأة المسلمة فهمت مُصطلح” الخصوصية ” جيداً، فعندما أحبت أبيها وأخيها وابنها وزوجها، فهمت أن حب كلاً منهم له خصوصية، فحبها لزوجها وحبها لأبيها أو أخيها يتطلب منها إعطاء كلَّ ذي حق حقه. فحق والدها عليها من الاحترام والبر ليس كحق ابنها من الرعاية والتربية وهكذا.

فهي تفهم جيداً متى وكيف ولمن تُبدي زينتها، فهي لا ترتدي في لقاءها مع الغريب كما ترتدي مع القريب، ولا تَظهر بنفس الهيئة للجميع.

قلت أيضاً: المرأة المُسلمة هي امرأةُ حُرة، رفضت أن تكون أسيرة لأهواء غيرها وللموضة، ترتدي ما تراه مناسبٌ لها ويُسعدها هي، ويُرضي خالقها، انظري كيف أصبحت المرأة في الغرب أسيرةً للموضة ودور الأزياء، إن قالوا مثلاً أن الموضة هذا العام هي لبس البنطال القصير الضيِّق، تسارعت المرأة لارتدائه، بغض النظر عن ملاءمته لها أو حتى شعورها بالراحة عند ارتدائه مِن عَدمِه.

قلت لها مسترسلة: إنه لا يُخفيكِ وضعها عندما تحولت إلى سِلعة، ويكاد لا يخلو إعلان أو منشور من صورة امرأة عارية، مما يُعطي رسالة غير مباشرة للمرأة الغربية بقيمتها في هذا العصر.

إن بإخفاء المرأة المسلمة لمفاتن جسمها، تكون هي التي قد أرسلت رسالة للعالم، وهي: أنها إنسانة ذي قيمة، مُكرَّمة من الله، ويجب على من يتعامل معها، أن يحكم على عِلمها، ثقافتها، قناعاتها وأفكارها، ليس على مفاتن جسمها.

قالت: عجيب! هذا يُدعى لدينا بالإتيكيت.

قلت لها: نعم، والمرأة المسلمة فهمت أيضاً الطبيعة البشرية التي خلق الله الناس عليها، فهي لا تُظهر زينتها للغرباء لحماية المجتمع وحماية نفسها من الأذى، ولا أظنك تُنكرين حقيقة أن كل فتاة جميلة مُفتخرة بإظهار مَفاتنها للعلن، عندما تصل لسن الشيخوخة تتمنى لو أن كل نساء العالم ارتدين الحجاب.

قالت: هذا صحيح 100%

قلت لها متسائلة: هل قرأتِ عن احصائيات مُعدلات الوفاة والتشويه الناجمة عن عمليات التجميل؟ ما الذي دفع المرأة لأن تُقاسي كل هذا العذاب؟ لأنهم أجبروها على خوض مسابقة الجمال الجسدي عِوضاً عن الجمال الفكري، مما أخسرها قيمتها الحقيقية بل وحياتها أيضاً.

قالت: جميل جداً، هذه فلسفة عجيبة لم أسمع عنها من قبل.

وقالت: حسناَ وهل حقق الإسلام للمرأة المساواة مع الرجل؟

قلت لها: المرأة المُسلمة تبحث عن العدالة ولا تبحث عن المساواة، فمساواتها بالرجل تُفقدها كثيراً من حُقوقها وتميزها.

قالت: عجيب! وكيف ذلك؟

قلت لها: لنفترض أن لديك ابنان، أحدها يبلغ من العمر 5 سنوات والآخر 18 سنة. وأردتِ شراء قميص لكلِّ منها، فالمُساواة هنا تتحقق في أن تشتري لهما القميصين بنفس المقاس، مما يتسبب في مُعاناة أحدهما، لكن العدالة أن تشتري لكل واحد منهما مَقاسه المناسب، وبالتالي تتحقق السعادة للجميع.

قلت لها مُستطردة: تُحاول المرأة في هذا الزمن إثبات أنه بإمكانها أن تفعل كل ما يفعله الرجل. غير أنه في الواقع، المرأة تفقد تفردها وامتيازها في هذه الحالة. فإن الله خلقها لتقوم بما لا يُمكن أن يقوم به الرجل.

لقد ثبت أن آلام الوضع والإنجاب من أكثر الآلام شدةً، وجاء الدين ليُعطي المرأة التكريم المطلوب مُقابل هذا التعب، ويُعطيها الحق بعدم تحملها لمسؤولية النفقة والعمل، أو حتى أن يتقاسم زوجها معها مالها الخاص كما هو الحال لديكم. وفي حين لم يُعطي الله الرجل القوة على تحمل آلام الولادة، لكن أعطاه القُدرة على صُعود الجبال مثلاً.

قالت: لكنني أحب أن أصعد الجبال، وأستطيع فِعل ذلك كالرجل تماماً.

قلت لها: حسناً، بإمكانك أن تصعدي الجبال كالرجل وتعملي وتكدّي، لكن في النهاية أنتِ من سيضع الأطفال أيضاً، ويقوم برعايتهم وإرضاعهم، فالرجل في كل الأحوال لا يستطيع القيام بهذا، وهذا مجهود مُضاعف عليكِ، كان بإمكانك تفاديه.

مما لا يعرفه الكثيرون، هو أنه إذا أرادت امرأة مسلمة المطالبة بحقوقها من خلال الأمم المتحدة، والتنازل عن حقوقها في الإسلام، فستكون خسارة لها، لأنها تتمتع بحقوق أكثر في الإسلام. فالإسلام يُحقق التكامل الذي خُلق من أجله الرجل والمرأة مما يُوفر السعادة للجميع.[3]


مقال مفھوم الفردانیة المطلقة والفرد في الأمة بقلم: مروان صباح، جريدة الوطن.

[1] موسوعة الكحيل

https://www.nature.com .

[2] مقتبس من كتاب لماذا الدين؟ رحلة من الذاكرة. فاتن صبري.

[3] مقتبس من كتاب لماذا الدين؟ رحلة من الذاكرة. فاتن صبري.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *