قام الباحث جورج سميث في عام 1872 بعمل اكتشاف صدم العالم به. وذلك في أثناء دراسته للوح مستقل من آثار حضارة ما بين النهرين، مر على قصة كانت معروفة لديه. وعند نجاحه بقراءة النص وفك رموزه، أدرك أن ذلك اللوح يحتوي على حكاية عراقية ( المذكورة في جلجامش ) مشابهة لما ذكر في العهد القديم عن طوفان نوح تحديدًا سِفر التكوين، وبغض النظر عن كون الحكاية أسطورة بالنسبة لهم أم عقيدة فوجودها دلالة على وجود أصل لها صحيح وغير مشوه.
الحكايات عن غمر الأرض بمياه الفيضان يمكن أن نراها في النصوص السومرية القديمة، الاغريقية، أمريكا الوسطى ، الصين، أمريكا الشمالية، وفي الجزء الشرقي من كولومبيا، وهذا على سبيل المثال لا الحصر.
من أقدم وأمتع القصص التي وُجدت نجد أنها أبدعت في الميثولوجيا الهندية، في حين وجود فروقات فيما بينها، إلا أنها تحمل تشابهات رائعة مقارنة مع قصة طوفان نوح.
قال الخالق:
وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ(38)فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ(39)حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ(40)وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (هود)
تم العثور على الحكاية الهندية في عدة مصادر . فحين أن القصة الأولى تقول بأنها كُتبت في الفيدا (شاباتا برامناها)، نجدها في قصة لاحقة في البروناوس متضمنة في( البهاجافاتا بورنا) و( المستايا بورنا)، كما في (المهابهاراتا).
بغض النظر عن ذلك، كل تلك القصص تصل إلى نتيجة واحدة وهي الاتفاق على الشخصية المحورية في الطوفان المسمى”مانو فيفاستا”. وعلى التوازي مع نبي الله نوح عليه السلام، يوصف “مانو “على أنه رجل بار وفاضل: هنالك حيث عاش في ذلك الزمن قديس اسمه “مانو”، وعن طريق علاقته المباشرة و تواصله و طاعته، حاز على مرتبة الصلاح بالنسبة لإله السماء كما كانوا يعتقدون. قال تعالى:
لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (اﻷعراف:69).
لقد قيل أن “مانو” لديه من الأولاد ثلاثة قبل الطوفان، “تشارما”، “شيرما”، “يابيتي /يافيتي”، وعلى الطرف الآخر كان لنوح أيضًا ثلاثة أولاد، “حام”، “سام”، “يافث”. الذين انتشروا في أنحاء اﻷرض ومنها بلاد الهند والسند لينشروا عقيدة التوحيد بعد الطوفان.
كانت نجاة سفينة نوح والمؤمنين من الغرق، بمثابة نقطة انطلاق وإعادة عقيدة التوحيد (عبادة رب السماوات واﻷرض) مرة أخرى الى الأرض، وذلك من خلال نجاة هؤلاء الموحدين. وحيث أيقن هؤلاء أن سبب النجاة من الطوفان هو التوحيد والإخلاص، بدأوا حياتهم من جديد بالمحافظة على هذه العقيدة وتعليم أبنائهم إخلاص العبادة لرب العالمين وأن لا يجعلوا له شريكًا ولا ندا ( أن لا يجعلوا له ولد أو زوجة، أو أن يطلقوا لقب إله على أي مخلوق من مخلوقاته سبحانه وتعالى).
لكن ومع مرور الزمن اتبع كثيرٌ من البشر أهواءهم وابتعدوا مرة أخرى عن طريق الصواب والتعاليم الصحيحة التي جاءهم بها رسلهم وأنبيائهم.
كما أن العديد من الأنبياء والرُّسل الذين أرسلهم الخالق للأمم المختلفة، ذُكرت أسمائهم في القرآن الكريم (مثل المسيح، موسى، إبراهيم، نوح، داود، سليمان، إسماعيل، إسحق ويوسف، إلخ….)، هناك آخرون لم يذكروا.
فليس من المستبعد كون أصل بعض الرموز الدينية المقدسة في الديانات الوضعية أنبياء قد عبدتهم أقوامهم وقدستهم على مر الزمن من دون الله. كما فعل قوم نبي الله نوح عندما قدسوا وعبدوا الصالحين منهم.
وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ … (النساء :164).
يدعى الكثير أن وجود تشابه بين قصة قرآنية وأسطورة هندوسية أو بوذية مثلاً يعد دليل على عدم صحة القرآن، وأنه نسخ ما في أساطير الأولين. لكن في الواقع أن وجود تشابهات بين القصص دليل على صحة القصة. فوجود الأسطورة لا يعني عدم وجود أصل صحيح لها، والذي جاء به القرآن الكريم.
ويقولون في المثل:
لا دخان بلا نار.
منذ مئة عام كان القرآن بعيدًا عن العلم. وبدأ العلم يقترب أكثر وأكثر من القرآن مع أن العلم متغير والقرآن ثابت.
وبهذا المقياس نستطيع أن نثبت صحة قصص القرآن التي جاءت لتصحح الأساطير وإعطاء القصة الحقيقية.
كتاب: دين عالمي
فاتن صبري