يتسائل الكثير عن مدى أهمية العبارة التي يرددها المسلم دائمًا والتي تقول:
الحمد لله على نعمة الإسلام.
حيث يقولون:
ما الذي يفتخر به المسلم؟ وما الميزة التي يختص بها الإسلام عن غيره من الديانات؟
فنقول لهم:
المسلم يحمد خالقه أن هداه ووفقه لعبادته وحده، فهو لا يعبد شجرة ولا حجر، ولا يعبد إنسان ولا حيوان، وينزه الخالق عن فكرة التجسد في أحد مخلوقاته، وينزه الخالق عن أن يكون له شريك في الملك أو ولد، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا، ويلجأ المسلم الحق إلى خالقه مباشرة وليس من خلال قديس ولا قسيس، ولا يلجأ لقبور الأولياء، ولا يسأل ويطلب المغفرة من الرسول ولا من أحد من أهل الرسول.
أي أن المسلم يفخر بتواصله المباشر مع ملك الملوك.
بدأت رسالة الإسلام منذ ظهور الإنسان على الأرض – منذ عهد آدم[1] عليه السلام – وحتى محمد خاتم النبيين والتي هي رسالة واضحة وصريحة وطريق واحد للخلاص أرسلها الخالق مع رسل وأنبياء إلى جميع أمم الأرض والمتمثلة بعبادة الخالق وحده، وليس بعبادة الرسول أو أي شئ آخر، و الإيمان بأن الخالق ليس له شريك ولا ولد، ولا يأتي إلى الأرض متجسداً في صورة إنسان أو حيوان أو صنم، والدعوة للتواصل مع الله (الخالق) مُباشرة، بدون قسيس ولا قديس، وإخلاص العبودية له وحده والتوجه إليه والتسليم بقضائه وقدره. والايمان بكتبه ورسله وملائكته واليوم الآخر.
وبعث مع رسله الكتب السماوية، والتي تبين الأحكام والمناهج والشرائع لهذه الأمم حسب الحاجات، والواجب على الشعوب اتباعها والتي عليها سيحاسبون.
إن وجود الرسل والأنبياء بين أقوامهم بمثابة المشكاة التي تنير الطريق لأتباعهم، وتبين لهم وسيلة الحصول على الخلاص، وذلك باتباع تعاليم هذا النبي أو الرسول وأفعاله بعبادة الخالق وحده، وليس بعبادة النبي أو أي شي آخر.
وكان رب العالمين يختار أكثر الرجال ورعا وتقوى في قومه في ذلك الزمان ليكون نبياً وحكما بينهم ولتذكيرهم بعبادة ربهم. غير أن الناس مع مرور الوقت حادوا عن الطريق السليم واتبعوا أهوائهم وعبدوا غير رب العالمين وجعلوا الأنبياء وغيرهم وسطاء بينهم وبين ربهم واتخذوهم آلهة.
إلا أن أمة النبي محمد خاتم النبيين الأمة الوحيدة التي حافظت على رسالة الإسلام ورسالة التوحيد على مر العصور دون تغيير، وبقي القرآن الكريم الكتاب الوحيد بدون تغيير ولا تبديل، كما نزل على الرسول الكريم. وإنه لمن المنطق أن تكون الرسالة الأخيرة هي الإصدار الاخير والصحيح والذي رضيه رب العالمين على من سواه من الكتب السابقة التي نالها التحريف والتبديل.
“…..ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ …..” (قرآن 5: 3)
يشمل الإسلام الايمان بكافة الرسل الذين بعثهم الله للبشر دون تمييز. وإن إنكار أي رسول أو نبي يتعارض مع مفهوم العقيدة الإسلامية. وأن هذا من شأنه إنشاء رابطة قوية مع الآخرين الذين يؤمنون بالديانات السماوية.
” آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ” (قرآن 2: 285)
كما أن العديد من الأنبياء والرسل الذين أرسلهم الله للأمم المختلفة ذُكرت أسمائهم في القرآنَ الكريم (مثل نوح، إبراهيم، إسماعيل، إسحق، يعقوب، يوسف، موسى، داود، سليمان، عيسى إلخ….)، هناك آخرون لم يُذكروا. فإن احتمالية كون بعض الرموز الدينية في الهندوسية والبوذية (مثل راما، كريشنا، وغواتاما بوذا) أن يكونوا أنبياء ارسلهم الله هي فكرة غير مستبعده.
وقد تتذرع بعض الشعوب الحالية بأن الله لم يبعث فيهم رسولاً ولا نبياً كما أرسل للعرب النبي محمد.
فيجيب عليهم القرآن قائلاً:
“وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ۗ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ” (قرآنَ 40: 87)
يُحافظ الإسلام على القيم والكرامة الإنسانية، ويعلمنا أن الناس متساوون في الحقوق والواجبات. ويدعو إلى السلام والعدالة من خلال توفير الأمان للجميع ويكفل التضامن الاجتماعي وحسن الجوار والحفاظ على الأموال والممتلكات والوفاء بالعهود والمبادئ السامية الأخرى. وهي مبادئ يتشارك فيها مع أتباع الديانات الأخرى ليؤكد أن أصل الديانات السماوية هو واحد.
“…..وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ” ( قرآن 35:24)
كما يؤكد الإسلام على احترام الآخرين ودعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة.
“ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” (قرآن 16: 125)
كما يرفض الإسلام استخدام أساليب الغلظة والشدة أو اللجوء للعنف في التوجيه والتعبير.
“فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ” (قرآن 3: 159)
“وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ” [3] (قرآن 21 : 107 )
يفرض الإسلام على الناس احترام العهود والمواثيق ويشدد على اجتناب الخيانة، والتعامل بوضوح وشفافية مع الأخرين بما فيهم الأعداء.
“وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ”(قرآن 8: 58)
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۗ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ” (قرآن 5 : 1)
“وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ” (قرآن 16: 91)
الإسلام يقدر الحياة. فلا يجوز مقاتلة المسالِمين والمَدنيين كما يجب حماية الممتلكات والأطفال والنساء حتى في أثناء الحروب. كما لا يجوز التشويه أو التمثيل في القتلى فهي ليست من أخلاق الإسلام.
“وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ”(قرآن 2: 190)
“لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴿٨﴾ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿٩﴾” (قرآن 60 : 8-9)
“مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ” (قرآن 5: 32)
الإسلام يحكم جميع جوانب السلوك الإنساني، ويبني أمم قوية وحضارات عظيمة. طوال تاريخه، وضع الإسلام الأساس للبحث العلمي ووّفر حرية الفكر.
كما أن الإسلام أَسسّ الأرضية المبنية على العدل والتسامح واحترام المبادئ الإنسانية وتشجيع غير المسلمين على المشاركة في الإنجازات. كل ذلك ساهم في قيام حضارة عظيمة من مختلف الاجناس والأعراق.[4]
إن الإسلام يستنكر المفهوم المعاصر والدخيل للإرهاب والذي يتمثل في الاعتداء على الآخرين وتخويف المَدنيين والمسالمين. كما يستنكر قتل الجرحى والسجناء والنساء والأطفال وتدمير الممتلكات واستخدام الوسائل غير الأخلاقية لتحقيق الأهداف (فليس من مفهوم الاسلام أن الغاية تبرر الوسيلة).
“قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ” (قرآن 6: 151)
إن الإسلام يضع نظامًا قويًا للأخلاق، ومنهاجا سليما لتطهير الروح من الأنانية والشح والحقد وغيرها من الصفات التي تؤدي إلى الظلم والاضطهاد وعدم الانضباط، كما ويدعو إلى التلطف في التعامل والود والكرم والرحمة والسلام نحو كافة الخلق وفي جميع المواقف ويشجع على التحلي بالصبر والحلم والتسامح.
إن الإسلام يخلق بشرًا مدركاً للخالق واعيًا بالله يعمل لغاية وهدف، يمتلك التقوى لا هوادة لديه في أمر الباطل والشر، ليكون خليفة في الأرض وليكرس مُثُل الله العليا، ويقوموا على عمارة الأرض ويفيدون شعوبها.
وإن قصر بعض المسلمون اليوم في اتباع تعاليم دينهم العظيم، ولم يأخذوا العلم بطريقة صحيحة، فهذا راجع لضعفهم البشري، ولا علاقة له في دين الله في شئ.
[1] آدم أول البشر خلقه رب العالمين.
[2] . مكة مدينة موجودة حاليا في المملكة العربية السعودية. ومكة هي المدينة التي بداخلها الكعبة وهو البيت الحرام والذي يعتقد المسلمون أنه أول بيت وضع للناس لتوحيد وعبادة رب العالمين.
[3] استخدام ضمير الجمع في نحن او انا أو نون الجمع في اللغة العربية هو إشارة لرب العالمين ويفيد العظمة والقدرة وأنه جامع لكل صفات الجمال والجلال والكمال. وفي اللغة الإنجليزية تسمى بنحن الملكية والتي ستخدمها الملك او العاهل او السلطان في خطاباته للإشارة لنفسه او الإشارة لشخص ذو منصب أو رتبة عالية. وعند الاشارة الى وحدانية الخالق والتفرد له بالعبادة يستخدم ضمير المفرد.
[4] نجحت الحضارة الإسلامية في اظهار حرية العقل والفكر. وكان دين الإسلام نفسه مسؤولاً ليس فقط عن إنشاء حضارة عالمية شارك فيها أناس من خلفيات عرقية مختلفة، لكنه لعب دورًا رئيسيًا في تطوير الحياة الفكرية والثقافية على نطاق لم يسبق له مثيل من قبل. منذ حوالي ثمانمائة عام، كانت اللغة العربية هي اللغة الفكرية والعلمية الرئيسية في العالم.
مرجع:
كتاب لماذا الإسلام ؟
فاتن صبري