إن بإمعان النظر في مُعتقدات الشعوب نكتشف أن غالبية الأمم التي لديها موروث ديني و رموز دينية مختلفة لا تزال تُؤمن بوجود خالق للكون والذي تلجأ إليه عند الشدائد. مما يُؤكد أن هذه الديانات والمعتقدات لها أصول تاريخية نابعة من ديانة أصلية واحدة صحيحة.
وأن ما لدى الشعوب الحالية من تراث ديني يحتوي بداخله على عقيدة التوحيد والإيمان بإله واحد والتفرد بعبادته.
وأن هناك دلائل وشواهد في هذه الديانات والكتب على الرغم من تحريفها تشير إلى أن جذورها وأصولها ترجع إلى عقيدة التوحيد.
دين الفطرة:
كل مولود يولد على فطرته الصحيحة عابدًا لله بدون وسيط (مسلمًا)، فهو دون تدخل الأهل يعبد الخالق ويلجأ إليه بالسؤال والاستغاثة والطلب مباشرة، حتى سن البلوغ، فيصبح محاسَبًا على أعماله، فحينها إما أن يأخذ المسيح وسيطًا بينه وبين الخالق باللجوء إليه بالطلب والاستغاثة ليصبح نصرانيًا، أو أن يتخذ بوذا وسيطًا ليصبح بوذيًا، أو كريشنا ويصبح هندوسيًا، أو أن يتخذ محمدًا وسيطًا ليحيد عن الإسلام تمامًا، أو أن يبقى على دين الفطرة عابدًا للخالق وحده. فلو توجه الجميع مباشرة للخالق لتوحدت البشرية.
قال الخالق:
“قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ“ (آل عمران: 64).
قال محمد رسول الله:
“ما مِن مَولودْ إلا يُولَد على الفِطرة، فَأبواه يُهَودانه أو يُنَصرانه أو يُمَجسانه” (رواه البخاري ومسلم).
على سبيل المثال: عندما يدرك ركاب طائرة سقوطها الحتمي، فعلى اختلاف دياناتهم وطوائفهم يتوجهون إلى القوة التي في السماء لنجدتهم بما فيهم الملحدين والمشككين، وفي هذه اللحظة يكونوا قد توحدوا على دين الاسلام، لكن عندما يتقينوا من نجاتهم فإنهم يعودون إلى اتخاذ الوسطاء ليتفرقوا من جديد.
فكما توجه الجميع نحو الخالق مباشرة في الضراء، فكان لا بد لهم التوجه إليه مباشرةً في السراء والضراء.
“فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ” (العنكبوت:65).
وأذكر تعليقًا لطيفًا من مسن ألماني عندما شرحت له تعريف دين الإسلام أن قال لي:
هذا دين جديد لم أسمع به من قبل، وهو منطقي وتتوحد به البشرية. أنا أعيش بين مسلمين لكن لم أفهم الإسلام بهذه الصورة أبدًا.
قلت له:
هذا هو الدين العالمي القديم الجديد والأبدي منذ عهد آدم عليه السلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وهو: عبادة خالق الكون واللجوء إليه مباشرة. وهو الخالق الواحد الأحد الذي خلق آدم من غير أب ولا أم، وخلق المسيح من غير أب، فهو الذي يخلق ولا يلد. وعلى البشر ترك عبادة الأصنام و ترك عقيدة الثالوث، وترك اللجوء إلى الوسطاء من قساوسة وقديسين وأولياء، وعدم اللجوء إلى القبور و عدم اللجوءإلى نبي الله محمد أو لأي فرد من آل بيته، أو اللجوء لأي من أنبياء الله بالطلب والاستغاثة.
وعلى جميع البشر أيضًا الإيمان بجميع الأنبياء من آدم إلى محمد، بما فيهم موسى والمسيح عليهم صلوات الله أجمعين.
ولو طبق هذا الدين جميع أهل الأرض لتوحدت البشرية.
والمسلم يحترم حرية اختيار غير المسلم لدينه، ولا يظلمه ولا يسرقه، ولا يبخس حقه، ولكن لا يعترف بدينه الغير الصحيح على أنه دين صحيح، لأن الدين الصحيح دين واحد، والخالق واحد.
وتقصير المسلمين في تبليغ الرسالة الصحيحة للإسلام، أو معاملتهم السيئة لغير المسلمين، أو تخلفهم العلمي بعد أن كانوا رواد العلم المادي والمؤسسين له ليس له علاقة في الدين الصحيح في شئ.
فدين الإسلام دين مثالي، لكن المسلمين غير مثاليين.
وجود الخالق:
إن الإيمان بالخالق يقوم على حقيقة أن الأشياء لا تظهر بدون سبب، ناهيك أن الكون المادي المأهول الضخم وما فيه من مخلوقات تمتلك وعيًا غير ملموس، وتطيع قوانين الرياضيات غير المادية.
وإنه لشرح وجود كون مادي محدود ومتغير، نحتاج إلى مصدر مستقل، غير مادي، ثابت وأبدي.
ولا يمكن للصدفة أن تكون موجدة للكون، لأن الصدفة ليست سببًا رئيسيًا، وإنما هي نتيجة ثانوية تعتمد على توافر عوامل أخرى (وجود الزمان، المكان، المادة والطاقة) لكي يتكون من هذه العوامل شيء بالصدفة. فلا يمكن استخدام كلمة “صدفة” لتفسير أي شيء لأنها لا شيء على الإطلاق.
الإيمان بإله:
لابد للإنسان من الايمان، سواءً كان الإيمان بالإله الحق أو بأي إله باطل. يمكن أن يسميه إلهًا أو يسميه أي شي آخر، وقد يكون الإله شجرة أو نجمًا في السماء أو امرأة أو رئيسه في العمل أو نظرية علمية أو حتى هوىً في نفسه، لكن لابد له من الإيمان بشيء يتبعه ويقدسه ويرجع له في نهج حياته وقد يموت لأجله، وهذا ما نسميه العبادة. فعبادة الإله الحق تحرر الإنسان من “العبودية” للآخرين والمجتمع.
الإله الحق:
الإله الحق هو الخالق، وعبادة غير الإله الحق تتضمن الادعاء بأنهم آلهة، والإله لا بد أن يكون خالقًا، والدليل على أنه الخالق يكون إما بمشاهدة ما خلقه في الكون، وإما بوحي من الإله الذي ثبت أنه خالق، فإذا لم يكن لهذا الادعاء دليل، لا من خلق الكون المشهود، ولا من كلام الإله الخالق، كانت هذه الآلهة بالضرورة باطلة.
قال الله تعالى:
“وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ” (النحل :20).
وإلهُكم إِلهٌ واحد:
منذ عهد آدم أبو البشر، كان الخالق يختار الأتقى في قومه كرسول لهم كلما حُرِّفت رسالة النبي السابق وحادوا عن الطريق المستقيم، واختلفوا فيما بينهم بعبادة غير خالقهم، ولتقديم أجوبة شافية لهم على الأسئلة الوجودية التي تدور في خلدهم (مصدر وجودهم والهدف من وجودهم ومآلهم بعد الموت).
“وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ …” (النحل: 36).
وقد استخدم الخالق في الآية السابقة صيغة الجمع في الإشارة إلى نفسه للدلالة على عظمته سبحانه وتعالى.
تتلخص رسالة الرُّسل بما يلي:
- الإيمان بأن لا إله إلا الله (الخالق) وحده، الذي ليس له شريك ولا ولد، وهو الخالق والرازق للكون وما يحتويه.
- اجتناب الطاغوت (الوثنية). بمعنى الالتزام بعبادة الله وحده بدون وسيط، كما فعل الرسول، وليس عبادة الرسول نفسه باللجوء إليه بالطلب، أو جعله إلهًا.
- اتباع الشريعة التي جاء بها الرسول مناسبة لزمانهم. مع تصديق الرسالات السابقة في أصل التوحيد، ومن ضمن وصايا الرُّسل البشارة بقدوم خاتم النبيين، محمد عليه الصلاة والسلام، والحث على الإيمان به واتباعه لمن أدرك زمانه أو سمع عن رسالته لاحقًا.
- فعل الخيرات واجتناب السيئات، استعدادَا للقاء الخالق بعد الموت للحساب، ومن ثم الثواب أو العقاب.
كما أنَّ العديد من الأنبياء والرُّسل الذين أرسلهم الخالق للأمم المختلفة، ذُكرت أسمائهم في القرآن الكريم (مثل المسيح، موسى، إبراهيم، نوح، داود، سليمان، إسماعيل، إسحق ويوسف، إلخ….)، هناك آخرون لم يُذكروا.
فليس من المستبعد كون أصل بعض الرموز الدينية المقدسة في الديانات الوضعية أنبياء قد عبدتهم أقوامهم وقدستهم على مر الزمن من دون الله. كما فعل قوم نبي الله نوح عندما قدسوا وعبدوا الصالحين منهم.
“وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ …” (النساء :164).
وكما تشابهت القيم والأخلاق والطموحات بين الشعوب، اشتركوا أيضًا في أصل الدين، وقد وُجدت شواهد على ذلك من كتبهم المقدسة رغم تحريفها، بينما حُفظ خاتم هذه الكتب- القرآن الكريم- من التحريف.
ونذكر فيما يلي بعض هذه الشواهد:
قل هو الله أحد:
في الإسلام:
(الإخلاص: 1-4)
“قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) “.
في المسيحية:
(إنجيل مرقس 12: 29)
” فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: ‘إِنَّ أَوَّلَ كُلّ الوَصايا هيَ: اسْمَعْ يا إِسْرائِيل. الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ'”.
في المسيحية / اليهودية:
(سفر أشعياء 43: 11)
“أنا الرَّبْ وَليْسَ غَيْرِي مُخَلّصْ”.
(سفر أشعياء 46: 9)
“… لأَنِّي أَنَا اللهُ وَلَيْسَ آخَرُ. الإِلهُ وَلَيْسَ مِثْلِي”.
في الهندوسية:
( Chandugya Upanishad 6: 2-1)
“إنَّه إلهٌ (كيان) واحدْ فَقطْ ليسَ لهُ ثاني.”
في السيخية:
( Sri guru Granth Sahib. Vol:1, Japuji, verse11)
” يُوجدْ هُناكَ إلهٌ واحدٌ يُسمَّى الحَقيقة. الخالق”.
في المجوسية (الزرادشتية):
( Dasatir, Ahura Mazda, Yasna 31: 7- 11)
“هُو واحدْ؛ هُو بِدون بِداية أو نِهاية. ليسَ لهُ أبْ أو أمْ، زوجة أو وَلد”.
في البوذية:
( India in Primitive Christianity- صفحة 85)
يقول أحد العلماء المشهورين- آرثر ليلي- أن الكلام التالي كان منحوت على حجر. (ما كان يعتقد به تلاميذ بوذا عن الإله، الروح ومستقبل الإنسان).
“نَعْترِف ونُؤمِن بالإله، الذَّي هو كائن يستحق من أجل هذا (إيمان) “.
ليس كمثله شيء:
في الإسلام:
(الشورى: 11)
“… لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير”.
في المسيحية / اليهودية:
(سفر الخروج 20: 3 – 5)
“لا يَكُنْ لَكَ آلِهَة أخْرَى أَمَامِي. لا تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا، وَلا صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. لا تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ… “.
في الهندوسية:
(VedasSvetasvataraUpanishad: 4:19، 4:20، 6: 9)
” الإِلهْ لا يُوجَدْ له آباءْ ولا سَيّد”.
” لا يُمْكِنْ رُؤيَتهِ ، لا أَحدْ يَراهُ بالعَيْن.”
“لا يُوجَد شَبيه لَه”.
لا تدعوا مع الله أحدا:
في الإسلام:
(الجن:18).
” وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا “.
في المسيحية:
(إنجيل ماثيو 4: 10)
” حِينَئِذٍ قالَ لهُ يَسوع: ‘اذْهَبْ يا شَيطانْ لَأنَّهُ مَكْتوب: للرَّبْ إِلهَكْ تَسْجُد وَإيَّاهُ وَحْدَه تَعْبُد’ “.
في اليهودية:
(سفر التثنية11: 16)
“فاحْتَرزوا مِن أنْ تَنْغوي قُلوبكم وتَعبدوا آلهةً أُخرى وتَسْجدوا لها “.
في الهندوسية:
(Yajurverda 9:40)
“يَدْخُلون الظُلمات، أُولئِكَ الذينَ يَعبدون العَناصِر الطبيعِيَّة (الهَواء ، الماء والنَّار ، إلخ). يَغْرَقونَ في الظُّلمات، أُولئك الذينَ يَعْبُدون سامْبوتي (أشياء مصنوعة باليد مثل الوثن، الحجر، إلخ)”.
معرفة الخالق:
إنه يكفي لأن نقول بين الجماهير من أصحاب الديانات: الخالق إله واحد، لأجابوا بصوت واحد: نعم، نعم الخالق واحد. لكنهم قد يختلفون وقد يذبح بعضهم البعض على نقطة واحدة وهي: الصورة التي يتجسد بها الخالق. فمنهم من يقول: الخالق واحد، لكنه يتجسد في ثلاثة أقانيم أو له ولد، ومنهم من يقول: يأتي الخالق بصورة حيوان أو صنم.
فالإسلام ليس توحيد الربوبية فقط (الإيمان بإله واحد)، بل وتوحيد الإله في العبادة (توحيد الألوهية بمعنى عبادته وحده). إن الإيمان بإله واحد موجود في ديانات كثيرة، وكان موجود في عقيدة كفار قريش (قوم النبي محمد) أيضًا؛ فعندما سُئلوا عن سبب عبادتهم للأصنام قالوا: لتقربنا إلى الله زُلفى، فهم لا يُنكرون وجود الله.
قال الخالق:
“...وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ …” (الزمر:3).
وكان ذلك كله بسبب الجهل بالمفهوم الحقيقي للخالق، مما أدى إلى تشويش الأذهان وبالتالي اللجوء إلى الإلحاد، والتساؤل عن أسباب وجود الخالق وغيرها من الأسئلة المشككة بوجوده.
الخالق خلق قانون السببية، فلا يخضع له، بمعنى أنه قبل كل شيء، وبعد كل شيء، وأنه لا يحيط به شيء من مخلوقاته. لذلك فهو لا يتغير، ولا يمر بنفس المراحل الزمنية التي نمر بها بخضوعنا للوقت، ولا يتعب، ولا يحتاج إلى وضع نفسه في شكل مادي. فلا يمكننا رؤيته، لأننا محاصرون في الزمان والمكان. فعلى الشخص الذي يجلس في غرفة بلا نوافذ مثلاً، مغادرة الغرفة لرؤية ما في الخارج.
ومع أن الخالق فعالٌ لما يريد وله طلاقة القدرة، فيجب أن نُسلّم أيضًا بأنه لا يفعل ما لا يليق بجلاله، تعالى عن ذلك علوًا كبيرا.
ولله المثل الأعلى: فعلى الرغم من استطاعة رجل دين ذو منزله رفيعة الخروج الى الملأ عاري الجسد، فإنه لا يفعل ذلك، لأن هذا التصرف لا يليق بمكانته الدينية.
حق الخالق على العباد:
في القانون البشري، المساس بحق الملك أو صاحب الأمر لا يستوي مع غيرها من الجرائم. فما بالك بحق مَلك الملوك. إن حق الله تعالى على عباده أن يُعبد وحده، وحق العباد هو الحصول على علاقة مباشرة معه، وبالتالي الحصول على الأمان في الدنيا والآخرة. إنه يكفي لأن نتخيل أن نهدي أحدا بهدية ويشكر هو شخصًا آخر ويتوجه له بالثناء. ولله المثل الأعلى فهذا حال العباد مع خالقهم، أعطاهم الله ما لا يُعد ولا يُحصى من النعم، وهم بدورهم يشكرون غيره. والخالق في كل الأحوال غنيٌّ عنهم.
عندما يجد الإنسان نفسه غني جدًا وكريم للغاية، فإنه سوف يدعو الأصدقاء والأحباب إلى الطعام والشراب. صفاتنا هذه ما هي إلا جزء بسيط مما عند الله، فالله الخالق له صفات جلال وجمال، هو الرحمن الرحيم، المعطي الكريم، لقد خلقنا لعبادته، كما تسبحه وتعبده كل مخلوقات الكون. وخلقنا ليرحمنا ويسعدنا ويعطينا، إن أخلصنا له العبادة وأطعناه وامتثلنا أمره، وكل الصفات البشرية الجميلة مشتقة من صفاته.
إنه خلقنا ومنحنا القدرة على الاختيار، فإما أن نختار طريق الطاعة والعبادة، وإما أن ننكر وجوده ونختار طريق التمرد والمعصية. وهذا بلا شك أعظم درجةً وتكريمًا للإنسان من الإجبار على الطاعة المؤدي إلى لسعادة المزيفة.
قال الله تعالى:
“وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ”(الذاريات:56).
التوحيد طريق الخلاص:
يؤكد الإسلام على عصمة الأنبياء من الخطأ فيما يُبلغوا عن الخالق، ولا عصمة ولا وحي لقسيس أو قديس، ومن المحرم تمامًا في الإسلام اللجوء لغير الخالق في الاستعانة والطلب، حتى لو كان الطلب من الأنبياء أنفسهم. والطلب من الخالق عز ومن غيره مذلة. فهل يُعقل أن يُساوى بين الملك وعامة الشعب بالطلب؟
قال الله:
“لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ۖ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ …” (الرعد:14).
وقال على لسان رسوله:
” قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ” (الأعراف:188).
وقال أيضًا:
“قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ” (الكهف:110).
الإسلام دين جميع أنبياء الله:
عندما لجأ آدم عليه السلام إلى الخالق مباشرة بالتوبة من الذنب الذي اقترفه بأكله من الشجرة المحرمة، كان أول من طبق دين الإسلام على وجه الأرض، وبقبول الخالق توبة آدم يتجلى العفو الأول لرب العالمين عن البشر، وبالتالي تعلمت البشرية كيفية التوبة والرجوع إلى الخالق مباشرة عند المعصية بهذا النموذج العملي الذي كان من تقدير الخالق. وقد علم آدم ذريته هذا الدين العظيم. وهذا هو دين الإسلام الذي جاء به جميع أنبياء الله لاحقًا.
فعلى سبيل المثال في زمن النبي إبراهيم عليه السلام، من كان يعبد الخالق وحده كان على دين الإسلام، وهو الدين الحق، لكن من اتخذ قسيسًا أو قديسًا بينه وبين الخالق خلال التوبة من ذنب أو اللجوء بالطلب كان على الباطل.
فأتباع ابراهيم عليه السلام كان دائمًا عليهم عبادة الله وحده، وشهادة أن لا إله إلا الله، وأن إبراهيم رسول الله. وبعث الله موسى عليه السلام لتصديق رسالة إبراهيم، أتباع إبراهيم عليه السلام كان عليهم قبول النبي الجديد، وشهادة أن لا إله إلا الله وأن موسى وإبراهيم رسل الله. فمن كان يعبد العجل في ذلك الوقت مثلاً كان على الباطل.
أرسل الخالق المسيح عيسى عليه السلام لتصديق رسالة موسى عليه السلام، وقد خلقه من غير أب كما خلق آدم من غير أب أو أم، حيث أن الخالق يخلق ولا يلد. كان على أتباع موسى تصديق المسيح واتِّباعه، وشهادة أن لا إله الا الله، وأن المسيح، وموسى وإبراهيم رسل الله. فمن اعتقد بالثالوث وعبد المسيح وأمه مريم الصديقة كان على الباطل.
وعندما جاء محمد عليه الصلاة والسلام لتصديق رسالة من قبله من الأنبياء، كان على أتباع المسيح وموسى قبول النبي الجديد، وشهادة أن لا إله الا الله، وأن محمد، والمسيح، وموسى وإبراهيم رسل الله. فمن يعبد محمد أو يتوسل إليه أو يطلب المعونة منه فهو على الباطل.
قال الخالق في خاتم كتبه القرآن الكريم:
“وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ” (آل عمران: 85).
مرجع:
كتاب لماذا الدين؟ رحلة من الذاكرة
كتاب المفهوم الحقيقي للإله
فاتن صبري