في زيارة نادرة لرهبان معبد بوذي من دولة تايلاند، وكانوا ثلاثة رهبان قد جاءوا برفقة وفد دبلوماسي من السفارة التايلندية، وكان الرهبان يرتدون ما أشبه بملابس إحرام المسلمين، ولكن برتقالية اللون. وقد أُعطينا تعليمات في بداية الزيارة أن الرهبان لا يصافحون النساء، وأنهم عند أخذ الصورة التذكارية معي داخل المسجد كمشرفة للجولة، يجب أن أركع مع طاقم عمل السفارة على رُكبي، بينما يبقى الرهبان واقفين على أرجلهم، باعتبارهم أعلى مقامًا من الجميع.
قلت لهم:
أما بالنسبة للمصافحة فأنا لا أصافح الرجال، لكن بالنسبة للصورة، فلن أتصور إلا واقفة، ولا أركع إلا لله، فإذا لم يَرُق لكم هذا، فسوف أخرج من الصورة، فوافقوا والتُقطت الصورة لنا، وأنا واقفة إلى جانب الرهبان على مسافة بعيدة، وطاقم السفارة جالسون على الأرض.
قال لي أحد الرهبان وكان أكثرهم إجادةً للغة الإنجليزية:
ما هي تعاليم دينكم؟
قلت له:
تعاليم ديننا شبيهة بتعاليم دينكم، ولكن نحن نتبعها كاملة، وأنتم اختصرتموها.
قال:
وكيف ذلك؟
قلت له:
الوصايا التي لديكم بخصوص احترام حقوق الإنسان، بما فيها عدم القتل واحترام حق الجار والعطف على المسكين، موجودة في تعاليم كل ديانة على وجه الأرض، بما فيها الهندوسية واليهودية والنصرانية، وهي في الإسلام أيضًا. لكن الفرق بين الإسلام وباقي الديانات، أن باقي الديانات همشت الوصية الأولى وتغاضت عنها، وأبقت على الباقي.
قال:
وما هي الأولى؟
قلت له:
الإيمان بإله واحد أحد، والذي يُلجأ إليه عند الشدائد.
قال:
أتقصدين جوتاما بوذا؟
قلت له:
لا. أنا أقصد الحقيقة الوحيدة والقوة التي في السماء، خالق بوذا وكل البشر، والذي يلجأ إليه الجميع حين تنقطع بهم السبل، ويستنفدون كل الوسائل لنجاتهم من الأزمات.
قلت له مستطردة:
ألا يلجأ البوذي عند خوفه الشديد من صوت الرعد، إلى القوة التي في السماء لطلب الحماية؟
قال:
نعم. ولكن ما الدليل أن هذه كانت من ضمن الوصايا التي نتبعها؟
قلت له:
الدليل أنكم تمارسونها دون أن تشعروا، ودون أن تكتبوها في كتبكم. وقد علمكم بوذا الإسلام بإقراره أن الموت حق، وإعطائه وصف للحياة الأبدية التي لا موت فيها ولا ألم، وهي ما تُطلقون عليها اسم ” نيرفانا”.
يقول أحد العلماء المشهورين “آرثر ليلي”: إن الكلام التالي كان منحوت على حجر: (ما كان يعتقد به تلاميذ بوذا عن الإله، الروح ومستقبل الإنسان): “نعترف ونؤمن بالله، الذي هو كائن يستحق من أجل هذا (إيمان) “[10].
قال:
لكن بوذا إله.
قلت له:
وهل يقول إله عن نفسه: أنا لست أول بوذا ولن أكون آخر بوذا[11]؟
لم يطالب “جوتاما بوذا” أيًا من أتباعه أن يعبدوه هو كإله أو عبادة أي شيء أو أي شخص آخر، فالطريق الديني الذي انتهجه وسار عليه كان نفس الطريق الذي سار عليه بوذا آخر وتنبأ به من قبل. كما أن “جوتاما” استخدم كلمة “بوذا” بسياق كلمة “نبي” وعنى بذلك الشخص الذي يتم تنويره بالوحي الإلهي.
بوذا قال: “يجب على الجميع أن يُؤمنوا بـ (مايتريا) النبي القادم”[12].
تحمل كلمة “مايتريا” أو “ميتا” في اللغة البالية وجميع الكلمات المقابلة المستخدمة في البورمية والصينية والتبتية واليابانية نفس المعنى؛ وهي نفس كلمة “رحمت” باللغة العربية، والتي تعني “الرحمة”. (حيث أشار الله سبحانه في القرآنَ الكريم إلى النبي محمد بأنه رحمة للعالمين)[13].
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (الأنبياء: 107).
قال الراهب:
أوَ تُجزمون أن بوذا كان نبيًّا مرسل، وتنبأ بقدوم نبيكم؟
قلت له:
نحن لا نُجزم أبدًا، ولم يُذكر اسم بوذا أبدًا في القرآن الكريم، لكن نرى أن هناك تشابهات بين الديانات بصورة ملفتة للنظر، مما لا يُستبعد أن يكون مصدرها واحد وهو من الخالق، وقد اختلفت بسبب تحريفات البشر.
وقد أكد القرآن في أكثر من مناسبة أن الله أرسل إلى جميع الأمم رسلاً وأنبياء للتذكير بعبادة خالق واحد أحد، وذكر أسماء البعض، ولم يذكر آخرون.
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (النحل:36)
قال:
وهل من دليل على نبوة محمد في كتب الهندوسية أيضًا؟
قلت له:
نعم. “إنه نيراشانزا أو الشخص الممدوح (محمد) إنه كاراما: أمير السلام أو المغترب، وهو آمن، حتى بين مجموعة من ستون ألف وتسعون من الأعداء. إنه يركب الجمال، وتمس مركبته السماء”[14].
” نيراشانزا” “رجل الحمد” يشير إلى النبي محمد. المعنى الفعلي للكلمة العربية “محمد” هو: “الرجل المحمود”، وليس من المعروف بالضبط عدد أعداء النبي محمد في ذلك الوقت، ولكن ثبت أن هناك الآلاف.
عندما هاجر نبي الله محمد من مكة (المدينة التي وُلد فيها، لكنه اضطر إلى المغادرة بسبب مؤامرة اغتياله) إلى المدينة النبوية، ذهب على الجمل. قلت له مستطردة: ويوجد غيرها الكثير.
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (الأعراف: 158).
وقد انتهت الزيارة، وطلبوا تزويدهم بنسخ ترجمات معاني القرآن باللغة التايلاندية، وشكرونا كثيرًا.
كلمة أخيرة:
إن بإمعان النظر في معتقدات الشعوب نكتشف أن غالبية الأمم التي لديها موروث ديني و رموز دينية مختلفة لا تزال تُؤمن بوجود خالق للكون والذي تلجأ إليه عند الشدائد. مما يُؤكد أن هذه الديانات والمعتقدات لها أصول تاريخية نابعة من ديانة أصلية واحدة صحيحة.
وأن ما لدى الشعوب الحالية من تراث ديني يحتوي بداخله على عقيدة التوحيد والإيمان بإله واحد والتفرد بعبادته.
وأن هناك دلائل وشواهد في هذه الديانات والكتب على الرغم من تحريفها تشير إلى أن جذورها وأصولها ترجع إلى عقيدة التوحيد.
كل مولود يولد على فطرته الصحيحة عابدًا لله بدون وسيط (مسلمًا)، فهو دون تدخل الأهل يعبد الخالق ويلجأ إليه بالسؤال والاستغاثة والطلب مباشرة، حتى سن البلوغ، فيصبح محاسَبًا على أعماله، فحينها إما أن يأخذ المسيح وسيطًا بينه وبين الخالق باللجوء إليه بالطلب والاستغاثة ليصبح نصرانيًا، أو أن يتخذ بوذا وسيطًا ليصبح بوذيًا، أو كريشنا ويصبح هندوسيًا، أو أن يتخذ محمدًا وسيطًا بينه وبين الخالق باللجوء إليه بالطلب والاستغاثة ليحيد عن الإسلام تمامًا، أو أن يبقى على دين الفطرة عابدًا للخالق وحده. فلو توجه الجميع مباشرة للخالق لتوحدت البشرية.
قال الخالق:
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران: 64).
وأذكر تعليقًا لطيفًا من مسن ألماني عندما شرحت له تعريف دين الإسلام أن قال لي: هذا دين جديد لم أسمع به من قبل، وهو منطقي وتتوحد به البشرية. أنا أعيش بين مسلمين لكن لم أفهم الإسلام بهذه الصورة أبدًا.
قلت له:
هذا هو الدين العالمي القديم الجديد والأبدي منذ عهد آدم عليه السلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وهو:
- عبادة خالق الكون واللجوء إليه مباشرة. وهو الخالق الواحد الأحد الذي خلق آدم من غير أب ولا أم، وخلق المسيح من غير أب، فهو الذي يخلق ولا يلد.
- على البشر ترك عبادة الأصنام وترك عقيدة الثالوث، وترك اللجوء إلى الوسطاء من قساوسة وقديسين وأولياء، وعدم اللجوء إلى القبور وعدم اللجوء إلى نبي الله محمد أو لأي فرد من آل بيته، أو اللجوء لأي من أنبياء الله بالطلب والاستغاثة.
- على البشر الإيمان بجميع أنبياء الله من آدم إلى محمد بما فيهم المسيح وموسى عليهم الصلاة والسلام أجمعين.
- يجب على البشر الإيمان بيوم الحساب حيث يحاسب البشر على أعمالهم.
وتقصير المسلمين في تبليغ الرسالة الصحيحة للإسلام، أو معاملتهم السيئة لغير المسلمين، أو تخلفهم العلمي بعد أن كانوا رواد العلم المادي والمؤسسين له ليس له علاقة في الدين الصحيح في شيء.
فدين الإسلام دين مثالي، لكن المسلمين غير مثاليين.
من كتاب دين عالمي
فاتن صبري
[10] اقتباس من كتاب “الهند في المسيحية البدائية”، صفحة 85.
[11]Gospel of Buddha by Carus pg.217 and 218 (from Ceylon sources).
[12] Quote from the book “India in Primitive Christianity”, p. 85.
[13] “Arshagyanam”(Page282).
[14] Prophecy on The Coming of Prophet Muhammad in Other Scriptures – Zakir Naik