التقويم نظام وضعه الإنسان لتحديد الوقت، ملبيًا بذلك حاجته في تنظيم شؤون حياته، وفي تأريخ الحوادث التي تهمه. ويرتكز هذا النظام على تقسيم الوقت بالاستفادة من دوران الأرض حول الشمس (التقويم الشمسي) أو من دوران القمر حول الأرض (التقويم القمري)، أو من هذين الدورانين معًا.
يسألونك عن الأهلة:
فوجئت يومًا بهجوم عنيف من مشكك بأهمية التقويم القمري الذي اعتمدته الحضارة الإسلامية للمواقيت مدعيًا أنه تقويم بلا فائدة، حيث أنه لا يمكن تحديد بناءً عليه فصول السنة، وبالتالي مواسم الحصاد والزرع.
وقال مدعيًا:
جميع تقاويم العالم أفضل من التقويم الإسلامي في ذلك.
قلت له:
َإن التقويم القمري تقويم رباني سماوي كوني توقيفي قديم قدم البشرية ليس من ابتداع أحد الفلكيين، وليس للفلكيين سلطان على أسماء الشهور العربية القمرية، ولا على عددها أو تسلسلها أو أطوالها، وإنما يتم كل ذلك في حركة كونية ربانية.
وتم تحديد عدد الشهور السنوية في كتاب الله القويم:
قال تعالى في سورة التوبة ٣٦:
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)
ولقد كان التقويم اليهودي من قبل قمريًا ثم حوله حاخاماتهم إلى النظام الشمسي المختلط بحيث تكون شهوره قمرية وسنته شمسية و لأجل ذلك كانوا يزيدون شهرًا كل ثلاث سنين
جميع أمم العالم التي وصلتها رسالة سماوية واحدة من رب البشر بعبادته وحده قبل تحريف رسالتها، والاتفاق على أنه الواحد الأحد الذي ليس له شريك ولا ولد، ولا يتجسد في صورة إنسان ولا حيوان ولا صنم أو حجر، وعبادته مباشرة دون قسيس ولا قديس، وتطبيق شريعته ووممارسة شعائره على الطريقة التي أرسلها مع رسله.
وكانت الرسالة البسيطة عن مفهوم الخالق هي الدين الأصلي لكل شعوب الأرض قبل تحريفها وتعقيدها بتغيير المفهوم الحقيقي للإله وتصور أن الخالق يتجسد وما إلى ذلك، مما أدى إلى نشأة الإلحاد بسبب نفور الناس من المفاهيم المعقدة عن الخالق.
وبنفس بساطة هذه العقيدة جاءت بساطة التقويم القمري الذي شرعه الخالق لأتباع دينه الوحيد على مر الزمن باتباعه لاقامة شعائرهم.
قال تعالى في سورة البقرة:١٨٩:
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
وكون اليهود يقومون بعملية الكبس بزيادة الشهر كل ٣ سنوات ويستخدمون السنة القمرية الشمسية التي هي أعقد تقويم اليوم على وجه الأرض باعترافهم، فهذا لا ينفي أنهم أُمروا باتباع السنة القمرية الخالصة البسيطة لإقامة شعائرهم.
ففي العهد القديم جعل الله القمر للمواقيت.
“صَنَعَ الْقَمَرَ لِلْمَوَاقِيتِ. الشَّمْسُ تَعْرِفُ مَغْرِبَهَا.” (مزمور 104: 19).
وكان هناك حضارات سبقت الحضارة الإسلامية فى استخدام التقويم القمرى منها “الحضارة السومرية” حيث استخدموا التقويم القمرى، وكانوا يعتبرون السنة 354 يومًا، ويزيدون أيام اضافية بين كل مدة وأخرى لتفادي الفرق بين السنة القمرية والسنة الميلادية، وأيضًا من الحضارات التى استخدمت التقويم القمري الحضارة الرومانية، حيث استخدمته كتقويم رسمى للإمبراطورية الرومانية، وعدد الشهور فى السنة عشرة أشهر فقط.
كان العرب قبل الإسلام يستعملون السنة القمرية، وكان في هذه السنة 12 شهرًا قمريًا تضبط من رؤية الهلال إلى رؤيته ثانية في كل شهر، ولم يكن للعرب مبدأ ثابت يؤرخون به حوادثهم. لقد أرخوا في أول الأمر بالسنة التي بنى فيها إبراهيم عليه السلام الكعبة، وكان ذلك نحو 1855 ق.م، ثم اتخذ العرب انهيار سد مأرب مبدأ لتاريخهم وكان ذلك نحو عام 120 ق.م، كما استخدم العرب تواريخ أخرى منها موت كعب بن لؤي الجد السابع للرسول محمد عليه الصلاة والسلام، وكان ذلك في عام 60م، ورئاسة عمرو بن لحي سنة 260م، وعام الفيل سنة 571م وتجديد بناء الكعبة سنة 605م.
ويستخدم المسلم الشمس لتحديد مواعيد الصلاة اليومية. ويستخدم مطالع النجوم في تحديد مواسم الزراعة والحصاد ومواسم الشتاء والخريف والربيع. دون أن يضطر لمخالفة أمر ربه وأن يقوم بتعديل على التقويم الذي شرعه له خالقه ليوافق هوى نفسه، وكتقليد لمن حرفوا وابتعدوا عن شريعة خالقهم.
اهتم أبناء الجزيرة العربية منذ القدم بمطالع النجوم والنظر فيها ومعرفة منازلها، وذلك لارتباطها بحياتهم اليومية في الليل والنهار، فهم يعرفون من خلالها دخول فصول السنة ووقت نزول الأمطار ووقت البرد والحر، ومن خلال حساب النجوم يعرف أهل القرى والفلاحون متى يحرثون أراضيهم ومتى يبذرون استعدادًا لنزول المطر، وأهل البر يعرفون مواسم الرعي والسفر، وأهل البحر يعرفون مواسم الصيد والسفر. واستعان البحارة الصينيون المتوجهون إلى بحار الجنوب مسترشدين بنجم سهيل على سبيل المثال، الذي كان بمنزلة نجم قطبي جنوبي وكان العرب في الصحراء يسترشدون أيضاً به وهم يتوجهون صوب الجنوب والثريا نحو الشمال، كما يدل سهيل على القبلة في بلاد الشام
أسماء أشهر السنة القمرية:
تعجبت من سؤال هذا المشكك أيضًا عن أسماء الأشهر القمرية والتي عرفت عند العرب قبل الإسلام.
حيث قال:
لو أن نبيكم محمد استخدم السنة القمرية كما هي دون كبس وكانت الأشهر تدور على كافة فصول العام لما أطلقوا اسم ربيع الأول على هذا الشهر، فقد يأتي هذا الشهر في الخريف بناءً على التقويم القمري ويكون هذا بمثابة تناقض صارخ.
تعجبت من هذا الجهل الواضح وقلت له:
في كتاب الأزمنة والأمكنة ص ٤٧٠ الأصفهاني ورد ما يلي بما معناه:
“لا يستخدم العرب صيغة المذكر لأسماء الشهور إلا في ثلاث أشهر، شهر رمضان وشهرا ربيع، لأن الربيع وقت من السنة، فخافوا أن يعتقد البعض عندما يقال ربيع أنه الربيع الذي يأتي بعد الخريف”.
كان الربيع عند العرب ربيعيْن: ربيع الشهور، وربيع الأزمنة؛ فربيع الشهور شهران بعد صفر؛ وهما ربيع الأول وربيع الآخر.
وأما ربيع الأزمنة، فربيعان: الربيع الأول؛ وهو الفصل الذي تأتي فيه الكمأة والنَّوْر، وتطلق عليه العرب ربيع الكلأ، والثاني هو الفصل الذي تُدْرَكُ فيه الثمار، ومنهم من يسميه الربيع الثاني، ومنهم من يسميه الربيع الأول كسابقه.
فنفهم مما سبق أنه لا علاقة لموسم الربيع بشهر ربيع الأول أو الآخر.
وعلى سبيل المثال فيما يخص تسمية شهر رمضان، كما ورد في المزهر في علوم اللغة وأنواعها ١٥٧:١:
في الصحاح: أنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق رمضان أيام رمض الحر فسمي بذلك.
لقد اختلفت أسماء الأشهر القمرية إلى أن وصلت إلى صورتها المعروفة عليها من عهد كلاب الجد الخامس للرسول الله صلى الله عليه وسلم كما يذكر البيروني في سنة 412م.
أما الشهور الحالية فقد عرفت منذ أواخر القرن الخامس الميلادي ، ويشكل محرم بداية السنة الهجرية كما كان عليه الحال قبل ذلك في اعتباره أول السنة القمرية ،
وقد لجأ العرب قبل الإسلام إلى نظام النسيء الذي يعطيهم الحق في تأخير أو تسبيق بعض الأشهر المعروفة بالحرم وهي أربعة ( ذو القعدة ، ذو الحجة ، محرم ، رجب)، وكان النسأة أي من يتولون شؤون النسيء وهم كنانة يسمون بالقلامس وكان القلمس يعلن في نهاية موسم الحج عن الشهر المؤجل في العام التالي.
ولقد استمرت عادة النسيء حتى جاء الإسلام محرمًا إياها قال تعالى في سورة التوبة:
إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ۖ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ۚ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37)
وكان العرب يعتبرون كلا من الشهور الزوجية 29 يومًا ويسمونها ناقصة، وقد حاول العرب اعتماد سنة قمرية عن طريق كبس السنة القمرية لتصبح معادلة للسنة الشمسية و كانوا يضيفون تسعة أشهر كل 24 سنة قمري.
وكانوا يعدّون أدوار النسيء ويحدّون بها الأزمنة فيقولون قد دارت السنون من زمان كذا إلي زمان كذا دورة. فإن ظهر لهم مع ذلك تقدّم شهر عن فصل من الفصول الاربعة لما يجتمع من كسور سنة الشمس وبقيّة فصل ما بينها وبين سنة القمر الذي ألحقوه بها كبسوها كبسًا ثانيًا. وكان يبيّن لهم ذلك بطلوع منازل القمر وسقوطها حتّي هاجر النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم . وكانت نوبة النسيء كما ذكرت بلغت شعبان، فسمّي محرّمًا، وشهر رمضان صفر.
فانتظر النبي صلى الله عليه وسلم حينئذٍ حجة الوداع وخطب للناس وقال فيها:
ألاَ وإنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَهُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضِ.
إن الشهر القمري الواحد يدور علي كامل الفصول و ترك النبي تحريم الكبس حتي عاد الشهر لمكانه الطبيعي، الدليل إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض. أي أن السنة التي حج فيها صلى الله عليه وسلم حجة الوداع هي السنة التي وصل فيها ذو الحجة إلى موضعه، وليس المعنى أنه ألغى بعض الأيام، وقد بين صلى الله عليه وسلم أن تأخير الشهور وإبدالها وإلغاءها الذي كانت تفعله العرب في الجاهلية محرم.
فقال حينها السائل:
إن نبيكم هو الذي غير التقويم، بدليل الاختلاف بينكم وبين اليهود في يوم عاشوراء وهو اليوم الذي شق الله فيه البحر لنبيه موسى.
قلت له:
النبي عليه الصلاة و السلام لم يحرف التقويم العربي بل رده لأصله كما ذكرت سابقَا، حيث أعاد التقويم العربي إلى تقويم قمري خالص. فعندما شق البحر لموسي عليه السلام هل كان اليهود يستخدمون تقويمًا قمريًا خالصًا أم كانوا يكبسون و يزيدون أيامًا ليوافقوا الشهر الشمسي؟
طبعًا الإجابة هي أنهم كانوا يستخدمون أشهر قمرية خالصة و لم بظهر الكبس عند اليهود إلا لاحقًا!
والتقويم اليهودي كالتقويم الإسلامي، مبني على دورة القمر كل شهر يتم وينتهي بظهور الهلال الجديد. يتم تحديد الهلال الجديد في العصور القديمة بناءً على شهادة المراقبين في القدس.
قال السائل:
لكن هذا التقويم غير عملي، حيث أنني لو أعطيت شخصًا موعدًا أو لو حدد المدرس موعدًا لاختبار في يوم نهاية الشهر ك ٢٩ على سبيل المثال وصادف أن الشهر ٢٨ فستكون مشكلة.
قلت له:
في جميع أنحاء العالم لا يتفق التوقيت، فنجد أنه من أراد أن يحدد موعدًا ما أو إجراء مكالمة مع شخص في أمريكا، وهو في دولة عربية مثلاً، فسيختار الموعد المناسب الذي يتفادى به ساعات الليل والنوم لكلا الطرفين مثلاً، أو الصباح الباكر جدًا، والإجازات الرسمية وغير ذلك، فبناءً علي هذا المثال فإنه الممكن أن يتجنب الشخص أو المؤسسة أيام الشك في تحديد المواعيد في حال استخدمت الدولة التقويم القمري لتحديد الشهور والسنين.
قصة التقويم الهجري:
لقد استمر المسلمون فترة من الزمن على ما كانوا عليه من قبل حيث لم تعط السنوات تواريخ رقمية تدل عليها، وإنما أعطيت أسماء تدل على أشهر الحوادث ، وقد أخذت السنوات العشر التالية للهجرة وحتى وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، الأسماء التالية :
السنة الأولى : سنة الإذن (الإذن بالهجرة)
السنة الثانية : سنة الأمر (الأمر بالقتال)
السنة الثالثة : سنة التمحيص
السنة الرابعة : الترفئة
السنة الخامسة : الزلزال
السنة السادسة : الاستئناس
السنة السابعة : الاستغلاب
السنة الثامنة : الاستواء
السنة التاسعة : البراءة
السنة العاشر : الوداع
وكنا نسمع عن عام الطاعون ، أي طاعون عمواس، وعام الرمادة حتى خلافة عمر بن الخطاب ،
ماذا فعل عمر؟
سألني مسلم مشكك مدعيًا أن عمر بن الخطاب هو الذي غير التقويم الذي كان معتمدًا في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام إلى تقويم قمري صرف بعد أن كان قمري شمسي.
فهل ما قاله هذا المشكك صحيحًا؟
ما الذي فعله الخليفة عمر بن الخطاب بالضبط؟
لقد ورد في السنة الثالثة من خلافة عمر بن الخطاب كتاب من أبي موسى الأشعري – عامله على البصرة – يقول فيه:
إنه يأتينا من أمير المؤمنين كتب فلا ندرى على أي نعمل وقد قرأنا كتابًا محله شعبان فلا ندري أهو شعبان الذي نحن فيه أم شعبان الماضي!
عندها جمع عمر أكابر الصحابة للتداول في هذا الأمر ، وكان ذلك في يوم الأربعاء 20 جمادى الآخرة من عام 17هـ ، وانتهوا إلى ضرورة اختيار بداية التاريخ الإسلامي، وتباينت الآراء: فمنهم من رأى الأخذ بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من رأى ببعثته، ومنهم من رأى العمل بتقويم الفرس أو الروم، لكن الرأي استقر على الأخذ برأي علي بن أبي طالب الذي أشار إلى جعل بداية التقويم من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد اتخذ أول المحرم من السنة التي هاجر الرسول فيها الرسول صلى الله عليه وسلم بداية التاريخ الإسلامي، على الرغم من أن الهجرة لم تبدأ ولم تنته في ذلك اليوم، إنما بدأت في أواخر شهر صفر ووصل رسول الله صلى الله عليه وسلم مشارف المدينة يوم الاثنين الثامن من ربيع الأول ثم دخل المدينة يوم الجمعة 12 من ربيع الأول.
نفهم مما سبق أن عمر بن الخطاب لم يغير التقويم ولا الأشهر التي كانت متداولة ومعتمدة في زمن الرسول ولكنه حدد بداية السنة ونهايتها.
ومثال بسيط على ذلك هو كالذي يصف كتب مختلفة على حافة طاولة مستديرة الشكل فلا يدري الناظر إلى الطاولة بداية هذه الكتب من نهايتها، فيستبدلها بطاولة مستطيلة الشكل ليحدد مكان الكتاب الأول والكتاب الأخير.
ونفهم أيضًا أن عمر بن الخطاب لم ينفرد بهذا القرار ولكن القرار كان شورى بين المسلمين.
،
ولم يكن هذا التقويم بدعة، حيث نجد التقويم الميلادي قام على مثل هذه الطريقة، فقد ولد المسيح عليه السلام في 25 ديسمبر حسب ما يعتقدون، ولكن اختير الأول من يناير السابق له وليس اللاحق بداية للسنة الميلادية، لأن يناير كان مبدأ للسنين عند الرومان من قبل، وتوافق بداية التقويم الهجري يوم الجمعة 16 من يوليو 622م.
دقة التقويم القمري:
كان تأسيس عمر بن الخطاب رضي الله عنه للتقويم الهجري من أعظم إنجازاته الحضارية في إطار تنظيم الدولة الإسلامية كما اعتبر التقويم اليولياني من أعظم إنجازات يوليوس قيصر الحضارية، ولقد مر التقويم الشمسي بمراحل من الأخطاء الفلكية والحسابية وما زال بحاجة إلى التصحيح، فقد يحتاج المتخصصون إلى قرون للكشف عن تلك الأخطاء المتراكمة وهذا ما حدث بالفعل.
بينما التقويم القمري غير قابل للخطأ، ومعروف بدقته، لأن القاصي والداني والصغير والكبير يستطيع أن يحدد بداية الشهر القمري ونهايته ووسطه وما إلى ذلك، دون أن يستطيع أحد التلاعب بعقول الناس والتدليس عليهم بأي تغيير.
على سبيل المثال:
لاحظ البابا غريغوريوس الثالث عشر بابا روما اختلاف موعد الأعياد الثابتة ناتج من استخدام التقويم اليولياني عما كان في أيام “مجمع نيقية” وهو المؤتمر الذي عُقد في مدينة نيقية على ساحل الأناضول الغزبي لتحديد طبيعة المسيح(هل هو بشر أم إله). وقد كان أساس التقويم اليولياني يرجع إلى التقويم القبطي سنة 325 م، بحوالي بعشرة أيام، لأن الاعتدال الربيعي بعد أن كان 21 مارس (أذار) الموافق 25 برمهات في أيام مجمع نيقية سنة 325 م أصبح يقع في يوم 11 مارس (أذار) في سنة 1825م.
فلجأ لعلماء اللاهوت (الدين) ليعرف السبب فأقروا بأن ليس لديهم سبب لاهوتي أو كنسي، لأن الأمر يرجع إلي الفلك، فرجع لعلماء الفلك ولاسيما الفلكيان ليليوس Lilius وكلفيوس Calvius فعللوا بأن السبب مرجعه إلي أن الأرض تستغرق في دوراتها حول الشمس دورة واحدة ما يساوي 365 يوماً، 5 ساعات، 48 دقيقة، 46 ثانية، بينما كان يحسب في التقويم اليولياني 365 يوماً، 6 ساعات، فقط أي بفرق يساوي 11 دقيقة، 14 ثانية، ويتجمع هذا الفرق مكونًا يومًا واحدًا كل 128 سنة. وهذه الأيام تجمعت منذ مجمع نيقية سنة 325 م إلي سنة 1825 م إلي عشرة أيام.
ولما قرر البابا غريغوريوس تصحيح هذا الخطأ، قرر علماء الفلك إجراء هذا التعديل:
نام الناس ليلة 5 أكتوبر و استيقظوا صباح اليوم التالي علي أنه 15 أكتوبر لتلافي العشرة أيام التي تجمعت من أيام مجمع نيقية. كما ننام نحن عند ضبط الساعة الصيفية بإرجاع الساعة إلي الخلف ونعود ننام لنرد الساعة مرة أخري عند بدء التوقيت الشتوي.
كما وضعت قاعدة لضمان عدم زيادة هذه الأيام في المستقبل بحذف 3 أيام من كل 400 سنة لأن كل 400 سنة تحتوي علي 100 سنة كبيسة حسب التقويم اليولياني الذي يحسب السنة الرابعة كبيسة بلا قيد أو شرط.
وكمثال آخر على العبث في تقاويم الأمم الأخرى بالتقويم الميلادي (اليولياني) فقد نقل يوليوس قيصر بداية السنة من شهر مارس إلى شهر يناير في سنة 45 ق.م وقرر أن يكون عدد أيام الأشهر الفردية 31 يومًا والزوجية 30 يومًا عدا فبراير 29 يومًا، وإن كانت السنة كبيسة يصبح ثلاثون يومًا.
وتكريمًا ليولوس قيصي سمي شهر كونتليس (الشهر السابع) باسم يوليو وكان ذلك في سنة 44 ق . م وفي سنة 8 ق. م، غير شهر سكستيلس باسم القيصر الذي انتصر على أنطونيو في موقعة أكتيوم سنة 31 ق . م ، ومن أجل مزيد من التكريم فقد زادوا يومًا في شهر أغسطس ليصبح 31 يومًا ق . م بأخذ يوم من أيام فبراير وترتب على هذا التغيير توالي ثلاثة أشهر بطول 31 يومًا (7 ، 8 ، 9) نتيجة لذلك أخذ اليوم الحادي والثلاثين من كل شهري سبتمبر ونوفمبر وأضيفا إلى شهري أكتوبر وديسمبر، وقد حدث تعديل آخر في عهد الباب (غريغور الثالث عشر) الذي قام بإجراء تعديلات على التقويم اليولياني حيث عالج الثغرات الموجود في التقويم اليولياني، وقد عرف هذا التقويم باسم التقويم الغريغوري وهو التقويم الذي يُعمل به حاليًا (التقويم الميلادي).
كلمة أخيرة:
نفهم من مما سبق:
أن للتقويم الإسلامي استقلاليته وخصوصيته، ويختلف عن تقاويم الأمم الأخرى، حيث اعتمد التقويم القمري الرباني تقويمًا خاصًا بالأمة الإسلامية، ولقد كان التقويم اليهودي من قبل قمريًا، ثم حوله حاخاماتهم إلى النظام الشمسي المختلط، بحيث تكون شهوره قمرية وسنته شمسية.
وفي الوقت الذي عبثت أصابع الفلكيين بتقويم الأمم الأخرى في كل جزئية من جزئياتها وأسماء شهورها وأطوالها وهيئاتها وتسلسلها، فإنه لا سلطة للفلكيين أو غيرهم على التقويم القمري بحيث لا يستطيع أحد استبدال اسم شهر بشهر أو موقع شهر بشهر أو تزيد فيه يومًا أو تنقص منه يومًا، فهو تقويم كامل لا يحتاج إلى تعديل أو تصحيح، وهو رباني من تقدير العزيز العليم.
وأن الأمة الإسلامية كانت تستخدم الأشهر القمرية لحساب الشهور والأعوام، وتستخدم شروق الشمس وغروبها لمواقيت الصلاة ومواعيد الصيام في شهر رمضان. وتستخدم مطالع النجوم لتحديد موسم الزراعة والحصاد.
وصدق الله العظيم حيث قال في سورة الأنعام:
فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)
مواشيع ذات صلة: