كل ما يعبد من غير الخالق لا يؤدي إلى الاستقرار:
قال لي ألماني يوما:
أنا أرى تنوع الديانات وتعدد الآلهة عند البشر شئ جميل جدا ويثري الثقافات، مع أنني أؤمن بإله واحد أحد وهو الخالق.
فما الضرر من جعل المسيح صورة الخالق على الأرض كما عند النصارى، وجعل كريشنا صورة الخالق على الأرض كما عند الهندوسي، وهكذا.
قلت له:
إذا كان هذا التعدد للآلهة عندك شي جميل، فهو بالنسبة للخالق جريمة كبرى، وخيانة عظمى، وعقابها الخلود في النار.
هل يقبل الملك في مملكته تعدد الملوك؟
هل تقبل الأم في منزلها تعدد الأمهات لأطفالها؟
ألم يقل الخالق في الوحي المرسل عن طريق رسله: لا تجعل للخالق صورة?
وقلت أيضا:
كيف سيكون حال الإنسان لو كان يملك عقلين أو ثلاث؟ لن يتردد الإنسان في هذه الحالة في قول أن الفوضى ستعم المكان وستتضارب الأحداث، بل ولن تستقيم الحياة إلا إذا كان لكل إنسان عقل واحد يوجّهه وينظم حياته ويحميه.
فلو تأمل الإنسان في عقله لوجد الدليل على وحدانية الخالق كما هو الحال بضرورة وحدانية العقل. فكما أن العقل يرفض أن يتصور الإنسان بعقلين أو ثلاث، فمن الضروري أن لا يتصور وجود أكثر من خالق أو إله.
وسألته أيضا:
هل يغني رأيك الشخصي عن اتباع منهج خالق الكون؟
قال:
ولكن الإنسان حر بما يعتقد.
قلت له:
الحرية أمانة ومسؤولية، ووعي بالحق والالتزام به والإخلاص في طلبه.
إن وجود نظريات وقناعات متنوعة عند البشر لا يعني بعدم وجود حقيقة واحدة صحيحة، فمهما تعددت مفاهيم الناس وتصوراتهم على سبيل المثال عن وسيلة المواصلات التي أستخدمها أنا يوميًا للتنقل، لا ينفي حقيقة أنني أملك سيارة سوداء اللون، ولو اعتقد العالم بأسره أن سيارتي حمراء، فهذا الاعتقاد لا يجعلها حمراء، فهناك حقيقة واحدة وهي أنها سيارة سوداء. فلا يصح إلا الصحيح ولو اجتمع العالم بأسره على بطلانه، والخطأ واضح كوضوح الشمس ولو أقر بصحته جميع البشر
حريتنا في الاعتقاد والاختيار تسمح لنا بالتعايش السلمي، وهذا مطلوب، ولكن لا تستطيع جعلنا نقبل الخطأ على أنه صواب.
لم يعد للبشر مركز، ونعيش اليوم نحن البشر حالة تشتت و بحث عن شئ مركزي، فواقع البشر يجعله يغير كل شئ.
ما هو المبدأ الذي يجب أن يتخذه الإنسان لنفسه لتحقيق سعادة أبدية ؟
لقد بحثت كثيرا عن تعريف منطقي للمبادئ التي يرسمها البشر لأنفسهم، حتى سمعت عن اليوم العالمي لعدم الاستسلام، والذي أعلنته الأمم المتحدة.
يحتفل العالم بيوم الأمم المتحدة لعدم الاستسلام في الرابع والعشرين من أكتوبر تشرين الأول من كل عام، الذي يوافق الذكرى السنوية للميثاق التأسيسي للمنظمة.
في رسالته بمناسبة هذا اليوم، قال أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن الميثاق يجسد آمالنا “نحن الشعوب” وأحلامنا وتطلعاتنا.
وأضاف: “إذا كان عدم المساواة في ازدياد رغم تراجع الفقر المدقع، فنحن لا نستسلم لأننا نعلم أننا بالحد من عدم المساواة نفتح مزيدا من أبواب الأمل والفرص ونعزز السلام في جميع أنحاء العالم.”
وقال: “لئن كان إيقاع تغير المناخ يتسارع، فإننا لا نستسلم لأننا نعلم أن مكافحة ذلك التغير هي سبيلنا الوحيد. وإذا كانت حقوق الإنسان تنتهك في أماكن عديدة، فنحن لا نستسلم لأننا نعلم أن احترام حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية شرط أساسي لتحقيق السلام. وإذا كان عدد النزاعات يتضاعف والناس يعانون، فنحن لا نستسلم لأننا نعلم أن كل رجل وكل امرأة وكل طفل يستحق حياة ينعم فيها بالسلام.”
هذا ما قاله أمين عام الأمم المتحدة في هذا الصدد.
ولكن!!
هل الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان ممكن أن تتحقق بعيدا عن التسليم بوجود الخالق الذي يحدد هذه الحقوق؟
هل أولوية البشر هي الحفاظ على حق خالق المناخ والمخلوقات أولا، أم الحفاظ على حق المخلوقات؟
هل فعلا يجب على البشر عدم الاستسلام ؟ ولمن يجب ألا يستسلم البشر؟
هل حقيقة الموت تجعل من البشر قادر على عدم الاستسلام؟
هل يحق للبشر وضع حقوق و تعليمات ليسير عليها البشر؟
من الذي جعل الحق للإنسان؟
هل الإنسان هو الذي جعل الحق للإنسان؟
من أين له هذا الحق أصلاً؟
وإذا ثبت أنه لا حق له في تأسيس الحقوق، فما هو البديل إذًا؟
الإسلام هو الاستسلام لخالق الكون والوجود، وهو الاستسلام لحقيقة الموت والخلود بعد الموت.
- الخالق هو محور الكون.
- حق الخالق هو محور الحياة.
- وجود الخالق هو قيمة الحياة.
- من غير وجود الخالق لا قيمة للحياة.
إن حتمية نهاية الحياة لهو أكبر مؤشر على عدم وجود قيمة لها ولا قيمة للاعتناء بها من غير وجود للخالق.
ومن عمل من أجل الدنيا والناس فسوف يأخد أجره من الدنيا والناس حبًا وتقديرًا وشهرة وتعظيمًا وتمجيدًا. أما الآخرة فلها قوانينها الخاصة.
قال الخالق في سورة الكهف::
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)
يخبرنا الخالق في هذه الآيات الكريمة أن الناس قد تحسب أنها تفعل الخير، لكن جميع هذه الأعمال سوف تكون هباء يوم القيامة بسبب عدم تحقيق شرط قبول الأعمال والذي هو استسلام صاحب هذه الأعمال لرب العالمين.
لنتخيل أن طلاب مدرسة في السنة النهائية مجتمعين أجمعوا على حب شخص ساعد الجميع وكان لا يترك فرصة للدفاع عن قضاياهم وحل مشاكلهم وتأمين الطعام والشراب اليومي لهم على نفقته الخاصة، ولكن لم يكن أصلاً مسجل في المدرسة ولم يستعد ليوم الاختبار وأهمل معرفة أساسيات شروط اجتياز الاختبار.
هل للطلاب حق حينها بالمطالبة بأن يجتاز صديقهم الاختبار ويأخذ الشهادة؟
حقوق وكرامة الإنسان:
الخالق (الله، بمعنى الإله الواحد الأحد الحق) مالك لما يخلق، فبالتالي إن تصرفه في الكون ليس لأنه هو الخالق فقط؛ بل هو المالك، وتصرفه عن ملك وحكمه وعدل، و هو الوحيد الذي له الحق بتحديد الحقوق والحريات فيما يخص ملكه.
لقد أسس دين اﻹسلام لحقوق وكرامة اﻹنسان منذ 14 قرنًا:
قال الخالق:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (الحجرات:13).
مما قرأت وأعجبني:
ان المساواة بين البشر عبارة عن خصوصية أخلاقية وليست حقيقة طبيعية أو مادية أو عقلية، فالناس من المنظور المادي أو الطبيعي أو العقلي بلا شك غير متساوين فمنهم الطويل والقصير ومنهم الأبيض والأسود على سبيل المثال، وتأسيسًا على الإيمان بالخالق والدين فقط يستطيع البشر المطالبة بالمساواة، فالقول إن البشر متساوون ممكن فقط إذا كان الإنسان مخلوقًا لله.
قال تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ( النساء:١)
يقول علي عزت بيجوفيتش:
الأخلاق كظاهرة واقعية في الحياة الإنسانية، لا يمكن تفسيرها تفسيرًا عقليًا، ولعل في هذا الحجة الأولى والعملية للدين. فالسلوك الأخلاقي، إما أنه لا معنى له، وإما أن له معنى في وجود الله، وليس هناك اختيار ثالث. فإما أن نسقط الأخلاق باعتبارها كوْمة من التعصبات، أو أن نُدْخل في المعادلة قيمة يمكن أن نسميها الخلود، فإذا توافر شرط الحياة الخالدة، وأن هناك عالمًا آخر غير هذا العالم، وأن الخالق موجود، بذلك يكون سلوك الإنسان الأخلاقي له معنى وله مبرر.
قرار وقيمة:
عدم الاستسلام يعني تكرار المحاولات، فإما النصر بمعرفة الخالق والموت داعما لحقه تعالى، أو الموت مذموما مخذولا.
عدم الاستسلام يعني إعادة تقييم الخطوات والتعلم من الأخطاء والتوبة.
عدم الاستسلام يعني الثقة بوجود مخرج من كل مأزق والذي هو الثقة بالخالق.
عدم الاستسلام خاصية للمؤمنين، الواثقين، المطمئنين، والأقوياء المثابرين الطموحين.
عدم الاستسلام يعني الاستمتاع بالسعي لا بالنتيجة، وبالتالي الحصول على أروع مما نريد.
قال لي ملحد يوما:
لقد جئنا من لاشئ وسوف نذهب إلى لا شي.
قلت له:
سوف أروي لك قصة رمزية.
في أحد المواقع البنائية ذهب مدير العمل فشاهد ثلاثة عمال يقومون بتكسير بعض من الحجارة الصلبة الضخمة، فقام بسؤال كل منهم على حدا، فسأل العامل الأول:
“ما الذي تفعله؟”
فأجابه:
“أقوم بتكسير هذه الحجارة كما أمرني مديري في العمل”.
وسأل الثاني:
“ما الذي تفعله؟”
فأجابه:
” أقوم بعمل أشكال فنية جميلة بهذه الحجارة، ألا تعجبك؟!”
وسأل الثالث: “ما الذي تفعله؟”.
فأجابه:
“أنا أقوم ببناء ناطحات للسحاب، لا يوجد من هو أفضل منا بالعالم، أليس كذلك؟!”
المغزى من القصة:
كل منا يرى الدنيا من وجهة نظره لذلك فبإمكان الجميع التغيير من حياتهم إلى الأفضل، فالعامل الأول رأى نفسه ليس مجرد إلا عبد ينفذ الأوامر المطلوبة منه بخلاف العامل الثاني الذي رأى نفسه فنانا تشكيليا والعامل الثالث الذي رأى نفسه شخصا لا يفوقه أحد ولا تكسره أية حدود.
فما هو قرارك؟ أن تكون شئ مهم وتعيش من أجل قيمة عليا، أم تكون لاشئ؟
قال:
ما هي القيمة؟
قلت له:
القيمة هي المحرك والمحفز عند الإنسان. ومثال ذلك، عندما يحضر الإنسان دورة تدريبية مثلا، فما هو الدافع عنده لحضور هذه الدورة؟ فالجواب هو قيمة العلم مثلا. أو من يذهب إلي نادي رياضي باستمرار، فما هو الدافع وراء هذا التصرف؟ فقيمته العالية هي الصحة واللياقة البدنية.
والقيم هي تفضيلات شخصية.
والقيم بشكل عام هي صفات حميدة. ولكن الاختلاف بين الأشخاص في ترتيب الأولويات عنده في اختيار القيمة الأهم من هذه القيم.
وحسب اختياره يتحدد مقامه عند خالقه.
فقيمة الخلود بعد الموت والعمل لأجلها يجب أن تكون هدف كل إنسان.
قال:
ما الفرق بين القيم والمبادئ؟
المبادئ هي فكرة أو قناعة يتبناها الإنسان. وقد تكون خاطئة على عكس القيم.
على سبيل المثال :
شخصين لديهم قيمة الصدق عالية، وهي رقم واحد في قائمة أولوياته.
لكن أحدهم عنده مبدأ بقطع علاقته مع من يكذب عليه مرة واحدة.
لكن الشخص الثاني ممكن أن يعذر من كذب عليه ويعطيه فرصة أخرى.
قال:
وماذا عن الأخلاق؟
قلت له:
الأخلاق هي الفعل الذي ينتج من القيم.
ويقال القيم للفرد والأخلاق المجتمع.
ويقال أنه عندما تريد ان تغير أخلاق مجتمع فيجب أن تغير قيم أفراده.
آخى نبي الله محمد بين المهاجرين والأنصار، فرفع بذلك قيمة الأخوة، فنتج عن ذلك الأخلاق وكثير من الصفات الحميدة.
لقد وجدت أخيرا بعد بحثي الطويل أن:
- القيمة العليا التي يجب أن يختارها البشر هي حق الخالق، والتي يجب أن تكون على رأس قائمة أولويات جميع البشر.
- المبدأ الذي يجب أن يتخذه البشر هو أن المساس بحق الخالق هو خط أحمر بالنسبة له.
والشعور بالعبودية للخالق يشعر الإنسان بالمساواة والعدل بين الناس، لأنهم جميعاً متساوون في صفة العبودية لله الواحد الأحد. لذا فإن المجتمع الذي تسود فيه العبادة والعبودية للخالق لا يجد الناس فيه غاية في الحياة غير الخالق، ولا يملأ آفاق نفوسهم شيء غير العبودية له. فيحطّم الناس حينذاك أصنام العبوديات المختلفة، صنم المال، والشهوة، والجاه، والسلطة، والكبرياء، إلخ. ليكونوا أحراراً كما خلقوا، وكما أراد لهم خالقهم العظيم.
حق الخالق:
أذكر تعليق لدبلوماسي غربي عندما كلمته عن وجود الخالق حيث قال:
أنت تتكلمين عن أعظم حقيقة في الوجود.
وقد أثار تعليقه مشاعر دفينة في نفسي، حيث أنني منذ أن بدأت طريقي في الدفاع عن حق الخالق في حواراتي ومحاضراتي وجولاتي حول العالم، شعرت بعدم الرغبة في الحديث عن أي موضوع آخر، حيث شعرت بتفاهة أي موضوع مقابل هذا الموضوع.
بدأت لا أستمتع إلا بموضوع يقودني بالنهاية للحديث عن حق رب العالمين.
فالحديث عن حق خالق الكون من الأهداف النبيلة التي تنقي قلب صاحبها من كل ما هو تافه.
وبطبيعة الحال الخالق لا يحتاج لدفاع البشر عن حقه. ولكن أساس مهمة البشر على كوكب الأرض هو إقامة العدل ووضع الأمور في نصابها.
وذلك عن طريق الحفاظ على دين يضع العلاقة بين الخالق ومخلوقاته في المكان الصحيح، في الوقت الذي أساءت فيه الحضارات البشرية الأخرى التعامل مع الله، فقد كفرت به، وأشركت معه مَخلوقاته في الإيمان والعبادة، وأنزلته منازل لا تتلاءم مع جلاله وقدره.
وإننا حتمًا، إذا لم نعبد الخالق، ينتهي بنا المطاف بعبادة “آلهة” أُخرى. فالقلب إما أن يتعلق بأمر مِن أمور الدنيا يسعى لتحقيقه ويجري ورائه للحصول عليه، أو يتعلق بخالقه وأصل وجوده، وبالتالي فإن رغباتنا وأهوائَنا قد تستَعبدنا دون أن نشعر. في حين أن ربط قلوبنا بالله عزّ وجَل وبالآخرة تُخرجنا من حلقة الاستعباد لغيره، وربّ العالمين هو خالقنا وهو أحق من نلجأ إليه ونستعين به.
كثيراً من الناس ينجذبون إلى الشُهرة والمُوضة. كما أن الإعلانات ووسائط التواصل الاجتماعي تَشد اهتمام الناس بشَكل مُفرط، ولها دَوْر كبير في بث مفاهيم قاصرة تدعو للاهتمام بالجزيئات وتشتيت الأولويات، وهذا كُلّهُ يُسهِم في معاناتنا، ويجعلنا نعيش حياةً مضطربةً وغير سعيدة.
كما أن بعض المعايير الاجتماعية وغيرها من الضغوط العائلية التي قد تفرض علينا مراعاة تقاليد ومفاهيم موروثة، تَشدّنا بعيداً عن المطلوب منّا في هذه الحياة وواجبنا تجاه الدين.
الأم مثلا تُعدّ الطّعام لأبنائها على أي حال، إن كانت مؤمنة أو غير مؤمنة، لكن المؤمنة تجدد نِيّتها وتَهب أعمالها لله، وتنتظر منه الجزاء، فبذلك لن تحزن أبداً إذا لم يُقدّر أبناءها مجهودها، فهي تنتظر ثوابها من الخالق. فبذلك نجد أمامنا امرأة لا تُحبَط من خِذلان أبناء، ولا تخاف من رئيس في العمل، ولا تخش من تنمر زميل، لأنها قالت بأعلى صوتها: حياتي كُلّها لله.
فنحن لا نملك في هذه الحياة إلا أن نقبل دعوة الخالق للإيمان به والتسليم له، لنكسب خيري الدُّنيا والأخرة، أو نرضى بالدنيا فتُهلِكنا، ويكون مصيرنا الجحيم.
معرفة الخالق:
مما قرأت وأعحبني:
في الغرب يزدهر سوق السحرة والعرافين، فآلاف من العرافين وقارئين الكف يعملون بشكل رسمي وبترخيص حكومي، ولهم مكاتب ومواقع الكترونية.
و يعود الدين بشكل ملحوظ في حياة المجتمعات، بما يعيد البحث في السؤال القديم الجديد: هل يعتبر الإيمان حاجة مغروسة في حياتنا؟
وهذا يعني أنه وعندما تتعقد الحياة وتتعدد المرجعيات يصبح من السهل أكثر الرجوع بسبب المخاوف التي تعتري البشر إلى قوة عظيمة خفية. وإن قوة الإيمان تمكن الإنسان من مواجهة حقيقة الموت.
عملت الفلسفة والعلوم وعلم النفس في الماضي على مواجهة اللاعقلانية. فقد حاول داروين على سبيل المثال بنظريته حول التطور إسقاط ما جاءت به الكتب السماوية عن وجود خالق.
أما نيتشه فقد اعتبر أن «فكرة الآلهة» قد اخترعت للحد من طموح الانسان وإخضاعه للقوى الغيبية، والتأكيد على عجزه الدائم أمام الحياة وأمام المجهول.
أما فرويد فقد قارن المعتقدات الإيمانية للناس عبر العصور بحالة «النيفروز» الكونية التي ستشفى منها الإنسانية مع تقدمها وتطورها.
إلا أن هذه النظريات تراجع أثرها اليوم في الفلسفة وفي الفكر وفي الممارسة الاجتماعية، بعكس الإيمان في وجود الخالق الذي يتأكد يوماً بعد يوم.
والإنسان يمضي في التعلق بأي شيء يربطه بالإيمان والاعتقاد مهما كان نوعه ومسماه.
فعلماء الفلك والفيزيائيون بعد أن كانوا يتحدثون عن «الانفجار الكبير» الذي تسبب في ايجاد الكون، أصبحوا يتساءلون اليوم عما قبل هذا الانفجار، وما قبل الحياة الفيزيائية. لقد بدؤوا يتحدثون عن إرادة ما وراء نشأة الكون، وعن هذه الصدفة العظيمة التي كانت وراء خلق هذا الكون.
وكذلك البيولوجيون الذين يرجعون كل أشكال الحياة إلى الجينات، يتحدثون اليوم عن المهندس الأكبر الذي برمج الحياة والوجود وأعطاهما معان محددة. ويقولون أن هذا المهندس لابد أن يكون أعلى وأسمى من البشر، ويجب أن يكون من خارج الكون. أي في النهاية لابد أن يكون الله وحده.
يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري:
اللَّه (الخالق) هو الركيزة الأساسية لكل شيء، الركيزة الأساسية للتواصل بين الناس، لضمان أن الحقيقة حقيقة فإن نُسِي اللَّه ركيزة الكون كلها تنتهي.
دين الخالق:
دين الخالق هو نظام حياة ينظم علاقة الإنسان بخالقه ثم علاقته بمن حوله.
الدين هو مصدر الأخلاق، ومقياسها، والدافع إليها.
عندما يضع البشر قيما انسانية (دين وضعي) فهي ليست قيما قابلة للصواب والخطأ والتعديل فقط، وإنما لا توفر أيضا الدافع الذي يجعل البشر يلتزمون بها.
إنها مجرد شعارات تجعل من الرفاهية والمتعة والراحة البشرية القيمة نفسها. هذه الشعارات لا تعطي للانسان قيمة أو غاية تتخطى متعته في هذه الأرض.
لقد جاء دين الإسلام ليقيم العدل على الأرض.
وهو الدين الذي جاء به جميع أنبياء الله لجميع الأمم، والذي انحرفت عنه جميع ديانات الأرض التي قدس أتباعها أنبياءهم والصالحين منهم.
ولكن أي عدل؟
إنه العدل الذي يضع الأمور في نصابها، ويعطي كل ذي حق حقه.
- إعطاء الخالق حقه بعبادته وحده، وشهادة أنه الواحد الأحد الذي ليس له شريك في الملك ولا ولد، و الإقرار بأن الخالق منزه عن أن يكون له ولد، ومنزه عن التجسد في صورة إنسان أو حيوان أو صنم.
- إعطاء البشر حقهم بالتواصل مع خالقهم مباشرة دون قسيس ولا قديس ولا أي وسيط، والطلب عند الحاجة والشدائد من الخالق مباشرة، وليس من أي نبي بما فيهم نبي الله محمد أو لأحد من آل بيته.
- اعطاء رسل الخالق حقهم، جميعهم من آدم إلى محمد بما فيهم المسيح وموسى عليهم الصلاة والسلام، وذلك بالإيمان بهم واحترامهم واتباع رسالة آخر نبي فيهم وهو محمد عليه الصلاة والسلام.
- إقامة المساواة بين البشر وتخليص البشرية من التعصب العرقي المقيت. فلا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى.
- إطلاق الحريات، والسماح في اختيار الدين وممارسة شعائره.
لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
- رفع الاضطهاد والظلم عن البشرية، ونصرة المظلوم.
كان مما لفت انتباهي عبارة للكاتبة الإيطالية لورا فيتشا فاليري ذكرها أحمد بن يوسف السيد في كتابه محاسن الإسلام حيث تقول:
حسبُك أن الحروب التي هي أقصى ضرورات الحياة الإنسانية قد صارت بفضل محمد أقلَّ وحشية وقسوة؛ إذ إنَّه كان يطلب من جنودِه ألا يقتلوا شيخًا ولا امرأة ولا طفلاً، ولا يهدموا بيوتًا لم تتخذ كمعاقل حربية، ولا يدمروا ما بها من أسباب الحياة، ولا يَمسوا الأشجارَ المثمرة والنخيل.
مراجع:
كتاب دين عالمي . فاتن صبري.
مقال: العولمة وصناعة التفاهة. فاتن صبري.
يوتيوب. محمد بانقيته. الفرق بين القيم والمبادئ والأخلاق.
مقال: إخراج الإنسان من تسلط الفوضى. كمال الذئب.