الفرق شاسع:

سألتني صديقة كاثوليكية يومًا قائلة:

أنتم المسلمون تعتقدون بتحريف الكتاب المقدس وتؤمنون بعصمة القرآن من التحريف بسبب وجود كتب كثيرة مختلفة بين طوائف المسيحية. ألا يُعتبر تعدد قراءات القرآن دليل على التحريف؟ حيث أن القرآن ممكن أن يُقرأ بأكثر من طريقة.

قلت لها:

الفرق بين الحالتين شاسع.

فأنتي ككاثوليكية تؤمنين ب73 كتابًا في الكتاب المقدس، بينما يحذف البروتستنتي 7 كتب لعدم اعترافه بصحتها، فإن كان الكاثوليكي على حق على سبيل المثال فيكون البروتستنتي قد حرف الكتاب المقدس بالنقصان فيه، وإن كان البروتستنتي على حق يكون الكاثوليكي قد حرف بالزيادة فيه.

وهذا مثال بسيط من مئات الأمثلة.

إن تعدد القراءات لا يترتب عليه اختلاف في أصول الدين أو فروعه، هو طرق متنوعة مضبوطة بضوابط صارمة في الأداء الصوتي.

إن نص القرآن لا يزال بلغته الأصلية (العربية). والترجمات الحالية للقرآن بلغات متعددة والمتداولة بين أيدي الناس، ما هي إلا ترجمة وشرح لمعاني القرآن فقط وليس للقرآن نفسه.

ورسالته الأساسية هي:

الإيمان بخالق الكون الذي ليس له شريك ولا ولد، وعبادته مباشرة بدون قسيس ولا قديس ولا صنم أو أي وسيط.

وهذا الوضع لا ينطبق ولا بأي حال من الأحوال على الكتاب المقدس.

  • الكتاب المقدس تُرجم من لغة إلى لغة وفُقدت كل نسخه الأصلية باعتراف علماء النصارى بإجماع.
  • كُتب الكتاب المقدس من كتاب مجهولين في الأغلب، وإن عُرف اسم الكاتب فلا يُعرف نسبه.
  • خضعت طبعات الكتاب المقدس للتبديل والتعديل حسب وجهة نظر الكاتب.
  • عشرات الآلاف من مخطوطات الكتاب المقدس لا يوجد منها مخطوطتان متفقتان قطعًا.
  • لا يوجد سند متصل واحد لأيٍّ من الأناجيل. 

إن عرض شهادات متناقضة أمام محكمة ابتدائية في أي قضية ـ ولتكن حادثة مشاجرة على الطريق ـ لكفيل برفضها جميعًا. فكيف لو كانت القضية تتعلق بعقيدة يتوقف عليها المصير الأبدي بعد الموت لملايين البشر.

فالعهد القديم تعاقَبَ عليه كثير من الكتبة، آخرهم كاتب خاتمة سفر المكابيين الثاني [15/39 – 40] ـ وهو آخر أسفار العهد القديم الكاثوليكي ـ الذي قال:

” إن كنت قد أحسنت التأليف، وأصبت الغرض، فذلك ما كنت أتمنى، وإن كان قد لحقني الوهن والتقصير فإني قد بذلت وسعي، ثم كما أن شرب الخمر وحدها أو شرب الماء وحده مضر، وإنما تطيب الخمر ممزوجة بالماء وتعقب لذة وطربًا، كذلك تنميق الكلام على هذا الأسلوب يطرب مسامع مطالعي التأليف”.

وجاء في مدخل تفسير سفر نشيد الإنشاد:

” مَن الذي ألَّفه؟ وفي أي تاريخ؟ ولماذا ألِّف؟ وإذا صحَّ أنَّ وجوده في قانون الكتاب المقدس لم يكن إلا مصادفة، فكيف اكتسبَ مكانه؟ حتى إنه وجد دوره في رُتبة الفصح اليهودي في وقت لاحق! إنَّ ترتيب الكتاب عسير التحديد، مع تكرار لآيات ومواضيع وصور ومواقف..”.

أما الأناجيل فهي مجرد قصص مكتوبة، يقول لوقا في مقدمة إنجيله [1/1-4]:

“كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا، كما سلَّمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخدامًا للكلمة، رأيت أنا أيضًا ـ إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق ـ أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس، لتعرف صحة الكلام الذي علمت به”.

وهذا النص يُبيِّن:

– أن كثيرًا من الناس قاموا ” بتأليف” قصص عن (سيرة حياة) يسوع، تحمل ” وجهة نظرهم” لتلك السيرة.

– هدف ما قام به لوقا، كتابة رسالة إلى صديقه ” ثاوفيلس”، وذلك ” لتعرف صحة الكلام”، أي ليس لهدف إلهي ديني.

– تصريح لوقا أنه لم يرَ المسيح ولكنه ناقل” كما سلَّمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخدامًا للكلمة”.

الوضع في القرآن مختلف:

إن تعدد القراءات هو تنوع في الأداء الصوتي.

  • يوجد أصل صحيح للقرآن بكافة القراءات.
  • القراءات المتواترة مضبوطة و محدَّدة، لا يُختلف في لفظ واحد منها، نجدها هي نفسها في أوائل كتب التفاسير أو القراءات.
  • لا يُقبَل ابتداع قراءة جديدة.
  • لكل قراءة سند متصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأسانيد متواترة، لرواة معلومين معروفين بصدقهم.
  • يستحيل وجود قراءة متواترة تتناقض مع قراءة أخرى، بل تتكامل في معناها.

والسند المتصل هو علم تميزت به الأمة الإسلامية عن بقية الأمم في حفظ كتابها.

القرآن واحد على اختلاف الطوائف.

قالت صديقتي الكاثوليكية:

أليس إهمال تنقيط القرآن هو الذي أدى إلى اختلافات القراءات، وبالتالي إلى احتمالية تحريف القرآن.

قلت لها:

كتابة النص القرآني فى مصاحف ليس هو الأصل. بل الأصل في حماية نصوص القرآن من التحريف هو الحفظ غيبًا. لذلك يستحيل ما ذكرتيه من احتمالية تحريف القرآن عقلاً ومنطقًا.

لقد تمتع القرآن الكريم بعناية لا مثيل لها، فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته.

ومن الحقائق التي لا يستطيع إنكارها أحد، هي أن وسيلة تَلَقِّي القرآن كانت هي السماع الصوتي من مُرسِل إلى مستقبِل.

  • سماع صوتي من الملَك جبريل عليه السلام لمحمد صلى الله عليه وسلم.
  • سماع صوتي من الرسول إلى كُتّاب الوحي من الصحابة أولاً، ثم إلى عامة المسلمين.
  • سماع صوتي من كُتّاب الوحي من الصحابة إلى السامعين لهم من عامة المسلمين.
  • سماع صوتي حتى يومنا هذا من حفظة القرآن الذين أتقنوا قراءة القرآن وحفظه إلى من يتعلمه من المسلمين.

القرآن الكريم كان يتنزل على النبي طيلة عشرين عامًا من البعثة على لهجة واحدة، وهي لغة قريش. وكان النبي يُقرئ الصحابة طيلة تلك المدة بلهجة واحدة فقط، وكان يكتب أيضًا بهذه اللهجة.

وفي أواخر عهد النبي وقبيل وفاته بنحو سنتين تقريبًا، وبعد أن زاد عدد معتنقي دين الإسلام، جاءت الرخصة من الله بقراءة القرآن على لهجات متعددة، لتتمكن القبائل على اختلاف لهجاتها من فهم القرآن والعمل به.

من هنا ظهرت القراءات القرآنية المختلفة.

قالت:

لماذا حرق عثمان بن عفان القرآن؟

قلت لها:

عثمان بن عفان رضي الله عنه حرق المصاحف وليس القرآن.

قالت:

وما الفرق؟

قلت لها:

هناك فرق كبير. فالقرآن محفوظ في الصدور. فلو تم اليوم حرق كل نسخ القرآن على وجه الأرض، لتم جمع القرآن في فترة وجيزة من صدور الأطفال قبل الكبار.

وأما في عهد عثمان فقد أمر بحرق النسخ الورقية (الصحف) التي كانت بأيدي الصحابة في البلدان والموجودة بلهجات مختلفة، وأرسل إليهم نسخ جديدة مطابقة للنسخة الأصلية، والتي تركها الرسول الكريم والتي جمعها أبو بكر الصديق، وذلك ليضمن أن جميع البلدان ترجع إلى نفس النسخة الأصلية والوحيدة التي تركها الرسول.

جمع عثمان رضي الله عنه  القرآن على لهجة واحدة هي لسان قريش الذي نزل به القرآن، ورسم المصاحف من غير نقط ولا تشكيل، مما سمح بأنواع من الاختلافات في اللهجات التي لا تخرج عن الرسم، بناء على أصل الرخصة بقراءته بأكثر من لهجة من لهجات العرب والتي تلقى الرسول الوحي بها.

ومن ضوابط القراءات الصحيحة إضافة إلى صحة السند عن الرسول هي:

موافقة القراءة لرسم المصحف العثماني، الذى أُجمع عليه فى خلافة عثمان رضى الله عنه مع ملاحظة أن الصحابة الذين نسخوا القرآن فى المصحف من الوثائق النبوية فى خلافة عثمان نقلوه كما هو مكتوب فى الوثائق التي اعتمدها الرسول بنفسه بلا تغيير أو تبديل.

ولذلك أجمع أئمة المذاهب الفقهية على تحريم كتابة المصحف على غير الرسم المعروف بالرسم العثمانى للمصحف في أي زمن. وقد أجمع على هذا كثير من علماء تاريخ الفرآن.

وعملاً بهذه الضوابط وغيرها تميزت القراءات الصحيحة عن ما يسمى بالقراءات الشاذة، أو الباطلة.

قالت وماذا فعل أبو بكر إذًا:

قلت لها:

ترك الرسول القرآن موثق ومدون بأيدي الصحابة لتلاوته وتعليمه للآخرين، وحينما تولى أبو بكر -رضى الله عنه – الخلافة أمر بجمع هذه الصحف لتكون في مكان واحد ويمكن الرجوع إليها.

وبقي القرآن على ما هو عليه دون أي تغير أو تبديل، وكان دومًا ملازمًا للمسلمين على مر العصور ويتداولونه بينهم ويتلونه في الصلوات.

حقائق:

القرآن الكريم قرآن واحد مع اختلاف الطوائف، والقراءات إنما هي لهجات متعددة وطرق مختلفة للنطق لبعض كلمات القرآن.

  • القراءات القرآنية وحي من عند الله عز وجل.
  • القراءات هي لكلمات محصورة ومعدودة ومعروفة وردت في القرآن، وقد بينها العلماء وأوضحوا وجوه القراءات فيها.
  • الكلمة التى تقرأ على وجهين أو أكثر يكون لكل قراءة معنى مقبول يزيد المعنى ويُثريه، مما يجعله يقوم مقام تعدد الآيات فيتحقق الايجاز، وهذا نوع من أنواع البلاغة.
  • القراءات القرآنية لا تؤدى إلى خلل فى آيات القرآن.
  • تعدد القراءات دليل على أن القرآن كلام الله، لأنه على الرغم من تعددها فإنه لا يؤدي الى تناقض في المضمون.

أمثلة على تعدد القراءات:

“وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ” [سبأ :17] و”هل يجازي” .

“رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا” [سبأ : 19] فِعل طلب. و “ربُّنا باعد” فعل ماضي.

وغيرها من الأمثلة.

قالت صديقتي:

البعض من غير المسلمين يقول بفقدان النسخ الأصلية للقرآن التي أرسلها عثمان إلى البلدان الإسلامية.

قلت لها:

الحقيقة أنه توجد في سمرقند نسخة كاملة من مصحف عثمان، بالإضافة إلى نسخة طوبقابي في اسطنبول.

وقبل الحرب العالمية الثانية، قام معهد برلين بجمع أربعين ألف نسخة من المصحف عبر العصور؛ لمحاولة إيجاد أي تحريف فيه، وأصدر بعد سنين تقريرًا مبدئيًا، وكان قد انتهى من مقارنة ما يزيد عن ثمانين في المائة مما جمعه. وهذا التقرير يوجد في المكتبة الوطنية في برلين يعترف بعدم وجود أي تحريف في القرآن الكريم.

الدليل على جميع ما سبق ذكره:

الدليل على ما سبق ذكره هو أن الواقع اليوم يشهد بعصمة القرآن كما لخصه هذا المستشرق:

قال المستشرق ويليم مويير:

“إن المصحف الذي جمعه عثمان، قد تواتر من يد ليد، حتى وصل إلينا بدون أي تحريف،ولقد حُفظ بعناية شديدة بحيث لم يطرأ عليه أي تغيير يُذكر، بل نستطيع أن نقول: أنه لم يطرأ عليه أي تغيير على الإطلاق، في النسخ التي لا حصر لها في البلاد الإسلامية الواسعة، فلم يوجد إلا قرآن واحد لجميع فرق المسلمين المتنازعة، وهذا الاستعمال الجماعي لنفس النص المقبول من الجميع حتى اليوم حجة ودليل على صحة النص الموجود معنا، والذي يرجع الى عهد عثمان”.


مراجع:

موقع الدكتور منقذ السقار.

تفسير الكتاب المقدس / كتب الحكمة، جمعيات الكتاب المقدس، ص 1378.

هل القراءات السبع تحريف القرآن

الدكتور عبد الرحيم خير الله الشريف

كتاب سؤال وجواب حول الإسلام.

فاتن صبري

تقرير ألماني قبل الحرب العالمية أثبت سلامة القرآن من التحريف

Www.elbalad.news

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *