يقول المفكر والفيلسوف البوسني علي عزت بيجوفيتش:
“كتب أرسطو ثلاثة كتب علمية، في الطبيعيات، في السماوات، في الأرض، هذه الكتب الثلاثة لا توجد فيها اليوم جملة واحدة صحيحة علميًا، الكتب الثلاثة من منظور علمي تساوي صفرًا من عشرة، بينمـا القرآن وكما يقول موريس بوكـاي في كتابه الشهير “القرآن والإنجيل والتوراة بمنظور العلم الحديث” : “الحقيقة أني لم أجد آية واحدة من القرآن الكريم تخالف حقيقة علمية واحدة، بل لقد سبق القرآن العلم الحديث في مناح كثيرة، وصحح كثيرًا من النظريات العلمية التي كانت سائدة في عصره ، على سبيل المثال فكرة أن المياه الجوفية تكونت عن طريق هوة عميقة في قاع القارات نقلت المياه الجوفية من المحيطات إلى أعماق الأرض، هل صادق القرآن هذه الخرافة العلمية التي كانت سائدة في ذاك العصر؟
أم قال:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ… (الزمر: 21).
فمصدر الميـاه الجوفية هو الينابيع المتكونة من الأمطـار، وليس فجوة أرسطو التي في عمق القارة والتي كانت سائدة في ذلك الوقت”.
سألني ملحد يومًا:
نحن الملحدون نؤمن بالعلم، والعلم متغير، فإذا دحضت نظرية علمية جديدة نظرية قديمة فإننا نأخذ بها.
أما أنتم المسلمون فإنكم متعصبون لكتابكم القديم، ولا تقبلون بأي معلومة علمية تخالفه.
قلت له:
ما الأفضل بالنسبة لك، أن تحصل على المعلومة الصحيحة مباشرةً؟ أم تبقى مدى الحياة باحثًا عن الحقيقة وتتنقل من نظرية علمية إلى أخرى؟
في بدايات القرن الماضي كان الفارق بين الحقائق القرآنية والنظريات العلمية شاسعًا، وخلال هذه السنوات اقترب العلم و القرآن أكثر وأكثر من بعضهما، مع أن القرآن لم يتغير والعلم في تغير دائم.
فعلى ماذا يدل ذلك؟
يقول تعالى في سورة البقرة:
وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (23)
فهذه الآية تعرض تحدي لإيجاد خطأ في القرآن.
ومصدر القرآن بالنسبة لنا هو الخالق الذي وضع قوانين الكون التي يحاول العلماء اكتشافها.
فبالتالي فإن الحقائق العلمية في القرآن دقيقة وصحيحة لأنها جاءت من المصدر الذي أنشأها.
والمنهج العلمي نفسه جاء من رجل يدعى حسن بن الهيثم، حوالي 800 عام قبل جاليليو، ويقال بأنه أول عالم على الإطلاق، حتى المؤرخين العلمانيين مثل ديفيد هيلينبيرغ يقرون أن المنهج العلمي جاء من العالم الإسلامي. لذلك فالنقض شيء نحن نؤمن به.
يقول الباحث البريطاني صبور أحمد:
هناك عدة جذور ومصادر للمعرفة
- العلم يعطينا جذرًا للمعرفة.
- الفلسفة.
- الحقائق التي تثبت ذاتها.
فإذا تعارض ما هو مبني على الحث الفكري مع النصي والإستدلالي، فعلينا اختيار الإستدلالي.
يستطرد الباحث قائلاً:
نحن نؤمن أن الإيمان بالخالق ليس مبنيًا على المنطق والسببية، بل هو ايمان فطري، ويؤيده المنطق، والإيمان بالقرآن مبني على المنطق، ولأنه مبني على المنطق، يجب أن يكون فيه أمور قابلة للاختبار والدحض.
إذا جاء العلم بنظرية لم يتكلم عنها القرآن أو متناقضة مع حقيقة علمية في القرآن، فبالطبع سوف يبدأ المسلم بالتفكير والبحث، لكن كل ما يستطيع العلم فعله هو وضع نظريات ونماذج علمية قابلة للعمل، وهذا مبني على الحث العلمي. ولا يمكن للحث العلمي أن يكون بديلاً عن الاستدلال النصي وهذا فلسفيًا.
على سبيل المثال: الأعزب هو شخص غير متزوج. ولا يمكن لشئ يلاحظ بالعين المجردة أن يدحض ذلك.
الدائرة ليست مربعة. وهكذا.
على نفس الطريقة، ايماني بالقرآن نابع من حقيقة أن الخالق يتحدانا لإيجاد أخطاء ولم نجد.
يرفض الخالق الإيمان الأعمى، واتباع دين أجدادنا دون تفكير.
وهذه النقاط المهمة التي تعرض لها القرآن، ونقاط مهمة كثيرة في أحاديث الرسول، تعطينا دليل قوي ويقين أن هذا القرآن من عند الله.
وبناءً على ذلك، إذا جاء شخص بشئ يتعلق بالعلم، فأقول له أنت جئت بشئ يتعلق بالحث والابتكار العلمي، وهو نظرية لم تثبت بعد، وعندي أنا دليل نصي قوي استدلالي، فما الذي يدفعني إلى أن أصدق شيء تجريبي وأترك نص يقيني حسب العوامل التي شرحتها سابقًا. كل ما أستطيع قوله ربما يكون ما جئت به صحيحًا.
وهذه القاعدة الفلسفية ليس لها علاقة بالدين، وتطبق حتى على الأمور الغير دينية.
إن أي رأي حتى ولم يكن دينيًا، ويتبناه أتباعه بناءً على استدلال نصي موثوق، لا يمكن تحديه بنظريات العلم على الإطلاق.
على سبيل المثال:
هناك نقاش كبير بين الفلاسفة حول عقلانية الإنسان ومنطقه.
من أين أتت عقلانية الإنسان؟
كيف لمادة غير حية أن تؤثر في المادة الملموسة وتؤدي إلى العقلانية؟
فلا شيء يأتي من العدم. فكيف نحصل على عقلانيتنا من اللاعقلانية؟
المؤمن يقول في هذه الحالة أن الخالق هو خالق الكون والإنسان، ووهبه الخالق هذه العقلانية ليميز بين الحق والباطل.
لكن من المنظور الطبيعي للملحد فلا يوجد سبب لأن يؤمن بالعقلانية.
الملحد الفيلسوف ثوماس نيغل رغم إلحاده كان لديه نفس موقف المؤمن.
لقد كتب كتابًا أسماه العقل والكون، وقد تم نشره من قبل جامعة أكسفورد.
قال ثوماس:
لا شيء يقوم علماء الأحياء التطوريين المفكرين الداروينين به يجعلني أغير رأيي ليجعلني أقبل به.
لأنني لدي دليل استدلالي على أن العقل البشري يمكن أن نثق به منطقيًا، وأن الادعاء الدارويني بأن الحياة جاءت من طفرات عشوائية وأخطاء جينية لتعطينا فرصة البقاء لا قيمة له، لأنك قد تعيش على أفكار خاطئة دون أن تستطيع أن تفرق بين الحق والباطل بناءً على هذه النظرية.
فنفهم مما سبق أن نظرية داروين بالنسبة للفيلسوف ثوماس تتعارض مع إيمانه بأن عقله جدير بالثقة. فأعلن رسميًا رفضه لنظرية داروين على اعتبار أنها لا تصل صحتها لقوة النص الاستدلالي لديه.
هناك إجماع بين علماء وفلاسفة العلم الحديث على أن العلم تجريبي استنباطي ولا يعتمد على دليل نصي. ومن المعروف جدًا بالنسبة لهم أن العقائد الميتافيزيقية الدينية من الممكن أن نتوصل إليها عن طريق الاستقراء والاستدلال النصي.
على سبيل المثال كلنا على يقين أن عالمنا حقيقي، فلا يستطيع أحد أن يثبت أن هذا العالم حقيقي باستخدام تجربة ما، هذا اعتقاد ميتافيزيقي(غيبي)، والذي يعتمد عليه العلم ولكن لا يمكن اثباته.
تحدي الأخطاء:
يقول الدكتور جاري ميلر (عبد الأحد عمر) عالم الرياضيات واللاهوت المسيحيِ ومبشِّر سابق في كتابه “القرآن المذهل”:
” أن كل مؤلف يبدأ كتابه بالإعتذار عن الأخطاء التي وقعت في كتابه، ولا يوجد مؤلف في العالم يمتلك الجرأة ويؤلف كتابًا ثم يقول: هذا الكتاب خالٍ من الأخطاء، ولكن القرآن على العكس من ذلك يبدأ في سورة البقرة بتحدي خلوه من الأخطاء”.
ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (البقرة:2)
وينطبق حال التأليف على جميع الكتب المقدسة لأصحاب العقائد الأخرى فيما عدا القرآن، فعلى سبيل المثال:
العهد القديم تعاقَبَ عليه كثير من الكتبة، كان آخرهم كاتب خاتمة سفر المكابيين الثاني [15/39 – 40] ـ وهو آخر أسفار العهد القديم الكاثوليكي ـ الذي قال:
” إن كنت قد أحسنت التأليف وأصبت الغرض، فذلك ما كنت أتمنى، وإن كان قد لحقني الوهن والتقصير فإني قد بذلت وسعي، ثم كما أن شرب الخمر وحدها أو شرب الماء وحده مضر، وإنما تطيب الخمر ممزوجة بالماء وتعقب لذة وطربًا، كذلك تنميق الكلام على هذا الأسلوب يطرب مسامع مطالعي التأليف”.
أما عن العهد الجديد فهي مجرد قصص مكتوبة، يقول لوقا في مقدمة إنجيله [1/1-4]:
“كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا، كما سلَّمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخدامًا للكلمة، رأيت أنا أيضًا إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس، لتعرف صحة الكلام الذي علمت به”.
وهذا النص يُبيِّن:
– أن كثيرًا من الناس قاموا ” بتأليف” قصص عن (سيرة حياة) يسوع، تحمل ” وجهة نظرهم” لتلك السيرة.
– هدف ما قام به لوقا، كتابة رسالة إلى صديقه ” ثاوفيلس”، وذلك “لتعرف صحة الكلام”، أي ليس لهدف إلهي ديني.
– تصريح لوقا أنه لم يرَ المسيح ولكنه ناقل.
قال تعالى:
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (النساء:82)
يقول جاري ملير بعد قراءة هذه الآية من سورة النساء:
“من المبادئ العلمية المعروفة في الوقت الحاضر هو مبدأ إيجاد الأخطاء، أو تقصِّي الأخطاء في النظريات إلى أن تثبت صحتها، والعجيب أن القرآن يدعو المسلمين وغير المسلمين إلى إيجاد الأخطاء فيه منذ 14 قرنًا”.
تحدي المعلومات:
يقول ميلر:
“بدون أدنى شك يوجد في القرآن توجه فريد ومذهل لا يوجد في أي مكان آخر، وذلك أن القرآن يعطيك معلومات معينة ويقول لك: لم تكن تعلمها من قبل”.
ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۚ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (آل عمران: 44)
تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ۖ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَٰذَا ۖ فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ( هود: 49)
يقول جاري ميلر: ” لا يوجد كتاب مما يسمى بالكتب الدينية المقدسة يتكلم بهذا الأسلوب، لأن كل الكتب الأخرى عبارة عن مجموعة من المعلومات، ودائمًا تخبرك إذا كنت تريد المزيد من المعلومات يمكنك أن تقرأ الكتاب الفلاني أو الكتاب الفلاني لأن هذه المعلومات أتت منه. بعكس القرآن الذي يمد القارىء بالمعلومة ثم يقول لك هذه معلومة جديدة بل ويطلب منك أن تتأكد منها إن كنت مترددًا في صحة القرآن بطريقة لا يمكن أن تكون من عقل بشر. والمذهل في الأمر هو أهل مكة في ذلك الوقت ومرة بعد مرة كانوا يسمعونها ويسمعون التحدي بأن هذه معلومات جديدة لم يكن يعلمها محمد صلى الله عليه وسلم ولا قومه، بالرغم من ذلك لم يقولوا هذا ليس جديدًا بل نحن نعرفه، أبدًا لم يحدث أن قالوا: نحن نعلم من أين جاء محمد بهذه المعلومات”.
الطريف مما قرأت أن زعيم جماعة شهود يهوه وقائدها تشارلز راسل تنبأ بنهاية العالم في عام 1914، وكان ذلك بناءً على نبوءة في العهد القديم، وعندما مرَّ العام والعالم مازال موجودًا، مدد الأمر إلى العام التالي، ثم إلى عام 1918، ثم مدد خليفته النبوءة إلى عام 1925، ورغم الفشل المتتالي لهذه النبوءات، إلا أنَّ الجماعة حافظت على تماسكها بفضل الطاقات المالية الضخمة التي تملكها، والتي طوّعتها لنشر أفكارها على المهووسين بالدين والقوى الغيبية.
مرجع:
كتاب هل القرآن كلام الله؟
فاتن صبري