في حوار لي مع أسرة بريطانية من أب وأم وبنت مراهقة عن حتمية وجود خالق للكون، كان قد لفت نظري ايمان البنت الشديد بوجود الخالق، وتردد ملحوظ عند الأم وشكوك كثيرة، وإصرار شديد من الأب على دحض فكرة وجود خالق للكون.

أذكر من ضمن النقاط التي كانت مطروحة للنقاش هي فكرة نشأة الكون من العدم. والتي كان يدافع عنها الأب بشراسة.

قلت له:

هل يأتي شئ من لا شئ؟

فاجأني قائلاً:

نعم، لقد قالت نظريات ميكانيكا الكم هذا.

حمدت الله أنني كنت قد قرأت عن هذه النقطة مسبقًا في مقال جميل ومفيد مما سهل علي الرد عليه(1).

قلت له:

وكيف لك أن تكون متيقن من هذه النقطة مع اعترافك الكامل أنها نظريات ولم تثبت بعد؟

على أي حال، أنت تخلط بين الفراغ و اللاشئ.

الفراغ الكمي – حسب ميكانيكا الكم – يعتبر شيئًا موجودًا ممتلئًا بجسيمات افتراضية من المادة والمادة المضادة، ويحدث فيه تموجات.

ومن هذه التموجات يمكن أن تتخلق أزواج من الجسيمات والجسيمات المضادة، ولا يمكن فصل هذا الفراغ الكمي عن الكون.

أما اللاشيء أو العدم فلا علاقة له بالوجود أو اللاوجود.

اللاشئ يعني: عدم وجود أيُّ شيء تمامًا؛ لا مادة ولا طاقة، ولا زمان ولا مكان.

ونحن نعلم أن الشيء هو ما يُتصور أو يُخبَر عنه، ويراد به أساسًا الموجود ويقابل المعدوم.

اللاشيء لا يمكن أن يُنتج شيئًا، ولا يمكن لشيء أن يأتيَ من العدم، وفاقدُ الشيء لا يعطيه.

فكيف يمنح العدم الوجودَ؟!

وكيف يمنح اللاشيء شيئًا؟!

الفعل لا بد أن يكون له فاعل.

وأي حدث لا بد أن يكون له مُحدِث.

وأي أثر لا بد أن يكون له مؤثر، ولا يمكن أن يَحدث الفعل بلا فاعل.

قال:

أغلب الناس تعتبر الفضاء الفارغ لا شئ.

قلت له:

إذا فرضنا تجريد المكان من الإشعاعات والجزيئات والجسيمات والمادة؛ ، فالمكان الذي كان يحوي هذه الأشياءَ التي جُرِّدت منه ما زال موجودًا، وهو شيء موجود وليس لا شيء، وإن كان ليس بشيء ماديٍّ.

والفراغ ليس معناه اللامكان، بل معناه مكان جُرِّد من الإشعاعات والجزيئات والجسيمات والمادة.

قلت له أيضًا:

الزمان والمكان والفراغ الكمي وُجدوا بعد نشأة الكون، وعليه؛ فدعوى أنَّ الكون نشأ من تذبذبات كمومية في الفراغ الكمي دعوى باطلة.

وحسب مبدأ “عدم التأكد” لهيزنبرج؛ يستحيل أن يخلو الفراغ من الطاقة.

وأنه سيبقى حد أدنى من الطاقة لا يمكن النزول عنه، ولا يمكن أن تصل الطاقة إلى صفر، وهذا القدر من الطاقة يعتبر شيئًا من ضمن الأشياء.

مع العلم أن المادة والطاقة يمكن اعتبارهما صيغتين مختلفتين لجوهر واحد، قابلتين للتحول من إحداهما إلى الأخرى.

قال:

أصل الكون هو الطاقة.

قلت له:

فمن الذي أوجد هذه الطاقة؟ ومن الذي حوّل هذه الطاقة إلى مادة؟

ومن أوجد الزمان والمكان؟

قال: قوانين الطبيعة.

قلت له:

ومن سن قوانين الطبيعة؟

نشأة الكون تحتاج:

  • مادة لينشأ منه.
  • منشئ للمادة التي ينشأ منها الكون.
  • منشئ للكون.

قال:

الذرة والجسيمات تحت الذرية نفسها.

قلت له:

وكأنك تقول أن الذرة والجسيمات تحت الذرية وضَعت القوانين لنفسها قبل أن تُوجَد، وهذا مُحال.

قال:

القوانين وضعت نفسها:

قلت له:

هذا تصويرٌ للقوانين على أنها فاعل محرك، وهذا لا يقول به عقل؛ لأن القوانين مجرد وصفِ سلوكٍ لظاهرة في الكون، يتكرر تحت نفس الظروف.

ومن البديهيات أن وجود قانونٍ ما يدل على وجود واضع لهذا القانون.

وواضعُ القانون (الفاعل) لا بد أن يَسبق القانونَ (المفعول)، وإذا كانت ميكانيكا الكم لها مجموعة من القوانين، فلا بد أن يكون لهذه القوانين موجد.

فمَن الذي فرَض وسنَّ هذه القوانين؟

ومن يعتقد أن قوانين ميكانيكا الكم تستطيع أن تسبِّب شيئًا من الأشياء كمَن يعتقد أن القوانين الحسابية يمكن أن توجد مالًا، وكمَن يعتقد أن القوانين التي تَعمل بها السيارة يمكن أن تَخلق السيارة.

من سن هذه القوانين إنما هو شيئًا خارجًا عن الذرة والجسيمات تحت الذرية، ونحن نقول: إنه الخالق.

ولا يمكن لقوانين ميكانيكا الكم أن تُنتج شيئًا للوجود.

ولا يمكن لقوانين ميكانيكا الكم أن تنتج حدثًا من الأحداث؛.

بل غاية قوانين ميكانيكا الكم تفسير الظواهر التي تحدث على مستوى الذرة والجسيمات تحت الذرية، بعدما أوجدَتها الأسباب.

والقضية ليست نشأةَ الكون فقط؛ إذ بعد نشأة الكونِ الكونُ بحاجة إلى حفظ ورعاية، فمن الذي يُحافظ عليه ويرعاه؟

ومن الذي جعل الكون مستمرًّا في الوجود؟

ومن الذي جعل الكون صالحًا لحياة البشر وسائر الكائنات الحية؟

ومن الذي جعل الكائنات الحية تنمو وتتكاثر؟

ومن الذي وضع فيها القابلية للنمو والتكاثر؟

ومن الذي وضع غريزة في الذكَر للأنثى، وغريزة في الأنثى للذكر؟

ومَن الذي خلق للذكر أنثى وللأنثى ذكرًا؟

ومن الذي أعطى لكل كائن حي ما يُصلحه في حياته، وكأن الكون معَد له قبل أن يوجد على الأرض؟

ومن الذي علَّم الكائن الحي كيف ينتفع بالشيء الذي يُصلحه في حياته خاصة الكائنات الحية الأولى؟!

إنه في الواقع بدون الخالق وقوانين الخالق لن يجد العلماء ما يدرسون ويقيموا تجاربهم علبه.

تفاجأت حينها بصمت مطبق من السائل، وقال بعدها:

أنتِ تدافعين عن إلهك لأنك وُلدتِ مسلمة، و النصراني يدافع عن إلهه، وكذلك الهندوس وغيرهم.

فأي من هؤلاء هو الإله الخالق؟

قلت له:

الخالق هو من خلق المسيح ومحمد وبوذا وكريشنا.

الخالق هو القوة التي في السماء التي يلجأ إليها الجميع عند الشدائد بما فيهم أنت نفسك والملحدين غيرك.

ويقولون في المثل:

لا ملحدين في الخنادق.

قال:

وما هو الدين الحق؟

قلت له:

لكي تعرف ما هو الدين الصحيح ابحث عن الدين الذي لا ينسب إلى الخالق صفات بشرية.

الخالق واحد أحد، ليس له شريك في ملكه ولا ولد، خلق المسيح من غير أب كنبي عظيم، وخلق آدم من غير أب ولا أم، فهو الذي يخلق ولا يلد.

الخالق لا يأتي إلى الأرض في صورة إنسان أو حيوان ولا بصورة صنم أو حيوان أو حجر.

يجب على البشر عبادته مباشرة وليس من خلال قسيس ولا قديس.

أرسل الخالق أنبياء إلى جميع الأمم،، من بينهم أنبياء الله موسى والمسيح وخاتمه محمد عليهم الصلاة والسلام أجمعين.

سوف يحاسب الخالق البشر على أعمالهم يوم القيامة.

فإما ثواب وإما عقاب.

واللبيب من يستفيد من فرصة وجوده إلى الآن على قيد الحياة ليعود إلى خالقه بالتوبة وتجديد العهد.


مقال للدكتور ربيع أحمد. (1)

مغالطات أكذوبة أن الكون نشأ من لا شئ بدون الحاجة إلى خالق.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *