يتسائل البعض عن الميزة التي يتسم بها الإسلام عن بقية الديانات المنتشرة بين شعوب الأرض.

ونستطيع أن نحصل على الإجابة بمجرد معرفة الغاية الذي جاء دين الإسلام لتحقيقها.

فلقد جاء دين الإسلام ليقيم العدل على الأرض.

وهو الدين الذي جاء به جميع أنبياء الله لجميع الأمم، والذي انحرفت عنه جميع ديانات الأرض التي قدس أتباعها أنبياءهم والصالحين منهم.

ولكن أي عدل؟

إنه العدل الذي يضع الأمور في نصابها، ويعطي كل ذي حق حقه.

  • إعطاء الخالق حقه بعبادته وحده، وشهادة أنه الواحد الأحد الذي ليس له شريك في الملك ولا ولد، و الإقرار بأن الخالق منزه عن أن يكون له ولد، ومنزه عن التجسد في صورة إنسان أو حيوان أو صنم.
  • إعطاء البشر حقهم بالتواصل مع خالقهم مباشرة دون قسيس ولا قديس ولا أي وسيط، والطلب عند الحاجة والشدائد من الخالق مباشرة، وليس من أي نبي بما فيهم نبي الله محمد.
  • إقامة المساواة بين البشر وتخليص البشرية من التعصب العرقي المقيت. فلا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13 سورة الحجرات )

  • إطلاق الحريات، والسماح في اختيار الدين وممارسة شعائره.

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

  • رفع الاضطهاد والظلم عن البشرية، ونصرة المظلوم.

كان مما لفت انتباهي عبارة للكاتبة الإيطالية لورا فيتشا فاليري ذكرها أحمد بن يوسف السيد في كتابه محاسن الإسلام حيث تقول:

حسبُك أنَّ الحروب التي هي أقصى ضرورات الحياة الإنسانية قد صارت بفضل محمد أقلَّ وحشية وقسوة؛ إذ إنَّه كان يطلب من جنودِه ألا يقتلوا شيخًا ولا امرأة ولا طفلاً، ولا يهدموا بيوتًا لم تتخذْ كمعاقل حربية، ولا يدمروا ما بها من أسباب الحياة، ولا يَمسوا الأشجارَ المثمرة والنخيل[10.

وتعجبت من الحقيفة التي تقرها هذه الكاتبة في كلمتها عن واقع الحروب الذي كان بمثابة ضرورة من ضروريات الحياة على حسب قولها.

فيبدو أن الحرب شكلت منذ نشأة الحضارات البشرية وحتى هذه اللحظة من التاريخ صفة ملازمة لها.

ولما كانت الحضارة البشرية قد شهدت حروبًا كثيرة، محلية ودولية، فإنها مع الأيام حاولت أن تجعلها أقل وحشية و همجية.

وقد كان نبي الله موسى مقاتلاً، ونبي الله داوود وغيرهم.

وتذكرت حينها قصة جعفر بن أبي طالب عندما وصف حال العرب قبل بعثة نبي الله محمد عليه الصلاة والسلام.

حيث قال للنجاشي ملك الحبشة:

أيها الملك، كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتى الفواحش ونقطع الأرحام، ونسيئ الجوار، ويأكل القوى منا الضعيف، وبقينا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه.فدعانا إلى الله، لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن واَباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وقد أمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار والكف عن المحارم، وحقن الدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات. وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا، وأن نقيم الصلاة ونؤتى الزكاة ونصوم رمضان. فصدقناه واَمنا به واتبعناه على ما جاء به من عند الله، فحللنا ما أحل لنا وحرمنا ما حرم علينا. فما كان من قومنا أيها الملك إلا أن عدوا علينا. فعذبونا أشد العذاب ليفتنونا عن ديننا ويردونا إلى عبادة الأوثان. فلما ظلمونا وقهرونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا فى جوارك ورجونا إلا نظلم عندك.

نفهم من هذه الخطبة أن الجزيرة العربية كانت بلا أمن، بلا قوانين، بلا نظام، بلا محاكم، و بلا حقوق.

كانت تخوض الحروب على أتفه الأسباب و باستمرار، كما حدث في حرب البسوس- على سبيل المثال- هذه الحرب التي قامت بسبب جمل، ودامت أربعين عامًا.

وفي المقابل، فإن المجتمع الدولي في ذلك الوقت قد عرف التعامل مع الأقليات الدينية باضطهاد كبير، فقد هاجر النساطرة خوفًا من اضطهاد البيزنطيين لهم، ولجأوا بلاد فارس، وأقاموا في رعايتها وقتًا طويلاً حتى قدوم المسلمين.

وكانت الشعوب تحت الإضطهاد الروماني محرومة من أبسط الحقوق، وهو اختيار دينها، وحرية ممارسة شعائرها.

وبناءً على هذه المعطيات وغيرها، فلم يكن متاحًا للمسلمين في ظل الإمبراطورية الرومانية التعبد بحرية، فقد استشهد فروة الجذامي مصلوبًا بسبب إسلامه، وبدا جليًا أن الإمبراطورية الرومانية لن تتسامح مع الإسلام كدين.

كما كان الحال في بلاد مصر وغيرها حيث اضُطهدت الشعوب ورضخت تحت الاستبعاد والقهر.

ومن ناحية أخرى، فمن المعروف أن مفهوم السيادة لم يعرف الثبات والاستقرار بصورته الراهنة في ذلك الوقت، فلم يكن في التوسع في الأراضي الأخرى عيب أو ضير بمقياس القرون الوسطى، وهو في الحالة المتعلقة بالفتوحات الإسلامية كان حلاً لا مفر منه، إن أرادوا تأمين حرية التعبد للمسلمين في جزيرة العرب أو خارجها، وكذلك إن أرادوا الدعوة للإسلام بحرية ودون عوائق.

إضافة إلى أن الوضع في زمن بعثة الرسول لم يحتمل ظهور قوة ثالثة إلى جانب الفرس والروم، وقد بات جليًا خشية هرقل الروم من المسلمين كما تقول الروايات التاريخية.

فتأهب الفرس والروم للهجوم على المسلمين، و أرسل كسرى شخصين لإحضار رسول الله، وقام بأسر الصحابي الذي أرسله النبي برسالته، بالإضافة إلى قيام كسرى بتمزيق تلك الرسالة، وقيام الوالي الغساني في الشام بقتل رسول رسول الله.

وكان هذا بمثابة إعلان حرب، كان قد أدى إلى معركة مؤتة، ثم انتشرت الشائعات بتجهيز الغساسنة للهجوم على المدينة، وذلك بترتيب من المنافقون وأبو عامر الراهب المقيم عند قيصر الروم في ذلك الوقت. فكان خيار القتال هو خيار المسلمين الوحيد.

عند دخول الأوربيين إلى قارتي أمريكا و أستراليا أبـ..ـادوا الهنود الحمر و سكان أستراليا الأصليين ،
بينما عند دخول المسلمين إلى أندونيسيا و ماليزيا و الفليبين لم يدخل معهم جندي واحد بل نشروا الإسلام بأخلاقهم
المؤرخ البريطاني “أرنولد توينبي”

إقامة العدل:

إن العلاقة بين الدين والدولة في القرون الوسطى (476 -1453م) كانت علاقة مصالح، يقوم فيها السياسي بالحصول على شرعية حكمه من رجل الدين، بينما يرخص السياسي سلطة رجل الدين الدينية والهيمنة على قلوب أتباعه، ويضمن استمرارية مؤسسته الدينية عبر الهبات والأموال.

وبمجيء الإسلام، فكك الإسلام هذه العلاقة، معطيًا مساحة أكبر للفكر والمنطق، معتمدًا على مباديء الحرية الدينية، وتوفير البراهين في تحديد دور الدين في الحياة العامة، خاصة في جانبها السياسي.

فعلى سبيل المثال:

وصية أبى بكر الصديق لجنود الإسلام قبل فتح بلاد الشام (12 هجرية)

يا أيها الناس قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني: لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلاً صغيرًا أو شيخًا كبيرًا ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرًا إلا لمأكلة وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له. وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام فإذا أكلتم منها شيئًا فاذكروا اسم الله عليها ….

شهادة حق:

قبل تدوين اتفاقيات جنيف بأكثر من ألف عام، كانت معظم النقاط الأساسية للحماية التي توفرها تلك الاتفاقيات موجودة بالفعل في مضمونها الأساسي في التعاليم الإسلامية.

وفي الواقع، فإن العديد من القيود التي تفرضها الشريعة الإسلامية على المقاتلين تفوق بعظمتها ما هو مطلوب بموجب القانون الدولي الإنساني، وخاصة في ساحة الصراع المسلح غير الدولي.

وعندما نظمت هيومان رايتس ووتش لقاءات مع قادة المجتمع المدني في العالم الإسلامي لمناقشة حماية المدنيين، قالت:

لم نواجه حججًا تدعي أن الشريعة الإسلامية تتبع معايير مختلفة.

كما قال جو ستورك، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة:

بل كان الناس يؤكدون التطابق بين القانون الدولي الإنساني والشريعة الإسلامية، وربما كانوا يبالغون في التعبير عن هذا التطابق.

إقرار التعددية الدينية:

قال لي أحدهم يومًا:

إن الحروب في الإسلام كانت لإجبار غير المسلمين على الدخول في الإسلام، وأن الذين اعتنقوا الإسلام دخلوا فيه بالإكراه والقهر، لا عن اقتناع وتسليم.

قلت له:

من أجبر التتار على دخول الإسلام، وهم المنتصرون في المعركة؟

هل يعتنق المنتصر دين المغلوب مجبرًا؟

ألم يرحب أقباط مصر بالمسلمين واعتبروهم محررين لهم من اضطهاد الرومان؟

بل وساعدوهم على دخول البلاد للتخلص من سيطرة الرومان.

من أعاد إلى بطريرك القبط في بلاد مصر كنائسه ورفع الظلم عنه بإعادته إلى مزاولة عمله، عندما كان مضطهدًا من الرومان وهاربًا من بطشهم؟

أليس الصحابي عمرو بن العاص الذي أقر بهذا العمل النبيل حرية الدين والإعتقاد الذي تعلمه من رسول الله محمد؟

قال السائل:

لكن المسلمون قد قاموا بفرض الجزية على الأقباط.

قلت له:

وإن فرضوا الجزية على المقاتل فقط وليس على جميع أفراد المجتمع من الأقباط مقابل الحماية واعفائه من خوض الحروب معهم، لكنها تبقى مبلغًا ضيئلاً جدًا في واقعه وقياسًا على مبلغ الجزية الذي كانوا يدفعونه عن كل أفراد الأسرة وبمبالغ باهظة للدولة الرومانية.

وهي ما يشبه الضريبة التي أقرها القانون العالمي اليوم مقابل توفير الخدمات والحماية من الدولة لمواطنيها.

قال المؤرخ الهولندي رينهاردت دوزي في كتابه “نظرات في تاريخ الإسلام”

لقد كان غالبية النصارى في الشرق ينتمون إلى مذاهب متعددة، كانت قد لقِيت من اضطهاد حكومة القسطنطينية وإعناتها ما أرهق أصحابها إرهاقًا، فلما جاء الإسلام – ومن طبيعته التسامح والإخاء – ترك لهم الحرية التامَّة في البقاء على دينهم، وظَلَّلهم بحمايته، وساوى بينهم في الحقوق على اختلاف مَذاهبهم، وبما أنهم كانوا مضطرين إلى دفع ضرائب فادحة للإمبراطور الروماني، فقد أعفاهم الإسلام منها، ولم يفرض عليهم إلا جزية معتدلة لا ترهق أحدًا.

قلت له مسترسلة:

ألم يرفض عمر بن الخطاب الصلاة في كنيسة القيامة بعد سيطرته الكاملة على مدينة القدس حتى لا يظن المسلمون أنها رخصة بتحويل الكنيسة إلى مسجد؟

أليس مفتاح كنيسة القيامة في عهدة عائلة مسلمة حتى يومنا هذا؟

يقول فرد من أفراد هذه الأسرة:

تشرفت عائلتى بهذه المهمة المقدسة، منذ عام ١١٨٧، حيث قام القائد الفاتح صلاح الدين، بعد تحرير القدس من أيدى الصليبيين باتباع خطى الخليفة عمر بن الخطاب الذي خط بيده العهدة العمرية والتى تظهر سماحة الدين الإسلامى الذي أعطى النصارى عهدًا يضمن السماح لهم بممارسة شعائرهم الدينية في بيت المقدس.

قال السائل:

أليس ما فعله المسلمون هو استبدال استعمار باستعمار؟

قلت له:

حكم الدولة الإسلامية في ذلك الوقت كان ليس استعمارًا، فقد تحولت جماعة الفاتحين المسلمين لجماعة ضامنة لحقوق أهل الذمة، بمعنى أن الوضع المثالي كان يقتضي رقابة المسلمين جميعًا على أحوال أهل الذمة وحمايتهم. مع منحهم المواطنة الكاملة بمفهومها المعاصر.

وهذا بمقياس العصور الوسطى تقدم كبير للغاية.

إن الأمم غير العربية التي دخلها الإسلام ما زالت تحتفل بأعياد المسلمين لتمسكها الشديد بدين الإسلام، أما الأمم التي دخلها الاستعمار فإنها تجعل من فراق المستعمِرين عيدًا قوميًا (أعياد الاستقلال في دول الوطن العزبي والعالم الإسلامي).

علينا أن نفهم أن الاستعمار بجميع أشكاله هو استغلال اقتصادي واستراتيجي لصالح الدولة المستعمرة، ولهذا نرى البلاد المستعمِرة نهضت على حساب الأراضي المستعمرة.

ثم أن الشعوب لم يسبق أن ثارت على الفاتحين المسلمين، الذين جاءوا بهدف رفع الظلم عن هذه الشعوب، كما ثارت على المستعمرين الذين قد أدركت هذه الشعوب أهدافهم من الظلم ونهب الثروات.

فهناك فرق كبير بين الاستعمار والفتح الإسلامي، فنلاحظ ردة فعل الشعوب بعد نهاية الحقبة الاستعمارية ، على سبيل المثال، (فرنسا والجزائر مثلاً، مصر وبريطانيا، الهند وبريطانيا…وهكذا).

أما المسلمون فأساس فتوحاتهم هو ضم الآخرين معهم ومشاركتهم لهم في حياتهم (لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين من حقوق وواجبات)، مع تباين في التطبيق الذي تعتريه العيوب، والذي أخذ بعض الأحيان في عصور لاحقة طابعًا سياسيًا بسبب الضعف البشري.

وهذا يقودنا إلى أهمية التمييز بين دين الإسلام المثالي والمسلمون الغير مثاليون.

ويكون دين الإسلام بذلك أول من أقر وطبق التعددية الدينية التي ينادي بها العالم اليوم، والذي جعل لغير المسلم حقوقًا عنده، وعرَّف البشرية كلها المعنى الحقيقي للتعددية الدينية.

ولكن لا تعددية في الحق.

وذلك بالتمسك بحقيقة مطلقة لا حياد عنها، وهي أن الدين الصحيح هو دين واحد فقط، وهو الإيمان بالخالق الواحد الأحد الذي ليس له شريك ولا ولد، فهو يخلق ولا يلد، وعبادته مباشرة دون تدخل قسيس ولا قسيس ولا أي وسيط.

أوضح الله تعالى الدين الحق في هذه الآية من سورة البقرة:

آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)

فدين الإسلام يقوم على فكرة عدم التفريق بين أنبياء ورسل الله من آدم إلى محمد بما فيهم موسى والمسيح عليهم الصلاة والسلام.

قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ  (136)

شهادة الواقع:

اعتبر يهود من أصول أندلسية (السفارديم) حصولهم على حق العيش في الدولة العثمانية بعد نفيهم من الأندلس عام 1492، مكسبًا حقيقيًا منحهم الحياة وفرصة الحفاظ على قيمهم الدينية، ووفر فرصة انتقال التقاليد والثقافة الأندلسية إلى الأراضي التركية.

وقال موريس ليفي، عضو مجلس الجمعيات الوقفية وممثل المؤسسات الوقفية للأقليات الدينية في الجمهورية التركية:

إن إسبانيا نفت اليهود عام 1492 إلى الدولة العثمانية، التي منحتهم حق العيش على أراضيها.

وأضاف ليفي للأناضول، بمناسبة الذكرى السنوية الـ527 لنفي اليهود من الأندلس إلى الأراضي العثمانية:

أن منح العثمانيين لليهود حق العيش على أراضيهم شكل فرصة مهمة للموسويين استطاعوا عبرها الحفاظ على قيمهم الدينية.

وأشار ليفي أن اليهود واجهوا صعوبات كبيرة هددت حياتهم ووجودهم إبان الامتداد المسيحي باتجاه الأندلس في العصور الوسطى، وأن بقائهم في إسبانيا خلال تلك الحقبة، كان سيعرضهم للقتل أو إجبارهم على تغيير دينهم.

وأضاف:

عاش اليهود بأمان في الأندلس لعدة قرون في ظل الدولة الأموية، حتى سقوط الأندلس بيد الإسبان وتعرضهم لحملات إبادة دفعهم نحو الهروب إلى الدولة العثمانية التي شيدت أركانها وفق المنظور الحضاري الإسلامي.

وتابع:

كان اليهود منفتحون على العمل في ظل التنوع الثقافي، ويتقنون مهنا مختلفة، ويتعايشون بشكل جيد مع المسيحيين والمسلمين، وكذلك يتعاونون مع الحرفيين والجنود والفنانين والمزارعين، كل هذا أكسبهم أهمية داخل مجتمع الدولة العثمانية الطامحة للتطور.

ولفت إلى أن الدولة العثمانية أيضًا لم تصدر أي قانون ولم تقم بأي ممارسة تستهدف اليهود وإيذائهم، وأن اليهود بدورهم عملوا على تطوير أنفسهم ليكونوا رعايا مفيدين للدولة.

أليست هذه المعاملة نابعة من تعاليم نبيلة جاء بها الإسلام؟

جاذبية الإسلام:

يتكرر تعليق جميل من غير المسلمين الذين سمعوا عن الإسلام لأول مرة حيث يقولون:

لم نكن نعرف أن هناك دين على وجه الأرض يدعو أتباعه لعبادة الخالق مباشرة بدون قديس ولا قسيس ولا أي وسيط. وأنه الواحد الأحد الذي ليس له شريك في ملكه ولا ولد، وأنه تعالى لا يتجسد في صورة إنسان ولا حيوان ولا صنم.

ويقولون:

كنا نظن أن المسلمون يعبدون محمدًا، و المسيحيون يعبدون المسيح، والبوذيون يعبدون بوذا، والهندوسيون يعبدون كريشنا. وكنا نبحث عن دين يقول: الخالق واحد أحد، اعبدوه وحده، وهو دين أنبياء الله إبراهيم وموسى.

نفهم من هذا التعليق أن هناك حاجة ماسة لتبليغ الدين الصحيح لجميع الأمم، ولكن مع إعطاء الجميع الحق في اختيار الدين، وحرية ممارسة الشعائر الدينية التي تخص دينه، دون قتل ولا إرهاب ولا إراقة دماء، وهذا ما لم يوفره إلا دين الإسلام على وجه الأرض.

ولم يضطر المسلمون لرفع السلاح والقتال إلا لحماية أنفسهم ودفع العدوان.

  • لقد مكث محمد رسول الله في مكة ثلاثة عشر عامًا يدعو بالحجة والموعظة الحسنة بلا قتال أو إراقة دماء، وكان وأصحابُه مستضعفين يتعرضون للتعذيب والتنكيل ليرجعوا عن دينِهم، فما صرفهم هذا عن الإسلام، وما زادهم إلا إصرارًا على اتباع الحق، فإن كان هناك إكراه، ففي الصد عن الإسلام، لا في اتباعه.
  • دخل الإسلام إلى أهل يثرب – المدينة النبوية – بلا أيّ قتال؛ فقد اقتنع سادتهم بالإسلام حين عرضه عليهم الرسول فبايعوه بيعتي العقبة الأولى والثانية، ثم أرسل إليهم مصعب بن عمير فاجتهد في دعوة أهل المدينة حتى دخل معظمهم في دين الإسلام وتحملوا في سبيله الاضطهاد، فأين الإجبار في إسلام أهل المدينة؟
  • إن الحروب والغزوات الإسلامية في العصر النبويّ غالبها لم يكن بِمبادرة من المسلمين، فقد غُزي المسلمون مثلاً في بدر وأحُد والأحزاب، وأما غزوات اليهود وفتْح مكة ومؤتة وتبوك وغيرها، فكانت تأديبًا لمن خانوا العقود، وخالفوا العهود والمواثيق، وبدؤوا بالاعتداء، أو قتلوا رسُل رسول الله.
  • عندما دخل رسول الله مكة فاتحًا، وارتجف أعداءه من الخوف، متسائلاً: ما تظنون أني فاعل بكم؟قالوا : اخ كريم وابن أخ كريم. فقال :اذهبوا فأنتم الطلقاء. فلماذا لم يقتلهم الرسول جميعًا بهدف القتل والإجبار؟
  • كان المسلمون يدخلون في الغالب في معارك غير متكافئة من حيث العدد والعدَّة، حيث كان خصمهم يتفوَّق عليهم تفوُّقًا ساحقًا. في غزوة مؤتة – على سبيل المثال – نجد أن عدد جنود المسلمين حوالي ثلاثة آلاف رجل، في حين كان عدد جيش الكفار مائتي ألْف مقاتل، ناهيك عن التفوُّق في العدَّة والآلة الحربية، فهل سعى ثلاثة آلاف مسلم في فرض الإسلام على مائتَي ألف شخص؟!
  • إن العقائد لا تستقر في النفوس تحت وطْأة السيف والقهر على الإطلاق، وإنما تستقر بالإقناع وبالحجة الواضحة، ولو كانت الشعوب قد دخلت في الإسلام مجبرة فسرعان ما كانت تمردت عليه وتركته، ولكن الحقيقة التي يشهد لها التاريخ والواقع أن الشعوب الإسلامية هي أكثر الشعوب تمسُّكًا بدينها، رغم ما تعانيه من اضطهادات وحروب في كثير من أنحاء العالم حتى في عصرنا هذا.
  • من المعلوم أن هناك كثافة إسلامية في جنوب شرق آسيا، في بلاد لم تطأها قدم مجاهد مسلم فاتح، كالفلبين وإندونيسيا، فهناك عشرات بل مئات الملايين أسلموا، فمن الذي أجبر هؤلاء على اعتناق الإسلام؟ وجدير بالذِّكر أن هؤلاء يُشكلون غالبية المسلمين في عصرنا.
  • كما أن هناك كثيرًا من المسلمين في دول أوروبا والأمريكتين، وهي بلاد لم يدخلها الفاتحون المسلمون، وهناك أقليات مسلمة في كل الدول غير الإسلامية وهم متمسكون بالإسلام.
  • قام المسلمون بفتح النوبة تحت قيادة عبد الله بن أبي السرح، وكذلك قاموا بفتح أجزاء من غرب أفريقيا تحت قيادة عقبة بن نافع، وفي عهد دولة المرابطين تم فتح أغلب مناطق غرب أفريقيا. المتمثلة في بوركينا فاسو ،غامبيا، غينيا، النيجر ،نيجيريا، مالي، موريتانيا، السنغال، سيراليون ،ساحل العاج، تشاد، الكاميرون. كل هذه الدول ذات غالبية مسلمة بفضل فتوحات المسلمين وهم متمسكين بدينهم إلى يومنا هذا مع كل التشويه الإعلامي لدين الإسلام في وقتنا الحاضر.
  • ونسمع يوميًا عن دخول جموع في دين الإسلام أفواجًا في بلاد غير إسلامية، حتى ثبت بالإحصاءات الرسمية العالمية وغير الإسلامية أن الإسلام هو أسرع الديانات انتشارًا في العالم الآن.

جاء في دراسة الدكتور محمود السيد ” التتار والمغول ” ( ص/150 – 154 ):

اعتنق ” كورجوز ” حاكم فارس من قبل ” أجتاي خان ” الديانة الإسلامية في أواخر عهده، بعد اعتناق بركة خان (القبيلة الذهبية 654هـ – 666هـ) للعقيدة الإسلامية في أول نصر حقيقي للإسلام، خاصة بعد أن تبعه السواد الأعظم من رعيته، حتى إن كل رجال جيوشه كانوا مسلمين وهم مغول، وتبع ذلك توثيق الروابط السياسية بين ” بركة خان ” و” بيبرس ” سلطان مصر، وتحالف كلاهما ضد أسرة ” هولاكو ” في فارس.

يقول تعالى:

وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (يونس: 99)

وقد يقول قائل:

ولماذا سمح الإسلام بالقتال أصلاً؟ إن لم يكن السبب إجبار الناس على اعتناق الإسلام؟

والجواب على ذلك:

  • مواجهة من قاتل المسلمين لمنع تبليغ الناس بضرورة عبادة الخالق وحده مباشرة بدون وسيط.
  • الدفاع عن النفس.
  • التصدي لمن يمنعهم من اعتناق الدين الصحيح ويضطهدهم.
  • قتال من يمنع المسلمين من تبليغ الرسالة.
  • تطهير الأرض من أجواء الفتن، حتى يتم تسهيل عبادة الناس لله رب العالمين وحده.

وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)

لذلك قال ربعي بن عامر لرستم ملك الفرس:

إن الله ابتعثنا لنُخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أَبى قبلنا منه الجزية وإن رفض قاتلْناه حتى نظفر بالنصر.

ويعني هنا من أبى وأصر على القتال، وليس من أبى وأصرعلى البقاء على دينه ودفع الجزية، واحترم حقوق المسلمين وغيرهم. فهناك فرق كبير بين الحالتين.

قال الله تعالى:

وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (البقرة: 193)

ولتوضيح ذلك نقول:

إنك إذا أردت أن تُعالج شخصًا من إدْمان الخمر، فلا بد أن تبعده عن مكان الخمور.

وإذا أردت لإنسان أن يتوب من الزنا، فلا تجعله يعيش بين بيوت الدعارة.

وعندما تريد أن تجعل الناس أصحاء، فيجب أن توفر لهم أجواء صحية نظيفة.

فالقنال في الإسلام ليس لإكراه الناس على الإسلام كما ذكرنا؛ وإنما لإفساح الطريق للناس للاختيار بين عبادة الله وترك الشرك، أو البقاء على دينه مقابل شروط من بينها دفع الجزية، من خلال توفير أجواء إيمانية لهم تساعدهم على حرية الاعتقاد والتفريق بين الحق والباطل.

قال الله تعالى:

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ (البقرة: 256)

الخلاصة:

نجد خلاصة جميع ما قد سبق في أقوال غير المسلمين التالية:

يقول الكاتب اللبناني المسيحي “أمين معلوف” في كتابه “الهويات القاتلة، ترجمة الدكتور نبيل محسن”:

لو كان أجدادي مسلمين في بلد فتحته الجيوش المسيحية، بدلًا من كونهم مسيحيين في بلد فتحته الجيوش المسلمة، لا أظن أنهم كانوا استطاعوا الإستمرار في العيش لمدة أربعة عشر قرنًا في مدنهم وقُراهم محتفظين بعقيدتهم. ماذا حدث فعلياً لمسلمي إسبانيا وصقلية؟ لقد اختفوا حتى آخرهم، ذُبحوا أو هُجّروا أو تم تعميدهم بالقوة. يوجد في تاريخ الإسلام ومنذ بداياته قدرة مميزة على التعايش مع الآخر.

ويتابع قائلاً:

وفي نهاية القرن الماضي كان يوجد بين سكان اسطنبول، عاصمة القوة الإسلامية الأساسية، أغلبية غير مسلمة تتألف من اليونانيين والأرمن واليهود. هل يمكن أن نتخيل في العصر ذاته أن يكون نصف سكان باريس أو لندن أو فيينا أو برلين من غير المسيحيين، مسلمين أو يهود؟ وحتى اليوم أيضًا يتفاجأ العديد من الأوروبيين بسماع نداء المؤذن في مدنهم.

جوناثان براون، أستاذ جامعي أمريكي باحث في الدراسات الإسلامية. وهو رئيس تحرير موسوعة أكسفورد للإسلام والقانون اعتنق الاسلام عام 1997, ينسف في محاضرته الافتراء القائل بأن الاسلام انتشر بالسيف والإجبار ويُبَين أن السيف والعنف كانت سمة الحضارة الغربية وليس الاسلام!

فنفهم من جميع ما سبق أن الإسلام جاء ليحقق ويقيم العدالة على وجه الأرض والتي تتمثل بعبادة خالق الكون مباشرة ونصرة المظلوم، ودين جاء بهذا الهدف سينتشر بسرعة البرق، دون إجبار ولا عنف، لأنه الدين الذي تهفو إليه النفوس. وسرعة انتشار هذا الدين هو الواقع الذي يشهده العالم بأسره اليوم.


مقالات للكاتب ذات صلة:

ar
ar

مراجع:

  • كتاب لماذا الدين؟ فاتن صبري
  • يهود سفارديم: هجرتنا من الأندلس إلى الدولة العثمانية منحتنا الحياة (تقرير) https/www.aa.com.tr/ar/%D8%A7%C
  • صفحة العلم يؤكد الدين – فيس بوك
  • مقال: الفتوحات الإسلامية والبحث عن مبرر- مختار خواجه.
  • محمد رضا، أبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين ط إحياء الكتب العربية، صفحة ٣٨ بتصرف.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *