كم أسعدتني لحظات قمت خلالها بمحاورة بعض من بابوات الفاتيكان والوفد المرافق لهم مؤخرا بصدد تعزيز التعايش السلمي بين أتباع العقائد المختلفة.

أذكر أنني شرحت بالتفصيل عقيدة الإسلام قائلة:

الإسلام هو:

  • الإيمان بِأنْ لا إِلهَ إِلاّ الله (الخالق) وَحدهُ لا شَريكَ لَهُ وَلا وَلدْ، وَأنَّه هُو الخالِقُ وَالرّازِقُ لِلكَوْن كُلُّه ُوما يحتويه.
  • لقد خلق الخالق المسيح بلا أب وخلق آدم من غير أب ولا أم، فهو يخلق ولا يلد.
  • علينا عبادة الخالق مباشرة بدون قسيس ولا قديس، ولا من خلال أي نبي أو أي رسول بما فيهم المسيح أو محمد، ولا من أي فرد من آل بيت رسول الله محمد أو من أي وسيط آخر.

حيث قال أحدهم:

إذا أنتم لا تعبدون محمد؟

قلت له:

المسلم لا يعبد نبي الله محمد.

رسالة محمد عليه الصلاة والسلام إلى الناس كافة هي:

  • إعطاء الخالق حقه بعبادته وحده.
  • إعطاء البشر حقهم بالتواصل المباشر مع خالقهم.
  • اعطاء رسل الخالق حقهم، جميعهم من آدم إلى محمد بما فيهم المسيح وموسى عليهم الصلاة والسلام، وذلك عن طريق الإيمان بهم واحترامهم واتباع رسالة آخر نبي فيهم وهو محمد عليه الصلاة والسلام.
  • رفع الظلم والاضطهاد عن المظلومين.
  • التخلص من العصبية القبلية المقيتة، وارساء مبادئ الأخوة والمساواة بين البشر.
  • إعطاء البشر حقهم في اختيار الدين، حيث كانت الشعوب في الحضارات السابقة لبعثة نبي الله محمد محرومة من هذا الحق.

لكن علينا في جميع الأحوال التمسك بحقيقة وجود دين واحد صحيح، وهو عبادة الخالق الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. والذي لا يأتي إلى الأرض في صورة إنسان أو حيوان أو صنم أو حجر.

قال:

طبعا، بالتأكيد.

قلت لهم:

هل تعلمون ما معنى مصطلح” الله”؟

قال أحدهم:

أخبرينا.

قلت لهم:

لابد للإنسان من الايمان بشئ، يمكن أن يسمي هذا الشئ إلهًا أو يسميه أي شي آخر، وقد يكون الإله شجرة أو نجمًا سينيمائيًا أو نجمًا في السماء، أو بطلاً قوميًا أو امرأة، أو رئيسه في العمل أو نظرية علمية أو حتى هوىً في نفسه، لكن لابد له من الإيمان بشيء يتبعه ويقدسه و يدافع عنه وعن حقوقه، ويرجع له في نهج حياته، وقد يموت لأجله وهذا ما نسميه العبادة.

واستطردت قائلة:

ونجد هذا جليا في واقعنا اليوم، فمن البشر اليوم من يقدس لاعبين كرة القدم على سبيل المثال، ويطلقون عليهم لقب الإله، ويعتقدون أن الخالق يأتي في صورة لاعب القدم نفسه، كما هو الحال في الأرجنتين.

الكنيسة المارادونية على سبيل المثال، والتي تعرف أيضا بإسم كنيسة مارادونا، هي كنيسة ذو طابع ديني تهكمي، تم تكريسها في مدينة روساريو بالأرجنتين على اسم لاعب كرة القدم الأرجنتيني دييغو مارادونا، والتي تعتبره من صور الرب على الأرض أو الرب نفسه.

فالاسلام الذي يقول بأنه لا معبود يستحق العبادة إلا الخالق بصفاته المنزهة عن صفات البشر، الخالق الذي لم يلد ولم يولد ولا يتجسد في صورة إنسان أو حيوان، يحرر البشر من أي عبادة أخرى. لأن عقيدة التجسد هي أساس الوثنية، فمتى اعتقد البشر بتجسد الخالق في أي مخلوق، فبالتالي ممكن عبادة أي شئ.

فالخالق يخبرنا أنه تعالى يجب أن يكون الإله الواحد الأحد في حياة كل إنسان، وهذا تماما معنى مصطلح” الله“. والتي تعني الإله الواحد الحقيقي.

،على سبيل المثال: أنا ادعى فاتن صبري، من الأردن وعندي ثلاثة من الأبناء. لو عدتم إلى بلادكم لتخبروا من حولكم أننا تحاورنا مع فاتن، وهي سيدة من دولة مصر ولديها عشرة من الأبناء، فأنتم في هذه الحالة تتكلمون عن فاتن أخرى، وليست فاتن الحقيقية.

وللخالق المثل الأعلى، فتغيير صفات الخالق وبياناته تجعل البشر يؤمنون بإله زائف، وليس الإله الحقيقي، فالخالق يخلق ولا يلد. إن الإيمان بأن الخالق له ولد أو يتجسد، يجعل البشر وكأنهم حين نسبوا صفات بشرية للخالق يتحدثون عن إله آخر تماما له صفات بشر فيصبح كالمخلوق، ولن يعتبر إله أصلا.

قال أحدهم:

جميل جدا.

قلت لهم:

كل إنسان سوف يلقى الخالق بعد الموت وحده.

الموت هو: أمر استدعاء لمقابلة ملك الملوك!

كل إنسان على وجه الأرض يجب أن يكون مستعدًا بأجوبة على ثلاثة أسئلة.

حينها قاطعني أحدهم بتعليق جانبي، فقال أحد القساوسة مباشرة: دعونا نتعرف على الأسئلة وإجاباتها.

واستطرد قائلا:

ما هو السؤال الأول؟

فضحك الجميع من حرص القسيس على معرفة الأسئلة والاجابات.

قلت له:

حسنا. السؤال الأول هو:

من ربك؟

بمعنى، أنك قمت بتكريس جهدك، وقتك، مالك، وحبك لدعم أي فكرة وأي هدف؟

هل كانت أموالك إلهك؟ أم زوجتك والأولاد، تجارتك، العلم الحديث؟

هل كان محمد إلهك، المسيح، بوذا، كريشنا، ميسي، أم مارادونا؟

فضحك واندهش الجميع إعجابا بدقة التفاصيل.

استطردت قائلة:

الإجابة الصحيحة يجب أن تكون:

ربي هو الخالق الواحد الأحد الذي ليس له شريك في ملكه ولا ولد. وهو ليس ثالوثًا، و لا يأتي إلى الأرض في صورة إنسان أو حيوان أو حجر أو صنم.

قال:

طبعا. طبعا.

وقال:

ما السؤال الثاني؟

قلت له:

السؤال الثاني هو:

ما هو دينك؟

بمعنى، ما هو نظام الحياة الذي حرصت على اتباعه في حياتك؟ هل كان أهواءك ورغباتك؟ هل كان المجتمع ودين الآباء والأجداد، العادات، التقاليد، وسائل التواصل الاجتماعي؟

أم هو النظام الإلهي، الذي هو دين التوحيد؟

الإجابة يجب أن تكون:

دين التوحيد، شهادة أن لا إله إلا الله، وعبادته مباشرة وليس من خلال قسيس ولا قديس ولا صنم أو حجر، ولا اللجوء إلى النبي محمد ولا آل بيته بالطلب.

قال:

حسنا، وما الثالث؟

قلت له:

من هو نبيك؟

بمعنى، من كان قدوتك، قائدك، أو مثلك الأعلى؟

والاجابة الصحيحة يجب أن تكون:

محمد خاتم رسل الله. وبهذه الإجابة يكون قد أقر بالإيمان بجميع أنبياء الخالق من آدم إلى محمد بما فيهم المسيح وموسى عليهم الصلاة والسلام أجمعين.

فعلى سبيل المثال ، لو أراد هندوسيا أو بوذيا اعتناق الاسلام اليوم، فيجب عليه الايمان بموسى والمسيح ويعقوب واسحق، وإلا فلن يقبل اسلامه.

وهذه ميزة لا تجدها إلا في الإسلام.

فأنا إذا أردت أن أعتنق المسيحية فيجب علي أن أتخلى عن إيماني بنبي الله محمد. واذا أردت اعتناق البهودية يجب أن أخسر ايماني بالمسيح أيضا. أما اذا أردت أن اعتنق الهندوسية أو البوذية فيجب أن أخسر إيماني بأنبياء الله جميعهم.

أما مع الاسلام فيجب الإيمان بهم جميعهم.

فمن مات على زمن ابراهيم عليه السلام ، عندما سأل هذه الأسئلة ، كان عليه أن يقول:

الخالق ربي، التوحيد ديني، وابراهيم عليه السلام آخر رسل الخالق. وكذلك الحال في زمن المسيح وموسى وغيرهم من الأنبياء.

قال مازحا:

حسنا، الآن أنا أعرف الإجابات جيدا.

ضحك الحضور من تعليقه، وقال الآخر:

هذه معلومات جديدة ومفيدة، لم نكن نعلمها من قبل.

قال حينها أحد القساوسة:

الخالق أراد أن يتواصل معنا عن طريق الكلمة. فالكلمة هي طريقة التواصل بين البشر. وهو قادر على كل شئ. وقد اختار الخالق هذه الطريقة للتواصل معنا، وقد تجسد الخالق في صورة بشر، والذي هو الكلمة نفسها وهذا هو لغز الإيمان الذي لن نفهمه إلا بعد الموت.

قلت له:

ليس كل ما يقدر عليه الخالق يفعله، فالتجسد لا يليق و يستحيل في حق الخالق، و يناقض صفاته، و محال إجتماع النقيضين في حق الخالق ( صفات نقص مع صفات كمال). فالتجسد نقص ( ضعف و إحتياج و فقر و ذل و مهانه). والفكرة ليست متعلقة بما يستطيع الخالق فعله أصلا، بل بما هي طبيعة الخالق. فالتجسد حجة غير منطقية. فلن يكون الخالق موجود وغير موجود في الوقت نفسه. ولن يكون إله وبشر في الوقت نفسه. ولن يكون كلي القدرة وضعيف في الوقت نفسه.

قلت له أيضا:

لو افترضنا مدرس مادة معينة يشرح للطلاب طوال السنة الدراسية المنهج الدراسي، ليأتي في نهاية العام ليضع أسئلة الاختبار، في هذه الحالة سوف تكون الأسئلة من مادة المنهج، فلن يقوم المدرس بوضع ألغاز في ورقة الاختبار، لأنه ببساطة يريد للطلاب اجتياز الاختبار مسخدمين عقلانيتهم.

قلت مستطردة:

هل تعلمون ما هو أساس مهمة الإنسان على وجه الأرض حسب المفهوم الاسلامي؟

قال أحدهم :

أخبرينا.

قلت لهم:

أساس مهمة البشر هي عقلانيتهم التي تميزوا بها عن الحيوان للتفريق بين الحق والباطل في كل خطوة من خطوات حياتهم.

ويظل الصراع بين الحق والباطل هو أساس الاختبار.

أمم تأتي ليختبرها الخالق، ويرى من سيقف مع الحق ومن سيقف مع الباطل. وتُسجَّل على الإنسان النتيجة مع علم الخالق المسبق بها، والتي سوف تكون حجة على الإنسان يوم القيامة.

ويتمايز البشر عن بعضهم البعض حسب مواقفهم.

فبالتالي وجود الألغاز في جوهر الإيمان يتعارض مع جوهر مهمة الإنسان، وهو التفريق بين الحق والباطل باستخدام عقلانيته.

حياة الإنسان عبارة عن مهمة عاجلة على كوكب الأرض. إن حياة الإنسان في هذه المهمة عبارة عن سلسلة من القرارات التي يتخذها في كل دقيقة من دقائق عمره منذ بلوغه، والتي سوف يحاسَب عليها بعد الموت من خالقه.

الدرس الذي علمه الله للبشرية عند قبوله توبة آدم بسبب أكله من الشجرة المُحَرَّمَة هو بمثابة أول مغفرة لربِّ العالمين للبشرية، حيث أنه لا يوجد معنىً للخطيئة الموروثة، فلا تزر وازرة وزر أخرى، فكل إنسان يتحمل ذنبه وحده؛ ولا داعي لأن يموت المسيح من أجلنا كبشر، فقد نجا المسيح من الصلب والموت حسب عقيدتنا. فكل إنسان مسؤول عن أعماله كما ذكرت سابقا. وهذا من رحمة ربِّ العالمين بالبشر.

قلت لهم أيضا:

نحن نؤمن بالمسيح على أنه رسول من عند الله، ووالدته خير نساء العالمين. النساء المسلمات محجبات مثلها. هي السيدة الوحيدة المذكورة باسمها في القرآن الكريم. وهناك سورة كاملة باسمها في القرآن أيضا.

وبذلك فالمسلم يعبد الخالق كما عبد المسيح الخالق ولا يعبد المسيح نفسه.

ويعبد الخالق كما عبدت السيدة مريم الخالق، ولا يعبد السيدة مريم نفسها.

المسلم يسجد كما سجد المسيح وجميع الأنبياء تماما لله في صلاته.

قال أحدهم:

هل ممكن أن أسأل عن أوقات الصلاة ؟

قلت له:

طبعا. تفضل.

قال:

كيف تحددون أوقات الصلاة؟

قلت له:

اليوم مقسم إلى خمس أوقات طبيعية.

وأنتم تقولون بالانجليزية:

Good morning. صباح الخير

Good day. يوم سعيد.

Good afternoon. مساء الخير.

Good evening. مساء الخير.

Good night. ليلة سعيدة.

وكما تتواصلون في هذه الأوقات مع البشر، نحن نتواصل مع الخالق.

قد يتكلم الشاب مع صديقه لسنوات دون أن يراه، وقد يشعر براحة وانسجام بالتحدث معه في كل مرة، وحين يلقاه مباشرة وجهًا لوجه تكون السعادة الغامرة.

عندما يتواصل المسلم مع خالق الكون ليتوب من ذنب أو لشكر نعمة أو لطلب حاجة، ومن خلال اعترافه أن ما أصابه من سوء كان من نفسه وما حصل عليه من خير كان من الخالق، يكون قد حقق هدف وجوده، وملئت نفسه السكينة وأصبحت حياته تتنقل من سعادة إلى سعادة، وتكون لحظة لقائه مع خالقه بعد الموت أسعد لحظات حياته.

إن طبيعة كروية الأرض ودورانها حول نفسها وبعكس عقارب الساعة بتوافق مع حركة دوران الكون والتي بدورها تنشأ تعاقب الليل والنهار، وانضمام المسلمون بطوافهم حول الكعبة وبصلواتهم الخمس عبر اليوم من مختلف بقاع الأرض وباتجاه مكة يشكلون جزء من منظومة الكون في التواصل الدائم والمستمر في تمجيد وتسبيح رب العالمين.

فمواقيت الصلاة التي تعتمد على شروق الشمس وغروبها. تجعل الصلاة لخالق الكون لا تتوقف على وجه الأرض.

فما إن ينتهي مسلم من خمس دقائق صلاة في مدينة المنامة مثلاً، فلسوف يبدأ مسلم آخر بالصلاة في مدينة الخبر السعودية وهكذا.

قال أحدهم:

جميل جدا.

وقال أيضا:

ويظل السلام والتعايش السلمي أهم شئ في الوجود.

قلت له:

بالنسبة لنا يبقى حق الخالق بعبادته وحده أهم شئ في الوجود. ثم يأتي حق البشر.

أما بخصوص التعايش السلمي، فمن أساسيات عقيدة المسلمين هو ضم الآخرين معهم ومشاركتهم لهم في حياتهم (لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين من حقوق وواجبات)، مع تباين في التطبيق الذي تعتريه العيوب، والذي أخذ بعض الأحيان في عصور لاحقة طابعًا سياسيًا بسبب الضعف البشري.

وهذا يقودنا إلى أهمية التمييز بين دين الإسلام المثالي والمسلمون الغير مثاليون.

وقد عاش اليهود والنصارى بكنف اﻹسلام يتمتعون بحقوقهم. وهذا ما ينادي بها العالم اليوم، الدين اﻹسلامي الذي جعل لغير المسلم حقوقًا عنده، وعرَّف البشرية كلها المعنى الحقيقي للتعايش السلمي، ولكن دون اﻹعتراف بصحة دين غير المسلم، فالدين الصحيح دين واحد لا تعددية فيه.

فلا تعددية في الحق.

وذلك بالتمسك بحقيقة مطلقة لا حياد عنها، وهي أن الدين الصحيح هو دين واحد فقط، وهو الإيمان بالخالق الواحد الأحد الذي ليس له شريك ولا ولد، فهو يخلق ولا يلد، وعبادته مباشرة دون تدخل قديس ولا قسيس ولا أي وسيط.

وفي نهاية الزيارة شكرنا القساوسة على هذا الحوار الجميل.

وحمدت الله تعالى أن أعانني على إجابة الأسئلة من خلال هذا الحوار الجميل والهادف.


Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *