قصة مؤثرة:

كان مما قرأت وأثر فيي كثيرًا، قصة لسيدة مسلمة ترويها بنفسها، عن كرهها السابق في فترة شبابها لأحكام الشريعة الإسلامية، وعدائها الشديد لهذه الحدود، التي اعتبرتها وحشية و بربرية.

في فترة المراهقة ومع عدم التزامها بالصلاة، وكرهها الشديد للإسلام بسبب هذه الحدود، والذي أدى إلى نفورها من قراءة القرآن، قد انضمت إلى مجموعات تندد بأحكام الشريعة والمطالبة بالغائها، وعدم الاعتراف بها كقانون إلهي.

حتى حدث ما لم تتوقعه، حيث أنها تعرضت لواقعة هزت كيانها وغيرت قناعاتها و حياتها بالكامل.

تقول هذه السيدة: كنت في رحلة برية بصحبة أمي وأبي وأخي، من مدينة إلى مدينة أخرى تبعد حوالي 6 ساعات بالسيارة، وكنت سعيدة جدًا بهذه الرحلة، حتى تعرض لنا قطاع طرق، وقد كاد الخوف أن يوقف نبضات قلبي.

طعنوا أبي وسرقوا جميع ما لديه من مال، وتشاجروا مع أخي حتى أوجعوه ضربًا، وأُغمى على أمي من هول الذي حدث، وقد سمعتهم وأنا ارتعد خوفًا يتناقشون بموصوع اغتصابي، ولجأت إلى الله وتوسلت إليه أن يجد لي مخرج، حتى ظهرت سيارة محملة بأربعة شباب بدا عليهم الصلاح والتدين.

أوقفوا سيارتهم ونزلوا بسرعة البرق لإنقاذي، وقد أمسكوا بقطاع الطرق وأبلغوا عنهم الأمن، واتصلوا بالإسعاف لنجدة أبي وأمي وأخي، ومن هول الصدمة فقدت أنا الوعي.

تقول السيدة: عندما استيقظت من الإغماء وجدت نفسي في المشفى، وسألت عن أهلي وعن أبي بالذات الذي كان قد تم طعنه أمام عيني، وقد أخبروني بوفاته.

ونزل علي الخبر كالصاعقة، وسألت عن قطاع الطرق، أخبروني أنهم في السجن ينتظرون المحاكمة.

فصرخت في وجه الجميع قائلة: السجن فقط؟ ألم يقتلوهم كما قتلوا أبي، ألم يعذبوهم كما عذبونا؟ ألم ألم…

وفجأة تذكرت ما كنت عليه من ضلال بعداوتي لأحكام الله، وأدركت خطأئي الفادح.

تعليق على القصة:

لقد وُضعت الحدود للردع ولعقاب من يقصد الإفساد في الأرض، بدليل أنها تُعطَّل في حالات القتل الخطأ أو السرقة بسبب الجوع والحاجة الشديدة.

ولا تُطبق الحدود على الصغير والمجنون أو المريض نفسيًا.

وهي في الأساس لحماية المجتمع، وكونها قاسية، فهذا من المصلحة التي يوفرها الدين للمجتمع، والتي يجب أن يفرح بها أفراد المجتمع، فوجودها رحمة للناس، والتي سوف يتحقق لهم بها الأمان.

ولن يعترض على هذه الحدود إلا المجرمين وقطاع الطرق والمفسدين في الأرض لخوفهم على أنفسهم.

ومن هذه الحدود ما هو موجود أصلاً في القوانين الوضعية كحد الإعدام وغيرها.

لحظة تفكر:

لنتخيل معًا حاكم قرية يعلن على الملأ: أن حقوقكم محفوظة. أموالكم تحت حراستنا المشددة، ومن يقترب منها سارقَا أو قاتلاً لسوف نقطع يده وننهي حياته.

أنتم في أعيننا، حياتكم عزيزة علينا، وأموالكم أمانة في أعناقنا.

الآن، ماذا يمكننا أن نُطلق على حاكم هذه القربة؟ هل يممكنا إطلاق لقب وحشي أوبربري عليه؟

إن هؤلاء الطاعنين في العقوبات الإسلامية قد اعتبروا مصلحة المجرم ونسوا مصلحة المجتمع، وأشفقوا على الجاني وأهملوا الضحية، واستكثروا العقوبة وغفلوا عن قسوة الجريمة.

ولو أنهم قرنوا العقوبة بالجريمة، لخرجوا موقنين بالعدالة في العقوبات الشرعية، ومساواتها لجرائمها.

فإذا استحضرنا مثلاً فعل السارق وهو يسير في جنح الظلام متخفيًا، يكسر القفل ويُشهر السلاح ويروّع الآمنين، هاتكًا حرمة البيوت وعازمًا على قتل من يقاومه.

وكثيرًا ما تقع جريمة القتل كوسيلة يتذرع بها السارق إلى إتمام سرقته، أو الفرار من تبعاتها فيقتل دون تمييز. فعند استحضار فعل هذا السارق مثلاً لأدركنا الحكمة البالغة من قسوة العقوبات الشرعية.

وهكذا الشأن في بقية العقوبات، فعلينا أن نستحضر جرائمها، وما فيها من أخطار وأضرار، وظلم واعتداء، حتى نستيقن أن الله تعالى قد شرع لكل جريمة ما يناسبها، وجعل الجزاء من جنس العمل.

قال الله تعالى:

“…وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ” [سورة الكهف:49]

تأهيل المجتمع :

لقد قدم الإسلام قبل أن يقرر العقوبات الرادعة من وسائل التربية والوقاية ما يكفي لإبعاد المجرمين عن الجريمة التي اقترفوها؛ لو كانت لهم قلوب تعقل، أو نفوس ترحم.

 ثم إنه لا يطبقها أبدًا حتى يضمن أن الفرد الذي ارتكب الجريمة قد ارتكبها دون مسوّغ ولا شبهة اضطرار.

فوقوعه فيها بعد كل هذا دليل على فساده وشذوذه، واستحقاقه للعقوبات الرادعة المؤلمة.

فقد عمل الإسلام على توزيع الثروة توزيعًا عادلاً، وجعل في أموال الأغنياء حقًا معلومًا للفقراء، وأوجب النفقة على الزوج والأقارب، وأمر بإكرام الضيف والإحسان إلى الجار، وجعل الدولة مسؤولة عن كفالة أفرادها بتوفير تمام الكفاية لهم في الحاجات الضرورية من مطعم وملبس ومسكن وغيرها، بحيث يعيشون حياة لائقة كريمة.

كما أنها تكفل أفرادها بفتح أبواب العمل الكريم لمن يستطيع، وتمكين كل قادر من أن يعمل بمقدار طاقته، وتهيئة الفرص المتساوية للجميع.

مثال للتأمل:

لنفترض أن شخصًا عاد إلى منزله ووجد أفراد أُسرته قد قُتلوا على يد أحدهم بهدف السرقة أو الانتقام مثلاً، وجاءت السلطات لتقبض عليه وتحكم عليه بالسجن لمدة معينة، طويلة كانت أو قصيرة، يأكل فيها وينتفع بالخدمات الموجودة في السجن، والتي يساهم بتوفيرها الشخص المنكوب نفسه عن طريق دفع الضرائب.

ماذا سوف تكون ردة فعله في هذه اللحظة؟ سوف ينتهي به الأمر للجنون، أو الإدمان على المخدرات لينسى آلامه.

إن الموقف نفسه لو حدث في دولة تُطبق الشريعة الإسلامية سوف يكون تصرف السلطات مختلف.

سوف يأتون بالمجرم إلى أهل المجني عليهم، لإعطاء القرار في شأن هذا الجاني، إما أن يأخذوا بالقصاص، وهو العدل بعينه، أو دفع الدِّية وهي المال الواجب بقتل آدمي حُر، عوضًا عن دمه، أو العفو، والعفو أفضل.

قال الله تعالى:

…وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ”[سورة التغابن:14] .

درء الحدود بالشبهات:

إن كل دارس للشريعة الإسلامية يدرك أن الحدود ما هي إلا أسلوب تربوي وقائي أكثر من أن يكون عملاً انتقاميًا أو نابع من الرغبة في تطبيق هذه الحدود. فعلى سبيل المثال:  

  • يجب التحرز تمامًا والتأني، وتلمس المعاذير ودرء الشبهات قبل إقامة الحد؛ وذلك لحديث رسول الله: “ادرؤوا الحدود بالشبهات”.
  • من أخطأ وستره الله، ولم يظهر خطيئته للناس، فلا حد عليه؛ فليس من الإسلام تتبع عورات الناس، والتجسس عليهم.
  • عفو الضحية عن الجاني يوقف الحد.

“...فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ…”[سورة البقرة :178].

  • يجب أن يكون الجاني مختارًا وليس مكرهًا، فلا يقام الحد على المكره. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

رُفِعَ عن أُمَّتي الخطأَ والنِّسيانَ وما استُكْرِهوا عليهِ”رواه ابن ماجه والبيهقي.

  • توفر الشهود أساسي في توقيع حد الزنا وغيرها من الحدود، وعلى سبيل المثال، فالإسلام لا يبادر بتوقيع عقوبة حد الزنا حتى يثبت فعل الفاحشة من خلال شهادة أربعة شهود، علمًا بأن وجود أربعة شهود يندر حدوثه إلا في حالة أن يكون مرتكبها قد جاهر بفعلها، ويكون بذلك مستحقًا لهذه العقوبة الشديدة، علمًا أن ارتكاب فعل الزنا كبيرة من الكبائر سواء كان سرًا أو علنًا.
  • في حالة إقامة حد الزنا بناءً على اعتراف أحد الخاطئين – وليس بناءً على شهادة الشهود الأربعة – فلا حد على الطرف الثاني الذي لم يعترف بجرمه.

والحكمة في تغليظ العقوبات الشرعية التي توصف بالوحشية والهمجية (حسب الفهم الخاطئ)، من قتل القاتل، ورجم الزاني، وقطع السارق، وغيرها من العقوبات، هي أن هذه الجرائم تُعتبر أمهات المفاسد.

وكل واحدة من هذه الجرائم تتضمن اعتداء على واحدة أو أكثر من المصالح الخمس الكبرى (الدِّينُ والنفس وَالنَّسْلُ، وَالْمَالُ، وَالْعَقْلُ)، والتي أجمعت الشرائع والقوانين الوضعية في كل زمان على وجوب حفظها وصيانتها؛ حيث لا تستقيم الحياة بدونها.

ولأجل هذا كان المرتكب لشيء منها جديرًا بأن تُغلَّظ عليه العقوبة، حتى تكون زاجرة له، ورادعة لغيره.

فالمنهج الإسلامي يجب أن يؤخذ كله ولا يمكن تطبيق الحدود الإسلامية بمعزل عن تعاليم الإسلام فيما يخص المنهاج الاقتصادي والاجتماعي. فبعد الناس عن تعاليم الدين الصحيحة هي التي قد تدفع بالبعض إلى اقتراف الجرائم.

وها هي هذه الجرائم الكبرى تعصف بكثير من الدول التي لا تطبق الشريعة الإسلامية، مع كل ما توفر لها من إمكانيات وقدرات، وتقدم مادي وتقني.

كلمة أخيرة:

عدد آيات القرآن الكريم 6348 آية، وآيات الحدود لا تتجاوز العشر الآيات، والتي وُضعت بحكمة بالغة من لدن حكيم خبير. هل يخسر الإنسان فرصة الاستمتاع بقراءة وتطبيق هذا المنهج الذي يعتبره الكثير من غير المسلمين فريدًا من نوعه، فقط لأنهم قد جهلوا الحكمة من وراء عشر آيات؟

هذا الكتاب الذي جاء بأعظم رسالة في الوجود وهي رسالة جميع أنبياء الله:

الإيمان بإله واحد أحد، وهو الخالق الذي ليس له شريك ولا ولد، وعبادته وحده بدون قسيس ولا قديس، ولا حجر أو صنم، ولا أي وسيط.


مرجع:

كتاب سؤال وجواب حول الإسلام

لماذا الدين؟ رحلة من الذاكرة

فاتن صبري

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *