يتسائل الكثير عن حكمة وجود الكوارث الطبيعة، ويلجأ البعض الآخر إلى إنكار وجود خالق للكون بذريعة وجود هذه الكوارث في الكون.

هذا كله مع استمرار الإنسان في عبثه بالنظام البيئي الذي خلقه الخالق، وصممه وأبدعه.

لقد خلق الله الإنسان للتعرف على خالقه من خلال عبادته وحده واللجوء إليه مباشرة، وليس من خلال قسيس ولا قديس، وعلى الإنسان أن يؤمن بخالقه على أنه الواحد الأحد الذي ليس له شريك ولا ولد، ولا يتجسد في صورة إنسان أو حيوان.

إبادة أرانب أستراليا:

ولله المثل الأعلى، ومع الفارق بين حكمة الخالق وعلمه المطلقين، وعبثية البشر وعلمهم الناقص، إلا أن قصة إبادة أرانب أستراليا قد تقرب الفكرة لشرح الحكمة من وجود بعض الكوارث الطبيعية في الكون.

مما قرأت وأعجبني:

تُصنف الأرانب كحيوانات غازية مضرة بالنظام البيئي لأستراليا، حيث سجلت الأخيرة ظهورها بهذه المنطقة في حدود أواخر القرن الثامن عشر بالتزامن مع توافد الأوروبيين عليها.

فأثناء تلك الفترة، عمد البحارة والمهاجرون لجلب الأرانب الأوروبية معهم لتربيتها داخل أقفاص بغية تناول لحمها. لكن خلال الـ150 سنة الماضية، سجلت أعداد الأرانب بأستراليا ارتفاعاً سريعاً لتقدر بالمليارات بسبب رجل يدعى توماس أوستن (Thomas Austin)، وقد أدى تزايد أعداد هذا الحيوان الدخيل لكارثة كادت أن تدمر النظام البيئي لأستراليا.

يُلقي العديد من الأستراليين اللوم على الإنجليزي توماس أوستن، الذي هاجر لأستراليا مطلع ثلاثينيات القرن التاسع عشر، ليحل بتاسمانيا قبل أن يستقر لاحقاً، عقب حصوله على قطعة أرض، بوينتشلسي (Winchelsea) التابعة لمنطقة فيكتوريا بالجنوب الشرقي للبلاد.

وخلال العام 1859، استورد توماس أوستن 24 أرنبا بريا من إنجلترا قبل أن يقدم على إطلاق سراحها في الغابة في سعي منه لتشجيع رياضة الصيد التي كانت منتشرة بموطنه الأم. وبادئ الأمر، تكاثرت هذه الأرانب بشكل بطيء حيث حافظت الحيوانات المفترسة على نوع من التوازن بالمنطقة لكن مع تراجع أعداد الأخيرة منتصف ستينيات القرن التاسع عشر سجّلت أعداد الأرانب ارتفاعا مذهلا.

وبعد مضي أقل من 70 سنة على إطلاق سراح 24 أرنبا من قبل توماس أوستن، تجاوز عدد الأرانب بأستراليا خلال عشرينيات القرن العشرين 10 مليارات، وعلى حسب العديد من التقارير كانت الأنثى الواحدة قادرة على إنجاب ما بين 18 و30 أرنبًا بالعام الواحد، فضلاً عن ذلك هاجرت هذه الأرانب لتنتشر بمختلف أرجاء أستراليا.

فعقب نجاحها في تدمير مليوني آكر (Acre) من المناطق الخضراء والصالحة للزراعة بولاية فكتوريا، هاجرت الأرانب لتحل بولايات نيوساوث ويلز وجنوب أستراليا وكوينزلاند، قبل أن تسجل ظهورها وانتشارها بكثافة أواخر القرن التاسع عشر بولاية غرب أستراليا.

وفي هذه الأثناء، وفرت أستراليا المكان الملائم لتكاثر الأرانب بفضل تضاريسها الجغرافية وطقسها المعتدل وكميات الغذاء الوفيرة وقلة عدد سكانها مقارنة بمساحتها.

أثرت الأرانب بشكل واضح على النظام البيئي لأستراليا حيث أدى الرعي الجائر للأرانب لتعرية التربة وتحللها وتدهورها وجعلها غير صالحة للزراعة. فضلاً عن ذلك، أتلفت الأرانب المراعي لتهدد بذلك وجود المواشي والعديد من الحيوانات الأخرى كما سجّلت كميات الغذاء بالبلاد تراجعا واضحا بمرور السنين وهو ما تسبب في إغضاب الفلاحين الذين طالبوا السلطات بالتحرك.

وللقضاء على آفة الأرانب بالبلاد، لجأ الأستراليون في البداية لتقنيات تقليدية اعتمدت أساسًا على الصيد. وأمام فشل هذه الطرق، أقدمت السلطات الأسترالية على إحاطة المناطق الزراعية بأسلاك شائكة امتد بعضها لأكثر من ألف ميل.

ومرة أخرى لم تحقق الأسلاك الشائكة النتائج المرجوة حيث عبرت نسبة هامة من الأرانب نحو المناطق المحمية أثناء فترة تشييد هذا الحاجز، كما لم تتردد الأرانب في الحفر تحت الأسلاك الشائكة لبلوغ المناطق الزراعية والحصول على الغذاء.

ولجأت السلطات الأسترالية منذ خمسينيات القرن الماضي للاعتماد على التقنيات البيولوجية للقضاء على آفة الأرانب، فأطلقت في الغابات بعوضًا حاملاً لفيروس myxoma، الذي كان فيروسًا يؤثر على الأرانب فقط وقادرًا على قتلهم بشكل سريع عثر عليه بجنوب القارة الأميركية، كما استخدمت خلال تسعينيات القرن الماضي نوعا آخر من البعوض حاملاً لمرض نزيف الأرانب (rabbit hemorrhagic disease)، وبفضل ذلك تراجع عدد الأرانب بأكثر من 90 بالمائة مقارنة بالسابق ليقدر بنحو 200 ألف أرنب سنة 2018.

وضع الخالق قوانين الطبيعة والسنن التي تحكمها، وهي تصون نفسها عند ظهور فساد أو خلل بيئي من صنع البشر. وتخافظ على وجود هذا التوازن بهدف الإصلاح في الأرض واستمرار الحياة على نحو أفضل. وأن ما ينفع الناس والحياة هو الذي يمكث ويبقى في الأرض.

وعندما يقع في الأرض كوارث يتضرر منها البشر كالأمراض، البراكين، الزلازل والفيضانات، تتجلى أسماء الله وصفاته كالقوي، الشافي والحفيظ مثلاً، في شفائه للمريض وحفظه للناجي، أو تجلي اسمه العدل في عقاب الظالم لغيره والعاصي، ويتجلى اسمه الحكيم في ابتلاء وامتحان غير العاصي، والذي يُجازى عليه بالإحسان إن صبر وبالعذاب إن ضجر،

وبذلك يتعرَّف الإنسان على عظمة ربه من خلال هذه الابتلاءات تمامًا كما يتعرف على جماله من خلال العطايا. فإن لم يعرف الإنسان إلا صفات الجمال الإلهي فكأنه لم يعرف الله عز وجل.

كلمة أخيرة:

علينا أن نفهم أن:

  • القاعدة في الكون هي وجود الخيرالمطلق، والشر هو الاستثناء. فالأشياء المُنظمة ستنهار وتتلاشى دائمًا ما لم يجمعها شيء من الخارج. أو أن تكون جيدة على نطاق واسع كما هي، دون أن يُنظم الخالق هذه الظواهر العشوائية التي تظهر في الأشياء الرائعة مثل الجمال والحكمة والفرح والحب.
  • الذي يقع من ابتلاءات هو إرادة الله، والذي أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، حيث أنه لا يوجد شر مطلق بالوجود، وأنَّ الحياة الدنيا التي يعيشها الإنسان، ليست إلا لحظة مقارنة بالحياة الأخرى الأبدية، ومن ثم يهون كل ما عاناه في الدنيا بغمسة واحدة في نعيم الجنة، وأن الحياة الدنيا بداية لرحلة أبدية يستأنفها الإنسان بعد الموت بالبعث والحساب، ومن ثم الجزاء.

مواضيع ذات صلة:

ar
ar

مرجع:

كتاب لماذا الدين؟ رحلة من الذاكرة

فاتن صبري

Al arabia

بسبب رجل تلاعب بالنظام البيئي أبادت أستراليا الأرانب

طه عبدالناصر رمضان

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *