بينما تبدأ مرحلة التعافي عالميًا من جائحة الكورونا، بدأ كل من يتوق للسفر بالتخطيط لرحلته القادمة. كما بدأت كافة  الوجهات السياحية عالميًا من فنادق ومطاعم وغيرها باتباع خطوات مدروسة لإعادة فتح نشاطاتهم بكل أمان، وذلك بوضع بروتوكولات جديدة مصمّمة لضمان صحة الجميع. وبإمكان الجميع معرفة آخر النصائح والإرشادات الخاصة بالصحة والسفر العالمية، واتخاذ الاحتياطات اللازمة.

إن هوس الحصول على الأمان يحتل جانبًا أساسيًا في حياتنا. وهو يمثل حاجة ملحة لدى البشر يسعون جاهدين للحصول عليها.

لا يقبل الإنسان على نفسه في هذه الدنيا أن يكون لا شئ. ولكنه قد يقتنع بهذه الفكرة عند الحديث عن الحياة بعد الموت ويقول سوف أكون لا شئ

أذكر أنني خلال سفري مع زوجي حول العالم قد حرصت على حفظ معنى كلمة مخرج عن ظهر قلب في لغة كل دولة كنت أزورها. وهذا لحرص زوجي على قيادة السيارة بنفسه في بعض الرحلات الفردية خارج نطاق العمل. ومن خوفي الشديد لأن نضل الطريق كنت أحفظ الكلمات التي تدل على المخرج في لغات صعبة ومضحكة بالنسبة لي مثل اللغة الصينية على سبيل المثال.

وخلال مهمات خاصة مع الأمم المتحدة دائمًا كانوا يزودونا بالحراسة المرافقة لنا لحرصهم على توفير الأمان لنا. بالإضافة إلى نشرات لا تعد ولا تحصى عن تعليمات السلامة والأمان ودرجة الخطورة في الدولة التي نسافر إليها. وفرض المطعومات اللازمة علينا قبل كل رحلة.

ناهيك عن التسجيل في شركات التأمين على المركبات والأشخاص، وحتى التأمين على المغادرة من الدولة المنكوبة في حال حصول الكوارث الطبيعية أو الحروب.

إجراءات السلامة والأمان هذه يكاد لا يخلو منها مكان في العالم. مثل طفايات الحرائق، وتأمين أرقام هواتف الطوارئ، ولافتات المخارج وغيرها. وخصوصًا بعد أزمة الكورونا وتداعياتها، من فرض التعقيم، الكمامات، والحث على غسل اليدين وما إلى ذلكَ.

نجد إرشادات ووسائل السلامة والأمان في:

الطائرات ووسائل المواصلات.

المكوكات الفضائية.

قاعات المؤتمرات الدولية.

المسرح و السينما.

المباني السكنية.

المدارس والجامعات.

المساجد ودور العبادة.

المطاعم والأماكن الترفيهية.

ملاعب كرة القدم.

المستشفيات والعيادات الخارجية.

وغيرها الكثير والكثير.

نركب السيارة ونبحث عن حزام الأمان.

نركب الطائرة ونربط حزام الأمان.

يتحدث الطبيب دائمًا عن سلامة الحامل ومولودها.

ومع كل هذا لازلت أسمع إجابة غريبة من بعض الملحدين عندما أحدثهم عن آهمية الحصول على الأمان بعد الموت فيقولون:

نحن لسنا بحاجة لهذا الأمان.

في حواري مع ملحدة بريطانية يومًا، وكانت قد قالت أنها ليست بحاجة للأمان حتى قبل الموت.

قلت لها:

أنت عندما تغادرين هذا المكان وتركبين سيارتك متوجهة إلى وجهتك القادمة ألا تحتاجين أن تصلي سالمة؟

قالت لا.

قلت لها:

ولماذا ترتدين الكمامة إذًا وأنت تتحدثين معي مع أن قيود جائحة الكورونا قد رُفعت؟

فشعرت السيدة حينها بإحراج شديد.

من أدعية القرآن الكريم:

وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا (الاسراء:80)

ندخل الطائرة ونركب القطار أو الحافلة ونحن نعلم من أين جئنا، هدف الرحلة، ووجهة الوصول.

ومن دون معرفة هذه الأمور لن نستطيع الاستمتاع بالرحلة.

ومن أعجب ما أسمعه من المنكرين لوجود خالق للكون أنهم لا يبالون بمعرفة هذه الحقائق.

كل منا يحرص ويتمنى رحلة طائرة في الدرجة الأولى، وتذكرة مسرح في الدرجة الأولى، ودرجة أولى في التحصيل الدراسي. لكنه قد يقبل بلا شئ عند الحديث عن الآخرة.

ذُكرت كلمة الأمن ومشتقاتها في القرآن الكريم في مواضع عديدة، وهو الأمن الذي يعني السلامة والاطمئنان النفسي، وانتفاء الخوف على حياة الإنسان أو على مصالحه، أي ما يشمل أمن الفرد، وأمن المجتمع.

يقول الله تعالى:

أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ (فصلت الآية 45).

وسيلة الحصول على الأمان في هذه الحياة الدنيا وبعد الموت تتمثل في هذه الآيات الكربمة:

قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)

ولن يتحقق الأمان إلا بإقامة العدل على وجه الأرض.

فلقد جاء دين الإسلام ليقيم العدل على الأرض.

وهو الدين الذي جاء به جميع أنبياء الله لجميع الأمم، والذي انحرفت عنه جميع ديانات الأرض التي قدس أتباعها أنبياءهم والصالحين منهم.

ولكن أي عدل؟

إنه العدل الذي يضع الأمور في نصابها، ويعطي كل ذي حق حقه.

  • إعطاء الخالق حقه بعبادته وحده، وشهادة أنه الواحد الأحد الذي ليس له شريك في الملك ولا ولد، و الإقرار بأن الخالق منزه عن أن يكون له ولد، ومنزه عن التجسد في صورة إنسان أو حيوان أو صنم. لقد خلق الخالق نبيه آدم من غير أب ولا أم، وخلق نبيه المسيح من غير أب، فهو يخلق ولا يلد سبحانه.

الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (الأنعام:82)

  • إعطاء البشر حقهم بالتواصل مع خالقهم مباشرة دون قسيس ولا قديس ولا أي وسيط، والطلب عند الحاجة والشدائد من الخالق مباشرة، وليس من خلال أي نبي بما فيهم نبي الله محمد أو آل بيته.

قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (الكهف:110)

  • إقامة المساواة بين البشر وتخليص البشرية من التعصب العرقي المقيت. فلا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ( الحجرات:13).

  • عدم اﻹكراه على الدين.

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (البقرة:256).

  • إعطاء الأنبياء والمرسلين حقهم بالإيمان بهم جميعًا بما فيهم المسيح وموسى عليهم الصلاة والسلام. وعبادة الخالق كما عبد الرسول الخالق وليس بعبادة الرسول نفسه.

قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبْرَٰاهيمۦ وَإِسْمَٰعِيلَ وَإِسْحَٰقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلْأَسْبَاطِ وَمَآ أُوتِىَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَآ أُوتِىَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍۢ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُۥ مُسْلِمُونَ (البقرة:136)

وقد يحرم الخالق البشر من الأمان بسبب ذنوبهم، كفرهم، عبادتهم غيره، أو جحودهم لنعمه وعدم شكره عليها. كما حصل في جائحة الكورونا.

وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (النحل الآية 112).

الأمن ينافي الخوف.

وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا (البقرة الآية 125).

أي أمنًا للناس، وأمنًا من العدو، وأمانًا لمن يدخله.

وفي قول الله تعالى:

ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (يوسف : 99).

أي آمنين مما كنتم فيه من الجهد والقحط.

وفي قوله سبحانه:

وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (الحجر : 82).

يقصد بالأمن عدم الحاجة.

أي أنهم نحتوا بيوتًا من الجبال من غير خوف ولا احتياج إليها، بل بطرًا وعبثًا.

ولا يحصل الإنسان في هذه الحياة الدنيا على الأمن المطلق.

فمهما أوتي الإنسان من نعمة وسلامة نفس وبدن ووفرة رزق، فهو لا يشعر بالأمن الكامل المطلق الذي ينافي كل خوف مهما كانت أسبابه.

فالأمن المطلق، لا يوجد إلا في دار النعيم التي وعد الله بها عباده الصالحين.

قال الله تعالى:

ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (الحجر : 46).

ففي الجنة، لا خوف ولا فزع ولا انقطاع ولا فناء.

أما في الدنيا؛ فالأمن المطلق لا يتحقق، إذ يشوبه الخوف من انقطاع الأمن، والخوف من زوال الحياة نفسها.

ولا يدعي الحصول على الأمن المطلق من عذاب الله في هذه الدنيا إلا الغافلون الخاسرون، يقول الله تعالى:

أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (الأعراف : 99).

أما المؤمنون حقًا، فحالهم بين الرجاء في رحمة الله عز وجل، والخوف منه سبحانه، الذي يعتبر ضروريًا للمؤمن حتى يأمن من ظلمه لنفسه، ومن ظلمه لغيره، ومن ظلم غيره له، فالخوف من الله مفتاح الأمن للمؤمن في دنياه والفلاح في أخراه.

وقد جعل الله الخوف نوعًا من العذاب للمكذبين والكافرين، يقول تعالى:

وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (الإسراء الآية 59).

وجعل الابتلاء بالخوف من قبيل الاختبار الذي قد يتعرض له الإنسان:

وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ (البقرة: 155).

ونهايةً يرسل الله رسالة إلى كل من حارب رسوله ورسالة التوحيد، حتى وإن كان منعمًا في هذه الحياة.

يقول الله تعالى:

فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (قريش: 3-4)

يقول ابن قيم الجوزية:

احذر نفسك، فما أصابك بلاء قط إلا منها، ولا تهادنها، فوالله ما أكرمها من لم يهنها، ولا أعزها من لم يذلها، ولا جبرها من لم يكسرها، ولا أراحها من لم يتعبها، ولا أمنها من لم يخوفها، ولا فرحها من لم يحزنها.

وبهذا الوصف الدقيق لطريقة التعامل مع النفس لابن القيم نستطيع الحصول على الأمان في الدنيا والآخرة.


Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *