من الداكرة:

لطالما لفتت انتباهي في صغري الخارطة التي تظهر على شاشة مقعدي على الطائرة والتي أحببت التمعن بها لحبي الكبير للسفر. لكن ما أعجبني بشدة هو تجسيد الخارطة على شكل كرة أرضية على شاشات الطائرات الحديثة، وحرصت على شراء خارطة العالم على هيئة مستديرة مؤخرًا لأحتفظ بها في منزلي وأخطط لسفراتي القادمة.

لكن ما أدهشني يومًا ما سمعته من البعض وتعجبت منه كثيرًا وهو القول بعدم كروية الأرض في القرآن الكريم.

ولم يكن عندي قناعة بهذا القول ليقيني أن القرآن سابق بكشف الحقائق العلمية لعلماء القرن العشرين.

وقد سألني سائل يومًا إن كانت الأرض كروية أم مسطحة في القرآن الكريم.

قلت له: أنا أعلم أن القرآن قد سبق العلم الحديث بتغطيته لحقائق علمية كثيرة، ومن ضمنها حقيقة كروية الأرض.

قال: ولماذا لا تكون الأرض مسطحة وليست كروية كما قال العلم الحديث أصلاً؟

قلت له: أنت عندما تصل اليابان قادمًا من منطقة الشرق الأوسط، أي من القارات تكون أقرب إليك من الناحية الأخرى؟

قال: القارة الامريكية.

قلت له: وكيف تكون الأرض مسطحة إذًا؟

وكان هدا الحوار نقطة البداية لبحثي في آيات القرآن الكريم عن هذا الموضوع.

حقائق:

قال العلم الحديث بكروية الارض بعد دراسات استغرقت مئات السنين. وقد أشار القرآن الكريم منذ أكثر من 1400 عام إلى كروية الأرض.

فالأرض ليست ممتدة لينتهي امتدادها عند حافة من الحواف كما اعتقد الناس بالماضي.

ولكن الأرض بيضاوية الشكل، وذلك ما يتطلبه قانون الطبيعة في دورته المنتظمة، وما تتطلبه قوانين الكون المتحرك بدقة.

ولو لم تكن الأرض بيضاوية الشكل لتعطلت نواميس الخلق على كوكب الأرض ، ولأصبحت الحياة عليه مستحيلة.

وهذا لا يتعارض مع قوله تعالى:

﴿وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ [الغاشية: 20].

كلمة (سُطِحَتْ) تعني مُهدت وبسطت أمام البشر، فأينما سار الإنسان على الأرض وجدها مسطحة وممهدة أمامه، وهذا لا يتحقق إلا بالشكل الكروي.

قال سبحانه وتعالى:

﴿ لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُون ﴾ [يس: 40].

و هذا رد القرآن الكريم على القول ببدء اليوم بالنهار ثم يعقبه الليل.

وكأن الآية القرآنية تقول: لا يسبق النهار الليل ولا يسبق الليل النهار، ولكن كليهما موجودان معًا وفي آن واحد.

وكما هو معروف فإن أجزاء الأرض تختلف في لحظة دخول النهار أو حلول الليل، فعندما تُضاء أجزاء من الأرض بنور الشمس، تُظلم أجزاء أخرى.

وذلك لا يقع تعاقبًا ولكن في نفس اللحظة، مما يدل على كروية الأرض بناءً على الآية الكريمة.

﴿وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾.

والدليل كذلك على كروية الأرض قوله تعالى:

﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَ يُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ﴾ [الزمر: 5].

و جاء لفظ “وَيُكَوِّرُ” من التكوير، وهو اللف.

كانت العرب تقول كار الرجل العمامة كورًا، بمعنى أدارها على رأسه، وكُور الشيء أي تم لفه على صورة مستديرة .

وذلك كقوله تعالى:

” إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ” يعني طويت كطي السجل،

﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ﴾ [الحديد: 6].

وبذلك فإن تكوير الليل على النهار يعني انبساطه عليه.

وقال تعالى: 

﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَاتَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 29].

والولوج لغة: هو الدخول، بمعنى أن الله تعالى يدخل نصف الأرض الذي يخيم عليه ظلام الليل تدريجيًَا في مكان النصف المضاء .

وهذا التفسير بناءً على عدم منطقية دخول زمن في زمن.

وهذه إشارة قرآنية دقيقة و بليغة إلى كروية الأرض ودورانها حول محورها أمام الشمس.

قال تعالى:

﴿وَآيَةٌلَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَاهُم مُّظْلِمُونَ﴾ [يس: 37].

ونفهم من الآية الكريمة هنا أن الله تعالى ينزع نور النهار من أجزاء الأرض التي يدخلها الليل تدريجيَا كما يُنزع جلد الحيوان عن بدنه عند ذبحه تدريجيًا، ولا يتحقق ذلك إلا بدوران الأرض حول نفسها أمام الشمس.

وكان هذا تأكيدًا أيضًا على أن الظلام هو الأصل.

وهذه حقيقة لم يدركها الإنسان إلا بعد وصوله الفضاء في النصف الثاني من القرن العشرين.

وأن ضوء النهار حدث عارض لا يظهر إلا في الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي للأرض في نصفها المقابل للشمس، والذي يتحرك باستمرار مع دوران الأرض حول محورها أمام الشمس.

يقول الخالق سبحانه وتعالى:

  ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَاجَامِدَةًوَهِيَ وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّه خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ [النمل: 88].

ومرور الجبال مرّ السحاب هو كناية عن دوران الأرض حول محورها، وعن جريانها في مداراتها.

وذلك لأن الجبال جزء من الأرض، ولأن الغلاف الغازي للأرض الذي يتحرك فيه السحاب مرتبط بالأرض من خلال الجاذبية، وحركته منضبطة مع حركة الأرض والسحاب.

قال تعالى:  ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَوَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُتَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 54].

وقال تعالى: 

﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾  [الرعد: 3].

ومن معاني “يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ” أن الله تعالى يغطي بظلمة الليل مكان نور النهار على الأرض تدريجيًا، فيصبح ليلاً، ويغطي بنور النهار مكان ظلمة الليل على الأرض تدريجيًا فيصبح نهارًا.

وهذه إشارة جميلة إلى كروية الأرض ودورانها حول نفسها أمام الشمس دورة كاملة يوميًا، ومدة كل يوم في وقتنا الحالي 24 ساعة.

فلو لم تكن الأرض كروية الشكل ما استطاعت الدوران حول محورها.

ولو لم تدر حول محورها أمام الشمس ما تبادل الليل والنهار.

لفتة:

إن طبيعة كروية الأرض ودورانها حول نفسها والتي بدورها تنشأ تعاقب الليل والنهار وانضمام المسلمون بطوافهم حول الكعبة عكس عقارب الساعة، وبصلواتهم الخمس عبر اليوم من مختلف بقاع الأرض وباتجاه مكة يشكلون جزء من منظومة الكون في التواصل الدائم والمستمر في تمجيد وتسبيح رب العالمين.

تحدي:

قال الله تعالى في القرآن الكريم:

 ﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [لقمان: 11].

القرآن الكريم الذي هو خاتم الكتب السماوية الذي جاء به خاتم الأنبياء والرسل، محمد صلى الله عليه وسلم، والذي يحتوى على رسالة جميع أنبياء الله وهي:

 الإيمان بإله واحد أحد، الذي ليس له شريك ولا ولد، وهو الخالق الذي ليس كمثله شيء، وعبادته وحده بدون قسيس ولا قديس ولا حجر أو صنم ولا أي وسيط.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *