” على قدر خوفك من الله(الخالق)، يهابك الخلق، وعلى قدر حبك لله(الخالق)، يحبك الخلق، وعلى قدر شغلك بالله(الخالق)، يشتغل الخلق بأمرك”. يحيى بن معاذ.

بين قصة الكوري وتبعات الماركسية:

أذكر أنني كنت جالسة في ساحة المسجد أسبح الخالق وأدعو لأولادي في نهار رمضان حتى اقترب مني رجل كبير نسبياً في العمر كوري الجنسية قائلاً: أريد أن أسألكِ سؤال.

قلت له: تفضل.

قال: أنا أحترم العرب و أحترم المسلمين، ولا أريد أن أظلمهم أو أنتقص من حقهم بعدم احترامي لثقافتهم. وكوني في بلد عربي مسلم في نهار رمضان أريد أن أعرف أين أستطيع أن أدخن سيجارتي؟

قلت له: في غرفة الفندق افعل ما شئت.

قال: وهل يستطيع المسلم أيضاً أن يدخن السيجار في نهار رمضان داخل غرفة نومه؟

قلت له: قرار الصيام هو عبارة عن عهد يبرمه المسلم بينه وبين خالقه، فإن أراد المسلم أن ينكث هذا العهد في السر داخل غرفة نومه فأمره بينه وبين الخالق.

قال: ماذا تقصدين بالخالق؟

قلت له: خالق الكون والبشر وجميع الكائنات، والذي سوف نلقاه للحساب بعد الموت.

قال: لا شكراً، أنا لا أريد مقابلته، اعذروني.

لم أستطع تمالك نفسي من الضحك وقلت له:

كلنا سوف يلقاه، شئنا أم أبينا. أنت جئت إلى هذا الحياة بقرار وأمر من الخالق وليس بأمرك، وسوف تلقاه يوم الحساب بأمر من الخالق وقراره. فوجئت بعدها بالرجل يرتجف من الخوف ويبكي ويقول:

لقد قمتي بتضخيم الموضوع، أنا جئت أسألك عن مكان آمن لتدخين سيجارتي، وأوصلتيني الآن إلى وجود خالق وحساب وعقاب.

قلت له: التدريب على استشعار وجود الخالق واستحضار مراقبته ( التقوى) هو الهدف من صيام شهر رمضان، وهذا هو لب الإجابة على سؤالك عن امكانية حنث المسلم للعهد والتدخين في نهار رمضان بالسر أم لا. أنا لم أخرج عن الموضوع.

قال: لم يخلقنا أحد. وكل انسان حر بما يعتقد.

ذكرت له مقولة أعجبتني حيث قلت:

إن قضية الخلق هي في الحقيقة قضية الحرية الإنسانية. فإذا قبلنا فكرة أن الإنسان لا حرية له، وأن جميع أفعاله محددة سابقًا -إما بقوى داخلية أو خارجيةَ- ففي هذه الحالة لا تكون الألوهية ضرورية لتفسير الكون وفهمه. ولكن إذا سلمنا بحرية الإنسان ومسؤوليته عن أفعاله، فإننا بذلك نعترف بوجود الخالق إما ضمنًا وإما صراحة. فالخالق وحده هو القادر على أن يخلق مخلوقًا حُرًّا، فالحرية لا يمكن أن توجد إلا نتيجة للخلق. (علي عزت بيجوفيتش. كتاب الإسلام بين الشرق والغرب).

قال: أرجوكي أريد أن أعود إلى الفندق.

قلت له: حسناً، يمكنك الذهاب. وخرج مسرعاً.

أذكر أنني بقيت أروى هذه القصة لأفراد عائلتي وزملائي في العمل لمدة أسبوع بعد هذه الحادثة بسبب ما تركته في نفسي من مشاعر مختلطة بين الضحك من ظرافة الموقف والحزن على حال الرجل وغيره من البشر الذين يعيشون في جهل وحيرة.

لقد جاءت الماركسية لهدم جميع المقدسات الوضعية زاعمة تحرير الانسان من معتقدات وأفكار متخلفة موروثة لأجيال سابقة. لكنها لم تُسقط المعتقدات الخاطئة فقط، بل وحاولت جهدها اسقاط المعتقد البديهي والفطرة السليمة والذي يتمثل في الإيمان بخالق للكون والتواصل معه مباشرة بدون وسيط. متعذرين بالسعي نحو تحقيق التحرر الكامل والشمولي وتحطيم كل الحدود التي تمنع الانسان من اتباع اهوائه.

فعندما طالبت (الماركسية) بالتحرر من جميع أنواع العبوديات للبشر وللحجر، قد تجاهلت في الوقت نفسه ربط الإنسان بخالقه والتي هي عبارة عن عبودية تحرر الإنسان من كل شئ غير الخالق، والتي تحقق له الأمان في الدنيا والآخرة.

في الواقع، إن تفنيد المعتقدات الخاطئة شئ ايجابي والسعي لتحرير الإنسان هو هدف منشود. ولكن لا بد من وجود طريقاً واحدًا مستقيماً ليوصل الإنسان إلى بر الأمان. فإنه من العبث والسفه إلغاء جميع الطرق في وجه الانسان وتركه حائراً معتمداً على هوى نفسه في تحديد أهداف وهمية لحياته وتحقيق شهوات وملذات مؤقتة. إن ترك الناس لأهوائهم وحرياتهم المطلقة لا يمكن أن يقيم العدالة بينهم بأي حال من الاحوال

إن الدين الإسلامي بتحطيم المقدسات الوضعية قد أوجد بديلاً حقيقيًا بديهياً فطريًا واحدًا يرجع إليه الناس في شؤون حياتهم، والذي هو العودة إلى خالقهم ومصدر وجودهم. وبإلغائه الطبقية وإقامة ميزان العدالة وايجاد طريقاً واحدًا مستقيماً له حدود واضحة في تحديد الحريات بين الناس قد جعل للحياة هدف وغاية.

إن مستنقع العقائد الفاسدة والأفكار المتخلفة والتي تراكمت على مر التاريخ والتي أوجدتها الحروب والتجاذبات السياسية والمنافسات، قد أوجد الطبقية وأمال ميزان العدالة، وأوقد الشحناء على التقاليد، العادات، والأعراف، وأنشأ حركات تحررية مثل الماركسية وغيرها من الثورات على الأنظمة السائدة والغير عادلة، والتي تستغل أفكار وعقائد مزيفة باسم الدين.

وبطبيعة الحال، فإن العدالة الاجتماعية واحترام حقوق الآخرين التي نادت بها (الماركسية) لا تتحقق بالمعنى المطلق والحقيقي إلا إذا كانت بتطبيق قوانين خالق الكون، ورجاء الثواب من خالق الكون.

إن الاسلام – على عكس الحركات التحررية الأخرى- صان حرية الإعتقاد للآخرين، وكفل لهم ممارسات شعائرهم. ولكن مع التركيز على فكرة أن الدين الصحيح واحد، وهو دين التوحيد. وقد سمح الإسلام بهذه المساحة من الحرية في الإعتقاد وممارسات الطقوس الخاصة، غير أنه أرشد الناس إلى الطريق البديل والسليم للحصول على مرضاة رب العالمين، دون أن يُلزم أحد به، حيث ترك الأخذ به اختيارًا. وهذا ما لا يمكن أن نجده في أفكار أو مبادئ أي حركة تحررية. وجعل

ولم يأمر الاسلام بالعدالة الإجتماعية فقط، بل أمر الإنسان بإقامة العدالة في نفسه، ومن ثم في أهله وأقاربه دون تمييز بين غني أو فقير، ولم يتوقف عند ذلك فقط، بل و دعا إلى الإحسان، والذي هو الإتقان والإخلاص في العمل بإستشعار مراقبة الخالق وكأن الإنسان يرى الخالق.

والإنسان لا يتحمل مشقة تطبيق العدالة التي قد تكون على حساب مصلحته الخاصة إلا من خلال إيمانه بشيء ما يتجاوز ذاته الضيقة. ولا يستطيع الإنسان تحقيق العدالة إلا باستشعاره مراقبة خالقه.

وقد جعل الإسلام وجوب القتال فقط للدفاع عن النفس، وذلك بقتال من نوى قتال المسلمين لمنعهم عن أداء واجبهم بتبليغ رسالة التوحيد وذلك من خلال تذكير البشر بتجديد علاقتهم مع خالقهم والتواصل معه مباشرة، وجعل حد الردة لمن خان المسلمين كأي قانون وضعي اليوم والذي يفرض عقوبة الإعدام على خائن الدولة.

وعلى مر التاريخ كان أساس فتوحات المسلمين هو ضم الآخرين معهم ومشاركتهم لهم في حياتهم (لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين من حقوق وواجبات)، مع تباين في التطبيق الذي تعتريه العيوب، والذي أخذ بعض الأحيان في عصور لاحقة طابعًا سياسيًا بسبب الضعف البشري.

فلا بوجد تشابه بين الفتوحات اﻹسلامية وما فعله اﻹستعمار الغربي على سبيل المثال، في المائتين سنة الماضية. المدن التي فتحها المسلمون كانت من أعظم المراكز العلمية والحضارية لعقود من الزمن: بغداد، سمرقند، القاهرة، الخ. أما التي احتلها الغرب فقد أصبحت خرابا.

أوصى الأديب اليوناني نيكوس كازنتزاكي بكتابة العبارة التالية على قبره “أنا لا أرجو شيئًا، ولا آمل بشيء. أنا حرّ”.

لكن في واقع الأمر هذا هو معنى وهمي للتحرر. فالإنسان مُبرمج على التعلق بشئ، بحيث لابد له من الخوف، الأمل، الرجاء، والطمع، فما عليه إلا توجيه هذه المفاهيم وهذا التعلق لخالقه ومصدر وجوده.

اعدلوا هو أقرب للتقوى:

أذكر أنني كنت معجبة جدًا بكتاب لشخص أعرفه، وكنت على يقين من الفائدة التي قد تعم على البشر من هذا الكتاب. وقد تعرضت لظلم من هذا الشخص، وجاءني من استغل هذا الموقف واستغل كوني أحد أعضاء لجنة لقبول كتاب هذا الشخص للتكفل بالنشر والتوزيع، وطلب مني أن أُصوت برفض الكتاب.

فتذكرت اﻵية الكريمة:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ….

و أعطيت صوتي بقبول الكتاب في الحال. وهذا ما يجعلني فخورة بتعاليم هذا الدين العظيم.

وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (فصلت:34)

وكثيرًا ما نسمع عن من يُروج لمفهوم حب الأعداء الذي تنادي بها البوذية اليوم، وتفضيل هذا المفهوم على مفهوم العدل. ولكن، علميًا فإنه ليس بمقدور الإنسان التحكم في عملية الحب والكره. فلقد فُطر الإنسان على حب من يحسن إليه وعلى كره من يسئ إليه.

هل يحب اﻹنسان من قتل ابنه أو من اغتصب زوجته؟

قدم لنا اﻹسلام بديلاً منطقيًا و عمليًا لوصايا بوذا وهي:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ( المائدة:8)

بمعنى أن لا تحملكم عداوة شخص على ظلمه، بل عاملوا الجميع بالعدل.

فلا يطالبنا اﻹسلام بحب من اعتدى علينا بالظلم، ولكن يطالبنا بعدم ظلمه.

ما هو الإسلام:

لطالما واجهنا مشاكل مع بعض من المسلمين الجدد، أو من كان بعيداً عن الدين وقرر التدين بعد فترة طويلة من البعد عن تعليمات خالق الكون.

درسوا الفقه ومقارنة الديانات وأحكام الصلاة، وتزينوا بلباس الإسلام، ولكن الصورة والهيئة وحدها لا تكفي، فهم لم يفهموا عند اعتناقهم الإسلام ما هو الإسلام.

كان منهم الكاذب، المنافق، والظالم. والعجيب أن الشيطان زين لهم أن كل هذا ممكن أن يكون في سبيل الخالق. شعارهم في هذه الحياة: من ليس معي فهو ضدي. فمجرد الاختلاف في وجهات النظر ممكن أن يكون كافياً للظلم.

ونجدهم في ظل ظروف الحروب على المسلمين يحملون أعلام الدولة المسلمة المنكوبة ويقولون أين نصر الله، بينما منهم من سرق ميراث أخته ومنهم من اعتدى على أرض جاره. وبطبيعة الحال، فإن المسلم يجب أن يدافع عن مقدساته بهدف حماية دين الخالق، وليس عن أرض أو عن دولة بحد ذاتها.

كيف ينصر الله المؤمنين؟

ينصر الله المؤمنين عندما يكونون مؤمنين حقاً. (إن تنصروا الله). لكن المشكلة أن البعض يؤولها بالعبادات والالتزام الشخصي والأخذ بالأسباب المعنوية فقط كالدعاء والتوكل دون إقامة العدل وتطبيق التقوى، والتي هي أعمق من مجرد الصيام والقيام، وإنما هي في تطبيق العدل.

فمن ظلم غيره وهضم حقه ولكن داوم على صلاته وصيامه مع دعائه المستمر بالنصر، إنما هو كالطالب الذي يترك الدراسة ويدعو بالنجاح. فهو لو صام النهار وقام الليل لن ينجح بالمدرسة؛ لأن طريق النجاح معروف.

إن تحقيق العدالة ودعم الحق هو أساس تطبيق دين الإسلام على وجه الأرص، حيث أن الصراع بين الحق والباطل هو أساس الاختبار.

أمم تأتي ليختبرها الخالق، ويرى من سيقف مع الحق ومن سيقف مع الباطل. وتُسجَّل على الإنسان النتيجة مع علم الخالق المسبق بها، والتي سوف تكون حجة على الإنسان يوم القيامة.

ويتمايز البشر عن بعضهم البعض حسب مواقفهم.

وكأن تعدد المشاكل وتنوعها في هذه الحياة سواءً كان في داخل البيوت أو أماكن العمل أو حتى في الطرق العامة إنما هو فقط لتوثيق مواقف البشر تجاه هذه المشاكل.

  • هل سيشهد المسلم شهادة حق في صالح من يختلف معه؟
  • هل سينصف صاحب العمل العامل الذي قد يتفوق عليه بكفاءته أم سيظلمه ليرضي غروره؟
  • هل سيراعي صاحب التجارة حق المستهلك أم سوف يتجاهل الموضوع لتحقيق مكاسب دنيوية؟

يموت الإنسان وتبقى مواقفه مسجلة عند الخالق تشهد له أو عليه. ويأتي غيره إلى هذه الحياة لاحقًا ليضع بصمته.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إنَّما أهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقَامُوا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللَّهِ لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا.

قصة وعبرة:

لطالما نصحت فتاة أعرفها أن تحرص على تكوين أسرة لها من زوج وأولاد لتكون هذه الأسرة عوناً وسنداً لها في المستقبل، فكان ردها دائماً أنها لم تجد الرجل التقى. وهي لا تتنازل عن زوج تقي حتى لو بقيت بلا زواج.

تساءلت في نفسي: وهل تعرفين معنى التقوى حق المعرفة وكيف تتحقق التقوى؟ حيث كانت تنتقم لنفسها في كل تجربة لها مع زملائها، فمن كان معها لتحقيق رغبتها في الحصول على منصب تحلم به تقوم بمساعدته، ومن اختلف معها فتهضمه حقه قائلة: أنا أعمل لوجه الله.

ولكن الواقع يقول أنها لا تستشعر وجود الخالق بل مقيدة برغبتها لتحقيق هدفها الدنيوي.

ولما كان مفهوم التقوى بالغ الشرف، قلّ من يطبقه، وذلك لكثرة المدخلات المتخللة إلى قلب الإنسان وعقله ورغباته وأولوياته الخفية، وعدم مقدرته على السيطرة على ما بداخله من رغبات.

والتقوى لا تتحقق إلا بعون الخالق ومجاهدة ومصابرة وتوفيق. (وعدم السيطرة على مدخلات القلب أو مخرجاته إنما هو من أعظم وجوه ضعف الإنسان وقلة حيلته).

وكثيرًا ما يتوهم المرء تحقيقه لهذه “الحرية” من الشهوات والرغبات، ويدعي بالوقت ذاته تعلقه بالخالق، لكن ما يلبث إلا أن تكشفه شواهد الاختبار كما في مثال الفتاة السابق، فيُبتلى الإنسان بوعد بمال متوقع، أوطمع بمنصب رفيع أو غير ذلك؛ فيصبح كالمجنون يلهث خلف رغباته خاسراً الدنيا والآخرة.

وقد يسرق السارق مدعياً حريته في التصرف والاختيار ولكن في واقع الأمر هو مستعبد لنزواته ورغباته.

  • وإن صلى المسلم وصام ولم يكترث بتطبيق العدل في أي موقف من مواقف حياته فهو لم يعرف ما هو الإسلام أصلاً.
  • وإن حقق العدل دون أن يعرف خالقه ويؤمن به ويتبع أوامره – كما يروج أتباع الماركسية- فعمله في هذه الحالة بات هباءً منثورا.
  • وإن آمن الإنسان بالخالق وادعى أن الإيمان في القلب وليس بمظاهر وحركات ظاهرية كالصلاة والحج فهذا باطل.

فهل ينفع أن نترك ورقة الإمتحان فارغة ونقول العلم في العقل وليس في الورقة؟

فالإسلام الحق جاء لتحقيق العدالة تحت مظلة وجود خالق للكون، وعبادته وتنفيذ أوامره من خلال تطبيق ما جاء في الوحي الصحيح. فالخالق مالك لما يخلق، ولا يصح للإنسان أن يسن قوانين في الكون أو يقر حقوق للإنسان. بل خالق الإنسان من يحق له ذلك فقط

بقيت في حيرة من أمري بسبب هذه المواقف الواقعية حتى وقع في يدي هذا القول للدكتور مصطفى محمود حيث يقول:

ما يحدث هذه الأيام أن الكل يرفع الأيدي بالدعاء لرفع الظلم و لكن الكل ظالم مستبد كل في دائرته فلا يستجاب دعاء، و تغرق الدنيا في المظالم أكثر و أكثر.

و لو ركبنا إلى الله مركب الصدق، و عَدِلَ كلٌ منا في دائرته و أخلص في عمله و اتقى في قوله لتولانا الله برحمته و لأكلنا من فوقنا و من تحت أرجلنا، و لما احتجنا لأحد و لا لشيء. و لكننا نتكلم في الدين و لا نعرفه و ندعو إلى الأخلاق و لا نتخلق بها.

و هذه دنيانا أصبحت مرآه لأفعالنا و لا غرابة!! يقول العارفون: كما تكونوا يُوَلَ عليكم. و إنما يبدأ كفاح الظلم في نفوسنا أولاً. و هكذا كل شيء يبدأ منا و يرتد علينا. و بين الظلم الظاهر و العدل الخفي خيط رفيع لا يراه إلا أهل القلوب.

وعد الله صريح وواضح في سورة الأعراف. وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)
كلمة السر هي في: التقوي

يقول الإمام محمد الغزالي:

“إنّ انتشار الكفر في العالم يحمل نصف أوزاره متديّنون، بغّضوا الله إلى خلقه، بسوء صنيعهم، وسوء كلامهم”.

“الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على أن يرتفع بذاته أو يهوي بها، على عكس الملائكة والحيوانات؛ فالملائكة لا تملك إلا أن تكون ملائكة والحيوانات هي الأخرى لا تملك إلا أن تكون حيوانات، أما الإنسان فقادر أن يرتفع إلى النجوم أو أن يغوص في الوحل”.عبد الوهاب المسيري.

وجود الخالق:

أذكر – خلال حواري مع أمريكي اعتنق البوذية – أنني شعرت بانهاك شديد حيث استمر الحوار لمدة ٤ ساعات متواصلة. كان الأمريكي يريد أن يثبت أنه بغنائه للطبيعة من خلال ترديد ترنيمات معينة يحصل على ما يريد. وعندما سألته عمن خلق الطبيعة قال: أنا غير مهتم بمعرفة من خلقها. أنتم المسلمون مصرون على التركيز على(من) وتعاندون العالم المتطور بهذه العقلية.

أذكر أنه قال: لم يشاهد أحد خلق الكون ليعرف من خلقه.

قلت له:

لا أحد شاهد بداية نشأة الكون، لكن الجميع سوف يشاهد نهايته( يوم القيامة)، لأننا لو شاهدنا بدايته يعني أننا كنا خارج هذا الكون وحتى لو التقطنا الأضواء الصادرة منذ مليارات السنين في هذا الكون فبالتأكيد لن نشاهد لحظة بدء الكون لأننا أصلاً ما نزال في داخله، فهل يستطيع الجنين أن يرى أمه لحظة أن حملت به!؟

لذلك فإن نشأة هذا الكون وكيف بدأت الحياة وكيف تشكلت الأرض سيبقى سراً مغيباً عن البشر مهما وصل بهم العلم. أما الوسيلة الوحيدة للحصول على هذه المعلومات هي من مصدر هذا الكون وهو الخالق، وذلك من خلال الوحي الصحيح الغير محرف. وكل ما يقال هو مجرد نظريات تعتمد أصلاً على وجود مادة أولى لم يذكر أحد من أين جاءت وكيف تشكلت، لا نظرية الانفجار العظيم ولا نظرية التطور التي قامت على وجود أول خلية على سطح الأرض دون ذكر كيف تشكلت ومن أين جاءت!

قال: لا أهتم ب(من) خلقها.

سألته: ما أول كلمة تنطق بها عندما يقوم شخص ما بطرق باب منزلك؟

أجاب: أقول من الطارق؟

سألته أيضاً: وما أول كلمة تنطق بها عندما تأتيك مكالمة من شخص مجهول؟

أجاب: أقول من على الهاتف؟

قلت له: لماذا عندما يصل الأمر لمعرفة من خلقك تقول لا أهتم ب(من)؟

سأل: ومن خلق الخالق؟

أجبته: نحن البشر ليس لدينا إلا أن نختار بين الإيمان بمادة أبدية ليس لها بداية أو الإيمان بخالق أبدى ليس له بداية ولا نهاية.

ولا يمكن للمادة أن تكون الخالق. فكيف لسمع وبصر ونطق وعقل الإنسان أن يأتي من مصدر لا يرى ولا يسمع ولا يعقل ولا يتكلم؟

ومن السور القرآنية التي وجدتها عجيبة بالرد على هذا النوع من البشر الذي عبد المخلوقات وترك عبادة الخالق هي سورة الملك.

  1. أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ
  2. هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ
  3. أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ
  4. أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ
  5. وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ
  6. أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ
  7. أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ
  8. أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ

قلت للأمريكي أيضاً:

إن كان الخالق غير موجود فلا حياة بعد الـموت ولا هدف لهذه الحياة.

تقوم مستشعرات مادية في جسدك بإستشعار البصر والسمع واللمس، ولكن هناك مستشعر لا مادي يستشعر الحق فينا وهو الضمير. الضمير الذي هو صوت الحق الذي يصدح داخل الإنسان.

لكن، هل الضمير شيء مادي كالطبيعة التي تقدسها؟!

عرِّف لي الضمير، ومن أين أتى؟ هل هو مادة؟ أم طاقة؟ هل قانون البقاء للأصلح والذي يُروج للصراع من أجل البقاء يعرف شيء اسمه رحمة أوضمير؟ أم هو قانون أناني؟! فكما آمن الإنسان بعقله وضميره وأفكاره دون أن يراها، فالأولى به أن يؤمن بمن وهبه هذه المفاهيم والخصائص دون أن يراه.


قلت له أيضاً: إن ما قدمته أنت وما ستقدمه للبشرية مهما كان تأثيره على البشرية وتطورها لا معنى له، فمهما تطورت البشرية وتقدمت في النهاية ستنتهي أنت والبشرية. لا أنت تبقى ولا أثرك. أما المؤمنون بالخالق حقاً فهم في حلم وردي، بل وعندهم يقين كامل أن هذه الحياة لها معنى وهدف.

لقد جاءت رسالة رسول الخالق محمد عليه الصلاة والسلام لكي تُخرج العالم من ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن ظلم الأديان إلى عدل الإسلام، ومن عبادة المخلوقات إلى عبادة خالق المخلوقات. وأن علينا أن نوصل رسالة إلى العالم اليوم بالأساليب الموازية لمتطلبات العصر، لكي نقول للجميع: هـذا هـو الطريق: (فأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (الروم:30)

الدين القيم:

أَنَّ الدَين القَيِّم هُو: الإيمان بِأَنَّ لِلكَوْنِ خالِقٌ واحِد، وَهُوَ الله الواحِد الأَحد، وَدينُ الله يَجبْ أَن يَكونَ واحدْ، سَهْل، مَفهوم وبَسيط، مُوافِق للفِطرة البَشرِية، وَصالح لِكُلّ زَمانٍ وَمَكان. وَهو:

الوحدانية: الإيمان بِأنْ لا إِلهَ إِلاّ الله (الخالق) وَحدهُ لا شَريكَ لَهُ وَلا وَلدْ، وَأنَّه هُو الخالِقُ وَالرّازِقُ للكون وما يحتويه، وهو لا يتجسد في صورة إنسان أو حيوان.خالق المسيح ورام كريشنا ومحمد، وخالق الطبيعة بما فيها من إنسان وحيوان وجماد ، وهو منفصل عن مخلوقاته ولا يتحد بها.

العُبودِية: عِبادة الخالق وَحدَه، وَعَدم الاشْراك في عِبادته أحداً أو شيئاً آخر.

الإيمان بِالرسل: اتباع الرُّسل بما فيهم موسى والمسيح الذي خلقه الخالق بلا أب كما خلق آدم بلا أب ولا أم، وَالإيمان بِما جاؤوا بِهِ (في تِلكَ الفَترة). (البِّشارة بِقُدوم الَّنبِيِّ مُحمَّد، وَالحَثّ عَلى إتِّباعِهِ وَالإيمان بِهِ لِمَن سَمِعَ عَنْه).[3]

الأخلاق: فِعلِ الخَيرات وَاجتناب السيَّئات.

“قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۚ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ”. (الأنعام: 161)

أبو العتاهية اختصر الدنيا في ٦ أبيات شعرية، جميلة جداً:

  • نأتي إلى الدنيا ونحن سواسية
    طفلُ الملوكِ كطفل الحاشية
  • ونغادر الدنيا ونحن كما ترى
    متشابهون على قبور حافية
  • أعمالنا تُعلي وتَخفض شأننا
    وحسابُنا بالحق يوم الغاشية
  • حور، وأنهار، قصور عالية
    وجهنمٌ تُصلى، ونارٌ حامية
  • فاختر لنفسك ما تُحب وتبتغي
    ما دام يومُك والليالي باقية
  • وغداً مصيرك لا تراجع بعده
    إما جنان الخلد وإما الهاوية

Comments(2)

    • Sara

    • 5 months ago

    Very beautiful article indeed!every word make sense and gives deep understanding of the author to the true nature of life.its insightful and thought provoking!

    1. Thank you, it’s our pleasure

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *