يُؤمن المسلم بأن الخالق أرسل رُسلاً إلى جميع الأمم ليبلغوا رسالة التوحيد، والتي هي: الايمان بالخالق الواحد الأحد والذي ليس له شريك ولا ولد، وعبادته وحده بدن وسيط.
وكان من ضمن هؤلاء الرسل الأتقياء المسيح عليه السلام الذي أرسله الخالق (الله) تعالى برسالة التوحيد وأوحى إليه بالإنجيل.
ويؤمن المسلم أن إنجيل المسيح قد تعرض للتحريف على مر الزمن حتى اختفى، واستُبدل بأناجيل أخرى من كتابة بعض أتباع المسيح الذين منهم لم يرى المسيح قط في حياته.
بالمقابل لا يؤمن المسيحي اليوم بأن المسيح عليه السلام جاء بوحي من الخالق، حيث يؤمن المسيحي أن المسيح نفسه هو الخالق و جاء متجسدًا ليعيش بين الناس في صورة بشر.
ودائمًا ما يسأل المسيحي المسلم سؤالاً مهمًا جدًا، وهو:
إن كنت تؤمن بكتاب المسيح، فأين كتاب المسيح هذا؟
لقد قدم اكتشاف عارض في مصر عام 1945 إجابة على هذا السؤال بطريقة مدهشة. فأثناء بحث أخوان عن سماد في قاعدة جرف في المنطقة المصرية نجع حمادي، وفي طريقهم أثناء البحث، ضرب أحدهما (محمد علي) شيئًا مخفيًا تحت الأرض من غير أن يقصد، وكان يبدو وعاءً خزفيًا كبيرًا مغلف بطبق أحمر مسطح، فكسره ووجد اثني عشرة كتابًا ملفوفين بجلد غزال.
اعتُبرت هذه الكتب أحد أهم الإكتشافات الأثرية في القرن العشرين. وكان من أسباب أهميتها أنها أثبتت دليلاً قيمًا لوجود مجموعة أقوال عُرفت بالحرف Q.
وهي عبارة عن تسمية للإنجيل المفقود الذي اعتقد الكثير أنه كان يجب أن يكون موجودًا في وقت ما ولم يعد موجودًا الآن.
وعلى الرغم من عدم وجود نسخة لهذا الإنجيل بشكل مستقل، فقد وجد بعض علماء القرن التاسع عشر أجزاءً من هذه المجموعة النصرانية القديمة مدموجة بإنجيل لوقا ومتى.
وبمقارنة هذين الإنجيلين بإنجيل مرقس، أدرك العلماء أن كلاهما اتبع ترتيبه وصياغته إلى حد كبير في حكاية قصة المسيح. وعلى الرغم من هذا الملخص القصصي المشترك، فقد أضاف كلاً من متى ولوقا على أقوال وتعاليم المسيح.
فعلى الرغم من أن متى ولوقا لم يضعا هذه الأقوال بنفس الترتيب، إلا أنهما أعادا كثيرًا من نفس الأقوال وأحيانًا ما تكون حرفيًا.
ولهذه الأسباب يُستبعد أن يكون متى و لوقا قد نسخ أحدهم من الآخر، فكيف نفسر هذا النوع من التوافق بينهما؟
وتظهر الإجابة في أن متى ولوقا كان لديها مصدرين مشتركين: إنجيل مرقس وإنجيل آخر، وهو مجموعة الأقوال المفقودة التي عُرفت بالوثيقة Q.
ويشير الحرف (Q) إلى الكلمة الألمانية ” Quelle” وتعني المصدر.
وعلى الرغم من عدم العثور على نسخة حقيقية للوثيقة (Q)، اعتقد كثيرًا من العلماء أن هذه الوثيقة انتشرت في فترة زمنية معينة داخل المجتمعات النصرانية القديمة.
وبما أنه كان من الصعب الإعتماد على شيئ غير موجود، ظلت الوثيقة (Q) افتراضًا مؤجلاً على حافة الأبحاث العلمية.
وقد احتوت المخطوطات المعروفة بمخطوطات نجع حمادي على مخطوطة كاملة لإنجيل توما. وقد عثر قديمًا على جزء من هذا الإنجيل مكتوبًا باليونانية في مدينة أوكسيرينخوس في مصر، ولكنها كانت على هيئة أجزاء.
وقد كُتب نص مخطوطة نجع حمادي باللغة القبطية والتي كانت اللغة المصرية المستخدمة في وقت الحكم الإمبراطوري الروماني.
وعلى أساس هذا النص كان العلماء قادرين على أن يعيدوا صياغة إنجيل توما باليونانية، فهي اللغة الأساسية لها. وبهذا المعنى، فقد كانوا قادرين على مقارنة محتواها بالكتابات الموجودة في العهد الجديد.
فقد كان إنجيل توما يختلف عن الأناجيل التي أصبحت جزء من العهد الجديد. فهي تحوي مادة غير مروية، كما أنها لم تحوي أي قصة عن ميلاد المسيح أو حياته أو حتى وفاته. بل تتكون فقط من أقوال بلغت 114 قول بشكل إجمالي، تسبق كل واحدة منها عبارة (وقال المسيح). بينما حددت الأقوال المجمعة من إنجيل توما بكاتبها ” هذه هي الاقوال السرية التي نطق بها يسوع الحيُّ”.
وتشابهت كثيرًا بعض أقوال إنجيل توما مع الأقوال الموجودة في إنجيلي متى ولوقا.
وبالنسبة لعلماء العهد الجديد، نجد أن الأمر المثير للإهتمام أن كاتب هذا الإنجيل (Didymos Judas Thomas) استخدم أقوالاً من نفس المجموعة التي استخدمها كلاً من متى ولوقا. ولكن بالنسبة لهذا الكاتب ومجتمعه فإن معنى هذه الأقوال كان مختلفًا كثيرًا.
ولذلك فقد قدم إنجيل توما دليلاً جديدًا مثيرًا لوجود مجموعة الأقوال القديمة التي استخدمتها مجتمعات نصرانية متنوعة. وفي عام 1989، بدأ فريق من الباحثين بقيادة جيمس روبنسون، رئيس معهد الأثار والمسيحية في جامعة كليرمونت (CA)، بمهمة وهي: إعادة تكوين الوثيقةَ Q .
وقد قام روبنسون وفريقه بهذه المهمة اعتمادًا على تحليل أدبي مفصل جدًا عن أناجيل متى ولوقا وتوما. وقد قام عملهم الدقيق بفحص “فقرة فقرة وكلمة كلمة وقضية قضية”. وبعد حوالي عشر سنين من العمل كان قد أوشك إصدار نتائج جهودهم بمسمى الإصدار النقدي للوثيقة (Q).
وقد أثار إسترجاع الوثيقة (Q) جدالاً حول طبيعة المجتمعات النصرانية بل وأصول النصرانية نفسها بشكل أعم.
ووفقًا لما ذكر في التاريخ، فقد ظهر 74 كتابًا بعد رحيل المسيح، استُبعد منهم 70 كتابًا كان قد اعتبرهم آباء الكنيسة القدامى غير موثوقين، وبقي 4 حواهم العهد الجديد.
وقد استُبعدت أغلب الكتب التي تتحدث عن الطبيعة البشرية للمسيح عيسى ووحدانية الخالق ونجاة المسيح من الصلب.
وأما عن السؤال المتكرر من المسيحين اليوم للمسلمين: أين كتاب المسيح الذي تتحدثون عنه؟
فالإجابة هي: أعيدوا أولاً الكتب السبعين المحذوفة، لنريكم كتاب المسيح .
المرجع:
A myth of innocence. Mark and Christian Origin. Published: 12 August 2015.