تعجبت يومًا من كره سيدة فرنسية كاثوليكية الشديد لشهر رمضان، وقد علمت منها أن زوجها المسلم لا يؤدي الصلوات الخمس ولا أي ركن من أركان الإسلام إلا الصيام، ولم تستطع هذه السيدة أن تمنعه من ذلك مع أنه يعيش بعيدًا عن أي تأثير اجتماعي بحكم استقراره خارج بلده.
قالت بغضب يومًا أمام مجموعة من المسلمات: أنا لا أطيق هذا الشهر.
وكانت قد نشأت عندي قناعة في ذلك الوقت أن كره إنسان الشديد لعبادة أو شعيرة في الإسلام تعني أن هذه الشعيرة أو العبادة لها أسرار وفضل كبير ومكانة كبيرة عند الله حتى تجعل البعض من غير المسلمين يشتاطون غيظًا منها.
لكن ما هي هذه الأسرار؟
كانت من ضمن الآيات التي قد لفتت نظري في القرآن الكريم، الآية 183 من سورة «البقرة» والتي تُخبرنا بأن الصيام كتب على المسلمين كما كتب على الذين من قبلهم.
“ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”.
مع أن المسلمون لا يؤمنون بأن العهد القديم والعهد الجديد الموجودان حاليًا بأنهما كلام الله لوجود التحريف فيهما، لكنهم يؤمنون بأن كلاهما له مصدر صحيح، والذي هو التوراة والإنجيل (وهو ما أوحاه الله إلى أنبيائه: موسى والمسيح عيسى). لذلك فإنه من الممكن أن يكون قد تبقى في العهد القديم والعهد الجديد ما هو من عند الله. ومن المعروف أن السنة القمرية بالصورة الحالية المستخدمة في العالم الاسلامي اليوم كانت مستخدمة أيضًا من قبل أتباع موسى عليه السلام في العهود القديمة. أي بمعنى آخر جميع التواريخ الواردة في أسفار العهدين القديم والجديد قمرية الأصل وليست شمسية قمرية كما هو الحال في التقويم العبري اليوم.
على سبيل المثال: عندما يتحدث القرآن الكريم عن تيه بني اسرائيل في الصحراء لمدة 40 سنة، فهذه أربعون عامًا قمرية وتعادل حوالي 38 سنة و10 أشهر شمسية (ناتج قسمة 40 على03, 1) والجدير بالذكر أن الآية 25 من سورة «الكهف»، «ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا»، تشير بمعامل التحويل من السنة الميلادية الى السنة القمرية، 03, 1 (ناتج قسمة 309 هجرية على 300 سنة ميلادية =03 , 1).
فهيا بنا نتعرف على ما ورد في بعض أسفار «العهد القديم» عن الشهر التاسع من السنة القمرية (المتعارف عليه عند المسلمين بشهر رمضان).
القمر خلقه الله لحساب الشهور.
“صَنَعَ الْقَمَرَ لِلْمَوَاقِيتِ. الشَّمْسُ تَعْرِفُ مَغْرِبَهَا” (مزمور 104: 19).
صوم الشهر التاسع.
“وَكَانَ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ لِيَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، فِي الشَّهْرِ التَّاسِعِ، أَنَّهُمْ نَادَوْا لِصَوْمٍ أَمَامَ الرَّبِّ، كُلَّ الشَّعْبِ فِي أُورُشَلِيمَ، وَكُلَّ الشَّعْبِ الْقَادِمِينَ مِنْ مُدُنِ يَهُوذَا إِلَى أُورُشَلِيمَ”. (ارميا 9:36).
الصيام من الصباح إلى المساء.
“ونَدَبُوا وبَكُوا وَصامُوا إِلى المساء عَلى شَاوِل” (سفر صموئيل الثاني 1: 12).
الصيام بالامتناع عن الطعام والشراب.
“قُلْ لِجَمِيعِ شَعْبِ الأَرْضِ وَلِلْكَهَنَةِ قَائِلاً: لَمَّا صُمْتُمْ وَنُحْتُمْ فِي الشَّهْرِ الْخَامِسِ وَالشَّهْرِ السَّابعِ، وَذلِكَ هذِهِ السَّبْعِينَ سَنَةً، فَهَلْ صُمْتُمْ صَوْمًا لِي أَنَا؟ وَلَمَّا أَكَلْتُمْ وَلَمَّا شَرِبْتُمْ، أَفَمَا كُنْتُمْ أَنْتُمُ الآكِلِينَ وَأَنْتُمُ الشَّارِبِينَ؟”(سفر زكريا 5:7).
الاعتكاف في شهر الصوم.
“قَدِّسُوا صَوْمًا. نَادُوا بِاعْتِكَافٍ. اجْمَعُوا الشُّيُوخَ، جَمِيعَ سُكَّانِ الأَرْضِ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ إِلَهِكُمْ وَاصْرُخُوا إِلَى الرَّبِّ” (سفر يوئيل 1: 14).
الاحتفال بالعيد عند رؤية الهلال.
“انْفُخُوا فِي رَأْسِ الشَّهْرِ بِالْبُوقِ، عِنْدَ الْهِلاَلِ لِيَوْمِ عِيدِنَا” (مزمور 3:81).
قال تعالى:
“شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ”[1].
وقال تعالى:
” وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ”[2].
وقال:
” أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ”[3].
وصف الله لصيام رمضان جاء بعبارة ” أياماً معدودات” لأن أيام الصوم تبدأ برؤية الهلال وتنتهي برؤيته.
نزول الوحي على أنبياء الله في شهر رمضان:
النبي حِجّي:
– “فَاجْعَلُوا قَلْبَكُمْ مِنْ هذَا الْيَوْمِ فَصَاعِدًا، مِنَ الْيَوْمِ الرَّابعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ التَّاسِعِ، مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ تَأَسَّسَ هَيْكَلُ الرَّبِّ، اجْعَلُوا قَلْبَكُمْ” (سفر حجي 18:2).
– “فِي الرَّابعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ التَّاسِعِ، فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِدَارِيُوسَ، كَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ عَنْ يَدِ حَجَّي النَّبِيِّ قَائِلًا” (سفر حجي 2: 10).
النبي زكريا:
– “وَكَانَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِدَارِيُوسَ الْمَلِكِ أَنَّ كَلاَمَ الرَّبِّ صَارَ إِلَى زَكَرِيَّا فِي الرَّابعِ مِنَ الشَّهْرِ التَّاسِعِ فِي كِسْلُو” (سفر زكريا 1:7).
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:
“أنزلت
صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان،
والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان” [4] .
[1] (البقرة:185).
[2] (البقرة:187).
[3] (البقرة:184).
[4] (رواه أحمد والبيهقي).