الايمان بالخالق:
1) هل على الإنسان الايمان بإله؟
لابد للإنسان من الايمان، سواءً كان الإيمان بالإله الحق أو بأي إله باطل. يمكن أن يسميه إلهًا أو يسميه أي شي آخر، وقد يكون الإله شجرة أو نجمًا في السماء أو امرأة أو رئيسه في العمل أو نظرية علمية أو حتى هوىً في نفسه، لكن لابد له من الإيمان بشيء يتبعه ويقدسه ويرجع له في نهج حياته وقد يموت لأجله، وهذا ما نسميه العبادة. فعبادة الإله الحق تحرر الإنسان من “العبودية” للآخرين والمجتمع.
الإله الحق هو الخالق، وعبادة غير الإله الحق تتضمن الادعاء بأنهم آلهة، والإله لا بد أن يكون خالقًا، والدليل على أنه الخالق يكون إما بمشاهدة ما خلقه في الكون، وإما بوحي من الإله الذي ثبت أنه خالق، فإذا لم يكن لهذا الادعاء دليل، لا من خلق الكون المشهود، ولا من كلام الإله الخالق، كانت هذه الآلهة بالضرورة باطلة.
نلاحظ أن الإنسان في الشدة يتوجه إلى حقيقة واحدة ويرجو إلهًا واحدًا لا أكثر. وقد أثبت العلم وحدة المادة ووحدانية النظام في الكون من خلال التعرف على مظاهر الكون وظواهره، ومن خلال التشابه والتماثل في الوجود.
ثم لنتخيل على مستوى الأسرة الواحدة عندما يختلف الأب والأم على اتخاذ قرار مصيري يخص الأسرة، ويكون ضحية اختلافهم ضياع الأطفال وتدمير مستقبلهم، فما بالك في إلهين أو أكثر يحكمان الكون.
قال الله تعالى:
“لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ”[1].
ونجد أيضًا أنه:
يجب أن يكون وجود الخالق قد سبق وجود الزمان، المكان، والطاقة، واستنادًا على ذلك، لا يمكن للطبيعة أن تكون هي المسبب بخلق الكون، لأن الطبيعة نفسها تتكون من زمان، مكان وطاقة، وبالتالي يجب أن يكون ذلك السبب موجودًا قبل وجود الطبيعة.
يجب أن يكون الخالق قاهرًا أي يمتلك السلطة على كل شيء.
يجب أن يكون بيده الأمر، ليصدر أمره ببدء الخلق.
يجب أن يمتلك علمًا كليًا بكل أمر، أي لديه معرفة كاملة بجميع الأشياء.
يجب أن يكون واحدًا فردًا، لا ينبغي أن يحتاج لوجود مسببًا آخرًا معه، ولا ينبغي أن يحتاج أن يتجسد في صورة أحد من مخلوقاته، ولا يحتاج أن يكون له زوجة أو ولد في أي حال من الأحوال، لأنه يجب أن يكون جامع لصفات الكمال.
يجب أن يكون حكيمًا لا يفعل شيء إلا لحكمة خاصة.
يجب أن يكون عادلاً، ومن عدله أن يكافئ ويعاقب، وأن يكون ذا صلة بالبشر، فلن يكون إلهًا لو خلقهم وتركهم. ولهذا فهو يرسل الرسل إليهم ليوضح لهم الطريق ويُبلغ البشر منهجه. والذي يستحق المكافأة من سلك هذا الطريق، والعقاب لمن حاد عنه.
3) ما هي أوصاف الخالق، ولماذا يُشار إليه بأنه هو الله؟
يستخدم النصارى واليهود والمسلمون في الشرق الأوسط كلمة (الله) إشارة إلى الإله، وهي تعني الإله الواحد الحق، إله موسى وعيسى، وقد عرَّف الخالق عن نفسه في القرآن الكريم باسم “الله” وأسماء وصفات أخرى. لقد ذُكرت كلمة “الله” في النسخة القديمة للعهد القديم 89 مرة.
بعض صفات الله هي:
الخالق. “هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ”[2].
الأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء: “هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ”[3].
المدبر المتصرف: “يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ …”[4].
العليم القدير: “… إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِير”[5].
لا يتمثل قي صورة أحد من خلقه: “…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” [6].
ليس له شريك وليس له ولد: “قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ” [7].
الحكيم: “… وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا” [8].
العدل: “…وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ” [9].
هذا السؤال ناتج عن تصور خاطئ عن الخالق وتشبيهه بالمخلوق، وهذا التصور مرفوض عقلاً ومنطقًا، فعلى سبيل المثال:
هل يستطيع الإنسان الإجابة على سؤال بسيط، وهو: ما هي رائحة اللون الأحمر؟ طبعًا لا يوجد إجابة على هذا السؤال لأن اللون الأحمر لا يصنف ضمن الأشياء التي يمكن شمّها.
إن الشركة المصنِّعة لسلعة أو بضاعة كالتلفاز أو الثلاجة مثلاً، تضع قوانين وضوابط لاستخدام الجهاز، وتقوم بكتابة هذه التعليمات في كتاب يشرح طريقة استخدام الجهاز وتُرفقه مع الجهاز. وعلى المستهلك اتباع هذه التعليمات والتقيد بها إذا ما أراد أن يستفيد من الجهاز على النحو المطلوب، في حين أن الشركة المصنِّعة لا تخضع لهذه القوانين.
نفهم من الأمثلة السابقة، أن كل سبب له مُسبِّب، لكن الإله ببساطة لم يُسبَّب، ولا يُصنف ضمن الأشياء التي يمكن خلقها. الإله هو الأول قبل كل شيء، فهو المسبب الأساسي. ومع أن قانون السببية من سُنن الله الكونية، إلا إن الله سبحانه وتعالى فعالٌ لما يريد، وله طلاقة القدرة.
إن الإيمان بالخالق يقوم على حقيقة أن الأشياء لا تظهر بدون سبب، ناهيك أن الكون المادي المأهول الضخم وما فيه من مخلوقات، تمتلك وعيًا غير ملموس، وتطيع قوانين الرياضيات غير المادية. وإنه لشرح وجود كون مادي محدود، نحتاج إلى مصدر مستقل، غير مادي وأبدي.
ولا يمكن للصدفة أن تكون موجدة للكون لأن الصدفة ليست سببًا رئيسيًا، وإنما هي نتيجة ثانوية تعتمد على توافر عوامل أخرى (وجود الزمان، المكان، المادة والطاقة) لكي يتكون من هذه العوامل شيء بالصدفة. فلا يمكن استخدام كلمة “صدفة” لتفسير أي شيء لأنها لا شيء على الإطلاق.
على سبيل المثال، لو دخل شخص غرفته ووجد زجاج النافذة مكسورًا، حينها سوف يسأل أهله عمن كسر زجاج النافذة، فيجيبوه: لقد كُسرت بالصدفة. الجواب هنا خطأ، لأنه لم يسأل كيف كسرت النافذة، ولكنه سأل من كسر النافذة. فالصدفة وصف للفعل وليست فاعل. والجواب الصحيح هو أن يقولوا: كسرها فلان، ثم يبينوا أن من كسرها كان صدفة أو عن قصد. الأمر ينطبق تمامًا على الكون والمخلوقات.
فإذا سألنا من أوجد الكون والمخلوقات، وأجاب البعض لقد وُجدوا بالصدفة، فالجواب هنا خطأ، لأننا لم نسأل كيف وجد الكون، وإنما سألنا من أوجد الكون. وعليه فالصدفة ليست بفاعل ولا خالق للكون.
وهنا يأتي سؤال: هل خالق الكون خلقه صدفة أو عن قصد؟ بالطبع إن الفعل ونتائجه هم من يعطونا الجواب.
فإذا عدنا إلى مثال النافذة، وافترضنا دخول شخص ما إلى غرفته ووجد زجاج النافذة مكسورًا، وسأل أهله من كسره، فأجابوه: كسره فلان صدفة. الجواب هنا مقبول ومعقول، لأن كسر الزجاج أمر عشوائي يمكن أن يحدث صدفة. ولكن لو دخل نفس الشخص غرفته في اليوم التالي ووجد زجاج النافذة قد أُصلح وعاد كما كان، وسأل أهله: من أصله، لأجابوه: أصلحها فلان صدفة، فالجواب هنا غير مقبول، بل مستحيلٌ عقلًا، لأن الفعل وهو إصلاح الزجاج، ليس فعلاً عشوائيًا، بل هو فعل منظم وبحكمه قوانين، فأولاً يجب إزالة الزجاج التالف، وتنظيف إطار النافذة، ثم قطع زجاج جديد بمقاسات دقيقة مناسبة للإطار، ثم تثبيت الزجاج في الإطار بمادة مطاطية، ثم تثبيت الإطار في مكانه، وكل هذه الأفعال لا يمكن أن تحدث صدفة، وإنما حدثت عن قصد. والقاعدة العقلية تقول: إذا كان الفعل عشوائيًا لا يخضع لنظام فقد يكون حدث صدفة، أما الفعل المنظم المترابط والفعل الذي نتج عن نظام فلا يمكن أن يحدث صدفة، بل حدث عن قصد.
وإذا نظرنا إلى الكون والمخلوقات سوف نجد أنها صنعت بنظام محكم، كما أنها تسير وتخضع لقوانين دقيقة محكمة، لذلك نقول: يستحيل عقلاً أن يكون الكون والمخلوقات قد خلقت صدفة، بل خلقت عن قصد. وبهذا تخرج الصدفة نهائيًا من مسألة خلق الكون[10].
ومن الدلائل على وجود خالق أيضًا:
1-دليل الخلق والإيجاد:
ويعني أن نشأة الكون من العدم تدل على وجود الاله الخالق.
“إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ “[11].
2-دليل الوجوب:
إذا قلنا إن كل شيء له مصدر، وأن هذا المصدر له مصدر وإذا استمر هذا التسلسل على الدوام فإنه من المنطق أن نصل إلى بداية أو نهاية. لا بد من أن نصل إلى مصدر ليس له مصدر وهذا ما نسميه “السبب الأساسي” وهو يختلف عن الحدث الأساسي، فعلى سبيل المثال، إذا افترضنا أن الانفجار العظيم هو الحدث الأساسي، فإن الخالق هو المسبب الأساسي الذي سَبَّب هذا الحدث.
3-دليل الاتقان والنظام:
ويعني أن دقة بناء الكون وقوانينه تدل على وجود الاله الخالق.
“ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ”[12].
“إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ”[13].
4-دليل العناية:
وهو أن الكون قد تم بناؤه ليكون ملائمًا تمامًا لنشأة الإنسان، ويعود هذا الدليل إلى صفات الجمال والرحمة الإلهية.
“ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ”[14].
5-دليل التسخير والتدبير:
ويختص بصفات الجلال والقدرة الإلهية.
” وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ ۚ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ “[15].
6-دليل التخصيص:
ويعني أن ما نراه في الكون كان يمكن أن يكون على هيئات عديدة، لكن الله عز وجل اختار منها الهيئة الأفضل.
“أفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ (٦٩) وَنَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ “[16].
“أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا “[17].
يذكر القرآن احتمالات لشرح كيفية خلق الكون ووجوده[18]:
“أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (٣٥) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ بَل لَّا يُوقِنُونَ (٣٦) أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ”[19].
أم خُلقوا من غير شيء:
وهذا يتنافى مع كثير من القوانين الطبيعية التي نراها من حولنا، فمثال بسيط، كأن نقول إن أهرامات مِصر وجدت من لا شي كافي أن يدحض هذا الاحتمال.
أم هم الخالقون:
خلق الذات: هل استطاع الكون أن يخلق نفسه؟ يُشير مصطلح “مخلوق” إلى شيء لم يكن موجودًا وظهر إلى الوجود، الخلق الذاتي هو استحالة منطقية وعملية، وهذا يرجع إلى حقيقة أن الخلق الذاتي يعني أن شيئًا ما كان موجودًا وليس موجودًا في نفس الوقت، وهو أمر مستحيل، والقول إن الإنسان خلق نفسه يعني أنه كان موجودًا قبل أن يكون موجودًا!
حتى عندما يتكلم بعض المشككين ويؤكدون احتمالية وجود الخلق الذاتي في الكائنات وحيدة الخلية، فيجب بدايةً افتراض أن الخلية الأولى موجودة أصلاً لطرح هذا النقاش، وإذا افترضنا هذا القول، فإن هذا ليس خلقًا ذاتيًا، بل هو أسلوب تكاثر (التكاثر اللاجنسي)، والذي ينشأ من خلاله النسل من كائن حي واحد، ويرث المادة الوراثية لذلك الوالد فقط.
إن كثيرًا من الناس حين تسأله من أوجدك فيقول ببساطة: والديَّ هم السبب في وجودي في هذه الحياة، ومن الواضح أنه جواب يراد به الاختصار وإيجاد مخرج لهذه المعضلة، فالإنسان بطبيعته لا يريد أن يمعن التفكير ويجتهد، فهو يعلم أن والداه سيموتان، ويبقى هو وتأتي من بعده ذريته لتعطي نفس الجواب، وهو يعلم أنه ليس له يد في خلق أبناؤه. فالسؤال الحقيقي هو: من أوجد سلالة الإنسان؟
أم خلقوا السماوات والأرض:
ولم يوجد أحد ادَّعى أنه خلق السماوات والأرض، إلا صاحب الأمر والخلق وحده، هو من كشف عن هذه الحقيقة، عندما أرسل رسله إلى البشرية، والحقيقة هي، أنه هو خالق وبديع ومالك السماوات والأرض وما بينهما. وليس له شريك ولا ولد.
قال الله تعالى:
“ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ ۖ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ”[20].
وممكن أن نضرب مثالاً هنا، وهو عند العثور على حقيبة في مكان عام، ولم يأتِ أحد ليدَّعي أنه صاحب الحقيبة باستثناء شخص واحد، قام بتقديم مواصفات الحقيبة ومواصفات ما بداخلها للدلالة على أنها له، في هذه الحالة تصبح هذه الحقيبة من حقه، إلى أن يظهر شخص أخر غيره ويدَّعي أنها له، وهذا حسب قوانين البشر.
وجود خالق:
كل ذلك يقودنا إلى الجواب الذي لا مفر منه، وهو وجود خالق. والغريب أن الإنسان يحاول دائمًا أن يفترض احتمالات كثيرة بعيدة عن هذا الاحتمال، وكأن هذا الاحتمال شيء خيالي مستبعد لا يمكن تصديقه أو التحقق من وجوده. فلو وقفنا وقفه صادقة، عادلة ونظرة علمية ثاقبة، لتوصلنا لحقيقة أن الإله الخالق لا يمكن الإحاطة به، فهو الذي خلق الكون بأسره، فلا بد أن ذاته خارج الإدراك الإنساني، ومن المنطقي أن نفترض أن هذه القوة الغيبية ليس من السهل التحقق من وجودها، ولا بد من هذه القوة أن تُفصِح عن ذاتها بنفسها بالطريقة التي تراها مناسبة للإدراك البشري، ولا بد للإنسان أن يصل لقناعة، أن هذه القوة الغيبية حقيقة موجودة وأنه لا مفر من اليقين بهذا الاحتمال الأخير والمتبقي لتفسير سر هذا الوجود.
قال الله تعالى:
“فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ”[21].
وأنه لا بد من الإيمان والتسليم بوجود هذا الإله الخالق المبدع، إذا ما كنا نبحث عن دوام الخير والنعيم والخلود الأبدي.
6) ما الدليل الملموس على وجود الخالق؟
نحن نبصر قوس قزح والسراب وليس لهما وجود! ونصدق وجود الجاذبية دون أن نراها لمجرد أن أثبتها العِلم المادي.
قال الله تعالى:
“لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ”[22] .
على سبيل المثال وللتقريب فقط، الإنسان لا يستطيع أن يصف شيئًا غير مادي مثل “الفكرة”، ووزنها بالجرامات، وطولها بالسنتيمترات وتركيبها الكيميائي ولونها وضغطها وشكلها وصورته.
إن الإدراك ينقسم إلى أربعة أنواع:
الإدراك الحسي: كأن ترى شيئًا بحاسة البصر مثلاً.
الإدراك الخيالي: كأن تقارن صورة حسية بذاكرتك وبخبراتك السابقة.
الإدراك الوهمي: وهو الشعور بمشاعر الآخرين، كأن تشعر أن ابنك حزين مثلاً.
وبهذه الطرق الثلاثة يشترك الإنسان والحيوان.
الإدراك العقلي: وهو الإدراك الذي يتميز به الإنسان فقط.
والملحدون يريدون إلغاء هذا النوع من الإدراك ليساووا الإنسان بالحيوان. والإدراك العقلي هو أقوى نوع من أنواع الإدراك، لأن العقل هو الذي يصحح الحس. عندما يرى الإنسان ببصره السراب مثلاً كما ذكرنا في المثال السابق، فيأتي دور العقل ليُخبر صاحبه أن هذا مجرد سراب وليس ماء، وظهوره كان بسبب انعكاس الضوء على الرمال فقط ولا أصل لوجوده، فيكون هنا قد خدعه الحس وأرشده العقل. والملحدون يرفضون الدليل العقلي ويطالبون بالدليل المادي ويجملون هذا المصطلح بمصطلح “دليل علمي”، فهل الدليل العقلي والمنطقي ليس علميًا أيضًا؟ هو في الواقع دليلاً علميًا ولكن ليس ماديًا، وتستطيع أن تتخيل مجرد طرح فكرة وجود ميكروبات صغيرة لا ترى في العين المجردة على شخص عاش على كوكب الأرض منذ خمسمائة عام، ما كانت سوف تكون ردة فعله[23].
ومع أن العقل يستطيع أن يدرك وجود الخالق ويدرك بعض صفاته، لكن له حدود، وممكن أن يدرك الحكمة من بعض الأمور ولا يدرك أخرى، فلا أحد مثلاً يستطيع أن يدرك الحكمة في عقل عالم فيزيائي قدير كآينشتاين مثلاً.
“ولله المثل الأعلى فإن مجرد الظن بالقدرة على الإحاطة بالإدراك الكامل لله هو عين الجهل به، فقد تقودك السيارة إلى شاطئ البحر، ولكن لا تُمكنك من الخوض فيه. فلو سألتك مثلاً عن مياه البحر تساوي كم لتر، وأجبت بأي رقم فأنت جاهل، ولو أجبت بلا أعلم فأنت عالِم، إن الطريق الوحيد لمعرفة الله هي آياته في الكون وآياته القرآنية”[24].
إذًا فمصادر العلم في الإسلام هي الكون والوحي معًا، أي خَلْق الله ووحي الله. ووسائله هي الحس، والعقل والنقل (القرآن والسنة)، وأما المنهج فيختلف باختلاف نوع العلم ونوع المصدر.
قال الله تعالى:
“أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخرة ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ “[25].
“فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ“[26].
وأجمل ما في العلم أنه ليس له حدود، وكلما تبحرنا في علوم سنجد علوم أخرى، ولن نستطيع أن نلم بكل العلم. إن أذكى إنسان هو من يحاول أن يفهم كل شيء، وأغبى إنسان هو من يظن نفسه سيفهم كل شيء.
قال الله تعالى:
“قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا”[27].
7) لماذا لا يتمثل الخالق في صورة أحد من خلقه؟
على سبيل المثال، ولله المثل الأعلى، ولتقريب الفكرة فقط، فعندما يستخدم الإنسان الجهاز الإلكتروني ويتحكم فيه من الخارج، فإنه لا يدخل بأي حال من الأحوال داخل الجهاز.
ولو قلنا بأن الله يمكنه فعل ذلك لأنه القادر على كل شيء، فيجب أن نُسلِّم أيضًا بأن الخالق الإله الواحد الأحد جل جلاله، لا يفعل ما لا يليق بجلاله، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا.
فعلى سبيل المثال، ولله المثل الأعلى: أي قسيس أو إنسان لديه منزله دينية رفيعة لا يخرج الى الشارع العام عاري الجسد، على الرغم من استطاعته فعل ذلك، لكنه لا يمكن أن يخرج للملأ بهذه الصورة؛ لأن هذا التصرف لا يليق بمكانته الدينية.
8) لماذا اتخاذ الوسطاء في عبادة الخالق يؤدي إلى الخلود في النار؟
في القانون البشري كما هو معروف، أن المساس بحق الملك أو صاحب الأمر لا يستوي مع غيرها من الجرائم الأخرى. فما بالك بحق مَلك الملوك، إن حق الله تعالى على عباده أن يُعبد وحده، وحق العباد هو الحصول على علاقة مباشرة معه بدون وسيط، وبالتالي الحصول على الأمان في الدنيا والآخرة.
إنه يكفي لأن نتخيل أن نهدي أحدّا بهدية ويشكر هو شخصًا آخر ويتوجه له بالثناء. ولله المثل الأعلى فهذا حال العباد مع خالقهم، أعطاهم الله ما لا يُعد ولا يُحصى من النعم، وهم بدورهم يشكرون غيره. والخالق في كل الأحوال غني عنهم.
9) لماذا يشير الخالق إلى نفسه بصيغة الجمع ما دام هو واحد أحد؟
استخدام رب العالمين لكلمة “نحن” في التعبير عن ذاته في كثير من آيات القرآن الكريم تُعبِّر عن أنه وحده جامع لصفات الجمال والجلال، وتُعبِّر كذلك عن القوة والعظمة في اللغة العربية، وكذلك في اللغة الإنجليزية تُسمَّى “نحن الملكية”، حيث يستخدم ضمير الجمع للإشارة لشخص في منصب كبير (كالملك، العاهل أو السلطان)، غير أن القرآن كان دومًا يُشدِّد على وحدانيَّة الله فيما يتعلق بالعبودية.
10) لماذا جعل الخالق للبشر مشيئة في الاختيار بين الكفر والإيمان؟
قال الله تعالى:
” وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ…”[28].
كان بإمكان الخالق أن يجعلنا مكرهين على الطاعة والعبادة، لكن الإكراه لا يحقق الهدف المَرجو من خلق الإنسان.
فالحكمة الإلهية تمثلت في خلق آدم وتَميّزه بالعلم.
” وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ”[29].
ومنحه القدرة على الاختيار.
” وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ”[30].
وفتح باب التوبة والإنابة له، كون أنَّ الاختيار لا بد وأن يُوقِع في الخطأ والزلل والمعصية.
“فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ”[31].
وأراد الله تعالى لآدم أن يكون خليفةً في الأرض.
“وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ”[32].
فالإرادة والقدرة على الاختيار في حد ذاتها نعمة، إذا تم استخدامها وتوجيهها بصورة سليمة وصحيحة، وتكون نقمة إذا تم استغلالها لمقاصد ومآرب فاسدة.
إن الإرادة والاختيار، لا بد أن تكون محفوفة بالمخاطر والفتن والكفاح وجهاد النفس، وهي بلا شك أعظم درجةً وتكريمًا للإنسان من الخنوع المؤدي للسعادة المزيفة.
قال الله تعالى:
“لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا”[33].
فما فائدة الثواب والعقاب إن لم يكن هناك اختيار نستحق عليه الجزاء؟
وهذا كله مع العلم أن مساحة الاختيار الممنوحة للإنسان فعليًا محدودة في هذه الدنيا، والله سبحانه وتعالى سوف يحاسبنا فقط على ما أعطانا فيه حرية الاختيار، فالظروف والبيئة التي نشأنا فيها لم يكن لنا خيار فيها، كما أننا لم نختر آباءنا، كما أننا لا نملك التحكم في أشكالنا وألواننا.
11) لماذا خلق الله البشر وهو غنيٌّ عنهم؟
عندما يجد الإنسان نفسه غني جدًا وكريم للغاية، فإنه سوف يدعو الأصدقاء والأحباب إلى الطعام والشراب.
صفاتنا هذه ما هي إلا جزء بسيط مما عند الله، فالله الخالق له صفات جلال وجمال، هو الرحمن الرحيم، المعطي الكريم، لقد خلقنا لعبادته، وليرحمنا ويسعدنا ويعطينا، إن أخلصنا له العبادة وأطعناه وامتثلنا أمره، وكل الصفات البشرية الجميلة مشتقة من صفاته.
إنه خلقنا ومنحنا القدرة على الاختيار، فإما أن نختار طريق الطاعة والعبادة، وإما أن ننكر وجوده ونختار طريق التمرد والمعصية.
قال الله تعالى:
“وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ”[34].
أما مسألة غنى الله عن خلقه فهي من المسائل الثابتة نصًا وعقلاً.
قال الله تعالى:
“… إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ”[35].
وأما عقلاً فإن من الثابت أن خالق الكمال يتصف بصفات الكمال المطلق، ومن صفات الكمال المطلق أن تنتفي حاجته لسواه، إذ أن افتقاره لغيره صفة نقص يتنزه عنها سبحانه.
نفهم من الآية الكريمة أعلاه أن الله تعالى مَيَّز الجن والأنس منفردين دون سائر المخلوقات بحرية الاختيار. وأن تميز الإنسان هو بتوجهه لرب العالمين مباشرة وإخلاص العبودية له بمحض إرادته، ويكون بذلك حقق حكمة الخالق بجعل الإنسان على رأس المخلوقات.
تتحقق معرفة رب العالمين من خلال إدراك أسمائه الحسنى وصفاته العليا والتي تنقسم إلى مجموعتين أساسيتين وهي:
أسماء جمال: وهي كل صفة تختص بالرحمة، العفو واللطف، منها الرحمن، الرحيم، الرزاق، الوهاب، البر، الرؤوف…إلخ.
أسماء جلال: وهي كل صفة تختص بالقوة والمقدرة والعظمة والهيبة، ومنها العزيز، الجبار، القهار، القابض، الخافض…إلخ.
ويترتب على معرفتنا لصفات الله عز وجل القيام بعبادته على النحو الذي يليق بجلاله وتمجيده وتنزيهه عما لا يليق به، طمعًا في رحمته واتقاءً لغضبه وعقوبته. وتتمثل عبادته بالامتثال بالأوامر واجتناب النواهي والقيام بالإصلاح وتعمير الأرض. وبناءً على هذا يصبح مفهوم الحياة الدنيا عبارة عن امتحان واختبار للبشر، لكي يتمايزوا ويرفع الله درجات المتقين ويستحقوا بذلك خلافة الأرض ووراثة الجنة في الآخرة، في حين يلحق بالمفسدين الخزي في الدنيا ويكون مآلهم عذاب النار.
قال الله تعالى:
“إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا” [36].
فالأمر الخاص بخلق الله للبشر يتعلق بجانبين:
جانب يخص الإنسان: وهو موضح في القرآن بنصوص صريحة، وهو تحقيق العبادة لله من أجل الفوز بالجنة.
جانب يخص الخالق سبحانه: وهو الحكمة من الخلق، فيجب أن نعلم أن الحكمة من شأنه وحده وليست من شأن أحد من خلقه، وعلمنا محدود قاصر بينما علمه كامل مطلق. فخلق الإنسان والموت والبعث والحياة الأخروية، هم جزء بسيط جدًا من الخلق، فهو شأنه سبحانه وليس شأن غيره من الملائكة أو البشر أو غيرهم.
وقد سأل الملائكة ربهم هذا السؤال عندما خلق آدم فأجابهم الله جوابا نهائيا واضحًا، حيث يقول سبحانه:
“وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ”[37].
فإجابة الله لسؤال الملائكة بأنه تعالى يعلم ما لا يعلمون يوضح أمورًا عدة: أن الحكمة من خلق الإنسان تخصه سبحانه، وأن الأمر برمته من شأن الله ولا علاقة للمخلوقات به، فهو “فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ”[38] وهو “لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ”[39]، وأن سبب خلق البشر هو علم من علم الله، لا يعلمه الملائكة، وما دام الأمر يتعلق بعلم الله المطلق فهو أعلم بالحكمة منه، ولا يَعلمها أحد من خلقه إلا بإذنه.
12) لماذا لم يُعط الخالق البشر فرصة الاختيار في وجودهم في الحياة من عدمه؟
إذا أراد الله أن يعطي خلقه فرصة الاختيار في وجودهم في الحياة من عدمه، فيجب أن يتحقق وجودهم بدايةً. فكيف يمكن أن يكون للبشر رأي وهم في العدم؟ المسألة هنا مسألة وجود وعدم. إن تعلق الإنسان بالحياة وخوفه عليها لهو أكبر دليل على رضاه عن هذه النعمة.
إن نعمة الحياة هي امتحان للبشر ليميز الانسان الطيب الراضي عن ربه عن الانسان الخبيث الساخط عليه. فحكمة رب العالمين من الخلق اقتضت لاستخلاص هؤلاء الراضين عنه ليحوزوا على دار كرامته في الآخرة.
هذا السؤال يدل على أن الشبهة إذا استحكمت في العقول طمست التفكير المنطقي فيه، وهو من دلائل الإعجاز القرآني.
حيث قال الله:
“سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ” [40].
فلا يصح أن نعتبر معرفة حكمة الله من الخلق حقًا من حقوقنا التي نطالب بها، وبالتالي لا يكون حجبها عنا ظلم لنا.
عندما ينعم علينا الله بفرصة الحياة الأبدية في نعيم لا نهائي في جنة فيها ما لا أذن سمعت ولا عين رأت ولا خطر على قلب بشر. فأي ظلم في هذا؟
– يمنحنا الإرادة الحرة لنقرر بأنفسنا فنختارها أو نختار العذاب.
– يخبرنا الله بما ينتظرنا ويعطينا خارطة الطريق بوضوح تام لكي نصل إلى هذا النعيم ولكي نتجنب العذاب.
يرغّبنا الله بشتى الوسائل والطرق لسلوك طريق الجنة ويحذرنا مرارًا وتكرارًا من سلوك طريق النار.
يقص علينا الله قصص أصحاب الجنة وكيف فازوا بها وقصص أصحاب النار وكيف باءوا بعذابها لكي نتعلم.
يروي لنا حوارات أهل الجنة وحوارات أهل النار التي ستدور بينهم لنفهم الدرس جيدًا.
يعطينا الله على الحسنة عشر حسنات، وعلى السيئة سيئة واحدة، ويخبرنا بذلك لكي نبادر إلى الحسنات.
يخبرنا الله أننا إذا أتبعنا السيئة الحسنة فإنها تمحوها، فنحن نكسب عشر حسنات وتمحي عنا السيئة.
يخبرنا أن التوبة تجبّ ما قبلها فيكون التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
يجعل الله الدال على الخير كفاعله.
يجعل الله الحصول على الحسنات يسيرًا جدًا، فيمكننا بالاستغفار والتسبيح والأذكار أن تحصل على حسنات عظيمة ونتخلص من ذنوبنا بلا مشقة.
يجعل لنا على كل حرف من القرآن عشر حسنات.
يعطينا الله الثواب لمجرد النية في عمل الخير ولو لم نتمكن من فعله، ولا يحاسبنا على نية الشر إذا لم نفعله.
يعدنا الله بأننا إذا بادرنا إلى الخير فإنه سيزيد من هدايتنا ويوفقنا وييسر لنا سبل الخير.
فأي ظلم في هذا؟
في
الواقع، إن الله لم يعاملنا بعدله فقط، بل إنه عاملنا برحمته وكرمه وإحسانه.
الدين الذي ارتضاه الخالق لعباده:
الدين هو منهج حياة، والذي ينظم علاقة الإنسان بخالقه وبمن حوله، وهو الطريق إلى الآخرة.
إن الحاجة إلى الدين أشد من الحاجة إلى الطعام والشراب. فالإنسان بطبعه متدين، فلو لم يهتدِ إلى الدين الحق، فسوف يخترع له دينًا كما حصل في الديانات الوثنية التي ابتدعها البشر. والإنسان محتاج للأمن في الدنيا كما أنه محتاج للأمن في منقلبه وبعد موته.
والدين الحق هو الذي يمنح أتباعه الأمن التام في الدارين. فعلى سبيل المثال:
لو كنا نسير في طريق ولا نعرف نهايته، وأمامنا خيارين، إما أن نتبع التعليمات الموجودة في الطريق على اللافتات، أو نحاول التخمين، مما قد يُسبب لنا الضياع والهلاك.
لو أردنا أن نشتري جهاز تلفاز ونحاول تشغيله بدون الرجوع إلى تعليمات التشغيل فسوف نفسده. جهاز التلفاز الصادر من نفس المصنع، يصلنا هنا مثلاً مع نفس كتيب التعليمات الذي يصل إلى بلدٍ آخر، فيجب علينا استخدامه بنفس الطريقة.
إن أراد شخص التواصل مع شخص آخر مثلاً، فعلى الشخص الآخر أن يخبره بالوسيلة الممكنة، كأن يخبره أن يكلمه هاتفيًا وليس عن طريق البريد الإلكتروني، وعليه أن يستخدم رقم الهاتف الذي يزوده به هو شخصيًا، ولا يمكنه استخدام أي رقم آخر.
الأمثلة السابقة تدلنا على أنه لا يمكن للبشر أن يعبدوا الله باتباع أهواءهم، لأنهم سوف يضروا بأنفسهم أولاً قبل أن يضروا بغيرهم. فنجد بعض الشعوب للتواصل مع رب العالمين تقوم بالرقص والغناء في دور العبادة، وغيرها من الشعوب من يُصفق ليُوقِظ الإله حسب عقيدتهم. ومنهم من يعبد الله باتخاذ وسيط، ويتصور أن الله يأتي بصورة بشر أو حجر. فالله يريد أن يحمينا من أنفسنا عندما نعبد ما لا ينفعنا ولا يضرنا، بل ويتسبب في هلاكنا في الآخرة. فعبادة غير الله مع الله تُعد أعظم الكبائر، وعقابها الخلود في النار. إن من عظمة الله أن جعل لنا نظامًا نسير عليه جميعًا، لينظم علاقتنا به، وعلاقتنا بمن حولنا، وهو ما يُسمَّى بالدين.
يجب أن يكون الدين الحق موافق لفطرة الإنسان الأولى التي تحتاج لعلاقة مباشرة مع خالقها بدون تدخل وسطاء، والتي تمثل الفضائل والسجايا الخيَّرة في الإنسان.
يجب أن يكون دين واحد، سهل وبسيط، مفهوم وغير معقد، صالح لكل زمان ومكان.
يجب أن يكون دينًا ثابتًا لكل الاجيال ولكل البلاد ولكل أنواع البشر مع تنوع في القوانين حسب حاجة الإنسان في كل زمن، لا يقبل الزيادة ولا النقصان حسب الأهواء، كما هو الحال في العادات والتقاليد التي منشأها البشر
يجب أن يحتوي على عقائد واضحة ولا يحتاج لوسيط، ولا يؤخذ الدين بالوجدانيات، بل بالدليل الصحيح المبرهن.
يجب أن يغطي كل قضايا الحياة وكل زمان ومكان، وينبغي أن يصلح للدنيا وكذلك للآخرة، يبني الروح ولا ينسى الجسد.
يجب أن يحمي حياة الناس ويحافظ على أعراضهم وأموالهم واحترام حقوقهم وعقولهم.
وبذلك من لم يتبع هذا المنهج الذي جاء بتوافق مع فطرته، عاش حالة اضطراب وعدم استقرار، والشعور بضيق الصدر والنفس، فضلاً عن عذاب الآخرة.
4) ما أهمية أن يكون الالتزام بالأخلاق تحت مظلة الدين؟
عند فناء البشرية لن يبقى إلا الحي الذي لا يموت. من يقول بعدم أهمية الالتزام بالأخلاق تحت مظلة الدين، فإنه كمن يدرس اثني عشر سنة على مقاعد الدراسة ويقول في النهاية: لا أريد الشهادة.
قال الله تعالى:
“وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا”[1].
إن تعمير الأرض والخُلق الحَسن ليسا الغاية للدين، لكنهما في الحقيقة وسيلة! فغاية الدين أن يُعرِّف الإنسان بربِّه، ثم بمصدر وجود هذا الإنسان وطريقه ومصيره، ولا يتحقق حسن النهاية والمصير، إلا بمعرفة رب العالمين من خلال عبادته، والحصول على رضاه. والسبيل إلى ذلك يكون بتعمير الأَرض والخُلق الحسن، بشرط أن تكون أفعال العبد ابتغاءً لمرضاته تعالى.
لنفرض أن شخصًا ما كان قد اشترك في مؤسسة ضمان اجتماعي للحصول على راتب تقاعدي، وأعلنت الشركة أنه لن يكون بمقدورها دفع الرواتب التقاعدية وسيتم إغلاقها قريبًا، وعلم هو بذلك، هل سيستمر بالتعامل معها؟
فمتى أدرك الإنسان حتمية فناء البشرية، وأنها غير قادرة على مكافئته في نهاية المطاف، وأن أعماله التي عملها من أجل البشرية ستصبح هباءً منثورا، فسوف يشعر بالخيبة الشديدة. المؤمن هو من يعمل ويجتهد ويعامل الناس معاملة حسنة ويساعد الإنسانية لكن في سبيل الله، وبالتالي سوف يحصل على سعادة الدنيا والآخرة.
ليس هناك معنى أن يحافظ الموظف على علاقته بباقي زملائه ويحترمهم، في حين أن يُهمل علاقته مع صاحب العمل، لذلك كي نحصل على الخير بحياتنا ويحترمنا الآخرون يجب أن تكون علاقتنا بخالقنا أفضل وأقوى علاقة.
إضافةً إلى ذلك، فنقول ما الدافع الذي يدفع بالإنسان إلى إقامة الأخلاقيات والقيم وباحترام القوانين أو احترام الآخرين. أو ما الضابط الذي يضبط الإنسان ويجبره على فعل الخير وليس الشر. وإن قالوا بقوة القانون، فنرد ونقول إن القانون لا يتوافر في كل زمان ومكان، ولا يكفي وحده لحل كافة النزاعات على المستوى المحلي والدولي. ومعظم تصرفات البشر تتم في معزل عن القانون وأعين الناس.
ويكفي دليلاً على الحاجة للدين هو وجود هذا العدد الكبير من الديانات والتي تلجأ إليه غالبية أمم الأرض لتنظم حياتها وتضبط تصرفات شعوبها على أساس قوانين دينية. فكما نعلم أن الضابط الوحيد للإنسان هو معتقده الديني في حال غياب القانون، فالقانون لا يمكن أن يتواجد مع الإنسان في كل حين وكل مكان.
فالوازع والرادع الوحيد للإنسان هو اعتقاده الداخلي بوجود رقيب عليه وحسيب، وهذا الاعتقاد في الأصل دفين وراسخ في وجدانه يظهر بوضوح لدى الإنسان عندما يهم بفعلٍ خاطئ، حيث تتنازع لديه ملكات الخير والشر ويحاول إخفاء أي عمل فاضح عن أعين الناس، أو أي عمل تستنكره الفطرة السليمة. كل هذا دليل على وجود لمفهوم الدين والاعتقاد في أعماق النفس البشرية.
فالدين جاء ليملأ الفراغ الذي لا يمكن للقوانين الوضعية أن تملأه أو تُلزم العقول والقلوب به على اختلاف الزمان والمكان.
إن الدافع أو المحرك لدي الإنسان لعمل الخير يختلف من شخص لآخر. وأن كل شخص له دوافعه ومصالحه الخاصة لفعل أو الالتزام بأخلاقيات أو قيم محددة، فعلى سبيل المثال:
العقوبة: وقد تكون هي الرادع للإنسان لكف شره عن الناس.
المكافأة: وقد تكون هي الدافع للإنسان للإقبال على فعل الخير.
إرضاء الذات: وقد تكون الضابط للإنسان لضبط نفسه عن الشهوات والرغبات. وأن للإنسان مزاج وهوى وما يعجبه اليوم قد لا يعجبه غدًا.
الوازع الديني: وهو معرفة الله والخوف منه واستشعار وجوده أينما ذهب، وهو الدافع القوي والفعال [2].
إن للدين أثرًا كبيرًا في تحريك مشاعر وعواطف الناس سلبًا أو إيجابًا. وهذا يدلنا على أن أصل فطرة الناس مبنية على معرفة الله، وقد تُستغل في كثير من الأحيان بقصد أو بغير قصد كدافع لتحريكه. وهذا يوصلنا إلى خطورة الدين في وعي الإنسان لأن الأمر يتعلق بخالقه.
5) هل الرجوع إلى الدين يُعطـِّـل العقل والمنطق؟
إن دور العقل هو الحكم على الأمور والتصديق عليها، فعجز العقل عن التوصل للغاية من وجود الإنسان مثلاً، لا يلغي دوره، بل يعطي الفرصة للدين ليخبره بما عجز عن إدراكه، فيخبره الدين عن خالقه ومصدر وجوده والغاية من وجوده، فيقوم هو بالفهم والحُكم والتصديق على هذه المعلومات، فبذلــك يكون الاعتراف بوجود الخالق لم يعطـل العقل ولا المنطق.
6) لماذا لا يصح أن يستبدل البشر الدين بالعلم التجريبي؟
آمن الكثير في وقتنا الحاضر أن الضوء خارج الزمن، ولم يقبل أن الخالق لا يخضع لقانون الزمان والمكان. بمعنى أن الله تعالى قبل كل شيء، وبعد كل شيء، وأن الله تعالى لا يحيط به شيء من مخلوقاته.
آمن الكثير أن الجزيئات المتصلة عندما تنفصل عن بعضها تظل تتواصل مع بعضها في نفس الوقت، ولم يقبل فكرة أن الخالق بعلمه مع عبيده أينما ذهبوا. وآمن بأن لديه عقل دون أن يراه، ورفض الإيمان بالله دون أن يراه أيضًا.
رفض الكثير الإيمان بالجنة والنار، وقبل بوجود عوالِم أخرى لم يراها. وأخبره العِلم المادي بأن يؤمن ويصدق بأشياء غير موجودة أصلا كالسراب، ويؤمن بهذا ويُسلِّم به، وعند الموت لن تنفع البشر الفيزياء ولا الكيمياء، حيث أنها وعدتهم بالعدم.
لا يمكن للإنسان أن يدحض وجود الكاتب لمجرد معرفته بالكتاب، إنهم ليسوا بدائل. العِلم اكتشف قوانين الكون لكن لم يضعها، الخالق هو الذي وضعها.
من المؤمنين من لديه درجات عليا بالفيزياء والكيمياء، لكنه يدرِك أن هذه القوانين الكونية وراءها خالق عظيم، فالعِلم المادي الذي يؤمن به الماديون قد اكتشف القوانين التي خلقها الله، لكن العِلم لم يخلق هذه القوانين. فالعلماء لن يجدوا شيئًا يدرسونه بدون هذه القوانين التي أوجدها الله. في حين أن الإيمان ينفع المؤمن في الدنيا والآخرة.
إنه عند مجرد إصابة الإنسان بأنفلونزا حادة أو حمى شديدة قد لا يستطيع أن يصل لكوب الماء ليشرب، فكيف يستطيع الاستغناء عن علاقته بخالقه؟
إن العلم دائم التغير ووضع الإيمان الكامل في العلم في حد ذاته مشكلة. حيث أنه مع ظُهور اكتشافات جديدة تلغي نظريات سابقة. بعض ما نأخذه كعلم ما زال نظريًا. حتى لو افترضنا أن جميع ما اُكتشف من العلم مثبت ودقيق، يبقى لدينا مشكلة، وهي أن العلم في الوقت الحاضر يُعطي كل المجد للمكتشف ويتجاهل الصانع. على سبيل المثال، نفترض أن شخصا ما يدخل إلى غرفة ويكتشف لوحة جميلة شديدة الإتقان، ثم يخرج هذا الشخص ليخبر الناس عن هذا الاكتشاف. فيعجب الجميع بالرجل الذي اكتشف اللوحة وينسى أن يسأل السؤال الأكثر أهمية: “من رسمها؟” هذا ما يفعله البشر، حيث أنهم يعجبون جدًا بالاكتشافات العلمية لقوانين الطبيعة والفضاء وينسون فيها إبداع الذي أوجد هذه القوانين.
يستطيع الإنسان بالعِلم المادي أن يصنع صاروخًا، لكن لا يستطيع بهذا العِلم أن يحكم على جمال لوحة فنية مثلاً، ولا تقدير قيمة الأشياء، ولا يُعرفنا الخير والشر. بالعِلم المادي نعلم أن الرصاصة تقتل، ولا نعلم أنه من الخطأ أن نستخدمها لقتل الغير.
يقول ألبرت آينشتين عالم الفيزياء الشهير:” لا يمكن أن يكون العِلم مصدرًا للأخلاق، لا شك أن هناك أُسسًا أخلاقية للعِلم، لكننا لا نستطيع أن نتحدث عن أسس علمية للأخلاق، لقد فشلت وستفشل كل المحاولات لإخضاع الأخلاق لقوانين العِلم ومعادلاته”.
ويقول إيمانويل كانط الفيلسوف الألماني الشهير: “إن البرهان الأخلاقي لوجود الإله أقيم وفق ما تقتضيه العدالة، لأن الإنسان الخيِّر يجب أن يُكافأ، والإنسان الشرير يجب أن يعاقَب، وهذا لن يحدث إلا في ظل وجود مصدر أسمى يحاسِب كل إنسان على ما فعل، كما أن البرهان قائم على وفق ما تقتضيه إمكانية الجمع بين الفضيلة والسعادة، إذ لا يمكن الجمع بينهم إلا في ظل وجود ما هو فوق الطبيعة، وهو العالم بكل شيء والقادر على كل شيء، وهذا المصدر الأسمى والموجود ما فوق الطبيعة يُمثل الإله”.
7) هل الدين أفيون الشعوب؟
الواقع هو أن الدين التزام ومسؤولية، إنه يجعل الضمير متيقظًا، ويحث المؤمن على محاسبة نفسه في كل صغيرة وكبيرة، المؤمن مسؤول عن نفسه وأسرته وجاره وحتى عن عابر السبيل، وهو يأخذ بالأسباب ويتوكل على الله، ولا أظن أن هذه من صفات مدمني الأفيون.
أفيون الشعوب الحقيقي هو الإلحاد وليس الإيمان. لأن الإلحاد يدعو أتباعه للمادية، وتهميش علاقتهم مع خالقهم برفضهم للدين والتخلي عن المسؤوليات والواجبات، وحثهم على الاستمتاع باللحظة التي يعيشونها بغض النظر عن العواقب، فيفعلوا ما يحلو لهم حال الأمن من العقوبة الدنيوية، معتقدين بعدم وجود رقيب أو حسيب إلهي، ولا بعث أو حساب. أليس هذا وصف للمدمنين حقًا؟
8) كيف يمكن تمييز الدين الصحيح؟
يمكن تمييز الدين الصحيح عن غيره من خلال ثلاثة نقاط أساسية[3]:
صفات الخالق أو الإله في هذا الدين.
صفات الرسول أو النبي.
محتوى الرسالة.
الرسالة السماوية أو الدين، لا بد أن يحتوي على وصف وشرح لصفات الجمال والجلال للخالق، والتعريف بنفسه وذاته وعلى أدلة وجوده.
“قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ” [4].
“هُوَ اللَّـهُ الَّذِي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۖ هُوَ الرَّحْمَـٰنُ الرَّحِيمُ (٢٢) هُوَ اللَّـهُ الَّذِي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّـهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٢٣) هُوَ اللَّـهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ” [5].
وأما فيما يختص بمفهوم الرسول وصفاته، فإن الدين أو الرسالة السماوية:
1- تشرح كیفیة اتصال الخالق بالرسول.
“وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحى” [6].
2-تبین أن الأنبياء والرسل مسؤولون عن التبليغ عن الله.
“يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ… “[7] .
3- تبین أن الرسل لم يأتوا لدعوة الناس لعبادتهم، بل لعبادة الله وحده.
“مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ ولكن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ”[8].
4-تؤكد أن الأنبياء والمرسلين هم الذروة في الكمال الإنساني المحدود.
“وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عظيم”[9] .
5- تؤكد أن الرسل يمثلون القدوة البشرية للإنسان.
“لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كثيرًا “[10].
إنه من غير الممكن، قبول ديانة تخبرنا نصوصها أن أنبيائها زناة، أو قتلة أو سفاحون وخونة ولا ديانة تعج نصوصها بالخيانة في أسوء معانيها.
أما فيما يختص بمحتوى الرسالة ينبغي أن تتميز بالآتي:
1- التعريف بالإله الخالق.
إن الدين الصحيح لا يصف الإله بصفات لا تليق بجلاله أو تقلل من قدره، كأن يأتي بصورة حجر أو حيوان، أو أن يلد أو يولد، أو يكن له مثيل من أحد من مخلوقاته.
“…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ”[11].
“ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ”[12] .
2- توضيح الغایة والهدِف من الوجود.
“وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِیَعْبُدُونِ” [13].
“ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا”[14].
3- أن تكون المفاهيم الدینیة في حدود الإمكانيّات البَشرية.
“…يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ … “[15].
“لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ… “[16].
” يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفًا”[17].
4-تقديم البرهان العَقلي على صِحة ما يقوم بعرضه من مفاهيم ومسلمات.
فيجب أن تعطینا الرسالة البراهين العقلية الواضحة والكافية للحكم على صحة ما جاء بها.
فلم یكتف القرآن الكريم بسوق الأدلة والبراهين العقلية، بل تحدى المشركين والملحدين على أن یقدموا البراهين على صحة ما يقولون.
“وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ”[18].
“وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ”[19].
“ قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ”[20].
5- ألا یوجد تناقض بین المضامين الدینیة التي تطرحها الرسالة.
“ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كثيرًا “[21].
“هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ”[22].
6- ألا یتناقض النص الديني مع قانون الفطرة الأخلاقي للإنسان.
“ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّـهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ “[23].
“ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ” [24].
7- ألا تتناقض المفاهيم الدینیة مع مفاهيم العلم المادي.
“ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ”[25].
8- ألا یكون منعزلاً عن واقع حیاة الإنسان، ومواكبًا للتقدم الحضاري.
“ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ”[26].
9- صالح لكل زمان ومكان.
“…الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا…“[27].
10- عالمية الرسالة.
“قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ”[28].
9) ما الفرق بين دين الله وعادات الشعوب؟
هناك شيء يُدعى الفطرة السليمة، أو المنطق السليم، فكل ما هو منطقي وموافق للفطرة السليمة والعقل الصحيح فهو من الله، وكل ما هو مُعقًد فهو من البشر.
على سبيل المثال:
إذا أخبرنا رجل دين مسلم أو نصراني أو هندوسي أو من أي ديانة أخرى، أن للكون خالق واحد أحد، ليس له شريك ولا ولد، لا يأتي إلى الأرض بصورة إنسان أو حيوان ولا حجر ولا صنم، وأنه علينا أن نعبده وحده ونلجأ إليه وحده بالشدائد، فهذا فعلاً دين الله، أما إن أخبرنا عالِم دين مسلم أو نصراني أو هندوسي الخ، أن الله يتجسد بأي صورة معروفة لدى البشر، ويجب أن نعبد الله ونلجأ إليه عن طريق أي شخص أو نبي أو قسِّيس أَو قدِّيس فهذا من البشر.
دين الله واضح ومنطقي، ولا ألغاز فيه. فإن أراد أي رجل دين أن يقنع أي شخص بأن محمد عليه الصلاة والسلام إله وعليه أن يعبده، فعلى رجل الدين أن يبذل مجهودًا كبيرًا لكي يقنعه بهذا، ولن يقتنع أبدًا، لأنه قد يسأل: كيف يكون النبي محمد إلهًا وقد كان يأكل ويشرب مثلنا؟ وقد ينتهي برجل الدين المطاف ليقول له: أنت لم تقتنع لأنه لغز ومفهوم غامض، سوف تفهمه عند لقاء الله، كما يفعل الكثير من اليوم في تبريرهم لعبادة المسيح وبوذا وغيرهم. وهذا المثال يبرهن على أن دين الله الصحيح لا بد أن يكون خالي من الألغاز، والألغاز لا تأتي إلا من البشر.
دين الله أيضًا مجاني، فالجميع لديه الحرية في الصلاة والتعبد في بيوت الله، دون الحاجة لدفع اشتراكات للحصول على عضوية للتعبد فيها، أما إن فُرض عليهم أن يُسجلوا ويدفعوا النقود في أيٍّ من دور العبادة للتعبد فهذا من البشر. أما إن أخبرهم رجل الدين أن عليهم أن يُخرجوا صدقةً لمساعدة الناس مباشرة فهذا من دين الله.
الناس سواسية كأسنان المشط الواحد في دين الله، فإنه لا فرق بين عربيٍّ ولا أَعجميٍّ ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى. فلو اعتبر البعض أن مسجد معين أو كنيسة أو معبد للأبيض فقط والأسود له مكان منفصل، فهذا من البشر.
تكريم المرأة والرفع من شأنها مثلاً، هو أمر من الله، لكن قمع المرأة من البشر. فإذا كانت المرأة المسلمة مقمعة في بلدٍ ما مثلاً، فالهندوسية أيضًا مقمعة والبوذية والنصرانية في البلد نفسه. هذه ثقافة شعوب وليس لها علاقة بدين الله الصحيح في شيء.
دين الله الصحيح دائمًا في توافق وتناغم مع الفطرة، فمثلاً، أي مُدخن للسيجار أو شارب للخمر، يطلب من أولاده دائمًا الابتعاد عن شرب الخمر والتدخين لقناعته العميقة بخطرهما على الصحة والمجتمع. فعندما يُحرِّم الدين الخمر مثلاً، فهذا بالفعل أمرٌ من أوامر الله، لكن إذا جاء الدين ليحرِّم الحليب على سبيل المثال، فليس فيه منطق، فالجميع يعلم أن الحليب مفيدٌ للصحة. إن من رحمة الله ولطفه في خلقه أن سمح لنا بأكل الطيبات، ونهانا عن أكل الخبائث.
غطاء الرأس للمرأة، والاحتشام للرجال والنساء مثلاً أمرٌ من الله، لكن تفاصيل الألوان والتصاميم من البشر، فالمرأة الصينية الريفية الملحدة والريفية النصرانية السويسرية تلتزم بغطاء الرأس على أساس أن الاحتشام شيء فطري.
الإرهاب مثلاَ، منتشر بأشكال كثيرة في العالم بين طوائف جميع الديانات. فهناك طوائف نصرانية في أفريقيا وفي جميع أنحاء العالم تقتل وتمارس أبشع أنواع القمع والعنف باسم الدين وباسم الله، وهم يشكلون 4% من تعداد نصارى العالم. بينما من يمارس الإرهاب باسم الإسلام يشكلون 01, 0% من تعداد المسلمين، وليس هذا فحسب، بل الإرهاب منتشر أيضًا بين طوائف البوذية والهندوسية وغيرها من الديانات الأخرى.
فهكذا نستطيع أن نفرِّق بين الحق والباطل قبل أَن نقرأ أي كتاب ديني.
10) ما الذي يجعل الإسلام هو دين الحق؟
دين الإسلام تعاليمه مرنه وشاملة لكل نواحي الحياة، لأنه متعلق بالفطرة البشرية التي خلق الله الإنسان عليها، وقد جاء هذا الدين مطابقًا لسُنن هذه الفطرة. وهي:
الإيمان بإله واحد أحد، وهو الخالق الذي ليس له شريك ولا ولد، ولا يتجسد في صورة إنسان أو حيوان ولا صنم أو حجر، وليس ثالوثًا. وعبادة هذا الخالق وحده بدون وسيط. وهو الخالق للكون وما يحتويه، والذي ليس كمثله شيء، وعلى البشر عبادة الخالق وحده، وذلك بالتواصل معه مباشرةً عند التوبة من ذنب أو طلب المعونة، وليس من خلال قسيس ولا قديس ولا أي وسيط. وأن رب العالمين رحيم بخلقه أكثر من الأم بأولادها، فهو يغفر لهم كلما رجعوا وتابوا إليه. وأنه من حق الخالق أن يُعبَد وحده، ومن حق الإنسان أن يكون له صلة مباشرة بربِّه.
دين الإسلام عقيدته مبرهنة، واضحة وبسيطة، بعيدة كل البعد عن الاعتقاد الأعمى، فالإسلام لا يكتفي بمخاطبة القلب والوجدان والاعتماد عليهما أساسًا للاعتقاد، بل يتبع مبادئه بالحجة المقنعة الدامغة، والبرهان الواضح، والتعليل الصحيح الذي يملك زمام العقول ويأخذ الطريق الى القلوب، وكان ذلك عن طريق:
إرسال الرسل للإجابة على الأسئلة الفطرية التي تدور في خلد البشر عن غاية الوجود ومصدر الوجود والمصير بعد الموت، ويقيم الأدلة في مسألة الألوهية من الكون، ومن النفس، ومن التاريخ على وجود ووحدانية الله وكماله، وفي مسألة البعث يدلل على إمكانيه خلق الإنسان وخلق السماوات والأرض، وإحياء الأرض بعد موتها، ويدلل على حكمته بالعدالة في إثابة المحسن وعقوبة المسيء.
اسم الإسلام يعكس علاقة الإنسان مع رب العالمين، ولا يمثل اسم شخص بذاته أو مكان، على خلاف الديانات الأخرى. على سبيل المثال لا الحصر: اليهودية أخذت اسمها من يهوذا بن يعقوب عليه السلام، والمسيحية أخذت اسمها من المسيح، والهندوسية أخذت اسمها من اسم المنطقة التي نشأت فيها الخ.
11) ما هي أركان الإيمان التي لا يصح إيمان المسلم إلا بها؟
أركان الإيمان هي:
الإيمان بالله: التصديق بوجود الإله الخالق – الله تعالى – ووحدانيته وبأسمائه وصفاته وبوجوب محبته وطاعته، وعبادته وحده.
الإيمان بالملائكة: التصديق بوجودها وأنها مخلوقات من نور تطيع الله سبحانه ولا تعصيه.
الإيمان بالكتب السماوية: يشمل كل كتاب أنزله الله -عز وجل- على كل رسول، ومن ذلك الإنجيل الذي أنزل على موسى، والتوراة على عيسى، والزبور على داود، وصحف إبراهيم وموسى[29]، والقرآن الذي أنزل على محمد- صلى الله عليهم أجمعين.
الإيمان بالأنبياء والرسل.
الإيمان باليوم الآخر: التصديق بيوم القيامة الذي يبعث الله الناس فيه للحساب والجزاء.
الإيمان بالقضاء والقدر: التصديق بتقدير الله للكائنات حسبما سبق به علمه، واقتضته حكمته.
وتأتي درجة الإحسان بعد الإيمان وهي أعلى منزلة في الدين، وقد تجلى معنى الإحسان في كلمات الرسول عليه الصلاة والسلام: “الإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك”[30].
فالإحسان هو إتقان أعمال وأفعال لابتغاء وجه الله تعالى بدون مقابل مادي أو أجر أو منفعة أو حتى انتظار ثناء أو شكر من بشر، وبذل كل الجهد من أجل تحقيق ذلك. وهو فعل يراد به التقرب إلى الله ومحاولة الإخلاص والتجرد له تعالى وحده. فلنا أن نتصور القيام بأفعال وأعمال تطوعية وبدون مقابل من قبل فئة معينة وردود الأفعال عليها من قبل باقي أفراد المجتمع، كيف يمكن أن يزيد ويبث روح المحبة والـتآلف والتعاون بين كافة أطياف المجتمع، وكيف يمكن أن يدفع بعجلة النمو والتطور والرقي في البلد بصورة ملفة للنظر. فلوجود مثل هذه الفئة وإن قلت تأثيرًا إيجابيًا في تذليل وإزالة المعوقات والصعوبات لأي سبب من الأسباب الاقتصادية أو الاجتماعية التي قد تقف عائقًا أمام التطور. وتمثل هذه الفئة بلا شك المعول الأساسي في تكسير هذه العقبات وتكون بمثابة الشمعة التي تحترق لتنير الطريق للآخرين.
12) هل الإيمان بالرسل السابقين أساسي في عقيدة المسلم؟
الايمان بكافة الرسل الذين بعثهم الله للبشر دون تمييز ركن من أركان عقيدة المسلم ولا يصح إيمانه إلا به. وأن إنكار أي رسول أو نبي يتعارض مع أساسيات الدين. وأنَّ جميع أنبياء الله بَشَّروا بقدوم خاتم الرسل محمد عيه الصلاة والسلام. كما أن العديد من الأنبياء والرسل الذين أرسلهم الله للأمم المختلفة ذُكرت أسمائهم في القرآن الكريم (مثل نوح، إبراهيم، إسماعيل، إسحاق، يعقوب، يوسف، موسى، داود، سليمان، عيسى إلخ…)، هناك آخرون لم يُذكروا. فإن احتمالية كون بعض الرموز الدينية في الهندوسية والبوذية (مثل راما، كريشنا، وغواتاما بوذا) أن يكونوا أنبياء أرسلهم الله هي فكرة غير مستبعده ولكن لا يوجد دليل من القرآن الكريم عليها، فلا يصدق المسلم بها لهذا السبب. وقد ظهرت الفروقات بين المعتقدات عندما قدَّست الشعوب أنبياءها وعبدتها من دون الله.
“وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ۗ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ” [31].
” آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ “[32].
“قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ”[33].
13) ما الفرق بين الملَك والجن والشيطان؟
أما الملائكة: فهم خلق من خلق الله أيضًا ولكن خلق عظيم، خُلقوا من نور، مجبولون على الخير، مطيعون لأوامر الله سبحانه مسبحون عابدون لا يسأمون ولا يفترون.
“يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ”[34] .
“…لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ “[35].
والإيمان بهم مشترك بين المسلمين واليهود والنصارى، ومنهم جبريل الذي خصه الله بالوساطة بينه وبين رسله، فكان ينزل بالوحي إليهم، وميكائيل، ومهمته هي المطر والنبات، واسرافيل، ومهمته هي النفخ في الصور يوم القيامة، وغيرهم.
أما الجن: فهو عالم من عالم الغيب، يعيشون معنا في هذه الأرض، وهم مكلفون بطاعة الله، ونُهوا عن معصيته، مثل الإنس، لكننا لا نراهم، وقد خُلقوا من نار، وخُلق الإنسان من طين. وذكر الله قصصًا تُبين مدى قوة الجن وقدرتهم، من ذلك قدرتهم على التأثير بالوسوسة أو الإيحاء دون تدخل مادي، لكنهم لا يعلمون الغيب ولا يقدرون على إيذاء المؤمن القوي الإيمان.
“… وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ …”[36] .
والشيطان: هو كل عاتٍ متمرد سواء من الإنس أو الجن.
14) ما الدليل على البعث بعد الموت؟
إن شواهد الوجود والظواهر تشير جميعها إلى أن هناك دومًا إعادة للبناء والخلق في الحياة. والأمثلة كثيرة، كإحياء الأرض بعد موتها بالمطر وغيرها.
قال الله تعالى:
” يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ”[37].
وأيضًا الدليل الآخر على البعث هو النظام المحكم للكون الذي ليس فيه خلل، حتى الالكترون متناهي الصغر لا يستطيع أن يتنقل من فلك الى فلك آخر في الذرة إلا إذا أعطى أو أخذ مقدارًا من الطاقة يساوي حركته، فكيف تتصور في هذا النظام أن يهرب القاتل أو يفر الظالم بدون حساب أو عقاب من رب العالمين.
قال الله تعالى:
“أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعَالَى اللَّـهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ” [38].
“ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (٢١) وَخَلَقَ اللَّـهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ “[39].
ألا نلاحظ أننا في هذه الحياة نفقد كثيرًا من أقاربنا ومن أصدقائنا ونعلم أننا سوف نموت مثلهم يومًا ما، لكننا نشعر في قرارة أنفسنا أننا سوف نعيش الى الأبد. لو كان جسم الإنسان مادي ضمن إطار حياة مادية ضمن القوانين المادية بلا روح تُبعث وتُحاسب، لما كان هناك معنى لهذا الشعور الفطري بالحرية، الروح تعلو على الزمن وتتخطى الموت.
يحيي الله الموتى كما خلقهم أول مرة.
قال تعالى:
” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ”[40].
” أَوَلَمْ يَرَ الإنسان أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ “[41].
“فَانظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ اللَّـهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”[42].
16) كيف يحاسب الله عباده في نفس الوقت؟
يحاسب الله عباده في نفس الوقت كما يرزقهم في نفس الوقت.
قال تعالى:
“مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ” [43].
17) لماذا لا يؤمن المسلم بعقيدة تناسخ الأرواح؟
إن كل ما في الكون يقع تحت سيطرة الخالق، فهو وحده يمتلك المعرفة الشاملة والعلم المطلق والقدرة والقوة لإخضاع كل شيء لإرادته. فالشمس والكواكب والمجرات تعمل بدقة متناهية منذ بدء الخليقة، وهذه الدقة والقدرة تنطبق نفسها على خلق البشر. إن الانسجام المَوجود بين أجساد البشر وأرواحهم يُبيِّن أنه من غير الممكن جعل هذه الأرواح تسكن في أجساد الحيوانات ولا يمكن لها التجول بين النباتات والحشرات (تناسخ الأرواح) ولا حتى في أشخاص. ولقد مَيًّز الله الإنسان بالعقل والمعرفة وجعله خليفةً في الأرض، وفضَّله وكرَّمه ورفع من شأنه على كثير من الخلائق. ومن حكمة وعدل الخالق وجود يوم القيامة الذي سيبعث الله فيه الخلائق ويحاسبهم وحده، ويكون مآلهم إلى الجنة أو النار، وكل الأعمال الصالحة والسيئة سوف تُوزن في هذا اليوم.
قال الله تعالى:
” فمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ “[44].
18) لماذا يحاسب الله البشر على أعمال مكتوبة في علم الله الأزلي والمتمثلة في القضاء والقدر؟
عندما يريد شخص مثلاً أن يشتري شيئًا من المتجر، ويُقرر أن يُرسل الابن الأول لشراء هذا الشيء، لأنه على عِلم مسبق أن هذا الولد حكيم، وسوف يذهب مباشرة لشراء ما يريده الأب تمامًا، مع علم الأب أن الولد الآخر سوف ينشغل باللعب مع أقرانه، ويُضيع المال، وهذا في الواقع افتراض قد بني الأب حُكمه عليه.
الاطلاع على الأقدار لا يتناقض مع إرادة اختيارنا، لأن الله يعلم أفعالنا بناءً على علمه التام بنوايانا واختياراتنا. وله المثل الأعلى- يعلم طبيعة البشر، فهو الذي خلقنا ويعلم ما في قلوبنا من الرغبة بالخير أو الشر ويعلم نوايانا ومطلع على أفعالنا، وتسجيل هذا العِلم عنده لا يناقض إرادة اختيارنا. علمًا بأن الله علمه مطلق، وتوقعات البشر تصيب وتخطأ.
من الممكن أن يتصرف الإنسان بطريقه لا ترضي الله، لكن تصرفه لن يأتِ ضد إرادته تعالى، فقد أعطي الله خلقه إرادة الاختيار، لكن تصرفاتهم تلك وإن كانت فيها معصية له، فهي لا تزال ضمن إرادة الله ولا يمكن أن تعاكسها لأنه تعالى لم يُعطِ أحدًا مجالاً لتجاوز مشيئته.
إننا لا نستطيع أن نُجبر قلوبنا ونُكرهها
على قبول شيء لا نريده. فإنه من الممكن أن نُجبر شخص على البقاء معنا تحت التهديد
والترهيب، لكن لا نستطيع إجبار هذا الشخص على أن يحبنا، لقد حفظ الله قلوبنا من أي
شكل من أشكال الاكراه، لهذا السبب هو يحاسبنا ويكافئنا بناء على نوايانا وما تحمله
قلوبنا.
1) ما هو الهدف الأساسي من الحياة الدنيا؟
إن الهدف الأساسي للحياة هو ليس التمتع بإحساس عابر بالسعادة؛ بل هو تحقيق سلام داخلي عميق من خلال معرفة الله وعبادته.
تحقيق هذا الهدف الإلهي سيؤدي إلى النعيم الأبدي والسعادة الحقيقية. لذا، إذا كان هذا هو هدفنا الأساسي، فإن مواجهة أي مشاكل أو متاعب سوف تهون في سبيل بلوغ هذه الغاية.
لنتخيل شخصًا لم يواجه أبدًا أي معاناة أو ألم، هذا الشخص، بحكم حياته المترفة، نسي الله، وبالتالي فشل في القيام بما خُلق لأجله. قارن هذا الشخص بشخص قادته تجاربه من المشقة والألم إلى الله، وحقق هدفه في الحياة. من منظور التعاليم الإسلامية، الشخص الذي قادته معاناته إلى الله أفضل من الذي لم يتألم أبدًا، وأدت به ملذاته إلى الابتعاد عنه.
كل انسان يسعى في هذه الحياة لتحقيق هدف أو غاية، وغالبًا ما تكون الغاية مبنية على المعتقد الذي لديه. والشيء الذي نجده في الدين ولا نجده في العلم هو السبب أو المبرر الذي يسعى لأجله الإنسان.
فالدين يوضح ويبين السبب الذي خُلق من أجله الإنسان ووجدت الحياة. في حين أن العلم هو وسيلة وليس عنده تعريف للنية أو المقصد.
إن أكثر ما يخشاه الإنسان عند الإقبال على الدين هو الحرمان من متع الحياة. فالاعتقاد السائد عند الناس أن الدين يعني بالضرورة الانعزال، وأن كل شيء حرام الا ما أحله الدين.
وهذا الخطأ الذي وقع به الكثيرون وجعلهم ينفرون من الدين. وجاء الدين الإسلامي ليصحح المفهوم، وهو أن الأصل هو الحلال للإنسان وأن المحرمات والحدود هي معدودة ولا يختلف عليها أحد.
وأن الدين يدعو الفرد للاندماج مع كافة أفراد المجتمع كما يدعو للموازنة بين متطلبات الروح والجسد وحقوق الآخرين.
إن من أكبر التحديات التي تواجه المجتمعات البعيدة عن الدين هي كيفية التعامل مع الشر والتصرفات السيئة للإنسان. فلا تجد غير فرض أشد العقوبات لردع أصحاب النفوس المنحرفة.
“الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا…” [1].
إن الامتحان جُعل لتمييز الطلاب على مراتب ودرجات عند اقبالهم على الحياة العملية الجديدة. ورغم قصر الامتحان إلا أنه يقرر مصير الطالب نحو الحياة الجديدة المقبل عليها. وكذلك الحياة الدنيا رغم قصرها هي بمثابة دار ابتلاء وامتحان للبشر، ليتمايزوا على درجات ومراتب عند اقبالهم على الحياة الآخرة. إن الإنسان يخرج من الدنيا بأعماله ولا يخرج منها بالماديات. فالإنسان يجب أن يفهم ويعي أنه يجب أن يعمل في الدنيا من أجل الحياة الآخرة وابتغاء الأجر في الآخرة.
تتحقق السعادة للإنسان بالتسليم لله وطاعته والرضا بقضائه وقدره.
يزعم الكثير أن كل شيء لا معنى له جوهريًا، وبالتالي لدينا الحرية في إيجاد معنى لأنفسنا من أجل الحصول على حياة مُرضِية. إن إنكار الهدف من وجودنا هو في الواقع خداع للذات. وكأننا نقول لأنفسنا “دعونا نفترض أو نتظاهر بأن لدينا هدفًا في هذه الحياة”. وكأن حالنا كحال الأطفال الذين يتظاهرون باللعب بأنهم أطباء وممرضين أو أمهات وآباء. إننا لن نحقق السعادة إلا إذا عرفنا هدفنا في الحياة.
لو وُضع إنسان ضد إرادته في قطار فخم، ووجد نفسه في الدرجة الأولى، تجربة فاخرة ومريحة، قمة في الرفاهية. هل سيكون سعيد في هذه الرحلة دون الحصول على أجوبة لأسئلة تدور في ذهنه مثل: كيف ركبت القطار؟ ما هو الغرض من الرحلة؟ الى أين تتجه؟ إذا بقيت هذه الأسئلة دون إجابة، كيف يمكنه أن يكون سعيدًا؟ حتى إذا بدأ في الاستمتاع بكل الكماليات التي تحت تصرفه، فلن يحقق أبدًا سعادة حقيقية وذات مغزى. هل الوجبة الشهية في هذه الرحلة كافية لأن تُنسيه هذه الأسئلة؟ إن هذا النوع من السعادة سيكون مؤقتًا ومزيفًا، لا يتحقق إلا بتجاهل متعمد لإيجاد أجوبة لهذه الأسئلة المهمة، إنها كحالة من حالات النشوى الزائفة الناتجة عنالسُكرالتي تودي بصاحبها إلى الهلاك. وبالتالي فإن السعادة الحقيقية للإنسان لن تتحقق إلا إذا وجد الأجوبة على هذه الأسئلة الوجودية.
4) هل اعتناق الإسلام متاح للجميع؟
نعم الإسلام متاح للجميع. كل طفل يولد على فطرته الصحيحة عابدًا لله بدون وسيط (مسلمًا)، فهو دون تدخل الأهل أو المدرسة أو أي جهة دينية يعبد الله مباشرة، حتى سن البلوغ، فيصبح مكلفًا ومحاسبًا على أعماله، فحينها إما أن يأخذ المسيح وسيطًا بينه وبين الله ويصبح نصرانيًا، أو يتخذ بوذا وسيطًا ويصبح بوذيًا، أو كريشنا ويصبح هندوسيًا، أو يتخذ محمدًا وسيطًا ليحيد عن الإسلام تمامًا، أو أن يبقى على دين الفطرة عابدًا لله وحده. إن المتبع لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم التي جاء بها من ربه هي الدين الحق الموافق للفطرة السوية، وما سواها انحراف ولو كان اتخاذ محمدًا وسيطًا بين الإنسان وبين الله.
“كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه”[2].
5) ما موقف الإسلام من حوار الأديان؟
الدين الحق الذي جاء من الخالق هو دين واحد وليس أكثر، وهو الايمان بالخالق الواحد الأحد وعبادته وحده، وما عدا ذلك فهو من صنع البشر. إنه يكفي لأن نقوم بزيارة لدولة الهند على سبيل المثال، ونقول بين الجماهير: الخالق الإله واحد، لأجاب الجميع وبصوت واحد: نعم، نعم الخالق واحد. وهذا فعلاً ما هو مكتوب في كتبهم[3].
لكنهم يختلفون ويتعاركون وقد يذبح بعضهم البعض على نقطة أساسية وهي: الصورة والهيئة التي يأتي بها الله إلى الأرض. فالهندي النصراني يقول مثلاً: الله واحد، لكنه يتجسد في ثلاثة أقانيم (الآب، الابن والروح القدس)، والهندي الهندوسي منهم من يقول: يأتي الله بصورة حيوان أو إنسان أو صنم.
لو فكر البشر بتعمق لوجدوا أن جميع المشاكل والفروقات بين طوائف الديانات والديانات نفسها هي بسبب الوسطاء التي يتخذها البشر بينهم وبين خالقهم، فمثلاً طوائف الكاثوليكية وطوائف البروتستانت وغيرها، وطوائف الهندوسية، تختلف على كيفية التواصل مع الخالق، وليس على مفهوم وجود الخالق نفسه، فلو عبدوا الله جميعهم مباشرة لتوحدوا.
فعلى سبيل المثال في زمن النبي إبراهيم عليه السلام، من كان يعبد الخالق وحده كان على دين الإسلام وهو الدين الحق، لكن من اتخذ قسيسًا أو قديسًا بينه وبين الخالق كان على الباطل. فأتباع ابراهيم عليه السلام كان دائمًا عليهم عبادة الله وحده، وشهادة أن لا إله إلا الله، وأن إبراهيم رسول الله. وبعث الله موسى عليه السلام لتصديق رسالة إبراهيم، أتباع إبراهيم عليه السلام كان عليهم قبول النبي الجديد، وشهادة أن لا إله إلا الله وأن موسى وإبراهيم رسل الله. فمن كان يعبد العجل في ذلك الوقت مثلاً كان على الباطل.
وعندما جاء المسيح عيسى عليه السلام لتصديق رسالة موسى عليه السلام، كان على أتباع موسى تصديق المسيح واتِّباعه، وشهادة أن لا إله الا الله، وأن المسيح، وموسى وإبراهيم رسل الله. فمن اعتقد بالثالوث وعبد المسيح وأمه مريم الصديقة كان على الباطل.
وعندما جاء محمد عليه الصلاة والسلام لتصديق رسالة من قبله من الأنبياء، كان على أتباع المسيح وموسى قبول النبي الجديد، وشهادة أن لا إله الا الله، وأن محمد، والمسيح، وموسى وإبراهيم رسل الله. فمن يعبد محمد أو يتوسل إليه أو يطلب المعونة منه فهو على الباطل.
فالإسلام يُصدق أصول الديانات السماوية التي سبقته وامتدت إلى زمانه، والتي جاءت بها الرسل مناسبة لزمانهم. ومع تغير الحاجة يأتي طور من الديانة جديد يتفق في أصله ويختلف في الشريعة تدرجًا مع الحاجات، مع تصديق اللاحق للسابق في أصل التوحيد، وباتخاذ سبيل الحوار يكون المؤمن قد استوعب حقيقة وحدة المصدر لرسالة الخالق.
فحوار الأديان يجب أن ينطلق من هذا المفهوم الأساسي للتأكيد على مفهوم الدين الواحد الصحيح وعلى بطلان ما عدا ذلك.
فالحوار له أصول ومنطلقات وجودية وإيمانية، تُحتِّم على الإنسان احترامها والانطلاق منها للتواصل مع الآخر؛ لأن الغاية من هذا الحوار هو التخلص من التعصب والهوى الذي هو عبارة عن إسقاطات للانتماءات العصبية العمياء؛ التي تحول بين الإنسان وحقيقة التوحيد النقي، وتؤدي إلى التصادم والدمار، كما هو واقعنا الآن.
6) هل يدعو الإسلام إلى التسامح؟
الدين الإسلامي مبني على الدعوة والتسامح والمجادلة بالحسنى.
قال الله تعالى:
“ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ”[4].
فكون القرآن الكريم هو آخر الكتب السماوية والرسول محمد خاتم النبيين، فشريعة الإسلام الأخيرة تفتح المجال أمام الجميع في الحوار ومناقشة أسس ومبادئ الدين. فمبدأ لا إكراه في الدين مكفول في ظل الدين الإسلامي ولا يُجبر أحد على عقيدة الفطرة الاسلامية السليمة في حدود احترام حرمات الآخرين وأداء ما عليه من التزامات تجاه الدولة مقابل بقائهم على دينهم وتوفير الأمن والحماية لهم.
كما ورد على سبيل المثال في العهدة العمرية، والتي هي كتاب كتبه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأهل إيلياء (القدس)عندما فتحها المسلمون عام 638 للميلاد، أمنهم فيه على كنائسهم وممتلكاتهم. وقد اعتبرت العهدة العمرية واحدة من أهم الوثائق في تاريخ القدس.
“بسم الله، من عمر بن الخطاب لأهل مدينة إيلياء، إنهم آمنون على دمائهم وأولادهم وأموالهم وكنائسهم، لا تهدم ولا تسكن”[5].
وبينما كان الخليفة عمر
رضى الله عنه يملي هذا العهد حان وقت الصلاة، فدعاه البطريرك صفرونيوس للصلاة حيث
هو في كنيسة القيامة، ولكن الخليفة رفض وقال
له: أخشى إن صليت فيها أن يغلبكم المسلمون عليها ويقولون هنا صلى أمير المؤمنين.[6]
كما أن الإسلام يحترم ويفي بالعهود
والمواثيق مع غير المسلمين لكنه شديد مع الخائنين والناقضين للعهود والمواثيق
وينهى المسلمين عن موالاة هؤلاء المخادعين.
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ “[7].
فالقرآن الكريم واضح وصريح في أكثر من موضع في عدم موالاة الذين يقاتلون المسلمين ويخرجوهم من ديارهم.
“لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ “[8] .
ويُثني القرآن الكريم على الموحدين من أمة المسيح وموسى عليهم السلام في عصرهم.
“لَيْسُوا سَوَاءً ۗ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّـهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَـٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ “[9].
“وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّـهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۗ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ۗ إِنَّ اللَّـهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ” [10].
“إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ” [11].
7) أليس منع غير المسلم من دخول مكة يُعتبر ضد التسامح؟
مكة المكرمة عبارة عن مكان خُصص لعبادة الله وحده بدون وسيط، وهو للعبادة فقط وليس للسياحة، وليس من المنطقي أن يأتي البوذي إلى هذا المكان ويلجأ إلى بوذا بالطلب، ويأتي النصراني ليلجأ إلى المسيح بالطلب، أو حتى المسلم يأتي ليلجأ إلى النبي محمد بالطلب، من أراد أن يعبد غير الله، فلا يأتِ إلى بيت الله.
وهل يستطيع أي شخص شراء الخضار من البنك في بلده؟ بالطبع لا. لأن البنك فقط للمعاملات المالية في حين أن شراء الخضار يكون من المتجر. إذًا فحارس البنك لا يكون غير متسامح عندما يقول لهذا الشخص: هذا المكان للمعاملات المالية فقط، اذهب إلى المتجر لشراء الخضار.
إنه حتى المسلم الذي يتخذ من محمد عليه الصلاة والسلام وسيطًا بينه وبين الله غير مُرحب به في مكة، ويُطلب منه التوقف عن التوسل بالرسول الكريم أو مغادرة المكان. كما ورد في القرآن الكريم في صفة الرسول عليه الصلاة والسلام:
“قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ”[12].
8) ما الغاية من الاختلاف بين البشر؟
تجتمع الإنسانية في أصل واحد، وتمضي نحو غاية واحدة، والتنوع والاختلاف ضرورة كونية تُلزم الإنسان ضرورة استمرار منطق الحوار.
قال الله تعالى:
” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ “[13].
والغاية من هذا الاختلاف هو: التعارف والتكامل بين جميع الأجناس والأعراق، وطريق الحوار هو الطريق الذي سلكه رسل الله من آدم إلى محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين.
قال الله تعالى:
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ… ” [14].
والجميع من أصل واحد، وجاءوا إلى الأرض لهدف واحد وهو معرفة الخالق وتوحيده بعبادته وحده.
ولتقرير رسالة التوحيد، بعث الله جميع الرسل إلى كل الأمم مرشدين أقوامهم إلى حقائق الكون؛ ولعبادة الخالق وحده كما عبد الرسول ربه، وليس بعبادة الرسول أو أي شيء آخر، لينطلقوا منها، ويحققوا غاية خلقهم، وإن لكل أمة رسول، وكل الرسالات السماوية عبر الزمان والمكان جاءت لخدمة هذه الغاية.
قال الله تعالى:
” وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ (الشرك وعبادة الأوثان) …” [15].
وكل رسالة سماوية تؤكد ما جاءت به سابقتها، حيث تدرَّج الرسل عليهم الصلاة والسلام في إبلاغ مراد الله، وتوحدوا في أصل التوحيد، ثم تنوعوا في الشرائع حسب حاجة الإنسان.
وينطلق حوار رسل الله على أساس جوهري وهو الإيمان بكل الرسالات السماوية، والاعتراف بها؛ فلا يمكن إنكار حقيقة التنوع، كما لا يمكن إنكار حقيقة تواتر الرسل.
وباعتراف القرآن الكريم بالحقائق الكونية، وبعرضه ملخص الرسالات السماوية التي تجتمع في أصل التوحيد، وبدعوة أتباعه إلى الاعتراف بهذا الأصل، كان هذا الكتاب الخاتم (القرآن الكريم) تتويجًا لهذا التواصل البشري. والإنسان المؤمن يُسلِّم بأن الله هو مصدر كل شيء، وهذا هو الدافع الأكبر لرحلته في الحياة وفق منهج الله وشريعته.
9) ما موقف الإسلام من مفهوم التنوير؟
يقوم المفهوم الإسلامي للتنوير على قاعدة راسخة من الإيمان والعلم، والتي تجمع بين تنوير العقل وبين تنوير القلب، بالإيمان بالله أولاً، وبالعلم الذي لا ينفصل عن الإيمان.
وقد تم نقل مفهوم التنوير الأوروبي للمجتمعات الإسلامية كغيرها من المفاهيم الغربية الأخرى، والتنوير بالمفهوم الإسلامي لا يعتمد على العقل المجرد غير المهتدي بنور الإيمان، وبالقدر نفسه لا ينفع المرء إيمانه إن لم يستخدم ما وهبه الله من نعمة العقل، في التفكير والتدبر والتأمل وتصريف الأمور على الوجه الذي يحقق المصلحة العامة التي تنفع الناس وتمكث في الأرض.
لقد قام المسلمون في القرون الوسطى المظلمة بإعادة نور الحضارة والمدنية الذي كان قد انطفأ في جميع بلاد الغرب والشرق حتى القسطنطينية.
إن حركة التنوير في أوروبا كانت رد فعل طبيعي على الجبروت التي مارسته السلطات الكنسية ضد العقل والإرادة الإنسانية، وهو وضع لم تعرفه الحضارة الإسلامية.
قال الله تعالى:
“اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ “[16].
وبالتأمل في هذه الآيات القرآنية نجد أن الإرادة الإلهية هي التي تتولى إخراج الإنسان من الظلمات، وتلك هي الهداية الربانية للإنسان التي لا تتم إلا بإذن الله، لأن الإنسان الذي يخرجه الله سبحانه من ظلمات الجهل والشرك والخرافة إلى نور الإيمان والعلم والمعرفة الحق، هو إنسان منور العقل والبصيرة والوجدان.
وكما أن الله تعالى قد أشار إلى القرآن الكريم بالنور.
“…قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ”[17].
أنزل الله تعالى القرآن على رسوله محمد وأنزل التوراة والإنجيل (الغير محرفة) على رسله موسى والمسيح، ليخرجوا الناس من الظلمات الى النور، وبذلك جعل الله الهداية مرتبطة بالنور.
قال الله تعالى:
“إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ…” [18].
“…وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ” [19].
ولا هداية بلا نور من الله، ولا نور يضئ قلب الإنسان وينير حياته إلا بإذن من الله.
قال الله تعالى:
“اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ…” [20].
وهنا نلاحظ أن النور يأتي في القرآن مفردًا في كل الحالات، بينما تأتى الظلمات جمعًا، وفي هذا منتهي الدقة في وصف هذه الأحوال [21] .
موقف الإسلام من نظريات أصل الوجود:
10) ما موقف الاسلام من نظرية الانتخاب الطبيعي؟
إن بعض أتباع داروين الذين يعتبرون الانتخاب الطبيعي (عملية فيزيائية غير عقلانية) قوة إبداعية فريدة تحل جميع المشاكل التطورية الصعبة دون أي أساس تجريبي حقيقي، كانوا قد اكتشفوا فيما بعد، تعقيد التصميم في بُنية ووظيفة الخلايا البكتيرية، فبدأوا باستخدام عبارات مثل البكتيريا “الذكية”، “الذكاء الميكروبي”، “صُنع القرار” و” البكتيريا لحل المشاكل”. وبالتالي تحولت البكتيريا إلى إلهَهم الجديد[22].
إن الخالق سبحانه وتعالى وضح في كتابه وعلى لسان رسوله أن هذه الأفعال المنسوبة إلى الذكاء البكتيري هي بفعل وحكمة وإرادة رب العالمين ووفق مشيئته.
قال الله تعالى:
“ اللَّـهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ” [23].
“ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ”[24].
وقال أيضًا:
“ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ” [25].
نجد أن التصميم، الضبط الدقيق، اللغة المشفرة، الذكاء، النية، الأنظمة المعقدة والقوانين المترابطة وما إلى ذلك، هي مصطلحات أرجع الملحدون مصدرها للعشوائية والمصادفة. على الرغم من أنهم لم يعترفوا بذلك أبدًا، يشير العلماء إلى الخالق بأسماء أخرى (الطبيعة الأم، قوانين الكون، الانتخاب الطبيعي “نظرية داروين”، إلخ…)، في محاولات بائسة للهروب من منطق الدين والاعتقاد بوجود خالق.
قال الله تعالى:
“إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَىٰ”[26].
إن استخدام أي اسم غير “الله” يسلب بعض صفاته المطلقة ويُثير المزيد من الأسئلة. على سبيل المثال:
إنه لتجنب ذكر الله، يُعزى خلق قوانين عالمية وأنظمة معقدة مترابطة إلى الطبيعة العشوائية، ويُرجع بصر الإنسان وذكائه لأصل أعمى وأحمق.
11) لماذا لا يتقبل المسلم فكرة أن القردة هم أصل الإنسان؟
يرفض الإسلام هذه الفكرة تمامًا، وأوضح القرآن أن الله مَيَّز آدم عن سائر المخلوقات بخلقه مستقلاً تكريمًا للإنسان، ولتحقيق حكمة رب العالمين في جعله خليفة في الأرض.
أتباع داروين يعتبرون المؤمن بوجود خالق للكون إنسانًا متخلفًا لأنه قد آمن بشيء لم يره، مع أن المؤمن يؤمن بما يرفع من شأنه ويُعلي مقامه، وهم يؤمنون بما يُحقِّرهم ويُدني من شأنهم. وعلى أية حال لماذا لم تتطور بقية القرود الآن لتصبح من بقية البشر؟
النظرية هي مجموعة من الفرضيات، وتأتي هذه الفرضيات عن طريق مشاهدة أو التأمل في ظاهرة معينة، وتتطلب هذه الفرضيات لإثباتها القيام بتجارب ناجحة، أو المشاهدة المباشرة التي تبرهن على صحة الفرضية، فإذا كانت إحدى الفرضيات التي تنتمي إلى النظرية لا يمكن إثباتها لا عن طريق التجربة ولا عن طريق المشاهدة المباشرة، فيعاد النظر في النظرية بالكامل.
فلو أخذنا مثال على التطور حدث منذ أكثر من 60000 عام فالنظرية لن يكون لها معنى، فإذا لم نشاهده أو نلاحظه فلا مجال لقبول هذه الحجة. ولو لوحظ في عهد قريب أن مناقير الطيور قد تغير شكلها في بعض الأنواع، لكنها بقيت طيورًا، وبناءً على هذه النظرية يجب أن تتطور الطيور إلى نوع آخر.
الحقيقة أن فكرة أن الإنسان أصله قرد أو تطور عن قرد، لم تكن من أفكار دارون أبدًا، لكنه يقول: بأن الإنسان والقرد يعودان إلى أصل واحد مشترك ومجهول سمَّاه (الحلقة المفقودة)، التي حدث لها تطور خاص، وتحولت إلى إنسان، ومع المسلمون يرفضون كلام داروين تمامًا، لكنه في كل الأحوال لم يقل كما يظن البعض: إن القرد هو جَدُّ الإنسان. وداروين نفسه واضع هذه النظرية، ثبت أنه كان لديه شكوك عديدة، وقد كتب رسائل عديدة إلى زملائه يُعبر عن شكوكه وعن أسفه[27].
وقد ثبت أن دارون آمن بوجود إله[28]، لكن فكرة أن يكون الإنسان من أصل حيوان جاءت من أتباع دارون في المستقبل عندما أضافوها لنظريته، وهم أصلاً من الملحدين، وبالطبع فإن المسلمين يعلمون علم اليقين أن الله كرَّم آدم، وجعله خليفة في الأرض ولا يليق بمقام هذا الخليفة أن يكون من أصل حيوان أو ما شابه.
12) ما موقف الإسلام من نظرية التطور؟
يُقدم العلم الأدلة المقنعة على مفهوم التطور عن أصل مشترك، وهو ما ذكره القرآن الكريم.
قال الله تعالى:
“وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ”[29].
الله سبحانه وتعالى خلق الكائنات الحية ذكية ومفطورة على أن تتلاءم مع البيئة المحيطة بها، ويمكن أن تتطور في الحجم أو الشكل أو الطول، فمثلاً الخراف في البلاد الباردة لها شكل معيَّن وجلود تحميها من البرد، ويزداد الصوف أو ينقص حسب حرارة الجو، وبلاد أخرى خلاف ذلك، فالأشكال والأنواع تختلف باختلاف البيئة، وحتى البشر يختلفون بألوانهم وصفاتهم وألسنتهم وأشكالهم، حيث أنه لا يوجد إنسان يشبه الآخر، غير أنهم يبقوا بشرًا لا يتغيرون إلى نوع آخر من الحيوانات. وقد قال سبحانه وتعالى:
” وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ”[30].
“وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ ۖ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ ۚ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”[31].
فنظرية التطور التي يراد بها إنكار وجود خالق، تنص على الأصل المشترك في نشأة جميع الكائنات الحية الحيوانية والنباتية، وأنها تطورت عن أصل واحد وهو كائن وحيد الخلية، وأن تشكيل الخلية الأولى كان نتيجة تجمع للأحماض الأمينية في الماء والتي بدورها شكلت البنية الأولى لحمض النووي DNA والذي يحمل الصفات الوراثية للكائن الحي. وبتجمع هذه الأحماض الأمينية شُكلت البُنية الأولى للخلية الحية. ونتيجة لعوامل بيئية وخارجية مختلفة أدت لتكاثر هذه الخلايا والتي شكلت النطفة الأولى ومن ثم تطورت لعَلقة ومن ثم تطورت لمضغة.
وكما نلاحظ هنا، هذه المراحل شبيهة جدًا بمراحل خلق الإنسان في رحم الأم. غير أن الكائنات الحية يتوقف عندها النمو، ويتشكل الكائن الحي حسب صفاته الوراثية المحمولة على حمض DNA. فمثلاً الضفادع يكتمل نموها وتبقى ضفادع. وكذلك كل كائن حي يكتمل نموه حسب صفاته الوراثية.
حتى لو أدخلنا موضوع الطفرات الجينية وأثرها على الصفات الوراثية في نشأة كائنات حية جديدة، فهذا لا يدحض قدرة الخالق ومشيئته. غير أن الملحدين يقولون: إن هذا يتم بصورة عشوائية. في حين أننا نرى أن النظرية تؤكد أنه لا يمكن لمراحل التطور هذه أن تتم وتسير إلا بقصد وتدبير من خبير عليم. فبالتالي من الممكن تَبنِّي مفهوم التطور الموجه، أو التطوير الإلهي الذي يقول بالتطور البيولوجي ويرفض العشوائية، وبأنه لابد من أن يكون وراء التطور عالم حكيم قادر، أي أننا ممكن أن نقبل التطور لكننا نرفض الداروينية تمامًا. ويقول عالم الحفريات والبيولوجي الكبير ستيفن جول: “إما أن أحد نصفي زملائي أغبياء بشدة أو أن الداروينية مليئة بالمفاهيم التي تتماشى مع الدين”.
13) كيف صحح القرآن مفهوم التطور؟
صحَّح القرآن الكريم مفهوم التطور من خلال سرد قصة خلق آدم:
لم يكن الإنسان شيئًا مذكورا:
“هَلْ أَتَىٰ عَلَى الإنسان حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا”[32].
خلْق آدم كان بداية من طين:
“وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ”[33].
” الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِن طِينٍ”[34].
” إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ”[35].
تكريم آدم أبو البشر:
” قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ”[36].
فتكريم آدم أبو البشر لم يكن فقط أن خُلق مستقلاً من طين، بل أنه خُلق مباشرةً بيديّ رب العالمين، كما هو مشار إليه في الآية الكريمة، وطلبه تعالى من الملائكة السجود لآدم طاعة لله.
” وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ”[37].
خلْق ذرية آدم:
” ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ”[38].
” ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ”[39].
” وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا”[40].
تكريم ذرية آدم:
” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا”[41].
نلاحظ هنا التشابه في مراحل نشأة نسل آدم (ماء مهين، نُطفة، عَلقة، مُضغة…) ومع ما ورد في نظرية التطور في نشأة الكائنات الحية وطرق تكاثرها.
” فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ”[42].
وأن الله جعل نسل آدم بداية من ماء مَهين للدلالة على وحدة مصدر الخلق ووحدانية الخالق، وأنه مَيَّز آدم عن سائر المخلوقات بخلقه مستقلاً تكريمًا للإنسان ولتحقيق حكمة رب العالمين في جعله خليفة في الأرض. وأن خلْق آدم من غير أب ولا أم هو أيضًا للدلالة على طلاقة القدرة، وضرب مثلاً آخر في خلق عيسى عليه السلام من غير أب لتكون معجزة على طلاقة القدرة وآية للناس.
” إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ”[43].
وأن ما يحاول الكثير إنكاره بنظرية التطور، هو دليل ضدهم.
14) لماذا يحصر الإسلام نظريات أصل الوجود في حتمية وجود حقيقة واحدة صحيحة؟
وجود نظريات وقناعات متنوعة عند البشر لا يعني عدم وجود حقيقة واحدة صحيحة، فعلى سبيل المثال، مهما تعددت مفاهيم الناس وتصوراتهم عن وسيلة المواصلات التي يستخدمها شخص يملك سيارة سوداء اللون مثلا، لا ينفي حقيقة أنه يملك سيارة سوداء اللون، ولو اعتقد العالم بأسره أن سيارة هذا الشخص حمراء، فهذا الاعتقاد لا يجعلها حمراء، فهناك حقيقة واحدة وهي أنها سيارة سوداء.
فتعدد المفاهيم والتصورات عن حقيقة شيء ما لا ينفي وجود حقيقة واحدة ثابتة لهذا الشيء.
ولله المثل الأعلى، فمهما تعددت تصورات البشر ومفاهيمهم عن أصل الوجود، فهذا لا ينفي وجود حقيقة واحدة وهي الإله الخالق الواحد الأحد الذي ليس له صورة يعرفها البشر وليس له شريك ولا ولد، فلو أراد العالم بأسره تبني أن الخالق يتجسد في صورة حيوان مثلاً أو إنسان، فهذا لا يجعله كذلك، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا.
15) هل يقبل المسلم نظريات نسبية الأخلاق والتاريخ وغيرها؟
إنه من غير المنطقي أن تُقرِّر قناعة بشر محكوم بهواه إن كانت عملية الاغتصاب شرًّا أم لا، بل من الواضح أنَّ في الاغتصاب ذاته هنالك تعدِّي على حقوق الإنسان، وانتهاك لقيمته وحريته، وهذا ما يدل على أنَّ الاغتصاب شر، وكذلك المثلية الجنسية والتي هي خرق للسنن الكونية، وعلاقات خارج نطاق الزواج. فلا يصح إلا الصحيح ولو اجتمع العالم بأسره على بطلانه، والخطأ واضح كوضوح الشمس ولو أقر بصحته جميع البشر.
كذلك بالنسبة للتاريخ فلو سلمنا بأن كل عصر ينبغي أن يكتب التاريخ من وجهة نظره؛ لأن تقدير كل عصر لما هو مهم وذو معنى بالنسبة له يختلف عن تقدير العصر الآخر، لكن هذا لا يجعل التاريخ نسبيًا. لأن هذا لا ينفي أن للأحداث حقيقة واحدة، شئنا أم أبينا، وتأريخ البشر المعرَّض للتشويه وعدم الدقة للأحداث والقائم على الأهواء ليس كتأريخ رب العالمين لها، والذي هو غاية الدقة ماضيًا وحاضرًا ومستقبلاً.
16) ما الدليل على وجود حقيقة واحدة مطلقة لأصل الوجود والأخلاق؟
إن عبارة عدم وجود حقيقة مطلقة التي يتبناها الكثيرون هي بحد ذاتها إيمان بشأن ما هو صواب وخطأ، وهم يحاولون فرضها على الغير، فهم يتبنون معيارًا للسلوك ويجبرون الجميع على الالتزام به، وبذلك ينتهكون ذات الشيء الذي يزعمون أنهم يتمسكون به – وهذا موقف فيه تناقض ذاتي.
الدليل عل وجود حقيقة مطلقة هو كما يلي:
الضمير: (الوازع الداخلي) مجموعة المبادئ التوجيهية الأخلاقية، والتي تُقيد السلوك البشري، ودليل على أن العالم يسير بطريقة معينة وأن هناك صواب وخطأ. هذه المبادئ الأخلاقية عبارة عن التزامات اجتماعية، لا يمكن الاختلاف عليها، أو أن تُصبح موضوع استفتاء عام. إنها حقائق اجتماعية لا غنى للمجتمع عنها في محتواها ومعناها، فدائمًا مثلاً ما يُنظَر إلى عدم احترام الوالدين أو السرقة على أنه سلوك بغيض، ولا يمكن تبريره على أنَّه صدق أو احترام. وهذا الأمر ينطبق بصورة عامة على كل الثقافات في جميع الأزمنة.
العلم: العلم هو إدراك الأشياء على حقيقتها، كما أنه المعرفة واليقين، لذلك يعتمد العلم بالضرورة على الإيمان بوجود حقائق موضوعية في العالم يمكن اكتشافها وإثباتها. فما الذي يمكن دراسته إن لم توجد حقائق ثابتة؟ وكيف يتسنى للمرء معرفة ما إذا كانت النتائج العلمية حقيقية؟ في الواقع، إن القواعد العلمية نفسها مبنية على وجود حقائق مطلقة.
الدين: كل ديانات العالم تعطي تصور ومعنيً وتعريف للحياة، وذلك نتيجة لرغبة الإنسان الملحة في الحصول على إجابات لأعمق الأسئلة. فمن خلال الدين يبحث الإنسان عن مصدره ومآله، وعن السلام الداخلي الذي لا يتحقق إلا بحصوله على هذه الإجابات. فوجود الدين بحد ذاته إثبات أن الأنسان أكثر من مجرد حيوان متطور، وإثبات وجود هدف أسمى للحياة، وعلى وجود خالق خلقنا لحكمة، وزرع في قلب الإنسان رغبة في معرفته. في الواقع، إن وجود الخالق هو معيار الحقيقة المطلقة.
المنطق: إن جميع البشر لديهم معرفة محدودة، وعقول محدودة الإدراك، فيستحيل بذلك منطقيًا تبني عبارات مطلقة السلبية. فلا يستطيع الإنسان أن يقول منطقياً: “لا يوجد إله”، لأنه لكي يقول الإنسان مثل هذه العبارة يجب أن تكون لديه معرفة مطلقة بالكون كله من البداية إلى النهاية. وحيث أن هذا الأمر مستحيل، فأقصى ما يستطيع الإنسان أن يفعله منطقياً هو القول: “بالمعرفة المحدودة التي أمتلكها، أنا لا أؤمن بوجود الله.”
التوافق: إنكار الحقيقة المطلقة يؤدي إلى:
التناقض مع يقيننا من صحة ما في الضمير والخبرات الحياتية ومع الواقع.
انعدام لوجود صواب أو خطأ لأي شيء في الوجود. فلو كان الصواب عندي هو تجاهل قواعد السير على سبيل المثال، فسوف أعرض حياة من حولي للخطر. فيحدث بالتالي التصادم في معايير الصواب والخطأ بين البشر. ويستحيل بناءً على ذلك التيقن من أي شيء.
حصول الإنسان على الحرية المطلقة لفعل كما يحلو له من جرائم.
استحالة وضع القوانين أو تحقيق العدل.
فالإنسان بالحرية المطلقة يصبح كائنًا قبيحًا، وكما ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه عاجز عن تحمل هذه الحرية. فالتصرف الخاطئ خاطئ، حتى لو اجتمع العالم على صحته، وأن الحقيقة الوحيدة والصحيحة أن الأخلاق غير نسبية ولا تتغير مع الزمان أو المكان.
النظام: عدم وجود حقيقة مطلقة يؤدي إلى الفوضى.
على سبيل المثال، لو لم يكن قانون الجاذبية حقيقة علمية، لن نثق بوقوفنا أو جلوسنا في نفس المكان حتى نقوم بالحركة من جديد. ولن نثق بأن حاصل جمع واحد وواحد هو اثنان في كل مرة، سيكون تأثير ذلك على الحضارة خطيرًا. فستكون قوانين العلم والفيزياء بلا أهمية، ويستحيل عمل الناس في البيع والشراء.
17) ما هي الحقيقة المطلقة الوحيدة لمصدر الوجود؟
إن مثل وجود البشر على كوكب الارض السابح بهم في الفضاء، كمثل ركاب من ثقافات مختلفة اجتمعوا على متن طائرة تسير بهم في رحلة مجهولة التوجه ومجهولة القائد، ووجدوا أنفسهم مجبرين على خدمة أنفسهم وتحمل المتاعب على متن الطائرة.
جاءتهم رسالة مع أحد طاقم الطائرة من قائد الطائرة تشرح لهم سبب وجودهم ومكان اقلاعهم ووجهتهم، وتبين لهم صفاته الشخصية وطريقة التواصل معه مباشرة.
قال الراكب الأول: نعم من البديهي أن للطائرة قائد وهو رحيم لأنه أرسل هذا الشخص ليجيب عن أسئلتنا.
قال الثاني: الطائرة ليس لها قائد ولا أصدق المبعوث: نحن جئنا من لا شيء ونحن هنا بلا هدف.
قال الثالث: لم يأت بنا أحد هنا، قد تم تجميعنا بصورة عشوائية.
قال الرابع: للطائرة قائد لكن المبعوث هو ابن القائد وقد أتى القائد في صورة ابنه ليعيش بيننا.
قال الخامس: للطائرة قائد، لكنه لم يرسل أحدًا برسالة، وأن قائد الطائرة يأتي في صورة كل شيء ليعيش بيننا، وليس هناك وجهة نهائية لرحلتنا وسوف نبقى على متن الطائرة.
قال السادس: لا يوجد قائد وأريد أن اتخذ لنفسي قائدًا وهميًا رمزيًا.
قال السابع: القائد موجود ولكنه وضعنا على متن الطائرة وانشغل، ولم يعد يتدخل في أمورنا ولا في أمور الطائرة.
قال الثامن: القائد موجود وأحترم مبعوثه، لكننا لسنا بحاجة إلى لقوانين على متن الطائرة لتحديد إن كان فعل ما صالح أم طالح. نريد مرجعيات في التعامل فيما بيننا تعود لأهوائنا الخاصة ورغباتنا، فنفعل ما يشعرنا بالسعادة.
قال التاسع: القائد موجود وهو قائدي أنا وحدي، وجميعكم هنا لخدمتي. ولن تصلوا إلى وجهتكم في أي حال من الأحوال.
قال العاشر: وجود القائد نسبي، فهو موجود لمن اعتقد بوجوده، وغير موجود لمن أنكر وجوده وكل تصور من تصورات الركاب عن هذا القائد وهدف الرحلة وطريقة تعامل ركاب الطائرة مع بعضهم صحيحة.
نفهم من هذه القصة الخيالية والتي تعطي نبذة عن تصورات البشر الفعلية الموجودة حاليًا على كوكب الأرض عن أصل الوجود والهدف من الحياة:
أنه من البديهي أن للطائرة قائد واحد يعرف القيادة ويقودها من جهة إلى جهة أخرى لهدف معين، ولن يختلف على هذه البديهية أحد.
أن الشخص الذي ينكر وجود قائد الطائرة أو لديه تصورات متعددة عنه، هو من يتطلب منه تقديم تفسير وتوضيح ويحتمل تصوره الصواب والخطأ.
ولله المثل الأعلى، فإننا إذا طبقنا هذا المثال الرمزي على حقيقة وجود الخالق فنجد أن تعدد نظريات أصل الوجود، لا ينفي وجود حقيقة مطلقة واحدة، وهي:
أن الإله الخالق الواحد الأحد الذي ليس شريك ولا ولد، مستقل بذاته عن خلقه ولا يتمثل في صورة أحدًا منهم، فلو أراد العالم بأسره تبني فكرة أن الخالق يتجسد في صورة حيوان مثلاً أو إنسان، فهذا لا يجعله كذلك، وتعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا.
أن الإله الخالق عادل، ومن عدله أن يكافئ ويعاقب، وأن يكون ذا صلة بالبشر، فلن يكون إلهًا لو خلقهم وتركهم، ولهذا فهو يرسل الرسل إليهم ليوضح لهم الطريق ويُبلغ البشر منهجه وهو عبادته واللجوء إليه وحده بدون قسيس ولا قديس ولا أي وسيط. والذي يستحق المكافأة من سلك هذا الطريق، والعقاب لمن حاد عنه، ويتمثل ذلك في الدار الآخرة في نعيم الجنة وعذاب النار.
وهذا ما يُدعى “دين الإسلام”، وهو الدين الحق الذي ارتضاه الخالق لعباده.
18) هل إطلاق كلمة كافر على غير المسلم تحقيرًا للطرف الآخر؟
ألا يعتبر النصراني أن المسلم كافر على – سبيل المثال- لأنه لا يؤمن بعقيدة التثليث التي لن يدخل الملكوت إلا بالإيمان بها؟ كلمة كفر تعني إنكار الحق، والحق بالنسبة للمسلم هو التوحيد، وبالنسبة للنصراني هو التثليث.
إن القرآن هو آخر الكتب التي اُرسلت من قبَل ربِّ العالمين، حيث أن المسلمون يؤمنون بكافة الكتب التي أُرسلت قبل القرآن (صحف إبراهيم، الزبور، التوراة والإنجيل…وغيرها)، يعتقد المسلمون أن الرسالة الحقيقية لجميع الكتب كانت التوحيد الخالص (الإيمان بالله وإفراده بالعبادة)، غير أن القرآن بخلاف الكتب السماوية السابقة لم يكن محتكرًا على فئة أو طائفة معينة دون أخرى، ولا يوجد منه نسخ مختلفة، ولم يتم إجراء أي تغيير عليه، بل هو نسخة واحدة لجميع المسلمين. ونص القرآن لا يزال بلغته الأصلية (العربية)، وبدون أي تغيير أو تحريف أو تبديل، ولا يزال محفوظًا كما هو حتى وقتنا هذا، وسيبقى كذلك، كما وعد رب العالمين بحفظه. وهو متداول بأيدي جميع المسلمين، ومحفوظ في صدور الكثير منهم، وأنَّ الترجمات الحالية للقرآن بلغات متعددة والمتداولة بين أيدي الناس، ما هي إلا ترجمة لمعاني القرآن فقط. لقد تحدَّى ربُّ العالمين العرب وغير العرب على أن يأتوا بمثل هذا القرآن، علمًا بأن العرب في ذلك الوقت كانوا أسيادًا على غيرهم في البلاغة والبيان والشعر، لكنهم أيقنوا أن هذا القرآن لا يمكن أن يكون من عند غير الله. وبقي هذا التحدي قائمًا على مدى أكثر من أربعة عشر قرنًا ولم يتمكن أحد من ذلك، وهذا من أعظم الأدلة على أنه من عند الله.
20) هل نسخ النبي محمد القرآن من التوراة؟
لو كان القرآن من عند اليهود، لكانوا أسرع الناس في نسبته لأنفسهم. هل ادعى اليهود في زمن نزول الوحي ذلك؟
ألم تختلف التشريعات والمعاملات، من صلاة وحج وزكاة؟ ثم لننظر إلى شهادة غير المسلمين بتميز القرآن عن غيره من الكتب وعدم بشريته، واحتوائه على الإعجاز العلمي. وإنه عندما يعترف صاحب عقيدة بصحة العقيدة التي تخالفه، فهو أكبر دليل على صحتها. هي رسالة واحدة من رب العالمين وينبغي أن تكون واحدة. ما جاء به النبي محمد ليس دليلاً على تدليسه، بل على صدقه. ولقد تحدى الله العرب المتميزين بالبلاغة آنذاك، وغير العرب بأن يأتوا حتى ولو بآية واحدة بمثله وفشلوا، وما زال التحدي قائمًا.
21) هل اقتبس النبي محمد ما جاء في القرآن من الحضارات السابقة؟
لقد كان من العلوم عند الحضارات القديمة الصحيح ومنها الكثير من الأساطير والخرافات. كيف استطاع نبيٌّ أُميّ نشأ في صحراء مقفرة أن ينسخ من هذه الحضارات الصحيح فقط ويترك الأساطير؟
22) لماذا نزل القرآن باللغة العربية؟
تنتشر في العالم آلاف اللغات واللهجات، ولو كان نزل بواحدة من هذه اللغات لتساءل الناس لماذا ليس بالأخرى. إن الله يرسل الرسول بلسان قومه، والله تعالى اختار رسوله محمدًا ليكون خاتم الرسل، وكانت لغة القرآن بلسان قومه، وحفظه من التحريف إلى يوم الدين، وكذلك اختار مثلاً الآرامية لكتاب المسيح.
قال الله تعالى:
“وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ…”[44].
الناسخ والمنسوخ هو تطور في أحكام التشريع، كوقف العمل بحكم سابق، أو إحلال حكم آخر لاحق، أو تقييد المطلق، أو إطلاق المقيد، وهو أمر معهود ومألوف في الشرائع السابقة ومنذ عهد آدم. كما كان تزويج الأخ بالأخت مصلحة في زمن آدم عليه السلام، ثم صار مفسدة في سائر الشرائع؛ وكذلك إباحة العمل يوم السبت، كان مصلحة في شريعة إبراهيم عليه السلام ومن قبله وفي سائر الشرائع، ثم صار مفسدة في شريعة موسى عليه السلام، وقد أمر الله سبحانه بني إسرائيل بقتل أنفسهم بعد عبادتهم العجل، ثم رفع هذا الحكم عنهم بعد ذلك، وغيرها الكثير من الأمثلة، فاستبدال حكم بحكم آخر وارد في نفس الشريعة أو بين شريعة وشريعة أخرى، كما ذكرنا في الأمثلة السابقة.
فعلى سبيل المثال، فالطبيب الذي يبدأ بعلاج مريضه بدواء معين ومع الوقت يزيد في جرعة الدواء أو يقللها كتدرج في علاج مريضه، نعتبره حكيمًا. ولله المثل الأعلى، فوجود الناسخ والمنسوخ في الأحكام الإسلامية هو من حكمة الخالق العظيم.
24) ما قصة جمع القرآن في عهد أبي بكر وحرقه في عهد عثمان؟
ترك الرسول القرآن موثق ومدون بأيدي الصحابة لتلاوته وتعليمه للآخرين، وحينما تولى أبو بكر -رضى الله عنه – الخلافة أمر بجمع هذه الصحف لتكون في مكان واحد ويمكن الرجوع إليها. وأما في عهد عثمان فقد أمر بحرق النسخ والصحف التي كانت بأيدي الصحابة في الأمصار والموجودة بلهجات مختلفة وأرسل إليهم نسخ جديدة مطابقة للنسخة الأصلية والتي تركها الرسول الكريم والتي جمعها أبو بكر، وذلك ليضمن أن جميع الأمصار ترجع إلى نفس النسخة الأصلية والوحيدة التي تركها الرسول.
وبقي القرآن على ما هو عليه دون أي تغير أو تبديل، وكان دومًا ملازمًا للمسلمين على مر العصور ويتداولونه بينهم ويتلونه في الصلوات.
25) هل يتعارض ما جاء قي القرآن مع العِلم التجريبي؟
الإسلام لا يتعارض مع العلم التجريبي، بل وإن كثير من العلماء الغربيين الذين لم يؤمنوا بالله توصلوا إلى حتمية وجود الخالق من خلال اكتشافاتهم العلمية، والتي قادتهم إلى هذه الحقيقة. الإسلام يُغلّب منطق العقل والفكر ويدعو إلى التأمل والتفكر في الكون.
يدعو الإسلام جميع البشر إلى التفكر بآيات الله وبديع خلقه والسير في الأرض والنظر في الكون واستخدام العقل وإعمال الفكر والمنطق، بل ويدعو إلى إعادة النظر أكثر من مرة في الآفاق وفي داخل النفس، فسيجد حتمًا الأجوبة التي يبحث عنها ويجد نفسه يعتقد -لا محاله- بوجود خالق، وسيصل لقناعة كاملة ويقين أن هذا الكون نشأ بعناية وبقصد ومسخر بهدف. وسيصل في نهاية المطاف إلى النتيجة التي يدعو اليها الإسلام أن لا إله الا الله.
قال الله تعالى:
“الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ “[45] .
“سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ “[46].
“إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّـهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ” [47].
“وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ”[48] .
“وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ” [49].
“أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ” [50].
“أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ” [51].
“وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّـهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ” [52].
“يَا
أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم
مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ
مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ
فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا
ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنكُم
مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا
يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ وَتَرَى
الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ
وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ” [53]
.
[1] (الملك :2).
[2] (صحيح مسلم).
[3] في الهندوسية:
(تشاندوجيا أوبانيشاد 6: 2-1).
“إنه إله واحد فقط ليس له ثاني”.
(فيداس، سفيتا سفاتارا أبانيشاد: 4:19، 4:20، 6: 9).
” الإله لا يوجد آباء ولا سيد”.
”
لا يمكن رؤيته، لا أحد يراه بالعين”.
“لا
يوجد شبيه له”.
(ياجورفيدا 40: 9).
“يدخلون الظلمة، أولئك الذين يعبدون العناصر الطبيعية (الهواء والماء والنار، إلخ). يغرقون في الظلام، أولئك الذين يعبدون السامبوتي (أشياء مصنوعة باليد مثل الوثن، الحجر، إلخ) “..
1) في المسيحية (النصرانية):
(إنجيل ماثيو 4: 10).
” حينئذ قال له يسوع: اذهب يا شيطان لأنه مكتوب: للرب إِلهك تسجد وإياه وحده تعبد “.
(سفر الخروج 20: 3 – 5).
“لا يكن لك آلهة أخرى أَمامي. لا تصنع لك تمثالاً منحوتًا ولا صورة مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهن ولا تعبدهن، لأني أنا الرب إِلهك إِله غيور، أفتقد ذنوب الآباء في الأَبناءِ في الجيل الثالث والرابع من مبغضيَّ”.
[4] (النحل:125).
[5] ابن البطريق: التاريخ المجموع على التحقيق والتصديق، ج2، ص: (147).
[6] تاريخ الطبري ومجير الدين العليمي المقدسيِ.
[7] (المائدة:57).
[8] (الممتحنة: 8-9).
[9] (آل عمران:113-114).
[10] (آل عمران:199).
[11] (البقرة:62).
[12] (الأعراف:188).
[13] (هود:118).
[14] (الحجرات:13).
[15](النحل:36).
[16] (البقرة:257).
[17] (المائدة: 15).
[18] (المائدة: 44).
[19] (المائدة: 46).
[20] (النور: 35).
[21] https://www.albayan.ae/five-senses/2001-11-16-1.1129413 من مقال التنوير في الإسلام. د. التويجري.
[22]Atheism a giant leap of faith. Dr. Raida Jarrar.
[23] (الزمر: 62).
[24] (المُلك: 3).
[25] (القمر:49).
[26] (النجم:23).
[27] .”Chapter 7: Oller and Omdahl.” Moreland, J. P. The Creation Hypothesis: Scientific
[28] السيرة الذاتية لداروين – طبعة لندن: كولنز 1958 – ص 92، 93.
[29] (الأنبياء :30).
[30] (الروم :22).
[31] (النور:45).
[32] (الإنسان:1).
[33] (المؤمنون: 12).
[34] (السجدة: 7).
[35] (أل عمران: 59).
[36] (ص: 75).
[37] (البقرة: 34).
[38] (السجدة: 8).
[39] (المؤمنون 13-14).
[40] (الفرقان 54).
[41] (الإسراء: 70).
[42] (الشورى: 11).
[43] (أل عمران: 59).
[44] (إبراهيم:4).
[45] (الملك:3-4).
[46] (فصلت:53).
[47] (البقرة:164).
[48] (النحل:12).
[49] (الذاريات:47).
[50] (الزمر:21). دورة الماء كما اكتشفها العلم الحديث الآن تم وصفها قبل 500 عام مضت. قبل ذلك كان الناس يعتقدون أن الماء جاء من المحيط وتوغل في اليابسة وبالتالي تشكلت الينابيع والمياه الجوفية. كما انه كان يُعتقد أن الرطوبة في التربة تكثفت فشكلت المياه. بينما القرآن وضح بصورة جازمة كيفية تشكل المياه قبل 1400 عام.
[51](الأنبياء:30). تمكن العلم الحديث فقط من اكتشاف ان الحياة تشكلت في الماء وأن المكون الأساسي للخلية الأولى هو الماء. لم تكن هذه المعلومات معروفة لغير المسلمين، وكذلك التوازن في المملكة النباتية. وقد بها القرآن ليثبت أن النبي محمد لا ينطق عن الهوى.
[52](المؤمنون:12-14). يعد العالم الكندي «كيث مور»، واحداً من أبرز علماء التشريح والأجنة في العالم، له رحلة علمية مرموقة عبر العديد من الجامعات، وترأس العديد من الجمعيات العلمية الدولية، مثل جمعية علماء التشريح والأجنة في كندا وأميركا، ومجلس اتحاد العلوم الحيوية. كما اُنتخب عضواً في الجمعية الطبية الملكية بكندا، والأكاديمية الدولية لعلوم الخلايا، والاتحاد الأميركي لأطباء التشريح، وفي اتحاد الأميركيتين في التشريح. في عام 1980، أعلن «كيث مور» إسلامه بعد أن قرأ القرآن الكريم والآيات التي تتناول تكوين الجنين، والتي سبقت كل العلوم الحديثة، ويروي قصة إسلامه، قائلاً: دُعيت إلى حضور المؤتمر الدولي للإعجاز العلمي الذي عقد في موسكو أواخر السبعينيات، وأثناء استعراض بعض العلماء المسلمين للآيات الكونية وبالتحديد قوله تعالى: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)، «سورة السجدة: الآية 5». واستمر العلماء المسلمين في سرد آيات أخرى تتحدث عن تكوين الجنين والإنسان، ونظراً لاهتمامي الشديد لمعرفة آيات أخرى من القرآن وبشكل أوسع تابعت الانصات والاستماع. وكان تلك الآيات رداً قوياً على الجميع وكان لها وقع خاص على نفسي، حيث بدأت أشعر بأن هذا هو الذي أريده، وأبحث عنه منذ سنوات طويلة من خلال المعامل والأبحاث وباستعمال التكنولوجيا العصرية، لكن الذي جاء به القرآن كان شاملاً وكاملاً قبل التكنولوجيا والعلم.
[53] (الحج:5). هذه هي الدورة الدقيقة للتنمية الجنينية كما اكتشفها العلم الحديث.
1) من هو النبي محمد، وما هو الدليل على صدق رسالته؟
النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، من قبيلة قريش العربية، التي كانت تسكن في مكة، وهو من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل.
وكما ذُكر في العهد القديم فقد تعهد الله بأن يبارك إسماعيل ويُخرج من نسله أمة كبيرة.
“وأما اسماعيل فقد سمعت لك فيه، ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرًا جدًا، اثني عشر رئيسًا، يلد وأجعله أمة كبيرة “[1].
وهذا من أكبر الأدلة على أن إسماعيل كان ابنًا شرعيًا لإبراهيم عليه السلام.
“وقال لها ملاك الرب ها أنت حبلى فتلدين ابنا، وتدعين اسمه اسماعيل لأن الرب قد سمع لمذلَّتك” [2].
“فأخذت سارة امرأة إبراهيم هاجر المصرية جاريتها من بعد عشر سنين لإقامة إبراهيم في أرض كنعان وأعطتها لإبراهيم زوجة له”[3].
ولد النبي محمد بـمكة، وقد مات أبوه قبل أن يولد، ثم ماتت أمه وهو طفلٌ صغير فكفله جده، ثم مات جده فكفله عمه أبو طالب.
كان معروفًا بصدقه وأمانته، لا يشارك أهل الجاهلية ولا يخوض معهم في اللهو واللعب، أو الرقص والغناء، ولا في شرب الخمر ولم يكن يقر بها، ثم بدأ النبي يخرج إلى جبلٍ قريب من مكة (غار حراء) للتعبد، ثم نـزل عليه الوحي في هذا المكان، فجاءه الملك من عند الله عز وجل. فقال له الملك: اقرأ. اقرأ، وكان النبي لا يقرأ ولا يكتب، فقال النبي: ما أنا بقارئ -أي لا أحسن القراءة- فأعاد الملك الطلب، فقال: ما أنا بقارئ، فأعاد الملك الطلب مرة ثانية، وضمه إليه بشدة حتى بلغ منه الجهد، ثم قال: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ -أي لا أحسن القراءة- في المرة الثالثة قال له: “اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ”[4].
الدليل على صدق نبوته:
نجدها في سيرته، فقد عُرف رجلاً صادقًا أمينًا. قال الله تعالى:
“وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ”[5].
وكان الرسول أول من يطبق ما يدعو إليه، ويصدق أقواله بالأفعال، وأنه لم يكن يطلب أجرًا دنيويًا على ما يدعو إليه، فعاش فقيرًا كريمًا رحيمًا متواضعًا، وكان أكثرهم تضحية وأزهدهم فيما عند الناس. قال الله تعالى:
“أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ “[6].
وقدَّم أدلة على صدق نبوته بما أتاه الله من آيات القرآن الكريم الذي جاء بلغتهم وكان من البلاغة والفصاحة ما يجعله يعلو على كلام البشر. قال الله تعالى:
“أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كثيرًا “[7].
” أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ “[8].
“فإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ”[9].
وعندما أشاع قوم في المدينة المنورة أن الشمس انكسفت لموت إبراهيم ابن النبي، خطب بهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال عبارة كانت بمثابة رسالة لكل من يتبنى خرافات لا تُحصى عن كسوف الشمس حتى يومنا هذا. قال بكل وضوح وبيان قبل أكثر من أربعة عشر قرنًا:
“إنَّ الشَّمسَ والقَمَر آيتانِ مِن آياتِ الله، لا يُخسَفانِ لمِوتِ أحدْ ولا لحِياته، فإِذا رأيتُم ذلكْ، فافزَعوا إلى ذِكر الله والصَّلاة”[10].
فلو كان نبيًا كاذبًا لاستغل هذه الفرصة لا محالة لاقتاع الناس بنبوته.
ومن دلائل نبوته هو ذكر أوصافه واسمه في العهد القديم.
” ويُدفع الكتاب لمن لا يعرف القراءة، ويقال له: اقرأ هذا، فيقول: لا أعرف القراءة”[11].
ومع أن المسلمين لا يعتقدون بأن كتب العهد القديم والعهد الجديد الموجودان حاليًا هما من عند الله لوجود التحريف فيها، لكنهم يؤمنون بأن كلاهما له مصدر صحيح، والذي هو التوراة والإنجيل (وهو ما أوحاه الله إلى أنبيائه: موسى والمسيح عيسى). لذلك فإنه قد يوجد في كتب العهد القديم والعهد الجديد ما هو من عند الله. ويعتقد المسلمون أن هذه النبوءة إن صحت، فهي تتكلم عن النبي محمد، وهي من بقايا التوراة الصحيحة.
إن الرسالة التي كان يدعو إليها النبي محمد هي العقيدة الخالصة وهي (الإيمان بإله واحد وتوحيده في العبادة)، وهي رسالة جميع الأنبياء من قبله وقد جاء بها لجميع البشر. كما ورد في القرآن الكريم:
“قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ”[12].
ولم يُمجِّد المسيح أحدًا على الأرض، كما مَجَّده محمد عليه الصلاة والسلام.
قال الرسول عليه الصلاة والسلام:“أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، في الأُولَى وَالآخرة قالوا: كيفَ؟ يا رَسُولَ اللهِ، قالَ: الأنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِن عَلَّاتٍ، وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، فليسَ بيْنَنَا نَبِيٌّ (بين المسيح عيسى وبيني)”[13].
وذُكر اسم المسيح عيسى في القرآن أكثر من اسم النبي محمد (25مرة مقابل4مرات).
فُضِّلت مريم أم عيسى على نساء العالم وفقًا لما جاء في القرآن.
كما أن السيدة مريم هي الوحيدة التي ذكرت باسمها في القرآن.
وهناك سورة كاملة في القرآن باسم السيدة مريم[14].
وهذا من أكبر الدلائل على صدقه صلى الله عليه وسلم، فلو كان نبيًا كاذبًا لكان ذكر أسماء زوجاته أو والدته أو بناته، ولو كان نبيًا كاذبًا ما كان ليمجَّد المسيح أو يجعل الإيمان به ركن من أركان إيمان المسلم.
إنه بعمل بمقارنة بسيطة بين النبي محمد وأي قسيس في يومنا الحاضر سوف ندرك صدقه. فقد رفض كل امتيازات عرضت عليه من مال وجاه أو حتى أي منصب كهنوتي، فلم يكن يسمع لاعتراف أو يغفر ذنوب المؤمنين. بل أمر أتباعه باللجوء مباشرة إلى الخالق.
إنه لمن أكبر الدلائل على صدق نبوته هو انتشار دعوته وقبول الناس لها وتوفيق الله له، فلم يكتب الله النجاح لمدعي نبوة كاذب قط في تاريخ البشرية.
قال الفيلسوف الإنكليزي توماس كارليل (1881-1795): “لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متمدن من أبناء هذا العصر أن يُصغي إلى ما يظن، من أن دين الإسلام كذب، وأن محمد خداع، وأن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة، فإنَّ الرسالة التي أداها ذلك الرسول ما زالت السراج المنير، مدة اثني عشر قرنًا لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم الله الذي خلقنا. وهل رأيتم قطُّ معشر الإخوان أنَّ رجلاً كاذبًا يستطيع أن يُوجِد دينًا وينشره؟ عجبًا والله، إن الرجل الكاذب لا يقدر أن يبني بيتًا من الطوب، فهو إذا لم يكن عليمًا بخصائص الجير والجص والتراب وما شاكل ذلك، فما ذلك الذي يبنيه بيت وإنما هو تل من الأنقاض وكثيب من أخلاط المواد، نعم وليس جديرًا أن يبقى على دعائمه اثني عشر قرنًا يسكنه مائتا مليون من الأنفس، ولكنه جدير أن تنهار أركانه، فينهدم فكأنه لم يكن”[15].
2) كيف وصل النبي محمد إلى بيت المقدس وعرج إلى السماء وعاد في نفس الليلة؟
لقد أوصلت التكنولوجيا البشرية صوت البشر وصورهم إلى كل أنحاء العالم في نفس اللحظة، أفلا يستطيع خالق البشرية قبل أكثر من 1400 عام أن يعرج بنبيه بالروح والجسد إلى السماوات[16]؟
إن رحلة الإسراء والمعراج جرت وفق طلاقة القدرة والمشيئة الإلهية، والتي هي أعلى من مداركنا، وتختلف عن جميع القوانين التي نعرفها، وهي آيات وبراهين على قدرة رب العالمين، كون أنه من سنَّ ووضع هذه القوانين.
3) لماذا تزوج النبي محمد بالسيدة عائشة وهي في عمر صغير؟
نجد في صحيح البخاري (أصح كتب الحديث النبوي) ما يتكلم عن حب السيدة عائشة الشديد للرسول عليه الصلاة والسلام ونجد أنها لم تشتكِ قط من هذا الزواج.
العجيب أنه في ذلك الوقت، أعداء الرسول اتهموا النبي محمد بأبشع التهم، وقالوا عنه شاعر ومجنون، ولم يُعيره أحد بهذه القصة، ولم يذكرها أحد قط، إلا من بعض المغرضين الآن. فهذه القصة إما أن تكون من الأمور الطبيعية التي درج عليها الناس في ذلك الوقت، حيث يروي لنا التاريخ قصص لزواج الملوك في سن صغيرة، كعمر السيدة مريم في عقيدة النصارى عندما كانت مخطوبة لرجل تسعيني قبل حملها بالمسيح، والذي كان مقاربًا لعمر السيدة عائشة عند زواجها بالرسول. أو كقصة ملكة إنجلترا إيزابيلا في القرن الحادي عشر التي تزوجت في الثامنة من عمرها وغيرها[17]، أو أن قصة زواج الرسول لم تحدث بالطريقة التي يتصورونها.
4) ألا تُعتبر مذبحة يهود بنو قريظة وحد الحرابة غير إنسانية؟
يهود بني قريظة نقضوا العهد، وتحالفوا مع المشركين للقضاء على المسلمين، فعاد كيدهم في نحرهم. حيث طُبِّق عليهم قصاص الخيانة ونقض العهود الوارد في شريعتهم تمامًا، بعدما سمح رسول الله لهم أن يقوموا باختيار من يحكم في أمرهم، وهو أحد صحابة الرسول، وقد حكم عليهم بتطبيق القصاص الوارد في شريعتهم [18].
وما عقاب الخائنين وناقضي العهود في قوانين الأمم المتحدة اليوم؟ تخيل فقط مجموعة عقدت العزم على قتلك وقتل أهلك جميعًا وسلب أموالك؟ ما كنت أنت فاعل بهم؟ يهود بني قريظة نقضوا العهد، وتحالفوا مع المشركين للقضاء على المسلمين، فما كان على المسلمين فعله في ذلك الوقت لحماية أنفسهم؟ ما فعله المسلمون حيال ذلك كان بأبسط بديهيات المنطق حقٌ لهم للدفاع عن أنفسهم.
5) لا إكراه في الدين، فلماذا يقول الله قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله؟
الآية الأولى: ” لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ِ…”[19]، تقرر مبدأً إسلاميًّا عظيمًا وهو منع الإكراه على الدين؛ في حين أن الآية الثانية: ” قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ …” [20]، موضوعها خاص، يتعلق باللذين يصدون عن سبيل الله، والمانعين لغيرهم من قبول دعوة الإسلام، فلا تعارض حقيقي بين الآيتين.
6) لماذا يُقتل المرتد في الإسلام؟
الإيمان علاقة بين العبد وربه، متى أراد قطعها فأمْره إلى الله، لكن متى أراد أن يجاهر بها ويأخذها كذريعة لمحاربة الإسلام وتشويه صورته وخيانته، فمن بديهيات قوانين الحرب الوضعية حتمية قتله، وهذا ما لا يختلف عليه أحد.
أصل الإشكال في قيام الشبهة حول حد الردة هو توهم أصحاب هذه الشبهة بصحة جميع الديانات على حد سواء، واعتبار أن الإيمان بالخالق وعبادته وحده وتنزيهه عن كل نقص وعيب يتساوى مع الكفر بوجوده أو الاعتقاد بأنه يتجسد في صورة بشر أو حجر أو أن يكون له ولد، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا. وسبب هذا التوهم هو الاعتقاد بنسبية المعتقد، أي أنه يمكن أن تكون كل الديانات على حق، وهذا لا يستقيم عند من يعرف أبجديات المنطق. فمن البديهي أن الإيمان يناقض الإلحاد والكفر، ولهذا فإن صاحب العقيدة السليمة يجد أن القول بنسبية الحق هو غفلة وبلاهة منطقية. وعلى ذلك فلا يصح أن نعتبر عقيدتين متناقضتين على حق معًا.
ومع كل ذلك فإن المرتدون عن دين الحق لا يقعون تحت طائلة حد الردة أبدًا إذا لم يجاهروا بردتهم، وهم يعلمون ذلك جيدًا، لكنهم يطالبون المجتمع المسلم أن يفتح المجال لهم فينشروا استهزاءهم بالله وبرسوله دون محاسبة، ويحثوا غيرهم على الكفر والعصيان، وهذا على سبيل المثال ما لا يقبله أي ملك من ملوك الأرض على أراضي مملكته، كأن ينكر أحد من شعبه وجود الملك أو أن يستهزأ به أو بأحد من حاشيته، أو ينسب له أحد من شعبه ما لا يليق بمقامه كملك، فما بالك بملك الملوك خالق كل شيء ومليكه.
يظن البعض أيضًا أن المسلم إذا ارتكب الكفر فينفذ فيه الحد مباشرة، والصحيح أن هناك أعذار قد تحول دون تكفيره أصلا، كالجهل والتأويل والإكراه والخطأ، ولهذا فإن أكثر أهل العلم أكد على استتابة المرتد لاحتمال التباسه في معرفة الحق، ويستثنى من الاستتابة المرتد المحارب[21].
وقد كان المسلمون يعاملون المنافقين معاملة المسلم، ولهم كل حقوق المسلمين، رغم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يعرفهم، وقد أخبر الصحابي حذيفة بأسمائهم. غير أن المنافقون لم يجهروا بكفرهم.
7) لم يقاتل المسيح أعداءه، فلماذا كان النبي محمد مقاتلاً؟
قد كان النبي موسى مقاتلاً، وقد كان داوود مقاتلاً. وتولى موسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام أجمعين مقاليد الأمور السياسية والدنيوية، وهاجر كل منهما من المجتمع الوثني، فخرج موسى بقومه من مصر، وكانت هجرة محمد إلى يثرب، وقبلها هاجر أتباعه إلى الحبشة، وذلك هروبًا من النفوذ السياسي والعسكري في البلاد التي فروا منها بدينهم. ووجْه الاختلاف لدعوة المسيح عليه السلام هو أنها كانت لغير وثنيين وهم اليهود (خلافًا لموسى ومحمد لأن بيئتيهما وثنيتان: مصر وبلاد العرب)، الأمر الذي كانت معه الظروف أشد وأصعب، فالتغيير المنوط بدعوتي موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام هو تغيير جذري وشامل ونقلة نوعية هائلة من الوثنية إلى التوحيد.
إن عدد ضحايا الحروب التي دارت في زمن الرسول محمد لا تتجاوز الألف شخص فقط، والتي كانت دفاعًا عن النفس وردًا لعدوان، أو تأمينًا للدين، بينما نجد عدد الضحايا التي وقعت بسبب حروب شُنت باسم الدين في الديانات الأخرى، قد كان بالملايين.
كما تجلَّت رحمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وتمكين الله تعالى له، حينما قال: اليوم يوم المرحمة. وأصدر عفوه العام عن قريش التي لم تدَّخر وسعًا في إلحاق الأذى بالمسلمين، فقابل الإساءة بالإحسان، والأذيَّة بحسن المعاملة.
قال الله تعالى:
“وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ” [22].
ومن صفات المتقين، قال الله تعالى:
“…والْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”[23].
الجهاد يعني مجاهدة النفس في الكف عن المعاصي، جهاد الأم في حملها بتحمل آلام الحمل، اجتهاد الطالب في دراسته، جهاد المدافع عن ماله وعرضه ودينه، حتى المثابرة على العبادات مثل الصوم والصلاة على وقتها تعتبر نوعًا من أنواع الجهاد.
فنجد أن معنى الجهاد ليس كما يفهمه البعض على أنه قتل غير المسلمين من أبرياء ومسالمين.
فالإسلام يقدر الحياة، فلا يجوز مقاتلة المسالمين والمدنيين كما يجب حماية الممتلكات والأطفال والنساء حتى في أثناء الحروب، كما لا يجوز التشويه أو التمثيل في القتلى فهي ليست من أخلاق الإسلام.
قال الله تعالى:
“لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ “[24] .
“مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كثيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ” [25].
فغير المسلم هو واحد من أربعة:
مستأمن: وهو الذي أُعطِي الأمان.
قال الله تعالى:
“وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ”[26].
معاهَد: وهو الذي عاهده المسلمون على ترك القتال.
قال الله تعالى:
“وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ۙ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ“[27] .
ذِميّ: الذمة هي العهد، وأهل الذمة هم غير المسلمين الذين تعاقدوا مع المسلمين على اعطاء الجزية والالتزام بشروط معينة مقابل بقائهم على دينهم وتوفير الأمن والحماية لهم. وهو مبلغ بسيط يُدفع على حسب استطاعتهم، ويُؤخذ من المقاتلين دون غيرهم، وهم الرجال الأحرار البالغين الذين يقاتلون دون النساء والأطفال والغير عاقلين. وهذا المبلغ يدفعه هؤلاء المقاتلون وهم صاغرون بمعنى خاضعون للقانون الإلهي. في حين أن الضريبة التي يدفعها الملايين في يومنا هذا تشمل جميع الأفراد وبمبالغ كبيرة مقابل رعاية الدولة لشؤونهم وهم خاضعون لهذا القانون الوضعي.
قال الله تعالى:
” قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ” [28].
محارِب: وهو من أعلن القتال ضد المسلمين، فهذا لا عهد له ولا ذمة ولا أمان. وهم الذين قال الله تعالى فيهم:
“وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ”[29].
وفئة المحارِب هي من علينا مقاتلتها فقط، ولم يأمر الله بالقتل ولكن بالقتال وهناك فرق كبير بينهما، فالقتال هنا بمعنى المواجهة في الحرب بين مقاتل ومقاتل للدفاع عن النفس، وهذا ما تنص عليه كل القوانين الوضعية.
قال الله تعالى:
“وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ”[30].
وكثيرًا ما نسمع من غير المسلمين الموحدين أنهم لم يكونوا يعتقدون بوجود دين على وجه الأرض يقول بلا إله إلا الله. فقد اعتقدوا أن المسلمون يعبدون محمدًا، وأن المسيحيون يعبدون المسيح، وأن البوذيون يعبدون بوذا، وأن ما يجدونه من ديانات على وجه الأرض لا يطابق ما في قلوبهم.
هنا يتبين لنا أهمية الفتوحات الإسلامية التي كان ولا زال ينتظرها الكثير بفارغ الصبر. والتي هدفها ايصال رسالة التوحيد فقط ضمن حدود لا اكراه في الدين، وذلك باحترام حرمات الآخرين وأداء ما عليهم من التزامات تجاه الدولة مقابل بقائهم على دينهم وتوفير الأمن والحماية لهم. كما حدث في فتح مصر وفي بلاد الأندلس وغيرها الكثير.
9) هل يجيز الإسلام العمليات الانتحارية ويثيب عليها بالحور العين في الجنة؟
إنه من غير المنطقي أن يأمر واهب الحياة من الموهوب إليه أن يزهقها، ويزهق حياة أبرياء دون ذنب وهو القائل “ولا تقتلوا أنفسكم”[31]، وغيرها من الآيات التى تنهى عن قتل النفس إلا بوجود مبرر كالقصاص أو دفع العدوان، دون انتهاك للحرمات أو الإقدام على الموت وتعريض النفس للتهلكة لخدمة مصالح جماعات لا علاقة لها بالدين أو بمقاصده، وتبتعد عن سماحة وأخلاق هذا الدين العظيم. ولا يجب أن يُبنى نعيم الجنة على تلك النظرة الضيقة بالحصول على الحور العين فقط، فالجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
إن معاناة الشباب اليوم من الظروف الاقتصادية وعدم المقدرة على تحصيل الأمور المادية التى تعينه على الزواج، تجعلهم فريسة سهلة للمروجين لهذه الأعمال المشينة، وخصوصًا المدمنين منهم والذين يعانون من اضطرابات نفسية. ولو صدق المروجون لتلك الفكرة لكان الأولى أن يبدؤوا بأنفسهم، قبل أن يرسلوا الشباب لهذه المهمة.
كلمة سيف لم تُذكر في القرآن الكريم ولا مرة واحدة، إن البلاد التي لم يشهد فيها تاريخ الإسلام حروبًا، هي التي يقيم فيها أكثر مسلمي العالم اليوم، مثل أندونيسيا والهند والصين وغيرها. والدليل على ذلك وجود النصارى والهندوس وغيرهم إلى يومنا الحالي في البلدان التي فتحها المسلمون، بينما لا يوجد مسلمون إلا القليل في البلدان التي استعمرها غير المسلمين. والتي كانت حروب إبادة جماعية وإجبار للقاصي والداني على اعتناق عقيدتهم كالحروب الصليبية وغيرها.
قال إدوار مونتيه مدير جامعة جنيف في محاضرة له: “إن الإسلام دين سريع الانتشار، ينتشر من تلقاء نفسه دون أيِّ تشجيع تقدمه له مراكز منظمة، وذلك لأن كل مسلم مبشر بطبيعته، المسلم شديد الإيمان، وشدة إيمانه تستولي على قلبه وعقله، وهذه ميزة في الإسلام ليست لدين سواه، ولهذا السبب ترى المسلم الملتهب إيمانًا يبشر بدينه أينما ذهب وأينما حَلّ، وينقل عدوى الإيمان الشديد لكل من يتصل به من الوثنيين. وإضافة إلى الإيمان، فالإسلام تمشى مع الأحوال الاجتماعية والاقتصادية، وله قدرة عجيبة على التكيف بحسب المحيط وعلى تكييف المحيط حسب ما يقتضيه هذا الدين القوي”[32].
11) هل يوجد في الإسلام قديسين وصالحين؟ وهل يقدس المسلم صحابة الرسول محمد؟
المسلم يحذو بحذو الصالحين وصحابة الرسول ويحبهم ويحاول أن يكون صالح مثلهم، ويعبد الله وحده كما فعلوا هم، ولكن لا يقدسهم ولا يجعل منهم وسيطًا بينه وبين الله.
قال الله تعالى:
“… وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ۚ …“[33].
12) ما الفرق بين الشيعة والسنة؟
محمدًا لم يكن سنيًا ولا شيعيًا ولكن كان حنيفًا مسلمًا، والمسيح لم يكن كاثوليكيًا ولا غيرها، كلاهما عبد الله وحده بلا وسيط، فلم يعبد المسيح نفسه ولم يعبد أمه، وكذلك لم يعبد محمد نفسه ولا ابنته ولا زوج ابنته.
وظهور فِرق كثيرة بسبب مشاكل سياسية أو انحرافات عن الدين الصحيح أو غيرها من الأسباب وارد، ولا علاقة له بالدين الصحيح الواضح البسيط، وفي كل الأحوال فإن كلمة “سُنَّة” تعني اتباع منهج الرسول بحذافيره، وتعني كلمة “شيعة” فِرقة من الناس انشقوا عن النهج الذي ينتهجه عامة المسلمين. وبالتالي فإن السنة هم المتبعين لمنهج الرسول وهم السائرين على المنهج الصحيح في العموم، أما الشيعة فهم فرقة انحرفت عن النهج الصحيح للإسلام.
قال الله تعالى:
“إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ”[34].
13) هل الإمام في الإسلام مثل القسيس في النصرانية؟
كلمة إمام تعني من تقدم قومه بالصلاة أو برعاية شؤونهم وقيادتهم، وهي ليست رتبة دينية محصورة في أشخاص معينين، ولا يوجد طبقية أو كهنوت في الإسلام، والدين للجميع، الناس سواسية كأسنان المِشط أمام الله، فلا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح. والأولى بإمامة الصلاة هو الأكثر حفظًا والعارف بما يلزم معرفته من الأحكام المتعلقة بالصلاة، ومهما حصل الإمام على احترام من المسلمين فإنه في كل الحالات لا يسمع لاعتراف ولا يغفر الذنوب كما هو الحال عند القسيس.
قال الله تعالى:
“ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ”[35].
والإسلام يؤكد على عصمة الأنبياء من الخطأ فيما يُبلغوا عن الله، ولا عصمة ولا وحي لقسيس أو قديس، ومن المحرم تمامًا في الإسلام اللجوء لغير الله في الاستعانة والطلب حتى لو كان الطلب من الأنبياء أنفسهم، ففاقد الشيء لا يعطيه. كيف يطلب الإنسان من غيره العون وهو الذي لا يستطيع إعانة نفسه، والطلب من الله عز ومن غيره مذلة. هل يُعقل أن نساوي بين الملك وعامة شعبه بالطلب، فالعقل والمنطق يدحض هذه الفكرة تمامًا. وإن الطلب من غير الله عبث مع الإيمان بوجود الإله القادر على كل شيء، وهو شرك مناقض للإسلام وهو أعظم الذنوب.
قال الله تعالى على لسان الرسول:
“ قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ”[36].
وقال أيضًا:
“قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا “[37].
“وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا “[38].
14) ما الفرق بين النبي والرسول؟
النبي من أُوحي إليه ولم يأتِ برسالة أو منهج جديد، وأما الرسول فيبعثه الله بمنهج وشريعة تناسب قومه، على سبيل المثال (التوراة التي نزلت على النبي موسى، الإنجيل على المسيح، القرآن على النبي محمد، صحف إبراهيم، الزبور على النبي داوود).
15) لماذا يُرسل الله إلى الناس رسلاً بشرًا مثلهم ولا يُرسل ملائكة؟
إن الذي يناسب البشر هو بشر مثلهم يكلمهم بلغتهم ويكون قدوة لهم، ولو أرسل إليهم ملَكًا رسولاً وفعل ما استصعب عليهم، لاحتجوا بأنه مَلَك يستطيع ما لا يستطيعون.
قال الله تعالى:
“قُل لَّوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَّسُولًا “[39] .
“وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ”[40].
16) ما الدليل على تواصل الخالق مع خلقه عن طريق الوحي؟
من الدلائل على تواصل الله مع خلقه عن طريق الوحي:
1-الحكمة: فمثلاً إذا بنى الإنسان مسكنًا، ثم تركه بدون منفعة له أو لغيره أو حتى لأولاده، فإننا بطبيعة الحال نحكم عليه بأنه انسان غير حكيم أو غير سوي. لذلك – ولله المثل الأعلى- فإنه من البديهي أن يكون هناك حكمة من خلق الكون، وتسخير ما في السماوات والأرض للإنسان.
2-الفطرة: يوجد في داخل النفس البشرية دافعًا فطريًا شديدًا لمعرفة أصله ومصدر وجوده والغاية من وجوده، إن فطرة الإنسان تدفعه دومًا للبحث عن المتسبب بوجوده. غير أن الإنسان وحده لا يمكن له أن يُميِّز صفات خالقه والهدف من وجوده ومصيره إلا من خلال تدخل هذه القوى الغيبية، وذلك بإرسال رسل لتكشف لنا عن هذه الحقيقة.
فنجد أن كثيرًا من الشعوب وجدت طريقها في الرسالات السماوية، في حين أن غيرها من الشعوب لا زالت في ضلالها تبحث عن الحقيقة، وتوقفت في تفكيرها عند الرموز المادية الأرضية.
3-الأخلاق: إن ظمئنا للماء هو دلیل على وجود الماء قبل أن نعرف بوجوده، كذلك شوقنا إلى العدل هو دليل على وجود العادل.
إن الإنسان الذي یُشاهِد ما في هذه الحیاة من نقائص، ومن ظلم الناس لبعضهم البعض، لا يقتنع بأن الحیاة يمكن أن تنتهي بنجاة الظالم وضياع حق المظلوم. بل إن الإنسان يَشعر بالراحة والطمأنينة عندما تُطرح عليه فكرة وجود البعث والحياة الآخرة والقصاص. لا شك أن الإنسان الذي سوف يُحاسَب على أعماله، لا يمكن أن يُترك دون توجیه وإرشاد، وبدون ترغیب أو ترهیب، وهذا هو دور الدين.
كما أن وجود الديانات السماوية الحالية الذي يؤمن أتباعها بألوهية مصدرها، يُعتبر دليل مباشر على تواصل الخالق مع البشر. وحتى وإن أنكر الملحدون إرسال رب العالمين لرسل أو كتب سماوية، فيكفي وجودها وبقائها دليلاً قويًا على حقيقة واحدة وهي رغبة الإنسان الجامحة في التواصل مع الإله، واشباع الفراغ الفطري لديه.
17) ما موقف الإسلام من الخطيئة الأصلية؟
إن الدرس الذي علمه الله للبشرية عند قبوله توبة آدم أبو البشر بسبب أكله من الشجرة المحرَّمة، هو بمثابة أول مغفرة لرب العالمين للبشرية، حيث أنه لا يوجد معنى للخطيئة الموروثة من آدم التي يعتقد بها النصارى، فلا تزر وازرة وزر أخرى، فكل إنسان يتحمل ذنبه وحده؛ وهذا من رحمة رب العالمين بنا. وأن الإنسان يُولد نقيا بلا خطيئة، ويكون مسؤولاً عن أعماله ابتداءً من سن البلوغ.
إن الإنسان لن يُحاسَب عن ذنب لم يقترفه، كما أنه لن ينال النجاة إلا بإيمانه وعمله الصالح، منح الله الحياة للإنسان وأعطاه الإرادة للامتحان والابتلاء، وهو مسؤول فقط عن تصرفاته.
قال الله تعالي:
“…وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور”[41].
وقد ورد في العهد القديم ما يلي:
“لاَ يُقْتَلُ الآبَاءُ عَنِ الأَوْلاَدِ، وَلاَ يُقْتَلُ الأَوْلاَدُ عَنِ الآبَاءِ. كُلُّ إِنْسَانٍ بِخَطِيَّتِهِ يُقْتَلُ”[42].
كما أن المغفرة لا تتنافى مع العدالة، كما أن العدالة لا تمنع المغفرة والرحمة.
18) ما موقف الإسلام من حادثة صلب المسيح؟
الإله الخالق حي قيوم غني قادر، ليس بحاجة لأن يموت على الصليب متجسدًا في صورة المسيح لأجل البشر كما يعتقد النصارى، فهو الذي يمنح الحياة أو يسلبها، لذلك هو لم يمت، كما أنه لم يُبعث. هو الذي حمى وأنقذ رسوله عيسى المسيح من القتل والصلب، كما حمى رسوله إبراهيم من النار، وموسى من فرعون وجنوده، وكما يفعل دومًا مع عباده الصالحين في حمايتهم وحفظهم.
قال الله تعالى:
“وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَل رَّفَعَهُ اللَّـهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا “[43].
إن كان هذا السؤال لعمل مقارنة بين إله وإله آخر فلا إله إلا الله، فالمسيح رسول ومحمد رسول. وإن كان لعمل مقارنة بين رسول ورسول آخر فالمسلم لا يفرق بين أحد من رسل الله.
قال الله تعالى:
“آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ”[44].
خلق الله المسيح من غير أب وخلق آدم من غير أب ولا أم، فهو يخلق ولا يلد، وأمرنا بعبادته بالتوجه إليه وحده، كما فعل رسل الله، فالمسلم يعبد الله كما عبد المسيح الله ولا يعبد المسيح نفسه، ويعبد الله كما عبد محمد الله ولا يعبد محمد نفسه.
قال الله تعالى:
” إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ”[45].
” قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا”[46].
وقد كان محمد خاتم رسل الله إلى الناس كافة، عليهم الصلاة والسلام أجمعين. بينما بعث الله المسيح وبقية الأنبياء إلى أممهم فقط.
كما ورد في القرآن الكريم:
“قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ”[47] .
20) إن كان المسلم يؤمن بالمسيح فلماذا لا يحتفل بميلاده؟
هذا السؤال إن كان عن الاحتفال بميلاد المسيح ابن الله، فهذا مردود، لأن الله لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد. أما إن كان عن الاحتفال بميلاد المسيح رسول الله؛ فالمسلم يثني على المسيح في جميع الأوقات. وقد ثبت أن المسيح لم يولد في الشتاء أصلاً، ولكن الاختلاف على تحديد يوم ميلاده لا يؤثر على العقيدة في شيء.
21) لماذا لا يزوج المسلم ابنته ليهودي أو نصراني؟
الزوج المسلم يحترم أصل دين زوجته النصرانية أو اليهودية وكتابها ورسولها، بل لا يتحقق إيمانه إلا بذلك، ويعطيها الحرية لممارسة شعائرها، والعكس ليس صحيحًا، فمتى آمن النصراني أو اليهودي بأن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله زوجناه بناتنا.
الإسلام إضافة واكتمال للعقيدة، فإن أراد شخص مسلم اعتناق النصرانية مثلاً، فعليهَ أن يخسر إيمانه بمحمد والقرآن، ويخسر علاقته المباشرة مع رب العالمين بالإيمان بالثالوث، وباللجوء إلى القساوسة والقسيسين وغيرهم، وإن أرداد اعتناق اليهودية، فعليه أن يخسر إيمانه بالمسيح والإنجيل الصحيح، مع أنه غير متاح أصلاً لأحد اعتناق اليهودية لأنه دين قومي وليس عالمي وتتجلى فيه العصبية القومية في أوضح صورها.
22) كيف تميزت الحضارة الإسلامية؟
إن الحضارة الإسلامية قد أحسنت التعامل مع خالقها، ووضعت العلاقة بين الخالق ومخلوقاته في المكان الصحيح، في الوقت الذي أساءت فيه الحضارات البشرية الأخرى التعامل مع الله، فقد كفرت به، وأشركت معه مخلوقاته في الإيمان والعبادة، وأنزلته منازل لا تتلاءم مع جلاله وقدره.
والمسلم الحق لا يخلط بين الحضارة والمدنية، فينهج منهج الوسطية في تحديد كيفية التعامل مع الأفكار والعلوم، والتمييز بين:
العنصر الحضاري: المتمثل بالشواهد العقائدية، العقلية، الفكرية، والقِيم السلوكية والأخلاقية.
العنصر المدني: المتمثل في الإنجازات العلمية، والاكتشافات المادية، والمخترعات الصناعية.
فإنه يأخذ من هذه العلوم والاختراعات في إطار مفاهيمه الإيمانية والسلوكية.
فالحضارة اليونانية آمنت بوجود الله، ولكنها أنكرت صفة الوحدانية له، ووصفته بأنه لا ينفع ولا يضر.
الحضارة الرومانية التي تنكرت للخالق بدايةً، وأشركت به عند اعتناقها النصرانية، حيث دخلت عقائدها مَظاهر الوثنية، من عبادة الأوثان ومظاهر القوة.
الحضارة الفارسية قبل الإسلام، كفرت بالله وعبدت الشمس من دونه وسجدت للنار وقدَّستها.
الحضارة الهندوسية، تركت عبادة الخالق وتعبد الإله المخلوق، والمتجسد بالثالوث المقدس، والمتكون من ثلاث صور إلهية: الإله ” براهما” في صورة الخالق، والإله “فشنو” في صورة الحافظ، والإله ” سيفا” في صورة الهادم.
الحضارة البوذية تنكرت للإله الخالق، وجعلت من بوذا المخلوق إلهًا لها.
حضارة الصابئين، كانوا من أهل الكتاب وتنكروا لربهم، وعبدوا الكواكب والنجوم. باستثناء بعض الطوائف الموحدة المسلمة التي ذكرها القرآن الكريم.
مع بلوغ الحضارة الفرعونية درجة كبيرة من التوحيد والتنزيه للإله في عهد أخناتون، إلا أنها لم تتخل عن صور التجسيم والتشبيه للإله ببعض مخلوقاته كالشمس وغيرها، فكانت رمزًا للإله. وقد بلغ الكفر بالله ذروته عندما ادعى فرعون في زمن موسى الألوهية من دون الله، وجعل من نفسه المشرع الأول.
حضارة العرب التي تركت عبادة الخالق وعبدت الأصنام.
الحضارة النصرانية أنكرت وحدانية الله المطلقة، وأشركت به المسيح عيسى وأمه مريم، وتبنت عقيدة التثليث، وهي الإيمان بإله واحد متجسد في ثلاثة أقانيم (الآب، الابن، الروح القدس).
الحضارة اليهودية تنكرت لخالقها، واختارت إلهًا خاصًا بها وجعلته إلهًا قوميًا، وعبدت العجل، ووصفوا الإله في كتبهم بصفات بشرية غير لائقة به.
وكانت قد اضمحلت الحضارات السابقة، وتحولت الحضارة اليهودية والنصرانية إلى حضارتين لا دينيتين، وهما الرأسمالية والشيوعية. ووفقًا لأساليب تعامل هاتين الحضارتين مع الله والحياة عقائديًا وفكريًا، فإنهما متخلفتين وغير متقدمتين، ويتسمان بالوحشية وغير الأخلاقية، مع وصولهما الذروة في التقدم المدني، والعلمي والصناعي، وليس بهذا يقاس تقدم الحضارات.
إن معيار التقدم الحضاري السليم، يستند إلى شواهده العقلية، والفكرة الصحيحة عن الله والإنسان والكون والحياة، والتحضر الصحيح الراقي، هو الذي يُوصِل إلى المفاهيم الصحيحة عن الله وعلاقته بمخلوقاته ومعرفة مصدر وجوده ومآله، ويضع هذه العلاقة في مكانها الصحيح، وبالتالي نصل إلى أن الحضارة الإسلامية هي الوحيدة المتقدمة بين هذه الحضارات، لأنها ببساطة حققت التوازن المطلوب[48].
23) أليس تناقضًا أن يكون الدين الإسلامي بهذه المنطقية، وحال المسلمين بهذه العشوائية؟
يدعو الدين إلى الأخلاق الحميدة وتجنب الأفعال السيئة، وبالتالي فإن السلوك السيئ لبعض المسلمين يرجع إلى عاداتهم الثقافية أو جهلهم بدينهم وابتعادهم عن الدين الصحيح.
لا يوجد تناقض في هذه الحالة، فهل ارتكاب سائق سيارة فخمة لحادث مُروِّع بسبب جهله بأصول القيادة السليمة يناقض حقيقة فخامة السيارة؟
24) لماذا لا يُفصل الدين عن الدولة وتكون المرجعيات لرأي الإنسان كما في الغرب؟
التجربة الغربية جاءت كردة فعل على تسلط وتحالف الكنيسة والدولة على مقدرات الشعب وعقولهم في العصور الوسطى. العالم الإسلامي لم يواجه هذه المشكلة قط، نظرًا لعملية ومنطقية النظام الإسلامي.
نحن في الواقع بحاجة إلى شريعة ربانية ثابتة، تناسب الإنسان في كل أحواله، ولسنا بحاجة إلى مرجعيات تعود لأهواء الإنسان ورغباته وتقلبات مزاجه! كما هو الحال في تحليل الرِّبا والمثلية وغيرها، ولا مرجعيات تُكتب من قبل الأقوياء لتكون ثِقلاً على المستضعفين كما في النظام الرأسمالي، ولا شيوعية تعارض الفطرة في الرغبة في التملك.
25) هل يعترف الإسلام بالديمقراطية؟
لدى المسلم ما هو أفضل من الديمقراطية، وهو نظام الشورى.
الديمقراطية هي: عندما تأخذ رأي جميع أفراد أُسرتِك بعين الاعتبار مثلاً، في قرار مصيري يخص الأُسرة، بغض النظر عن خبرة هذا الفرد أو عمره أو حكمته، من طفل في رياض الأطفال إلى الجد الحكيم، وتساوي بين آرائهم في اتخاذ القرار.
الشورى هي: توجهك لاستشارة كبار السن والمقام، وأصحاب الخبرة لما يصلح أو لا يصلح.
الفرق واضح جدًا، وأكبر دليل على الخلل بالأخذ بالديمقراطية، هو إعطاء الشرعية في بعض الدول لتصرفات هي في حد ذاتها مخالفة للفطرة والدين والأعراف والتقاليد، مثل المثلية الجنسية والرِّبا وغيرها من الممارسات المقيتة، لمجرد الحصول على الأغلبية في التصويت، وبكثرة الأصوات التي تنادي بالانحلال الأخلاقي، كانت الديمقراطية قد ساهمت في خلق مجتمعات لا أخلاقية.
إن الفرق بين الشورى الإسلامية والديمقراطية الغربية، هو خاص بمصدر السيادة في التشريع، فالديمقراطية تجعل السيادة في التشريع ابتداءً للشعب والأمة، أما الشورى الإسلامية فإن السيادة في التشريع تكون ابتداءً لأحكام الخالق سبحانه وتعالى والتي تجسدت في الشريعة، وهي ليست إنتاجًا بشريًا، وما للإنسان في التشريع إلا سلطة البناء على هذه الشريعة الإلهية، وكذلك له سلطة الاجتهاد بما لم ينزل فيه شرع سماوي، شريطة أن تظل السُّلطة البشرية محكومة بإطار الحلال والحرام الشرعي.
26) التشريع الإسلامي قانون ديني فريد من نوعه ولا- يعارض العقل، فلماذا الحدود؟
الحدود وُضعت للردع ولعقاب من يقصد الإفساد في الأرض، بدليل أنها تُعطَّل في حالات القتل الخطأ أو السرقة بسبب الجوع والحاجة الشديدة، ولا تُطبق الحدود على الصغير والمجنون أو المريض نفسيًا، وهي في الأساس لحماية المجتمع، وكونها قاسية فهذا من المصلحة التي يوفرها الدين للمجتمع والتي يجب أن يفرح بها أفراد المجتمع، فوجودها رحمة للناس والتي سوف يتحقق لهم بها الأمان، ولن يعترض على هذه الحدود إلا المجرمين وقطاع الطرق والمفسدين لخوفهم على أنفسهم. ومن هذه الحدود ما هو موجود أصلاً في القوانين الوضعية كحد الإعدام وغيرها.
إن هؤلاء الطاعنين في هذه العقوبات قد اعتبروا مصلحة المجرم ونسوا مصلحة المجتمع، وأشفقوا على الجاني وأهملوا الضحية، واستكثروا العقوبة وغفلوا عن قسوة الجريمة.
ولو أنهم قرنوا العقوبة بالجريمة، لخرجوا موقنين بالعدالة في
العقوبات الشرعية، ومساواتها لجرائمها.
فإذا استحضرنا مثلاً فعل
السارق وهو يسير في جنح الظلام متخفيًا، يكسر القفل ويُشهر السلاح ويروّع الآمنين،
هاتكًا حرمة البيوت وعازمًا على قتل من يقاومه، وكثيرًا ما تقع جريمة القتل كوسيلة
يتذرع بها السارق إلى إتمام سرقته، أو الفرار من تبعاتها فيقتل دون تمييز. فعند استحضار فعل
هذا السارق مثلاً لأدركنا الحكمة البالغة من قسوة العقوبات الشرعية.
وهكذا الشأن في بقية العقوبات، علينا أن نستحضر جرائمها، وما فيها من أخطار وأضرار، وظلم واعتداء، حتى نستيقن أن الله تعالى قد شرع لكل جريمة ما يناسبها، وجعل الجزاء من جنس العمل.
قال الله تعالى:
“…وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا “ [49].
لقد قدم الإسلام قبل أن يقرر العقوبات الرادعة من وسائل التربية والوقاية ما يكفي لإبعاد المجرمين عن الجريمة التي اقترفوها؛ لو كانت لهم قلوب تعقل، أو نفوس ترحم. ثم إنه لا يطبقها أبدًا حتى يضمن أن الفرد الذي ارتكب الجريمة قد ارتكبها دون مسوّغ ولا شبهة اضطرار. فوقوعه فيها بعد كل هذا دليل على فساده وشذوذه، واستحقاقه للعقوبات الرادعة المؤلمة.
فقد عمل الإسلام على توزيع الثروة توزيعًا
عادلاً، وجعل في أموال الأغنياء حقًا معلومًا للفقراء، وأوجب النفقة على الزوج والأقارب،
وأمر بإكرام الضيف والإحسان إلى الجار، وجعل الدولة مسؤولة عن كفالة أفرادها
بتوفير تمام الكفاية لهم في الحاجات الضرورية من مطعم وملبس ومسكن وغيرها، بحيث
يعيشون حياة لائقة كريمة.
كما
أنها تكفل أفرادها بفتح أبواب العمل الكريم لمن يستطيع، وتمكين كل قادر من أن يعمل
بمقدار طاقته، وتهيئة الفرص المتساوية للجميع.
لنفترض أن شخصًا عاد لمنزله ووجد أفراد أُسرته قد قُتلوا على يد أحدهم بهدف السرقة أو الانتقام مثلاً، وجاءت السلطات لتقبض عليه وتحكم عليه بالسجن لمدة معينة، طويلة كانت أو قصيرة، يأكل فيها وينتفع بالخدمات الموجودة في السجن، والتي يساهم بتوفيرها الشخص المنكوب نفسه عن طريق دفع الضرائب.
ماذا سوف تكون ردة فعله في هذه اللحظة؟ سوف ينتهي به الأمر للجنون، أو الإدمان على المخدرات لينسى آلامه. إن الموقف نفسه لو حدث في دولة تُطبق الشريعة الإسلامية سوف يكون تصرف السلطات مختلف. سوف يأتون بالمجرم إلى أهل المجني عليهم، لإعطاء القرار في شأن هذا الجاني، إما أن يأخذوا بالقصاص، وهو العدل بعينه، أو دفع الدِّية وهي المال الواجب بقتل آدمي حُر، عوضًا عن دمه، أو العفو، والعفو أفضل.
قال الله تعالى:
“…وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا
وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ”[50]
.
وإن كل دارس للشريعة
الإسلامية يدرك أن الحدود ما هي إلا أسلوب تربوي وقائي أكثر من أن يكون عملاً
انتقاميًا أو نابع من الرغبة في تطبيق هذه الحدود. فعلى سبيل المثال:
يجب التحرز تمامًا والتأني، وتلمس المعاذير ودرء الشبهات قبل إقامة الحد؛ وذلك لحديث رسول الله: “ادرؤوا الحدود بالشبهات”.
من أخطأ وستره الله، ولم يظهر خطيئته للناس، فلا حد عليه؛ فليس من الإسلام تتبع عورات الناس، والتجسس عليهم.
عفو الضحية عن الجاني يوقف الحد.
“…فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ…”[51].
يجب أن يكون الجاني مختارًا وليس مكرهًا، فلا يقام الحد على المكره. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“رُفِعَ عن أُمَّتي الخطأَ والنِّسيانَ وما استُكْرِهوا عليهِ”[52].
والحكمة في تغليظ العقوبات الشرعية التي
توصف بالوحشية والهمجية (حسب زعمهم)، من قتل القاتل، ورجم الزاني، وقطع السارق،
وغيرها من العقوبات، هي أن هذه الجرائم تُعتبر أمهات المفاسد، وكل واحدة منها
تتضمن اعتداء على
واحدة
أو أكثر من المصالح الخمس الكبرى (الدِّينُ، وَالنَّفْسُ، وَالنَّسْلُ،
وَالْمَالُ، وَالْعَقْلُ)، والتي أجمعت الشرائع والقوانين الوضعية في كل زمان على
وجوب حفظها وصيانتها؛ حيث لا تستقيم الحياة بدونها.
ولأجل
هذا كان المرتكب لشيء منها جديرًا بأن تُغلَّظ عليه العقوبة، حتى تكون زاجرة له،
ورادعة لغيره.
فالمنهج الإسلامي يجب أن يؤخذ كله ولا يمكن تطبيق الحدود
الإسلامية بمعزل عن تعاليم الإسلام فيما يخص المنهاج الاقتصادي والاجتماعي. فبعد
الناس عن تعاليم الدين الصحيحة هي التي قد تدفع بالبعض إلى اقتراف الجرائم.
وها
هي هذه الجرائم الكبرى تعصف بكثير من الدول التي لا تطبق الشريعة الإسلامية، مع كل
ما توفر لها من إمكانيات وقدرات، وتقدم مادي وتقني.
عدد
آيات القرآن الكريم 6348 آية، وآيات الحدود لا تتجاوز العشر الآيات، والتي وُضعت
بحكمة بالغة من لدن حكيم خبير. هل يخسر الإنسان فرصة الاستمتاع بقراءة وتطبيق هذا
المنهج الذي يعتبره الكثير من غير المسلمين فريدًا من نوعه، فقط لأنهم قد جهلوا
الحكمة من وراء عشر آيات؟
1) كيف حقق الإسلام التوازن الاجتماعي؟
إن من القواعد العامة في الإسلام، أن المال مال الله والناس مستخلفون فيه، وألا تكون الأموال دُوَلة بين الأغنياء، ويَمنع الإسلام كنز المال بدون إنفاق نسبة بسيطة منه للفقراء والمساكين عن طريق الزكاة، وهي عبادة تساعد الإنسان على تغليب صفات البذل والعطاء على نوازع الشح والبخل.
قال الله تعالى:
” مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ “[1].
” آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ”[2].
“…الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ “[3].
كما ويحث الإسلام على العمل لكل قادر.
قال الله تعالى:
” هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ “[4].
فالإسلام دين عمل في الواقع، والله سبحانه وتعالى يأمرنا بالتوكل وليس بالتواكل، فالتوكل يقتضي العزم وبذل الطاقة والأخذ بالأسباب، ثم التسليم بعد ذلك لقضاء الله وحُكمه.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال لمن أراد أن يترك ناقته سائبة توكلاً على الله:
” اعقِلْها وتَوكَّلْ”[5].
وبهذا يكون المسلم قد حقق التوازن المطلوب.
وحرَّم الإسلام الإسراف وارتفع بمستوى الأفراد لضبط مستوى المعيشة، على أن مفهوم الإسلام للغِنى ليس تلبية للحاجات الضرورية فقط بل أن يملك الإنسان ما يأكل ويلبس ويسكن ويتزوج ويحج ويتصدق أيضًا.
قال الله تعالى:
“وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا”[6].
فالفقير في نظر الإسلام هو من لم يظفر بمستوى من المعيشة ما يمكِّنه من إشباع حاجاته الضرورية وحسب مستوى المعيشة في بلده، وبقدر ما يتسع مستوى المعيشة يتسع المدلول الواقعي للفقر، فإذا كان المتعارف عليه في مجتمع ما حيازة كل عائلة على منزل مستقل بها مثلاً، أصبح عدم حصول أسرة معينة على منزل مستقل بها يُعتبر لونًا من ألوان الفقر، وعلى هذا فالتوازن يعني إغناء كل فرد (مسلمًا كان أم ذميًا) بالقدر الذي يتناسب وإمكانيات المجتمع في ذلك الوقت.
ويضمن الإسلام تلبية حاجات جميع أفراد المجتمع، ويتحقق ذلك من خلال التكافل العام، فالمسلم أخو المسلم وكفالته واجبة عليه ومن هنا فإن على المسلمين ألا يظهر بينهم محتاج.
قال النبي عليه الصلاة والسلام:
“المسلِمْ أَخو المسِلمْ لا يَظْلِمُه ولا يُسْلِمه، ومَن كان في حاجِةِ أخيهِ كان الله في حاجتِه، ومَنْ فرَّج عَنْ مُسلِمٍ كُربةَ فرَّج الله عَنه كُربَةَ مِن كُرُباتِ يومِ القِيامة، ومَن سَتَر مُسلماً ستره الله يَومَ القيامة” [7].
2) كيف حقق الإسلام التوازن الاقتصادي؟
بعمل مقارنة بسيطة بين النظام الاقتصادي في الإسلام والرأسمالية والاشتراكية مثلاً يتضح لنا كيف حقق الإسلام هذا التوازن.
بخصوص حرية التملك:
في الرأسمالية: الملكية الخاصة هي المبدأ العام،
في الاشتراكية: الملكية العامة هي المبدأ العام.
في الإسلام: السماح بملكيات ذات أشكال متنوعة:
الملكية العامة: وهي عامة لمجموع المسلمين مثل الأراضي العامرة.
ملكية الدولة: الثروات الطبيعية من غابات ومعادن.
ملكية خاصة: تكتسب فقط عن طريق العمل الاستثماري بما لا يُهدد التوازن العام.
وبخصوص الحرية الاقتصادية:
في الرأسمالية: تُترك الحرية الاقتصادية بلا حدود.
في الاشتراكية: مصادرة الحرية الاقتصادية تمامًا.
في الإسلام: يُعترف بالحرية الاقتصادية في نطاق محدود يتمثل في:
التحديد الذاتي النابع من أعماق النفس بناءً على التربية الإسلامية، وانتشار المفاهيم الإسلامية في المجتمع.
التحديد الموضوعي الذي يتمثل بالتشريعات المحددة التي تمنع أعمالاً محددة مثل: الغش، والمَيسِر، والرِّبا، وغيرها.
قال الله تعالى:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ۖ وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”[8].
“وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّـهِ ۖ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّـهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ”[9].
“يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ”[10].
لقد رسمت الرأسمالية منهجًا حرًا للإنسان، ودعته للسير على هديه، حيث ادعت الرأسمالية أن هذا المنهج المنفتح هو الذي سيوصل الإنسان للسعادة الخالصة، لكن الإنسان وجد نفسه في نهاية المطاف يقبع في مجتمع طبقي، فإما غنًا فاحشًا يقوم على الظلم للغير، أو فقرًا مُدقعًا للملتزم أخلاقيًا.
وجاءت الشيوعية فألغت كل الطبقات، وحاولت أن ترسم مبادئ أكثر صلابة، لكنها خلقت مجتمعات أكثر فقرًا وألما، وأكثر ثورية من غيرها.
وأما الإسلام فقد حقق الوسطية، وكانت الأمة الإسلامية هي الأمة الوسط، فقدمت للإنسانية نظامًا عظيمًا بشهادة أعداء الإسلام. لكن هناك من المسلمين من قصَّروا في الالتزام بقيم الإسلام العظيمة.
إن التطرف، التشدد والتعصب، ما هي إلا صفات قد نهى عنها الدين الصحيح أساسًا. وقد دعا القرآن الكريم في آيات كثيرة للأخذ باللطف والرحمة في التعامل، والأخذ بمبدأ العفو والتسامح.
قال الله تعالى:
” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ”[11] .
“ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ”[12] .
الأصل في الدين هو الحلال، باستثناء بعض المحرمات المعدودات التي ذُكرت بوضوح في القرآن الكريم والتي لا يختلف عليها أحد.
قال الله تعالى:
“يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ(31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ”[13].
لقد نَسب الدين ما يدعو إلى التطرف والتشدد أو التحريم بغير دليل شرعي إلى أفعال شيطانية، والدين منها برئ.
قال الله تعالى:
” يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ “[14].
” وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا” [15].
إن الدين في الأصل يأتي ليُخفف عن الناس كثيرًا من القيود التي يفرضونها على أنفسهم. ففي الجاهلية وقبل الإسلام على سبيل المثال، كانت قد انتشرت ممارسات بغيضة كوأد البنات وتحليل أنواع من الطعام للذكور وتحريمها على الإناث، وحرمان الإناث من الميراث، إضافة إلى أكل الميتة والزنا وشُرب الخمور وأكل مال اليتيم والرِّبا وغيرها من الفواحش.
إن من أحد الأسباب التي تدعو الناس للنفور من الدين واللجوء إلى الأخذ بالعلم المادي وحده، هو وجود تناقضات في بعض المفاهيم الدينية عند بعض الشعوب، لذلك فإنه من أهم السمات والأسباب الرئيسة التي تدعو الناس إلى الإقبال على الدين الصحيح، هو وسطيته وتوازنه. وهذا ما نجده بوضوح في الدين الإسلامي.
إن مشكلة الديانات الأخرى، والتي نشأت من تحريف الدين الصحيح الواحد:
روحية صِرفه، وتشجع أتباعها على الرهبانية والانعزال.
مادية بحتة.
وهذا ما تسبب في صرف كثير من الناس عن الدين عمومًا في كثير من الشعوب وأصحاب المِلل السابقة.
كما نجد عند بعض الشعوب الأخرى كثيرًا من التشريعات والأحكام والممارسات الخاطئة، والتي نُسبت إلى الدين، كذريعة لإجبار الناس عليها، والتي انحرفت بهم عن طريق الصواب، وعن مفهوم الدين الفطري، وبالتالي فَقَد كثير من الناس القدرة على التمييز بين المفهوم الحقيقي للدين والذي يُلبي الحاجات الفطرية للإنسان والتي لا يختلف عليها أحد، وبين القوانين الوضعية والتقاليد والعادات والممارسات الموروثة من قِبل الشعوب، مما أدى لاحقًا إلى المطالبة باستبدال الدين بالعِلم الحديث.
إن الدين الصحيح هو الذي يأتي للتخفيف عن الناس ورفع المعاناة عنهم، وليَضَع الأحكام والتشريعات التي تهدف بالدرجة الأولى التيسير على الناس.
قال الله تعالى:
“…وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا” [16].
“ .…وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”[17].
“…وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ …” [18].
وقوله عليه الصلاة والسلام:
“يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا، وَلاَ تُنَفِّرُوا “[19].
وأذكر هنا قصة الثلاثة رجال الذين كانوا يتحادثون فيما بينهم، حيث قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال:
“أنتُم الذينَ قُلتُمْ كَذا وكَذا؟ أمَّا والله إنّي لأَخشاكُم لله وأتقاكُمْ له، لكنّي أَصومُ وأُفطِرْ، وأُصلي وأَرقُد، وأَتزوّج النّساءْ، فَمَن رغِبَ عن سُنّتي فليس مِنّي”[20].
وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بذلك لعبد الله بن عمرو وقد بلغه أنه يقوم الليل كله، ويصوم الدهر كله، ويختم القرآن في كل ليله فقال:
” فلا تَفْعَلْ، قُمْ ونَمْ، وصُمْ وأَفْطِرْ، فإنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا”[21].
5) لماذا ترتدي المرأة المسلمة الحجاب؟
قال الله تعالى:
“يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا “[22].
المرأة المسلمة فهمت مصطلح” الخصوصية ” جيدًا، فعندما أحبت أبيها وأخيها وابنها وزوجها، فهمت أن حب كلاً منهم له خصوصية، فحبها لزوجها وحبها لأبيها أو أخيها يتطلب منها إعطاء كل ذي حق حقه. فحق والدها عليها من الاحترام والبر ليس كحق ابنها من الرعاية والتربية وهكذا. فهي تفهم جيدًا متى وكيف ولمن تُبدي زينتها، فهي لا ترتدي في لقاءها مع الغريب كما ترتدي مع القريب، ولا تظهر بنفس الهيئة للجميع. والمرأة المسلمة هي امرأة حرة، رفضت أن تكون أسيرة لأهواء غيرها وللموضة، ترتدي ما تراه مناسب لها ويُسعدها هي، ويُرضي خالقها، انظر كيف أصبحت المرأة في الغرب أسيرة للموضة ودور الأزياء، إن قالوا مثلاً: إن الموضة هذا العام هي لبس البنطال القصير الضيِّق، أسرعت المرأة لارتدائه، بغض النظر عن ملاءمته لها أو حتى شعورها بالراحة عند ارتدائه من عدمه.
إنه لا يخفى على أحد وضع المرأة اليوم عندما تحولت إلى سلعة، ويكاد لا يخلو إعلان أو منشور من صورة امرأة عارية، مما يعطي رسالة غير مباشرة للمرأة الغربية بقيمتها في هذا العصر. إن بإخفاء المرأة المسلمة لزينتها، تكون هي التي قد أرسلت رسالة للعالم، وهي: أنها إنسانة ذي قيمة، مُكرَّمة من الله، ويجب على من يتعامل معها أن يحكم على علمها، ثقافتها، قناعاتها وأفكارها، ليس على مفاتن جسمها.
والمرأة المسلمة فهمت أيضًا الطبيعة البشرية التي خلق الله الناس عليها، فهي لا تُظهر زينتها للغرباء لحماية المجتمع وحماية نفسها من الأذى، ولا أظن أحد ينكر حقيقة أن كل فتاة جميلة مفتخرة بإظهار مفاتنها للعلن، عندما تصل لسن الشيخوخة تتمنى لو أن كل نساء العالم ارتدين الحجاب.
فليتأمل الناس في إحصائيات معدلات الوفاة والتشويه الناجمة عن عمليات التجميل في وقتنا الحاضر، ما الذي دفع المرأة لأن تُقاسي كل هذا العذاب؟ لأنهم أجبروها على خوض مسابقة الجمال الجسدي عوضًا عن الجمال الفكري، مما أخسرها قيمتها الحقيقية بل وحياتها أيضًا.
6) هل غطاء الرأس للمرأة تخلف ورجوع إلى الوراء؟
كشف الرأس هو الرجوع إلى الوراء بعينه. هل يوجد وراء أبعد من زمن آدم؟ ومنذ أن خلق الله آدم وزوجته، وأسكنهم في الجنة، قد كفل لهم الستر والملبس.
قال الله تعالى:
“إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ“[23].
وكذلك أنزل الله اللباس لذرية آدم ليواري سوءاتهم وزينة، ومنذ ذلك الوقت والإنسانية تتطور في لباسها ويقاس تطور الشعوب بتطور اللباس والستر. فمن المعروف أن الشعوب المنعزلة عن الحضارة مثل بعض الشعوب الأفريقية لا تلبس سوى ما يغطي السوأة.
قال الله تعالى:
“يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ “[24].
يمكن للإنسان الغربي النظر إلى صور جدته وهي في طريقها إلى المدرسة، ولينظر ماذا كانت ترتدي. عندما ظهرت ملابس السباحة لأول مرة، خرجت مظاهرات في أوروبا وأستراليا ضده لأنه مخالف للفطرة والعرف، وليس لأسباب دينية. وعكفت شركات التصنيع على عمل إعلانات مكثفة باستخدام بنات في عمر الخمس سنوات حتى يظهرن فيه بدايةً لتشجع النساء على ارتدائه، وقد ظهرت أول طفلة تمشي به بخجل شديد، ولم تستطع الاستمرار في العرض. وقد كان النساء والرجال آنذاك يعومون بملابس سباحة تغطي كامل الجسد باللونين الأبيض والأسود.
7) لماذا لا يغطي الرجل والمرأة أجسادهم بنفس الطريقة في الإسلام؟
لقد أجمع العالم على بديهية الفرق في التكوين الجسدي بين الرجل والمرأة، بدليل أن ملابس السباحة للرجل تختلف عن ملابس المرأة في الغرب. إن المرأة تغطي جسدها بالكامل لدرء الفتنة، هل سمع أحد عن حادثة اغتصاب امرأة لرجل قط؟ تخرج النساء في الغرب في مظاهرات مطالبة بحقوقها في الحياة الآمنة بدون تحرش ولا اغتصاب، ولم نسمع عن مظاهرات مشابهة قام بها الرجال.
8) هل حقق الإسلام للمرأة المساواة مع الرجل؟
المرأة المسلمة تبحث عن العدالة ولا تبحث عن المساواة، فمساواتها بالرجل تُفقدها كثيرًا من حقوقها وتميزها. لنفترض أن لدى شخصٍ ما ابنان، أحدها يبلغ من العمر خمس سنوات والآخر ثماني عشرة سنة. وأراد شراء قميص لكلِّ منها، فالمساواة هنا تتحقق في أن يشتري لهما القميصين بنفس المقاس، مما يتسبب في معاناة أحدهما، لكن العدالة أن يشتري لكل واحد منهما مقاسه المناسب، وبالتالي تتحقق السعادة للجميع.
تحاول المرأة في هذا الزمن إثبات أنه بإمكانها أن تفعل كل ما يفعله الرجل. غير أنه في الواقع، المرأة تفقد تفردها وامتيازها في هذه الحالة. فإن الله خلقها لتقوم بما لا يمكن أن يقوم به الرجل. لقد ثبت أن آلام الوضع والإنجاب من أكثر الآلام شدة، وجاء الدين ليعطي المرأة التكريم المطلوب مقابل هذا التعب، ويعطيها الحق بعدم تحملها لمسؤولية النفقة والعمل، أو حتى أن يتقاسم زوجها معها مالها الخاص كما هو الحال في الغرب. وفي حين لم يُعطِ الله الرجل القوة على تحمل آلام الولادة، لكن أعطاه القدرة على صعود الجبال مثلاً.
وإذا أحبت المرأة صعود الجبال والعمل والكد، وادعت أنها تستطيع فعل ذلك كالرجل تمامًا، فيمكنها فعل ذلك، لكن في النهاية هي من سيضع الأطفال أيضًا، ويقوم برعايتهم وإرضاعهم، فالرجل في كل الأحوال لا يستطيع القيام بهذا، وهذا مجهود مضاعف عليها، كان بإمكانها تفاديه.
ما لا يعرفه الكثيرون، هو أنه إذا أرادت امرأة مسلمة المطالبة بحقوقها من خلال الأمم المتحدة، والتنازل عن حقوقها في الإسلام، فستكون خسارة لها، لأنها تتمتع بحقوق أكثر في الإسلام. فالإسلام يحقق التكامل الذي خُلق من أجله الرجل والمرأة مما يوفر السعادة للجميع.
9) لماذا يُجيز الإسلام تعدد الزوجات؟
حسب الإحصائيات العالمية فان الذكور والإناث يولدون بنفس النسبة تقريبًا. علمياً معروف أن فرص نجاة وبقاء الأطفال الإناث أكثر من الذكور. وأيضا في الحروب فإن نسبة قتل الذكور أكثر من النساء. كما أنه معروف علمياً أن متوسط العمر الافتراضي للإناث هو أكثر من متوسط عمر الذكور. مما يترتب عليه زيادة نسبة الأرامل النساء في العالم عن نسبة الأرامل الذكور. وبالتالي فان سوف نصل لنتيجة أن سكان العالم من النساء هم أكثر من عدد السكان الذكور. وبناءً عليه قد لا يكون من المناسب عمليا تقييد كل رجل بزوجة واحدة.
في المجتمعات التي يُحظر فيها تعدد الزوجات قانونيًا نجد أنه من الشائع أن يكون لدى الرجل عشيقات وعدة علاقات خارج إطار الزواج، وهذا إقرار ضمني بالتعدد ولكن غير قانوني لديهم، وهو الوضع الذي كان سائدًا قبل الإسلام، وجاء الإسلام ليصححه، ويحفظ للمرأة حقوقها وكرامتها ويحولها من عشيقة إلى زوجة لها كرامة وحقوق لها ولأطفالها.
ومن العجيب أنه ليس لدى هذه المجتمعات أي مشكلة في قبول العلاقات بدون زواج أو حتى الزواج من نفس الجنس وكذلك قبول العلاقات بدون مسؤولية واضحة أو حتى قبول أطفال بلا آباء، إلخ. لكنها لا تتسامح مع زواج قانوني بين رجل وأكثر من امرأة. في حين أن الإسلام حكيمٌ في هذه المسألة وصريح بالسماح للرجل بتعدد الزوجات حفاظًا على كرامة المرأة وحقوقها، وطالما أنَّ لديه أقل من أربع زوجات في حال توافر شرط العدل والمقدرة. ولحل مشكلة النساء التي لا تجد زوجًا أعزبًا وليس أمامها إلا أن تتزوج رجل متزوج أو أن تضطر بأن تقبل أن تكون عشيقة.
على الرغم من أن الإسلام سمح بتعدد الزوجات لكن ليس كما يفهم البعض أن المسلم مُجبر على الزواج بأكثر من واحدة.
قال الله تعالى:
“وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً… “[25].
القرآن هو الكتاب الديني الوحيد في العالم الذي يبين أنه يجب الالتزام بزوجة واحدة فقط عند عدم توفر شرط العدالة.
قال الله تعالى:
“وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۖ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ۚ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا “[26].
في جميع الأحوال، يحق للمرأة أن تكون الزوجة الوحيدة لزوجها عن طريق ذكر هذا الشرط في عقد الزواج وهذا شرط أساسي يجب الالتزام به، ولا يجوز نقضه.
10) لماذا لا يحق للمرأة الزواج من أربعة رجال في وقت واحد كما يحق للرجل؟
إحدى النقاط المهمة للغاية التي غالبًا ما يتم تجاهلها في المجتمع الحديث هي الحق الذي أعطاه الإسلام للمرأة والذي لم يُعطيه للرجل. فالرجل يقتصر زواجه على النساء الغير متزوجات فقط. في حين أن المرأة بإمكانها الزواج من رجل أعزب أو غير أعزب. وذلك لضمان نَسَب الأولاد للأب الحقيقي وحماية حقوق الأطفال وميراثهم من والدهم. لكن الإسلام يسمح للمرأة بالزواج من رجل متزوج، طالما أنَّ لديه أقل من أربع زوجات في حال توافر شرط العدل والمقدرة. لذلك لدى المرأة مساحة أوسع للاختيار من بين الرجال. ولديها الفرصة لمعرفة كيفية معاملة الزوجة الأخرى والدخول في مشروع الزواج وهي على دراية بأخلاقيات هذا الزوج.
وحنى لو سلمنا بإمكانية حفظ حق الأولاد عن طريق فحص الحمض النووي مع تطور العلم، فما ذنب الأولاد وقد خرجوا إلى الدنيا، ووجدوا أمهم تُعرفهم على أبيهم عن طريق هذا الفحص، كيف ستكون حالتهم النفسية؟ ثم كيف تستطيع أن تقوم المرأة بدور زوجة لأربعة رجال بهذا المزاج المتقلب الذي لديها؟ إضافة للأمراض التي تسببها علاقتها مع أكثر من رجل في الوقت نفسه.
11) لماذا الرجال قوامون على النساء في الإسلام؟
قوامة الرجل على المرأة ما هي إلا تشريف للمرأة وتكليف للرجل، وهي أن يقوم على رعاية شؤونها وقضاء حوائجها، المرأة المسلمة تلعب دور الملكة التي تتمناه كل امرأة على وجه الأرض. الذكية هي التي تختار ما يجب أن تكون، إما ملكة مكرمة، أو كادحة على قارعة الطريق.
ولو سلمنا باستغلال بعض الرجال المسلمين هذه القوامة بشكل خاطئ، فهذا لا يعيب بنظام القوامة بل يعيب بمن أساء استخدامها.
12) هل انتقص القرآن من أهلية المرأة بجعل شهادتها النصف من شهادة الرجل؟
قال الله تعالى:
“ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ َۚ و اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى” [27].
“الإشهاد” في دَين خاص التي تتكلم عنه الآية هنا، فهو نصيحة وإرشاد لصاحب الدَّين ذي المواصفات والملابسات الخاصة وليست تشريعًا موجهًا إلى القاضي الحاكم في المنازعات، بناءً على عدم اشتغال النساء بأسواق المبايعات والحقوق المالية في ذلك الوقت، وهذا يختلف عن “الشهادة”.
إن شهادة الرجل لم تقبل قط وحده حتى في أتفه القضايا المالية، ولم يعترض الرجل المسلم ويعتبر ذلك مساسًا لكرامته، غير أن المرأة قد امتازت على الرجل في سماع شهادتها وحدها دون الرجل، فيما هو أخطر من الشهادة على الأمور الصغيرة، وذلك في الشهادة على الولادة وما يلحقها من نسب وإرث.
وعلى أية حال يجب أن نعلم أن الشهادة تكليف ومسؤولية، وعندما يخفف الله عن المرأة في الشهادة في بعض الحالات فهذا إكرام لها، وليس العكس.
13) لماذا ترث المرأة نصف ما يرث الرجل في الإسلام؟
لقد حُرمت المرأة قبل الإسلام من الميراث، وحين جاء الإسلام شملها في الميراث بل وإنها تحصل على حصص أكثر من الذكور أو مساوية لهم وقد ترث ولا يرث الرجل في بعض الحالات. ويحصل الذكور على نسب أعلى من الإناث حسب درجة القرابة والنسب في حالات أخرى، وهي الحالة التي يتكلم عنها القرآن الكريم:
“يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْن…”[28].
قالت سيدة مسلمة يومًا، إنها كانت تعاني من عدم فهمها هذه النقطة حتى وفاة والد زوجها، وورث زوجها ضعف المبلغ الذي ورثته أخته، وقام هو بشراء الأساسيات التي كان يفتقدها من منزل خاص لأسرته وسيارة، وقامت أخته بشراء مجوهرات بالمبلغ الذي حصلت عليه وادخرت باقي المبلغ في البنك، حيث أن زوجها هو من عليه توفير المسكن وغيرها من الأساسيات، ففهمت في هذه اللحظة الحكمة من وراء هذا الحكم، وحمدت الله.
حتى لو أن في كثير من المجتمعات تعمل المرأة وتكد لرعاية أسرتها، فحكم الميراث هنا لا يفسد. لأنه على سبيل المثال، الخلل في أي هاتف محمول والذي تسبب به صاحب الهاتف بعدم اتباعه لتعليمات التشغيل، ليس دليل على فساد تعليمات التشغيل.
14) لماذا أباح الإسلام للرجل ضرب المرأة؟
محمد عليه الصلاة والسلام لم يضرب امرأة قط في حياته، أما الآية القرآنية التي تكلمت عن الضرب، فيقصد بها الضرب غير المبرح في حالة النشوز، وقد وُصف هذا النوع من الضرب في القانون الوضعي في الولايات المتحدة الأمريكية في فترة ما على أنه الضرب المسموح به والذي لا يترك أثرًا على الجسم، والذي يُلجأ إليه لمنع خطر أكبر منه، كأن يهز شخص كتف ابنه عندما يوقظه من النوم العميق كي لا يفوته وقت الاختبار.
لنتخيل شخصًا وجد ابنته تقف على طرف النافذة لترمي بنفسها، سوف تتحرك يديه إليها لا إراديًا ويمسك بها ويدفعها للخلف لكيلا تؤذي نفسها، هذا المقصود هنا من ضرب المرأة، أن يحاول الزوج منعها من تدمير بيتها وتدمير مستقبل أولادها.
ويأتي هذا بعد عدة مراحل كما ذكرت الآية:
“ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ” [29].
ونظرًا لضعف المرأة عمومًا، فقد أعطاها الإسلام الحق في اللجوء إلى القضاء إن أساء الزوج التصرف معها.
والأصل في العلاقة الزوجية في الإسلام أن تُبنى على المودة والسكينة والرحمة.
قال الله تعالى:
“ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ “[30].
كرَّم الإسلام المرأة عندما أعفاها من وزر خطيئة آدم كما في العقائد الأخرى، بل حرص الإسلام على رفع شأنها.
ففي الإسلام قد غفر الله لآدم وعلَّمنا كيف نعود إليه متى أخطأنا على مر الحياة. قال الله تعالى:
– ” فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ”[31] .
السيدة مريم أُم المسيح عليه السلام هي المرأة الوحيدة التي ذُكرت بالاسم في القرآن الكريم.
وقد لعبت المرأة دورًا كبيرًا في كثير من القصص التي ذُكرت في القرآن، مثل بلقيس ملكة سبأ وقصتها مع النبي سليمان والتي انتهت بإيمانها واسلامها لرب العالمين. كما ورد في القرآن الكريم: “إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ “[32].
يبين لنا التاريخ الإسلامي أن النبي محمد استشار النساء وأخذ بآرائهن في كثير من المواقف. كما سمح للنساء بارتياد المساجد كالرجال شريطة الالتزام بالحشمة علمًا بأن صلاتها في بيتها أفضل. وكانت المرأة تشارك الرجال في الحروب والمساعدة في أمور التمريض. كما كانت تشارك في المعاملات التجارية وتنافس في مجالات التعليم والمعرفة.
إن الإسلام حَسَّن من وضع المرأة كثيرًا مقارنةً مع الثقافات العربية القديمة، حيث نهى عن وأد البنات وجعل للمرأة شخصية مستقلة، كما رتب الأمور التعاقدية فيما يخص الزواج، حيث حفظ للمرأة حقها في المهر، وضمان حقوقها في الميراث وحقها في الملكية الخاصة وإدارة أموالها بنفسها.
قال رسول الله صلى الله عيه وسلم: “ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم“[33].
قال الله تعالى:
“إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّـهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّـهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا”[34].
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا”[35].
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا”[36].
“مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”[37].
“…ۚهُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ …”[38].
“وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”[39].
“وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ۖ قُلِ اللَّـهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُوا لِلْيَتَامَىٰ بِالْقِسْطِ ۚ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (١٢٧) وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ ۚ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا”[40].
أمر الله تعالى الرجال بالإنفاق على النساء والمحافظة على أموالهم دون أن يكون للمرأة أي التزامات مالية تجاه الأسرة، كما حافظ الإسلام على شخصية وهوية المرأة حيث سمح لها الاحتفاظ باسم عائلتها حتى بعد الالتحاق بالزوج.
16) لماذا سمح الإسلام بالطلاق بين الزوجين؟
سمح الإسلام بالطلاق مع الكراهة، فالزواج هو رابطة وعقد غليظ بين الزوجين. وإذا لم يستطع الزوجان العيش في وئام، فهناك ثلاث خطوات ضرورية قبل اتخاد قرار الطلاق: – النصيحة، – والوساطة، – والانتظار لفترة بينما تهدأ النفوس.
قال الله تعالى:
“وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا”[41].
كما يحق للمرأة البقاء في بيت الزوجية في حالة الطلاق أو الوفاة. كما ويخصص لها إعالة مالية لها ولأولادها.
والنتيجة الحتمية لعدم السماح بالطلاق في بعض العقائد الأخرى عند استحالة العيش في وئام بين الزوجين، هي اللجوء إلى العلاقات خارج نطاق الزواج وضياع حقوق المرأة والأولاد غير الشرعيين، وبالتالي معاناتهم وفساد المجتمع.
17) لماذا أقام النبي محمد حد الزنا بينما عفا المسيح عن الزانية؟
هناك اتفاق تام بين اليهودية والنصرانية والإسلام على تشديد العقوبة على جريمة الزنا [42] .
وفي النصرانية، شدد المسيح في معنى الزنا، فلم يجعله قاصرًا على الفعل المادي المحسوس، بل نقله إلى التصور المعنوي[43]. وقد حرمت النصرانية على الزناة أن يرثوا ملكوت الله، وليس لهم بعد ذلك من قرار سوى العذاب الأبدي في جهنم[44].وعقاب الزناة في هذه الحياة هو ما قررته شريعة موسى، أي القتل رجمًا[45].
وكما ويعترف علماء الكتاب المقدس اليوم أن قصة عفو المسيح عن الزانية في الواقع لا وجود لها في أقدم نسخ إنجيل يوحنا، ولكنها أضيفت إليه فيما بعد، وهذا ما تقرره التراجم الحديثة[46]. وأهم من هذا كله أن المسيح كان قد أعلن في بدء دعوته أنه ما جاء لينقض ناموس موسى والنبيين من قبله، وأن زوال السماء والأرض أيسر عليه من أن تسقط نقطة واحدة من شريعة موسى كما ورد في انجيل لوقا [47]. ومن ثم لا يمكن أن يعطل المسيح شريعة موسى بترك المرأة الزانية بلا عقاب.
ويُقام الحد بشهادة أربعة شهود مع وصف حادثة الزنا بما يؤكد وقوعه، وليس مجرد تواجد رجل مع امرأة في مكان واحد، وإذا تراجع أحد الشهود عن شهادته يوقف الحد. وهذا يفسر قلة وندرة إقامة حدود الزنا في الشريعة الإسلامية على مدى التاريخ، لأنه لا يثبت إلا بهذه الطريقة، وهذا أمر عسير، بل يكاد يكون مستحيلاً إلا باعتراف المرتكب.
في حالة إقامة حد الزنا بناءً على اعتراف أحد الخاطئين – وليس بناءً على شهادة الشهود الأربعة – فلا حد على الطرف الثاني الذي لم يعترف بجرمه.
وقد جعل الله باب التوبة مفتوحًا.
قال الله تعالى:
” إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا “[48].
” وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا “[49].
” يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفًا “[50].
والإسلام يقر بحاجة الإنسان الفطرية. ولكنه يعمل على إشباع هذا الدافع الفطري بالطريق المشروع: طريق الزواج، فيدعو إلى الزواج المبكر، ويعين على إتمامه من بيت المال إذا حالت الظروف الخاصة دون إتمامه. ويحرص كذلك على تنظيف المجتمع من كل وسائل نشر الفاحشة، وعلى وضع الأهداف العليا التي تستنفد الطاقة وتوجهها في سبيل الخير، وعلى شغل أوقات الفراغ في التقرب إلى الله، وذلك كله يمنع أي مبرر لفعل جريمة الزنا. ومع ذلك فالإسلام لا يبادر بتوقيع العقوبة حتى يثبت فعل الفاحشة من خلال شهادة أربعة شهود، علمًا بأن وجود أربعة شهود يندر حدوثه إلا في حالة أن يكون مرتكبها قد جاهر بفعلها، ويكون بذلك مستحقًا لهذه العقوبة الشديدة، علمًا أن ارتكاب فعل الزنا كبيرة من الكبائر سواء كان سرًا أو علنًا.
وقد جاءت امرأة معترفة بطواعيتها -من غير إكراه- إلى النبي صلى الله عليه وسلم تطلب منه أن يُقيم عليها الحد، وكانت حبلى من الزنا. فدعا نبي الله وليَّها، فقال: أحسن إليها، وهذا يدل على كمال الشريعة، وكمال رحمة الخالق بالمخلوقين.
وقال لها الرسول: ارجعي حتى تلدي. وعندما عادت قال لها: ارجعي حتى تفطمي ابنك، وبناءً على إصرارها على العودة بعد فطام الصغير إلى الرسول، أقام عليها الحد، وقال: لقد تابت توبة لو وزعت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم.
فرحمة الرسول عليه الصلاة والسلام تجلت في هذا الموقف النبيل.
18) كيف تتطور دول ملحدة وتتخلف دول مؤمنة بالله؟
هناك قوانين وأنظمة يجب أن تُتَّبع في أي مدرسة على سبيل المثال، ويُحدَّد بناءً عليها الناجح والراسب. فهل يعطي مدير المدرسة لابنه الفاشل شهادة النجاح لمجرد أنه ابنه فقط؟ بالطبع هذا لن يحدث. لكن هذا لا يُغيِّر واقع أن مدير المدرسة يحب ابنه أكثر من الجميع وهو حامل اسمه ووريثه الوحيد.
فالكون كالمدرسة له قوانينه وسُننه، ولقد حقق غير المؤمنين التقدم المادي والتطور التكنولوجي بسبب أخذهم بالقوانين الكونية والسنن الإلهية، ومن ثم استطاعوا بناء أنظمة سياسية جيدة، وأنظمة تعليمية وتربوية قوية وذات معايير منهجية. وكان هذا التقدم المادي فقط لمن أخذ منهم بزمام السنن الإلهية والقوانين الكونية، وهذا دليل على أن النجاح الدنيوي لا يُحابي أبيض ولا أسود، والعدل من أسمائه عز وجل، والظلم من أقبح ما حذرنا الله منه. ولكن مع هذا فالله لن يُعط غير المؤمن الآخرة التي هي لعباد الله المؤمنين وأحبائه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“إِنَّ اللهَ تعالى لا يِظْلِمُ المؤمِنَ حسَنَةً، يُعْطَى علَيْها في الدنيا ويُثابُ عليها في الآخرة، وأمَّا الكافِرُ فيُطْعَمُ بِحَسَناتِهِ في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكنَ لَهُ حسنةٌ يُعْطَى بِها خيرًا”[51].
فالله تعالى يعطيهم في الدنيا ما يستحقونه باعتبار ما عندهم من خير وما يبذلونه من حق.
كما أن الله تعالى قد ينصر أمة غير مؤمنة على أمة مسلمة، عقوبة لها على معاصيها، كما حدث بغزوة أحد.
قال الله تعالى:
“وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخرة ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ “[52].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“إن الله قَسَّم بَينَكُم أَخلاقَكُم كما قَسَّم بَينكُم أرزاقكُم، وإن الله يُعطي الدُّنيا مَن يحُب ومَن لا يُحب، ولا يُعطي الإيمانَ إلا مَن يُحب”[53] .
19) ما موقف الإسلام من مبدأ القسط والعدل؟
لقد دعا الإسلام لإقامة العدل بين الناس والقسط في الكيل والميزان.
قال الله تعالى:
“وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّـهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ ۖ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ”[54].
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّـهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ”[55].
“إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا”[56].
“إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ”[57].
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ”[58].
“فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ ۖ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ۖ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ ۚ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ”[59].
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ”[60].
“وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّـهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُو ۖ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ “[61].
“إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ”[62].
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ”[63].
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ”[64].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. “[65]
20) ما موقف الإسلام من الرِّق؟
لقد كانت العبودية قبل الإسلام نظامًا قائمًا معمولاً به بين الشعوب، وكانت بلا قيود، وكانت مكافحة الإسلام للعبودية تهدف إلى تغيير نظرة وعقلية المجتمع بأسره، بحيث يصبح العبيد بعد تحريرهم كأعضاء كاملين فاعلين في المجتمع، دون الحاجة إلى اللجوء للمظاهرات أو الإضرابات أو العصيان المدني أو حتى الثورات العرقية. لقد كان هدف الإسلام التخلص من هذا النظام الممقوت بأسرع ما يمكن وبوسائل سلمية.
الإسلام لم يسمح للحاكم بمعاملة رعيته معاملة استرقاق، كما منح الإسلام كل من الحاكم والمحكوم حقوق وواجبات ضمن حدود الحرية والعدالة المكفولة للجميع، فيتم تحرير العبيد تدريجيًا من خلال الكفارات وفتح باب الصدقات والمسارعة في الخير من خلال عتق الرقاب للتقرب لرب العالمين.
والمرأة التي تلد لسيدها لم تكن تُباع وكانت تحصل على حريتها تلقائيًا عند موت سيدها، وبخلاف جميع التقاليد السابقة فإن الإسلام شرَّع أن يلحق ابن المرأة العبدة بأبيه فيكون حرًا. كما شرَّع أن يشتري العبد نفسه من سيده من خلال دفع مبلغ من المال أو العمل لفترة محددة.
قال الله تعالى:
“… وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا… “[66].
وفي المعارك التي خاضها دفاعًا عن الدين، النفس والمال، كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بمعاملة الأسرى بالحسنى. وكان بإمكان الأسرى الحصول على حريتهم من خلال دفع مبلغ من المال أو تعليم الأطفال على القراءة والكتابة. كما أن نظام الأسر في الإسلام لم يحرم طفل من أمه أو أخ من أخيه.
وأمر الإسلام المسلمين بإظهار الرحمة لهؤلاء المقاتلين الذين يستسلمون.
قال الله تعالى:
“وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّـهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ”[67].
كما نص الإسلام على إمكانية مساعدة العبيد على تحرير أنفسهم من خلال الدفع من أموال المسلمين أو خزينة الدولة، حيث قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فدية لتحرير العبيد من أموال الخزينة العامة.
21) ما موقف الإسلام من حق الوالدين والأقارب؟
قال الله تعالى:
“وقضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا” [68].
“وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ”[69].
“وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا”[70].
22) ما موقف الإسلام من حق الجار؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه (شره)”[71].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ (حقُّ الجار في تملُّك العقار جبْرًا على مشتريه) يَنْتَظِرُ بِهَا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا” [72].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا أبا ذر، إذا طبخت مرقة؛ فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك”[73].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَأَرَادَ بَيْعَهَا فَلْيَعْرِضْهَا عَلَى جَارِهِ” [74].
23) ما موقف الإسلام من حقوق الحيوان؟
قال الله تعالى:
“وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ”[75].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عُذّبت امرأة في هرّة، سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار؛ لا هي أطعمتها، ولا سقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض “[76].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:“ أن رجلا رأى كلبا يأكل الثرى من العطش، فأخذ الرجل خفه، فجعل يغرف له به حتى أرواه، فشكر الله له فأدخله الجنة” [77].
24) هل تكلم القرآن عن القضايا البيئية؟
قال الله تعالى:
“وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّـهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ”[78].
“ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ”[79].
“وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ “[80].
” وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ “[81].
25) كيف يحافظ الإسلام على الحقوق الاجتماعية؟
الإسلام يعلمنا أن الواجبات الاجتماعية يجب أن تكون مبنية على أساس المودة واللطف واحترام الآخرين.
وضع الإسلام الأسس والمعايير والضوابط وحدد الحقوق والواجبات في كافة العلاقات التي تربط المجتمع.
قال الله تعالى:
“وَاعْبُدُوا اللَّـهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا”[82].
“… وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا”[83].
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ”[84].
26) لماذا حرَّم الإسلام التبني؟
الإسلام يحث على كفالة اليتيم، ويحث كافل اليتيم على أن يعامل اليتيم كمعاملته لأبنائه، لكن يُبقي الحق لليتيم لكي يتعرف على أسرته الحقيقية، لحفظ حقه في ميراث أبيه، ولتجنب اختلاط الأنساب.
إن قصة الفتاة الغربية التي عرفت بالصدفة بعد ثلاثين عامًا أنها ابنة بالتبني وانتحرت، هي أكبر دليل على فساد قانون التبني. لو كانوا أخبروها منذ الصغر لرحموها، وأعطوها الفرصة لأن تبحث عن أهلها.
قال الله تعالى:
“فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ”[85].
“فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۗ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَأَعْنَتَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”[86].
“وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا”[87].
1) لماذا سُمِح بتناول اللحوم الحمراء والبيضاء في الإسلام؟
اللحوم هي مصدر أساسي للبروتين، والإنسان يملك أسنان مسطحة وأسنان مدببة وهذه الاسنان مناسبة ومهيأة لمضغ وطحن اللحوم. والله خلق للإنسان الأسنان صالحة لأكل النباتات والحيوانات، وخلق الجهاز الهضمي صالح لهضم المأكولات النباتية والحيوانية، وهذا دليل على تحليل أكلها.
قال الله تعالى:
“…أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ…”[1].
وجاء القرآن الكريم ببعض القواعد فيما يتعلق بالأطعمة:
” قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ” [2].
” حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ ” [3].
وقال الله تعالى:
” وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ” [4] .
قال ابن القيم رحمه الله[5]:
“فأرشد عباده إلى إدخال ما يقيم البدن من الطعام والشراب ، وأن
يكون بقدر ما ينتفع به البدن في الكمية والكيفية ، فمتى جاوز ذلك كان إسرافا ،
وكلاهما مانع من الصحة ، جالب للمرض، أعني عدم الأكل والشرب ، أو الإسراف فيه ،
فحفظ الصحة كله في هاتين الكلمتين” .
وقال الله تعالى في صفة النبي محمد صلى الله عليه
وسلم : ” …وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ
عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ… ” [6].
وقال تعالى : ” يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ…
” [7].
فكل طيب هو حلال ، وكل خبيث فهو حرام .
وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم ما ينبغي أن
يكون عليه المؤمن في طعامه وشرابه فقال : ” مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ ،
بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ ،
فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ “[8].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:“لا ضرر ولا ضرار”[9].
2) ألا تُعتبر طريقة ذبح الحيوانات في الإسلام غير إنسانية؟
طريقة الذبح الإسلامي والتي هي قطع حلقوم ومرئ الحيوان بسكين حاد، أرحم من الصعق والخنق التي يتعذب بسببها الحيوان، فبمجرد انقطاع تدفق الدم إلى المخ فإن الحيوان لا يشعر بالألم، وانتفاضة الحيوان عند ذبحه ليست بسبب الألم، بل بسبب تدفق الدم السريع، والذي يسهل خروج الدم كله إلى الخارج، عكس الطرق الأخرى التي تحبس الدم داخل جسد الحيوان مما يضر بصحة متناولي هذا اللحم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، وليُرح ذبيحته ” [10].
3) أليس للحيوانات التي تُذبح للأكل روح مثل روح البشر؟
هناك فرق كبير بين روح الحيوان وروح البشر، فروح الحيوان هي القوة المحركة للجسم، إذا فارقتها بالموت أصبحت جثة هامدة، وهي عبارة عن نوع من الحياة، والنبات والأشجار لها نوع من الحياة أيضًا ولا يسمى روحًا، وإنما يسمى حياة تسري في أجزائه بالماء إذا فارقه ذبل وسقط.
قال الله تعالى:
“… وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ” [11].
ولكنها ليست كروح الإنسان التي نُسبت إلى الله لغرض التَّكريم والتَّشريف، ولا يعرف كنهها إلا الله ولا تخص إلا الإنسان، فروح الإنسان عبارة عن أمر إلهي ليس مطلوبًا من الإنسان فهم جوهره، وهي عبارة عن اندماج القوة المحركة للجسم ومضاف إليها القوى المفكرة (العقل)، والإدراك والعلم والإيمان وهذا الذي ميزها عن روح الحيوانات.
4) لماذا لا يتناول المسلم لحم الخنزير؟
إن من رحمة الله ولطفه في خلقه أن سمح لنا بأكل الطيبات، ونهانا عن أكل الخبائث.
قال الله تعالى:
“الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”[12].
ويذكر بعض من اعتنق الإسلام أن حيوان الخنزير كان سببًا في إسلامهم.
حيث أنه من علمهم المسبق بأن هذا الحيوان قذر جدًا، ويسبب أمراضًا كثيرة للجسم، فكرهوا تناوله. وقد اعتقدوا أن المسلمون لا يتناولون لحم الخنزير فقط لأنه مُحَّرم في كتابهم لتقديسهم له، وأنهم يعبدونه، إلى أن أدركوا لاحقًا أن تناول لحم الخنزير محرَّم عند المسلمين لأنه حيوان قذر ولحمه ضار بالصحة، فأدركوا حينها عظمة هذا الدين.
يقول الله تعالى:
“إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ”[13].
ويأتي تحريم تناول لحم الخنزير في العهد القديم أيضًا.
“وَالْخِنْزِيرَ، لأَنَّهُ يَشُقُّ ظِلْفًا وَيَقْسِمُهُ ظِلْفَيْنِ، لكِنَّهُ لاَ يَجْتَرُّ، فَهُوَ نَجِسٌ لَكُمْ. مِنْ لَحْمِهَا لاَ تَأْكُلُوا وَجُثَثَهَا لاَ تَلْمِسُوا. إِنَّهَا نَجِسَةٌ لَكُمْ”[14].
“وَالْخِنْزِيرُ لأَنَّهُ يَشُقُّ الظِّلْفَ لكِنَّهُ لاَ يَجْتَرُّ فَهُوَ نَجِسٌ لَكُمْ. فَمِنْ لَحْمِهَا لاَ تَأْكُلُوا وَجُثَثَهَا لاَ تَلْمِسُوا”[15].
ومن المعلوم أن شريعة موسى هي شريعة السيد المسيح أيضًا وفقًا لما ورد في العهد الجديد على لسان السيد المسيح.
“لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ. فَمَنْ نَقَضَ إِحْدَى هذِهِ الْوَصَايَا الصُّغْرَى وَعَلَّمَ النَّاسَ هكَذَا، يُدْعَى أَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ، فَهذَا يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ”[16].
فبناءً على ذلك، يعتبر تناول لحم الخنزير محرمًا في المسيحية كما كان محرمًا في اليهودية.
5) لماذا حرَّم الإسلام الرِّبا؟
مفهوم المال في الإسلام هو للتجارة وتبادل البضائع والخدمات وفي البناء والعمران، وحينما نُقرض المال بهدف كسب المال، فإننا بذلك أخرجنا المال من غايته الأساسية كوسيلة للتبادل والتنمية وجعلناه غاية في حد ذاته.
إن الفوائد أو الربا التي تُفرض على القروض تعتبر حافزاً للمقرضين لكونها لا تحتمل الخسارة، وبالتالي فإن الأرباح التراكمية التي يحصل عليها المقرضين على مر السنين سوف تزيد الفجوة بين الأغنياء والفقراء. في العقود الأخيرة تورطت الحكومات والمؤسسات في هذا النطاق بشكل واسع، فقد رأينا أمثلة عديدة على انهيار النظام الاقتصادي لبعض الدول، إن الرِّبا لديه القدرة على نشر الفساد في المجتمع بصورة لا يمكن للجرائم الأخرى أن تفعلها[17].
قال الله تعالى:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ۖ وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”[18].
“وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّـهِ ۖ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّـهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ”[19].
وقد حرم العهد القديم الربا أيضًا، حيث نجد في سفر اللاويين مثلاً على سبيل المثال لا الحصر:
” وإذا افتقر أخوك وقصرت يده عندك فأعضده غريبًا أو مستوطنًا فيعيش معك. لا تأخذ منه ربا ولا مرابحة بل اخش إلهك فيعيش أخوك معك. فضتك لا تعطه بالربا وطعامك لا تعط بالمرابحة”[20].
فكما ذكرنا سابقًا فإنه من المعلوم أن شريعة موسى هي شريعة السيد المسيح أيضًا وفقًا لما ورد في العهد الجديد على لسان المسيح.
“لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ. فَمَنْ نَقَضَ إِحْدَى هذِهِ الْوَصَايَا الصُّغْرَى وَعَلَّمَ النَّاسَ هكَذَا، يُدْعَى أَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ، فَهذَا يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ”[21].
فبناءً على ذلك، يكون الربا محرمًا في المسيحية كما كان محرمًا في اليهودية.
كما جاء في القرآن الكريم:
“فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا”[22].
6) لماذا حرَّم الإسلام شرب الخمر؟
لقد ميز الله عز وجل الإنسان عن سائر المخلوقات بالعقل، ولقد حرم الله علينا ما يضرنا ويضر عقولنا وأبداننا، ولذلك فقد حرم علينا كل شيء يسكر؛ لأنه يغطي العقول ويضرها ويفضي بها إلى أنواع الفساد. فقد يقتل المخمور غيره، وقد يزني وقد يسرق إلى غير هذا من الفساد العظيم المترتب على شرب الخمر.
يقول الله تعالى:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِر وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”[23].
والخمر هي كل ما سبب السُّكر بغض النظر عن اسمه أو هيئته فقد قال رسول الله:“كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ”[24].
وقد جاء تحريمه بناءً على عظيم ضرره على الفرد والمجتمع.
وقد حُرمت الخمر في المسيحية واليهودية أيضًا، لكن الأغلب اليوم لا يطبق ذلك.
“الخمر مستهزئة، المسكر عجاج، ومن يترنح بهما فليس بحكيم”[25].
– “ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة”[26].
وقد نشرت
المجلة الطبية المعروفة The
Lancet بحثًا في عام 2010 عن أكثر العقاقير تدميرًا
للفرد والمجتمع.
ارتكزت الدراسة على 20 عقارًا من بينها المشروبات
الكحولية والهيروين والتبغ وغيرها، وتم تقييمها على أساس 16 معيارًا من بينها تسعة
معايير متعلقة بالضرر على الفرد نفسه وسبعة معايير متعلقة بالضرر على الآخرين، وتم
إعطاء علامة التقييم من مئة درجة.
وكانت النتيجة أننا إذا أخذنا بعين الاعتبار الضرر الفردي والضرر على الآخرين كلاهما معًا فإن الكحول هي أكثر العقاقير ضررًا على الإطلاق وتحتل المرتبة الأولى.
وتحدثت دراسة أخرى عن معدل الاستهلاك الآمن من الكحول فقالت:
“صفر! هو معدل الاستهلاك الآمن من الكحول لتجنب الخسائر في الأرواح بسبب الأمراض والإصابات الناتجة عن شربه”. هكذا أعلن الباحثون في تقرير على موقع المجلة العلمية المشهورة Lancet نفسها. ضمت الدراسة أكبر تحليل بيانات حتى الآن حول الموضوع. وقد شملت 28 مليون شخصًا حول العالم ممثلين 195 دولة في الفترة من 1990 إلى 2016 لتقدير مدى انتشار استهلاك الكحول والكميات المستهلكة (باستخدام 694 مصدرًا معلوماتيًا) وعلاقة ذلك الاستهلاك بالمضار والمخاطر الصحية المترتبة على الكحول (التي تم استخلاصها من 592 دراسة قبل وبعد المرض). وجاءت النتائج لتكشف عن تسبب الكحول في موت 2.8 مليون شخص سنويًا حول العالم.
وفي ذلك السياق أوصى الباحثون ببدء الأخذ في إجراءات فرض الضرائب على الكحول للحد من تواجده في السوق والدعاية له كخطوة ممهدة لمنعه من الأسواق مستقبلًا. وصدق الله العظيم حيث قال:
“أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ”[27].
7) ما هي أركان الإسلام التي جاء بها النبي محمد؟
الشهادة والإقرار بوحدانية الخالق وعبادته وحده، والإقرار بأن محمدًا عبده ورسوله.
دوام التواصل مع رب العالمين عن طريق الصلاة.
تقوية إرادة الانسان وتحكمه بنفسه وتنمية مشاعر الرحمة والتآلف مع الآخرين عنده بالصيام.
إنفاق نسبة بسيطة من مدخراته للفقراء والمساكين عن طريق الزكاة وهي عبادة تساعد الإنسان على تغليب صفات البذل والعطاء على نوازع الشح والبخل.
التجرد والتفرغ للخالق في وقت ومكان معين من خلال أداء مناسك ومشاعر واحدة لكافة المؤمنين عن طريق الحج الى مكة. وهي رمز للوحدة في التوجه للخالق على اختلاف الانتماءات البشرية وثقافاتهم ولغاتهم ودرجاتهم وألوانهم.
يصلي المسلم طاعة لربه الذي أمره بالصلاة وجعلها ركن من أركان الإسلام.
المسلم يقوم للصلاة في الخامسة صباحًا يوميًا، ويقوم أصدقاؤه من غير المسلمين لممارسة رياضة الصباح في نفس الوقت تمامًا، فصلاته بالنسبة له غذاء جسدي وروحي، والرياضة بالنسبة لهم غذاء جسدي فقط، وهي تختلف عن الدعاء والذي هو سؤال الله لحاجة، دون حركة بدنية من ركوع وسجود والذي يقوم به المسلم في أي وقت.
فلننظر كم نعتني بأجسادنا والروح تتضور من الجوع، والنتيجة حالات انتحار لا تعد ولا تحصى لأكثر الناس رفاهية في العالم.
تؤدي العبادات إلى إلغاء الإحساس الموجود في مركز الشعور في الدماغ، والخاص بالشعور بالذات وبالشعور بمن حولنا، فيستشعر الإنسان قدرًا كبيرًا من التسامي، وهذا إحساس لن يفهمه الإنسان إلا إذا جربه.
تُحرك العبادات مراكز الشعور في المخ، فتتحول العقيدة من معلومات نظرية وطقوس إلى تجارب شعورية ذاتية. هل يكتفي الأب عند عودة ابنه من السفر بالترحيب اللفظي؟ إنه لا يهدأ له بال حتى يحتضنه ويقبله. إن للعقل رغبة فطرية في تجسيد المعتقدات والأفكار في صورة حسية، فجاءت العبادات إشباعًا لهذه الرغبة، فالعبودية والطاعة تتجسد في الصلاة والصوم، وهكذا.
د. أندرو نيوبرج[28] يقول: ” إن للعبادات دور كبير في تحسين الصحة الجسدية والعقلية والنفسية، ولتحقيق السكينة والسمو الروحي، كذلك فإن التوجه إلى الخالق يؤدى إلى المزيد من السكينة والسمو”.
9) لماذا يصلي المسلم خمس مرات في اليوم؟
يتبع المسلم تعاليم النبي محمد صلى الله عليه وسلم ويصلى كما صلى النبي تمامًا.
قال الرسول عليه الصلاة والسلام: “صلوا كما رأيتموني أصلي”[29].
المسلم بالصلاة يخاطب ربه خمس مرات باليوم لرغبته الشديدة في التواصل معه على مدار اليوم. وهي الوسيلة التي وفرها الله لنا لمخاطبته وأمرنا بالالتزام بها لمصلحتنا.
قال الله تعالى:
ٱتْلُ مَآ أُوحِىَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ ۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ”[30].
إننا كبشر لا نكاد تتوقف عن مخاطبة أزواجنا وأولادنا عبر الهاتف يوميًا، وهذا لحبنا الشديد لهم وتعلقنا بهم.
تظهر أهمية الصلاة أيضًا في أنها تزجر النفس عند الإقبال على فعل منكر وتدفع النفس لفعل الخير وذلك كلما استحضرت خالقها والخشية من عقابه والطمع في عفوه وثوابه.
كما أن أفعال الانسان وأعماله لا بد أن تكون خالصة لرب العالمين، وحيث أنه يصعب على الانسان دوام التذكر أو تجديد النية فكان لا بد من وجود أوقات للصلاة للتواصل مع رب العالمين ولتجديد الإخلاص له بالعبادة والعمل وهي كحد أدنى خمس أوقات في اليوم والليلة والتي تعكس الأوقات والظواهر الرئيسية لتقلب الليل والنهار أثناء اليوم (الفجر، الظهر، والعصر، المغرب والعشاء).
قال الله تعالى:
” فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ۖ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ”[31].
قبل طلوع الشمس وقبل غروِبها: صلاة الفجر والعصر.
ومن آناء الليل: صلاة العشاء.
وأطراف النهار: صلاة الظهر والمغرب.
وهي خمس صلوات لتغطي كافة التغيرات الطبيعية التي تحدث أثناء اليوم ولتذكر بخالقها ومبدعها.
10) لماذا يصلي المسلمون باتجاه مكة؟
جعل الله الكعبة [32] البيت الحرام أول بيت للعبادة ورمز لوحدة المؤمنين، حيث يتوجه إليه كافة المسلمين عند الصلاة فيشكلون دوائر من مختلف أرجاء الأرض ومركزها مكة. إن القرآن يقدم لنا مشاهد كثيرة من تفاعل العابدين مع الطبيعة حولهم كتسبيح وترتيل الجبال والطيور مع النبي داود “ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ “[33]. إن الإسلام يؤكد في أكثر من موقف أن الكون بأكمله بما فيه من مخلوقات تسبح وتمجد رب العالمين. قال الله تعالى:
” إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ”[34].
إن طبيعة كروية الأرض ودورانها حول نفسها والتي بدورها تنشأ تعاقب الليل والنهار وانضمام المسلمون بطوافهم حول الكعبة وبصلواتهم الخمس عبر اليوم من مختلف بقاع الأرض وباتجاه مكة يشكلون جزء من منظومة الكون في التواصل الدائم والمستمر في تمجيد وتسبيح رب العالمين.
11) لماذا تم تغيير اتجاه قِبلة الصلاة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام في مكة؟
لقد ورد ذكر الكعبة كثيرًا على مر التاريخ، يزورها الناس سنويًا حتى من أبعد بقاع الجزيرة العربية، وتحترم قدسيتها كل الجزيرة العربية. وقد ورد ذكرها في نبوءات العهد القديم،“عابرين في وادي بكة يصيرونه ينبوعا” [35].
وقد كان العرب يُعظمون البيت الحرام في جاهليتهم، وعند بعثة النبي محمد جعل الله قبلته في بادئ الأمر بيت المقدس، ثم أمره الله بالتحول عنها إلى البيت الحرام حتى يستخلص من أتباع النبي محمد المخلصين لله من الذين ينقلبون عليه. فقد كان الهدف من تحول القبلة هو استخلاص القلوب لله، وتجريدها من التعلق بغيره، حتى استسلم المسلمون واتجهوا إلى القبلة التي وجههم لها الرسول، وقد كان اليهود يعتبرون توجه الرسول بالصلاة لبيت المقدس حُجةً لهم.
وقد كان تحويل القِبلة أيضًا بمثابة نقطة تحول وإشارة إلى انتقال القيادة الدينية الى العرب بعد أن نُزعت من بني إسرائيل، وذلك بسبب نقضهم للعهود مع رب العالمين.
12) ألا تُعتبر شعائر الحج من تعظيم للكعبة وغيرها شعائر وثنية؟
هناك فرق كبير بين الديانات الوثنية وبين تعظيم أماكن ومشاعر معينة، سواء دينية أو وطنية وقومية.
فرمي الجمرات على سبيل المثال هو حسب بعض الأقوال لإظهار مخالفتنا للشيطان وعدم اتباعه، واقتداء بفعل سيدنا إبراهيم عليه السلام حينما ظهر له الشيطان ليمنعه من تنفيذ أمر ربه وذبح ابنه فقام برميه بالحجارة[36]. وكذلك السعي بين الصفا والمروة فهو اقتداء بعمل السيدة هاجر عندما سعت للبحث عن ماء لابنها إسماعيل. وفي كل الأحوال وبغض النظر عن الآراء بهذا الخصوص، فجميع مناسك الحج هي لإقامة ذكر الله وللدلالة على الطاعة والانقياد لرب العالمين ولا يُقصد منها عبادة حجارة أو مكان أو أشخاص. في حين أن الإسلام يدعو إلى عبادة إله واحد وهو رب السماوات والأرض وما بينهما وخالق كل شيء ومليكه.
13) لماذا يُقبِّل المسلم الحجر الأسود إذا كان لا يعبده؟
هل نعيب على شخص تقبيل مظروف فيه رسالة من والده مثلاً، إن جميع مناسك الحج هي لإقامة ذكر الله وللدلالة على الطاعة والانقياد لرب العالمين، ولا يُقصد منها عبادة حجارة أو مكان أو أشخاص. في حين أن الإسلام يدعو إلى عبادة إله واحد وهو رب السماوات والأرض وما بينهما، وخالق كل شيء ومليكه.
قال الله تعالى:
“إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ” [37].
14) ألا تُعتبر شعائر الحج مخيفة لاحتمالية موت بعض المسلمين بسبب التزاحم الشديد؟
إن الموت بسبب التزاحم في الحج لم يحصل إلا في سنوات معدودة، والمعتاد أن من يموت بسبب التزاحم قليل جدًا، لكن من يموت بسبب شرب الكحول على سبيل المثال بالملايين سنويًا، وضحايا تجمعات ملاعب كرة القدم والكرنفالات في أمريكا الجنوبية وأكثر من ذلك. وعلى أية حال فالموت حق، ولقاء الله حق، والموت على طاعة خير من الموت على معصية.
يقول مالكوم إكس:
” ولأول مرة بعد تسعة وعشرين عامًا قضيتها على هذه الأرض وقفت أمام خالق كل شيء وشعرت أني إنسان كامل، ولم أشهد في حياتي أصدق مِن هذا الإخاء بين أناس من جميع الألوان والأجناس، أمريكا في حاجة إلى فهم الإسلام لأنه الدين الوحيد الذي يملك حل مشكلة العنصرية” [38].
15) الله يحب عباده في الإسلام، فلماذا لا يُبيح لهم اتباع منهج الفردانية [39]؟
لقد ورد في القرآن كثير من الآيات التي تشير إلى رحمة الله وحبه لعباده، ولكن حب الله جل جلاله للعبد ليس كحب العباد بعضهم بعضًا، لأن الحب في مقاييس البشـر هو حاجة يفتقدها المحب، فيجدها عند المحبوب، ولكن الله جل جلاله غني عنا، فحبه لنا حب تفضل ورحمة، حبُّ قويٍّ لضعيف، وحب غني لفقير، وحب قادر لعاجز، حبُّ عظيمٍ لصغير، وحب حكمة.
هل نسمح لأطفالنا بفعل ما يحلو لهم بذريعة حبنا لهم؟ هل نسمح لأطفالنا الصغار بأن يُلقوا بأنفسهم من نافذة المنزل أو أن يلعبوا بسلك الكهرباء المكشوف بذريعة حبنا لهم؟
ليس من الممكن لقرارات الفرد أن تكون مستندة على منفعته ومتعته الشخصية ويكون هو مركز الاهتمام الرئيسي، ويكون تحقيق مصالحه الشخصية فوق اعتبارات البلد وتأثيرات المجتمع والدين، وتسمح له بتغيير جنسه، ويفعل ما يحلو له، ويرتدي ويتصرف في الطريق كما يريد، بذريعة أن الطريق للجميع.
لو سكن شخص مع مجموعة من الأشخاص في منزل واحد مشترك، هل كان سيقبل بأن يقوم أحد شركائه في المنزل بعمل مشين كقضاء الحاجة في صالة المنزل بحجة أن المنزل للجميع؟ هل سيقبل الحياة بهذا المنزل بدون قوانين ولا ضوابط تحكمها؟ فالإنسان بالحرية المطلقة يصبح كائنًا قبيحًا، وكما ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه عاجز عن تحمل هذه الحرية.
الفردانية لا يمكن لها أن تكون هوية بديلة عن الهوية الجامعة مهما كانت قوة الفرد أو نفوذه. أفراد المجتمع طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غنى لبعضها عن بعض. فمنهم الجنود، الأطباء، الممرضون، والقضاة، فكيف يتسنى لأي منهم أن يُغلِّب منفعته ومصلحته الشخصية على الآخرين ليحقق سعادته، ويكون هو مركز الاهتمام الرئيسي؟
إن بإطلاق الإنسان لغرائزه يكون بذلك عبدًا لها، والله يريده أن يكون سيدًا عليها، يريده الله إنسانا عاقلاً حكيمًا يتحكم في غرائزه، فليس المطلوب منه تعطيل الغرائز بل توجيهها للارتقاء بالروح وسمو النفس.
عندما يُلزم الأب أولاده بتخصيص بعض الوقت في المذاكرة، ليحصلوا على مكانة علمية في المستقبل، مع رغبتهم في اللعب فقط، هل يُعتبر في هذه اللحظة أب قاسي؟
16) الخالق رحيم بعباده، فلماذا لا يقبل ميول الشخص الشاذ جنسيًا؟
قال الله تعالى:
” وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ” [40].
هذه الآية تؤكد أن الشذوذ ليس وراثيًا، وليس من أصل تركيب الشفرة الوراثية للإنسان، لأن قوم لوط هم أول من ابتدع هذا النوع من الفاحشة. وهذا يتطابق مع أوسع دراسة علمية، والتي تؤكد أن الشذوذ الجنسي لا علاقة له بالجينات الوراثية[41].
وهل نقبل ونحترم ميول السارق إلى السرقة؟ فهذا أيضًا ميول، ولكنه في الحالتين ميول غير طبيعي، إنه خروج على الفطرة البشرية، واعتداء على الطبيعة، ويجب أن يُقوَّم.
لقد خلق الله الإنسان وهداه إلى الطريق السليم، ولديه حرية الاختيار بين طريق الخير وطريق الشر.
قال الله تعالى:
“وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ” [42].
ولذلك نجد أن المجتمعات التي تُحرِّم المثلية نادرًا ما يظهر فيها هذا الشذوذ، والبيئة التي تبيح وتشجع على هذا السلوك، تزداد فيها نسبة المثليين، مما يدل على أن الذي يحدد احتمال الشذوذ لدى الإنسان، هو البيئة والتعاليم المحيطة به.
إن هوية الإنسان تتغير في كل لحظة، حسب مشاهدته للفضائيات، أو استخدامه للتكنولوجيا أو تعصبه لفريق كرة قدم مثلاً، فالعولمة صنعت منه إنسانًا معقدًا. فالخائن أصبح صاحب وجهة نظر، والشاذ أصبح صاحب سلوك طبيعي، وأصبح لديه الصلاحية القانونية للمشاركة في نقاشات علنية، بل وعلينا دعمه والتصالح معه. وأصبحت الغلبة لمن لديه التكنولوجيا، فإذا كان الشاذ هو الطرف الذي يمتلك أسباب القوة، فسيفرض على الطرف الآخر قناعاته، مما يؤدي إلى إفساد علاقة الإنسان بنفسه وبمجتمعه وبخالقه. وبارتباط الفردانية بالشذوذ الجنسي بشكل مباشر، تلاشت هنا الفطرة الآدمية التي ينتمي لها الجنس البشري، وسقطت مفاهيم العائلة الواحدة، فبدأ الغرب بوضع حلول للتخلص من الفردانية، لأن الاستمرار بهذا المفهوم سيُضيع المكاسب الذي حققها الإنسان المعاصر، كما أضاع مفهوم العائلة، وبالتالي ما زال الغرب حتى اليوم يعاني من مشكلة تقلص أعداد الأفراد في المجتمع، والذي أدى إلى فتح الأبواب لاستقطاب المهاجرين. فالإيمان بالله واحترام قوانين الكون التي خلقها لنا، والالتزام بأوامره ونواهيه، هو طريق السعادة في الدنيا والآخرة.
17) كيف يصف الله نفسه بالغفور الرحيم تارة وشديد العقاب تارة أخرى؟
الله غفور رحيم مع أصحاب الذنوب التي تُرتكب دون إصرار وبحكم بشرية الإنسان وضعفه، ثم تاب منه، ولا يقصد بها تحدي الخالق، لكنه تعالى يقصم من يتحداه وينكر وجوده أو يصوره في صنم أو حيوان. وكذلك من يتمادى في معصيته ولم يتب ولم يشأ الله أن يتوب عليه.
إنه لو شتم الإنسان حيوان فلن يلومه أحد، أما أن يشتم والديه فسوف يُلام وبشدة. لا يجب أن ننظر إلى صغر المعصية، لكن يجب أن ننظر إلى من عصينا.
إن الشر لا يأتي من الله، إن الشرور ليست أمورًا وجودية، فالوجود هو خير محض.
إذا قام شخص مثلاً وضرب شخص آخر حتى أفقده القدرة على الحركة، فقد اكتسب صفة الظلم، والظلم شر.
لكن وجود القوة لدى من يأخذ عصا ويضرب بها شخص آخر ليس شرًا.
ووجود الإرادة التي أعطاها الله له ليس شرًا.
ووجود قدرته على تحريك يده ليس شرًا؟
ووجود صفة الضرب في العصا ليس شرًا؟
إن كل هذه الأمور الوجودية هي بحد ذاتها خير، ولا تكتسب صفة الشر إلا إذا أدت إلى الضرر بإساءة استخدامها، وهو مرض الشلل كما في المثال السابق، وبناءً على هذا المثال فوجود العقرب والأفعى ليس شرًا بعينه إلا إذا تعرض له الإنسان فلدغه، فالله تعالى لا يُنسب إليه الشر في أفعاله التي هي خير محض، بل في الأحداث التي سمح الله بوقوعها بقضائه وقدره لحكمة معينة ويترتب عليها من المصالح الشيء الكثير، مع قدرته على منع حدوثها، والتي نتجت عن استخدام البشر لهذا الخير بصورة خاطئة.
19) ما حكمة الخالق من وجود الكوارث الطبيعية؟
لقد وضع الخالق قوانين الطبيعة والسنن التي تحكمها، وهي تصون نفسها بنفسها عند ظهور فساد أو خلل بيئي وتحافظ على وجود هذا التوازن بهدف الإصلاح في الأرض واستمرار الحياة على نحو أفضل، وأن ما ينفع الناس والحياة هو الذي يمكث ويبقى في الأرض، وعندما يقع في الأرض من كوارث يتضرر منها البشر كالأمراض، البراكين، الزلازل والفيضانات، تتجلى أسماء الله وصفاته كالقوي، الشافي والحفيظ مثلاً، في شفائه للمريض وحفظه للناجي، أو تجلي اسمه العدل في عقاب الظالم لغيره والعاصي، ويتجلى اسمه الحكيم في ابتلاء وامتحان غير العاصي، والذي يُجازى عليه بالإحسان إن صبر وبالعذاب إن ضجر، وبذلك يتعرف الإنسان على عظمة ربه من خلال هذه الابتلاءات تمامًا كما يتعرف على جماله من خلال العطايا، فإن لم يعرف الإنسان إلا صفات الجمال الإلهي فكأنه لم يعرف الله عز وجل.
إن وجود المصائب والشر والألم كانت السبب وراء إلحاد كثير من الفلاسفة الماديين المعاصرين، ومنهم الفيلسوف “أنتوني فلو”، وكان قد اعترف بوجود الإله قبل موته وكتب كتابًا أسماه “يوجد إله “، على الرغم من أنه كان زعيمًا للإلحاد خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وعندما أقر بوجود إله:
“إن وجود الشر والألم في حياة البشر لا ينفي وجود الإله، لكنه يدفعنا لإعادة النظر في الصفات الإلهية”، ويعتبر “أنتوني فلو” أن لهذه الكوارث الكثير من الإيجابيات، فهي تستفز قدرات الإنسان المادية، فيبتكر ما يحقق له الأمان، كما تستفز أفضل سماته النفسية وتدفعه لمساعدة الناس، وقد كان لوجود الشر والألم الفضل في بناء الحضارات الإنسانية عبر التاريخ، وقال: إنه مهما تعددت أطروحات لتفسير هذه المعضلة فسيظل التفسير الديني هو الأكثر قبولاً والأكثر انسجامًا مع طبيعة الحياة”[43].
فنجد في الواقع أننا أحيانًا نأخذ بيد أطفالنا الصغار بكل حب إلى غرفة العمليات ليشقوا عن بطونهم، ونحن على ثقة كاملة من حكمة الطبيب وحبه للصغير وحرصه على نجاته.
20) ما الحكمة من وجود المتاعب والالآم التي يعاني منها البشر؟
إن نظرتنا إلى الشر والألم تتوقف على نظرتنا إلى حقيقة الحياة الدنيا والغرض من الوجود الإنساني فيها والتي تختلف لدى المتدينين عنها لدى الماديين. إن المنظور المادي يعتبر أن الحياة الدنيا ليس وراءها غرض تحكمها غاية، وأن الإنسان اذا مات صار عدمًا، إذ ليس هناك بعث تتبعه حياة أخرى، فعلى الإنسان أن يحصل على أقصى ما يستطيع من متع، وبالتالي يصبح ما قد يشعر به من ألم وكل ما يحجبه عن هذه المتع شر لا جدال فيه، وانطلاقًا من هذا المنظور يصبح ما يتعرض له الإنسان من شرور وآلام أمورًا عشوائية تمر به خلال حياته في دنيا نشأت بأسلوب عشوائي أيضا، ومن ثم يصبح القول بوجود إله كله رحمة ومحبة ينظم هذه الحياة هراء وعبث بالنسبة لهم، وهذا يعني أن كل ما يحجبهم عن هذه المتعة هو ألم بالنسبة لهم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له” [44].
وقد ذكر شخصٌ مقعد يومًا وقد كان في الخمسين من عمره: أنا أدرك الآن حكمة إصابتي الجسيمة والتي أقعدتني عن الحركة، فقد كنت أنوي قبل إصابتي أن أتجه إلى الإلحاد، وكنت بعيدًا جدًا عن الله، وأنوي بإصرار الهجرة لكي أتمكن من هذا، وقد منعتني إصابتي من تنفيذ رغبتي، وأنا وبعد ثلاثون عامًا من الإصابة لأحمد الله عليها، وأراها من أكبر النعم التي أنعم الله بها عليّ، والتي جعلتني أقرب إليه، وإني لعلى يقين أن نفسي كانت من السوء ما تجعلني لا أعود إلى الله إلا بمثل هذا الابتلاء، فالله يعلم نفوس عباده حتى من قبل أن تُولد.
بما أن الشر نسبي وليس مطلق، والحياة دار اختبار وليس جزاء، والجزاء على قدر العمل، فتكون الابتلاءات كمن يقطع المسافة الشاقة على أمل الوصول للمراد وللمحبوب.
21) هل يدل وجود الشر في الحياة على عدم وجود إله؟
إن المتسائل عن سبب وجود الشر في هذه الحياة الدنيا كذريعة لنفي وجود الإله، يكشف لنا عن قصر نظره وهشاشة فكره عن الحكمة وراء ذلك، وعن غياب وعيه عن بواطن الأمور، وقد اعترف الملحد بسؤاله ضمنًا أن الشر استثناء.
لذلك قبل السؤال عن حكمة ظهور الشر، كان من الأحرى طرح السؤال الأكثر واقعية وهو “كيف وُجد الخير بدايةً؟”
لا شك أن السؤال الأكثر أهمية لا بد أن يبدأ من سبب وجود الخير. فلا بد أن نتفق على نقطة البداية أو المبدأ الأصيل أو السائد. ومن ثم يمكن أن نجد التعليلات للاستثناءات.
يضع العلماء قوانين ثابتة ومحددة لعلوم الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا بدايةً، ومن ثم يتم عمل دراسة للاستثناءات والحالات الشاذة عن هذه القوانين. وبالمثل لا يمكن للملحدين التغلب على فرضية ظهور الشر إلا حينما يُقروا بدايةً بوجود عالم مليء بالظواهر الجميلة، المنظمة والجيدة التي لا حصر لها.
وبمقارنة فترات الصحة والفترات التي يظهر فيها المرض على مدى متوسط العمر، أو مقارنة عقود من الازدهار والرخاء وما يقابلها من فترات الخراب والدمار، وكذلك قرون من هدوء الطبيعة والسكينة وما يقابلها من ثوران البراكين والزلازل. من أين يأتي الخير السائد بدايةً؟ إن عالمـًا قائمًا على الفوضى والمصادفة لا يمكن أن ينتج عالمـًا جيدًا.
ومن المفارقات أن التجارب العلمية تؤكد ذلك. ينص القانون الثاني للديناميكا الحرارية على أن الإنتروبيا الكلية (درجة الاضطراب أو العشوائية) في نظام معزول بدون أي تأثير خارجي ستزداد دائمًا، وأن هذه العملية لا رجعة فيها.
بمعنى آخر، الأشياء المنظمة ستنهار وتتلاشى دائمًا ما لم يجمعها شيء من الخارج. على هذا النحو، فإن القوى الديناميكية الحرارية العمياء لم تكن لتنتج أبدًا أي شيء جيد من تلقاء نفسها، أو أن تكون جيدة على نطاق واسع كما هي، دون أن ينظم الخالق هذه الظواهر العشوائية التي تظهر في الأشياء الرائعة مثل الجمال والحكمة والفرح والحب، وهذا كله فقط بعد إثبات أن القاعدة هي الخير والشر هو الاستثناء. وأن هناك إله قادر خالق مالك مدبر.
22) لماذا يُعذِّب الله بالنار؟
من تبرأ من أمه وأبيه وأهانهم وطردهم من المنزل وجعلهم في الشارع مثلاً، بماذا سنشعر تجاه هذا الشخص؟
إن قال شخص إنه سوف يدخله منزله وسوف يكرمه وسوف يطعمه ويشكره على هذا العمل، هل سيُقدر الناس له هذا العمل؟ هل يتقبل الناس ذلك منه؟ ولله المثل الأعلى، ماذا ننتظر أن يكون مصير من رفض خالقه وكفر به؟ من عوقب بالنار فكأنما وُضع في مكانه الصحيح، هذا الشخص احتقر السلام والخير على الأرض، فلم يستحق نعيم الجنة.
وماذا ننتظر ليفعل بمن يُعذِّب الأطفال بالأسلحة الكيماوية مثلاً، أن يدخل الجنة دون حساب؟
وذنبهم ليس ذنبًا محدودًا في الزمان بل هو خصلة ثابتة.
قال الله تعالى:
“...وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ”[45].
وهم يواجهون الله أيضًا بالحلف الكذب، وهم بين يديه يوم القيامة.
قال الله تعالى:
“يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُۥ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ۖ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَىْءٍ ۚ أَلَآ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَٰذِبُونَ”[46].
كما أن الشر يمكن أن يأتي من أناس في قلوبهم حسد وغيرة ويتسببوا في بث المشاكل والنزاعات بين البشر. فكان من العدالة أن يكون جزائهم النار وهو ما يتناسب مع طبيعتهم.
قال الله تعالى:
“وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” [47].
وصفة الله العادل تقتضي أن يكون منتقمًا إلى جانب رحمته، فالله في النصرانية “محبة ” فقط، وفي اليهودية ” غضب” فقط، وفي الإسلام هو إله عادل ورحيم وله الأسماء الحسنى جميعًا، وهي صفات الجمال والجلال.
ثم إنه في الواقع العملي في الحياة، نستخدم النار لعزل الشوائب عن المادة النقية، كالذهب والفضة، ولذلك فإن الله تعالى – ولله المثل الأعلى – يستخدم النار لتنقية عباده في الحياة الآخرة من الذنوب والآثام، ويخرج من النار في النهاية من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان برحمته.
23) الله رحيم ومصدر لكل خير، فلماذا لا يُدخلنا جميعًا الجنة دون حساب؟
في الواقع أن الله يريد الإيمان لجميع عباده.
قال الله تعالى:
“وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ۖ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ” [48].
ومع ذلك، إذا أرسل الله الجميع إلى الجنة دون حساب، فسيحدث انتهاك صارخ للعدالة؛ وسوف يعامل الله نبيه موسى وفرعون بنفس الطريقة، ويدخل كل ظالم وضحاياه الجنة وكأن شيئًا لم يكن. هناك حاجة إلى آلية لضمان أن الأشخاص الذين يدخلون الجنة يدخلونها على أساس الجدارة.
وإن جمال التعاليم الإسلامية هو أن الله الذي يعرفنا أكثر مما نعرف أنفسنا، قد أخبرنا أنه لدينا ما يلزم للأخذ بالأسباب الدنيوية لنيل رضاه ودخول الجنة.
قال الله تعالى:
“لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا…” [49].
24) لماذا يُعاقب الخالق عباده بعذاب لا ينتهي على معاص قليلة في حياته القصيرة؟
إن كثيرًا ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺮﺍﺋﻢ ﺗصل بأﺻﺤﺎﺑﻬﺎ إﻟﻰ ﺣُﻜﻢ ﺍﻟﻤﺆﺑﺪ. ﻓﻬﻞ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﻳﻘﻮﻝ أﻥ ﺣُﻜﻢ ﺍﻟﻤﺆﺑﺪ ظلم، لأﻥ ﺍﻟﻤﺠﺮﻡ ﺍﺭﺗﻜﺐ ﺟﺮﻳﻤﺘﻪ ﺑﺪﻗﺎﺋﻖ ﻣﻌﺪﻭﺩﺓ؟ ﻫﻞ ﺣُﻜﻢ العشر ﺳﻨﻮﺍﺕ ﺣُﻜﻢ ﻇﺎﻟﻢ، ﻷﻥ ﺍﻟﻤﺠﺮﻡ ﻟﻢ ﻳﺨﺘﻠﺲ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﻮﺍﻝ إﻻ ﺳﻨﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ فقط. إﻥ ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺎﺕ ﻻ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﻤﺪﺓ ﺍﺭﺗﻜﺎﺏ ﺍﻟﺠﺮﺍﺋﻢ ﺑﻞ ﺑﺤﺠﻢ ﺍﻟﺠﺮﺍﺋﻢ ﻭﻓﻈﺎﻋﺘﻬﺎ.
25) لماذا يكرر الله التحذير من النار، ألا يعارض ذلك صفة الرحمة الإلهية؟
ترهق الأم أولادها بكثرة تنبيهها لهم كلما سافروا أو ذهبوا إلى العمل، أن يأخذوا حذرهم في ذهابهم وإيابهم، فهل تُعتبر أُمًا قاسية؟ هذا قلب للموازين ويجعل من الرحمة قسوة. فالله يُنبه عباده ويحذرهم لرحمته بهم ويرشدهم إلى طريق الخلاص، ووعدهم بتبديل سيئاتهم حسنات عندما يتوبوا إليه.
قال الله تعالى:
“إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا” [50].
ولماذا لم يلفت نظرنا عِظَم الثواب والنعيم في جنات الخلود مقابل قليل من الطاعات؟
قال الله تعالى:
“وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ” [51].
26) لماذا يكرر القرآن أن الله يحب المؤمنين ولا يحب الكافرين، أليسوا جميعًا عباده؟
الله تعالى أرشد جميع عباده لطريق الخلاص، ولا يرضى لهم الكفر، لكنه لا يحب السلوك الخاطئ نفسه الذي يسلكه الإنسان بالكفر والإفساد في الأرض.
قال الله تعالى:
“إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ۖ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ۖ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور”[52].
ما قولنا في أب يكرر أمام أبنائه أنني
فخور بكم جميعًا، إن سرقتم وزنيتم وقتلتم وأفسدتم في الأرض فأنتم بالنسبة لي
كالعابد الصالح؟ ببساطة أقرب وصف لهذا الأب هو أنه كالشيطان، يحث أبناؤه على الفساد في الأرض.
1) لماذا لا يقبل الخالق من عباده المعصية؟
إذا أراد الإنسان أن يعصي الله فلا يأكل من رزقه، وليخرج من أرضه، وليبحث عن مكان آمن لا يراه الله فيه. وإذا جاءه ملك الموت ليقبض روحه، فليقل له أخرني حتى أتوب توبةً نصوحًا وأعمل لله عملاً صالحًا، وإذا جاءته ملائكة العذاب يوم القيامة ليأخذوه إلى النار، فلا يذهب معهم، وليقاومهم وليمتنع عن الذهاب معهم، وليأخذ بنفسه إلى الجنة، فهل يستطيع فعل ذلك؟ [1] .
إن الإنسان حين يقتني حيوانًا أليفًا في منزله، فأقصى ما يرجوه منه هو الطاعة، وهذا لأنه اشتراه فقط ولم يخلقه، فما بالنا بخالقنا وبارئنا، ألا يستحق منا الطاعة والعبادة والاستسلام. فنحن مستسلمون رغمًا عنا في هذه الرحلة الدنيوية في كثير من الأمور، قلبنا ينبض، جهازنا الهضمي يعمل، حواسنا تدرك على أكمل وجه، وما علينا إلا أن نُسلِّم لله بباقي أمورنا التي خُيِّرنا فيها لنصل سالمين إلى بر الأمان.
2) لماذا يعذب الله عباده إذا لم يؤمنوا به؟
يجب أن نفرق بين الإيمان والتسليم لرب العالمين.
فالحق المطلوب لرب العالمين الذي لا يسع أحد تركه هو التسليم له بالوحدانية وعبادته وحده لا شريك له، وأنه الخالق وحده له الملك والأمر، سواء رضينا أم أبينا وهذا أصل الإيمان، ولا نملك خيارًا آخر، والتي على ضوئها يحاسب الإنسان ويعاقب.
وما يقابل التسليم هو الإجرام.
قال الله تعالى:
” أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ”[2].
وأما الظلم فهو جعل شريك أو ند لرب العالمين.
قال الله تعالى:
“…فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّـهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ”[3].
” الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَـٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ”[4].
والإيمان قضية غيبية تقتضي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقبول والرضا بقضاء الله وقدره.
قال الله تعالى:
” قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَـٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ”[5].
الآية الكريمة أعلاه تدلنا على أن الإيمان مرتبة ودرجة أرفع وأسمى وهي الرضا والقبول والقناعة، والإيمان درجات ومراتب يزداد وينقص. فقدرة الإنسان وسعة قلبه على استيعابه للأمور الغيبية تختلف من شخص لآخر، والبشر يتمايزون في سعة إدراكهم لصفات الجمال والجلال ومعرفتهم بربهم.
فلن يعاقب إنسان على قلة إدراكه للغيبيات أو ضيق أفقه، ولكن يؤاخذ الله الإنسان على الحد الأدنى المقبول منه للنجاة من الخلود في النار، ويجب التسليم لله بالوحدانية وأن له الخلق والأمر وعبادته وحده، وبهذا التسليم يغفر الله ما سواه من الذنوب لمن يشاء. ولا خيار آخر أمام الإنسان، فإما الإيمان والفوز وإما الكفر والخسران، إما أن يكون شيء أو لا شيء.
قال الله تعالى:
” إِنَّ اللَّـهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا”[6].
فالإيمان قضية تتعلق بالغيب وتتوقف عندما ينكشف الغيب أو تظهر علامات الساعة.
قال الله تعالى:
“… يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ …”[7].
والإنسان إن أراد أن ينتفع من إيمانه بالأعمال الصالحة ويزيد من حسناته فلا بد أن يكون ذلك قبل قيام الساعة وانكشاف الغيب.
أما الإنسان الذي ليس له أعمال صالحة فيجب ألا يخرج من الدنيا إلا وهو مستسلم لله ومسلِّم بقضية الوحدانية، والعبادة له وحده، إذا ما كان يرجو النجاة من الخلود في النار، فالخلود المؤقت قد يقع لبعض أهل المعاصي، فهذا تحت مشيئة الله، إن شاء غفر له وإن شاء أدخله النار.
قال الله تعالى:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ” [8].
والإيمان في دين الإسلام قول وعمل، فهو ليس إيمانًا فقط كما في تعاليم النصرانية اليوم، ولا عملاً فقط كما هو الحال في الإلحاد، ولا تستوي أعمال الإنسان في مرحلة إيمانه بالغيب وصبره، مع الإنسان الذي عاين وشاهد وانكشف له الغيب في الآخرة، كما لا يستوي من عمل لله في مرحلة الشدة والضعف وعدم معرفة مصير الإسلام، مع من عمل لله والإسلام فيها ظاهر وعزيز وقوي.
قال الله تعالى:
” …لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّـهُ الْحُسْنَى ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ “[9].
ورب العالمين لا يعاقب بدون سبب، فالإنسان إما يحاسب ويعاقب على تضيع حقوق العباد أو حق رب العالمين.
الحق الذي لا يسع أحد تركه للنجاة من الخلود في النار، وهو التسليم لرب العالمين بالوحدانية وعبادته وحده لا شريك له، بقول:” أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله وأشهد أن رسل الله حق وأشهد أن الجنة حق والنار حق”. والقيام بحقها.
عدم الصد عن سبيل الله أو معاونة أو مساندة أي عمل يقصد به الوقوف في وجه الدعوة أو انتشار دين الله.
عدم هضم أو ضياع حقوق الناس أو ظلمهم.
كف الشر عن الخلق والمخلوقات، وإن تطلب ذلك أن ينأى بنفسه أو يعتزل الناس.
فالإنسان ربما لا تكون له أعمال صالحة كثيرة لكنه لم يضر أحدًا أو ينشغل بأي عمل يسيء لنفسه أو للناس، وشهد لله بالوحدانية، يُرجى له بذلك النجاة من عذاب النار.
قال الله تعالى:
” مَّا يَفْعَلُ اللَّـهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ شَاكِرًا عَلِيمًا”[10].
فالبشر يتم تصنيفهم على مراتب ودرجات ابتداءً من أعمالهم في الدنيا في عالم الشهادة وحتى قيام الساعة وانكشاف عالم الغيب وبدء الحساب في الآخرة، فمن الأقوام من يبتليهم الله في الآخرة كما ورد في الحديث الشريف.
فرب العالمين يعاقب الأقوام كلاً حسب أعماله وأفعاله السيئة فإما يعجلها في الدنيا وإما يؤخرها للآخرة، ويتوقف ذلك على مدى فداحة الفعل وإذا ما كان له توبة، ومدى أثره وضرره على الحرث والنسل وسائر المخلوقات والله لا يحب الفساد.
فالأقوام السابقة كقوم نوح، هود، صالح، لوط، فرعون وغيرهم ممن كذبوا بالرسل فعاجلهم الله العقوبة في الدنيا وذلك بسبب أفعالهم المنكرة وطغيانهم، فهم لم ينأوا بأنفسهم أو يكفوا شرهم بل تمادوا، فقوم هود تجبروا في الأرض، وقوم صالح قتلوا الناقة، وقوم لوط أصروا على الفاحشة، وقوم شعيب أصروا على الفساد وضياع حقوق الناس في المكيال والميزان، وقوم فرعون لحقوا بقوم موسى بغيًا وعدوًا، ومن قبلهم قوم نوح أصروا على الشرك بعبادة رب العالمين.
قال الله تعالى:
“مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ”[11] .
“فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ” [12].
3) هل يستطيع الإنسان تغيير دين آباءه وأجداده؟
إن من حق الإنسان أن يطلب العلم ويبحث في آفاق هذا الكون، فالله سبحانه وتعالى أودع فينا هذه العقول لنستخدمها لا لنعطلهــا، فكل إنسان يتبع دين آباءه دون إعمال للعقل، وبلا تفكير وتحليل لهذا الدين، فهو بلا شك ظــالم لنفسه، محتـقــر لذاتــه، محتقر لهذه النعمة العظيمة التي أودعها الله تعالى فيه ألا وهي العقل.
فكم من مسلم نشأ في أسرة موحدة، وحاد عن الطريق بالشرك بالله، وهناك من نشأ في أسرة مشركة أو نصرانية يؤمن بالتثليث، ورفض هذه العقيدة وقال: لا إله إلا الله.
والقصة الرمزية الآتية توضح هذه النقطة، حيث قامت زوجة بطبخ سمكة لزوجها ولكنها قطعت الرأس والذيل قبل أن تطبخها، وعندما سألها زوجها: لماذا قطعتِ الرأس والذيل؟ قالت: إن أمي تطهوها بهذه الطريقة، سأل الزوج الأم: لماذا تقطعين الذيل والرأس عندما تطبخين السمك؟ أجابت الأم: إن أمي تطهوها بهذه الطريقة. بعدها سأل الزوج الجدة: لماذا تقطعين الرأس والذيل؟ أجابت: كان قدر الطهي في البيت صغيرًا وكان عليَّ أن أقطع الرأس والذيل لأتمكن من إدخال السمكة في القدر.
الواقع أن كثيرًا من الأحداث السابقة والتي جرت في العصور التي سبقتنا كانت رهينة عصرها وزمنها، ولها أسبابها التي ارتبطت بها ولعل القصة السابقة تعكس ذلك، والواقع أنها كارثة بشرية، أن نعيش في زمان ليس بزماننا وأن نقلد أفعال غيرنا دون أن نفكر أو نسأل رغم اختلاف الظروف وتغير الأزمنة.
قال الله تعالى:
“…إنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ…“[13].
4) ما مصير من لم تبلغه رسالة الإسلام؟
هؤلاء لن يظلمهم الله عز وجل ولكنه سوف يمتحنهم في يوم القيامة.
والبشر الذين لم تحن لهم الفرصة برؤية الاسلام جيدًا فهؤلاء ليس لهم عذر، لأنه كما ذكرنا فلا ينبغي لهم التقصير في البحث والتفكير. مع أن إقامة الحجة وقيامها يصعب التحقق منه، فكل شخص يختلف عن غيره، والعذر بالجهل أو عدم بلوغ الحجة أمره إلى الله في الآخرة، أما أحكام الدنيا فتعتمد على الظاهر.
وإن حكم الله تعالى عليهم بالعذاب ليس ظلمًا بعد كل هذه الحجج التي أقامها عليهم، من العقل والفطرة والرسالات والآيات في الكون وفي أنفسهم، وأقل شيء كان من المفترض عليهم أن يفعلوه مقابل ذلك كله هو أن يعرفوا الله تعالى ويوحدوه، كحد أدنى، ولو فعلوه لنجوا من الخلود في النار، وحققوا السعادة في الدنيا والآخرة، أتعتقد أن هذا صعبًا؟
إن حق الله تعالى على عباده الذين خلقهم أن يعبدوه وحده، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئًا. الأمر بسيط، هي كلمات يقولها الإنسان ويؤمن بها ويعمل بمقتضاها، وكافية للنجاة من النار، أليس هذا هو العدل؟ هذا هو حُـكم الله عز وجل، وهو الحكم العدل اللطيف الخبير، وهذا هو دين الله تبارك وتعالى.
المشكلة الحقيقية ليست في أن يخطئ الإنسان أو يرتكب ذنبًا؛ لأن من طبيعة الإنسان الوقوع في الخطأ، فكل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابين، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن المشكلة هي في التمادي في اقتراف المعاصي والإصرار عليها، والعيب أيضًا هو أن يُنصح الإنسان فلا يسمع النصيحة ولا يعمل بها، وأن يُذكَّر فلا تنفعه الذكرى، وأن يوعَظ فلا يتعظ ولا يعتبر ولا يتوب ولا يستغفر، بل يصر ويولي مستكبرًا.
قال الله تعالى:
” وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ” [14].
قال الله تعالى:
تتلخص نهاية رحلة الحياة والوصول إلى بر الأمان في هذه الآيات.
“وَأَشْرَقَتِ
الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ
وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٦٩)
وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (٧٠)
وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا ۖ
حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ
يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ
وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا ۚ
قَالُوا بَلَىٰ وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (٧١)
قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ
فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٢) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ
إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ
حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا
سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (٧٣) وَقَالُوا الْحَمْدُ
لِلَّـهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ
الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ۖ
فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ”[15]
[1] قصة إبراهيم بن أدهم.
[2] (القلم: 35).
[3] (البقرة: 22).
[4] (الأنعام: 82).
[5] (الحجرات: 14).
[6] (النساء: 48).
[7] (الأنعام: 158).
[8] (آل عمران: 102).
[9] (الحديد: 10).
[10] (النساء: 147).
[11] (فصلت: 46).
[12] (العنكبوت: 40).
[13] (الرعد: 11).
[14] (لقمان: 7).
[15] (الزمر:69-74).
[1] (المائدة: 1).
[2] (الأنعام: 145).
[3] (المائدة: 3).
[4] (الأعراف:31).
[5] “زاد المعاد” (4/213).
[6] (الأعراف:157).
[7] (المائدة: 4).
[8]( رواه الترمذي).
[9] (رواه ابن ماجه).
[10]( رواه مسلم).
[11] (الأنبياء:30).
[12] (آل عمران: 157).
[13] (البقرة: 173).
[14] (لاويين 7:11-8).
[15] (سفر تثنية 8:14).
[16] (إنجيل متى 5 :17-19).
[17] انطلاقاً من المبادئ المسيحية فقد دان توما الاكويني الربا او الاقتراض بفائدة، واستطاعت الكنيسة نظراً لدورها الديني والدنيوي الكبير ان تعمم تحريم الربا على رعاياها بعد أن التزمت بتحريمه على رجال الدين من القرن الثاني، أما مبررات تحريم الفائدة بحسب توما الاكويني فهي أن الفائدة من غير الممكن أن تكون ثمن انتظار المقرض على المقترض اي ثمن للوقت الذي يمتلكه المقترض لأنهم يرون ذلك الاجراء من التعامل التجاري. قديما كان الفيلسوف أرسطو يؤمن بأن المال إنما هو وسيلة مبادلة وليس سبيلا لتحصيل الفوائد. أما أفلاطون فكان يرى في الفوائد استغلالاً، بينما يمارسه الأغنياء على الفقراء من أبناء المجتمع. وقد سادت المعاملات الربوية زمن الإغريق. وكان من حق الدائن أن يبيع المَدين في سوق العبيد إذا عجز هذا عن سداد دينه. وعند الرومان لم يكن الحال مختلفا. وجدير بالذكر أن هذا التحريم لم يكن خاضعا لتأثيرات دينية حيث أنه حدث قبل مجيء المسيحية بما يزيد عن ثلاثة قرون. علما بأن الإنجيل قد حرم على أتباعه التعامل بالربا، وهكذا فعلت التوراة من قبل.
[18] (آل عمران:130).
[19] (الروم: 39).
[20](سفر اللاويين 25: 35-37).
[21] (إنجيل متى 5 :17-19).
[22] (النساء: 160-161).
[23] (المائدة:90).
[24] (رواه مسلم).
[25] (سفر الأمثال، الإصحاح 20، العدد 1).
[26] (سفر أفسيانس، الإصحاح 5، العدد 18).
[27] (التين:8).
[28] مدير مركز الدراسات الروحية بجامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة.
[29] (رواه البخاري).
[30] (العنكبوت:45).
[31] (طه:130).
[32] الكعبَة المشَرَّفة هي بناءٌ مربَّعٌ الشكل ومكعبٌ تقريبًا، تقع في وسط المسجد الحرام بمكة المكرمة. هذا البناء له باب وليس له نوافذ. لا يوجد بها شيء وهي ليست قبرا لاحد. انما هي غرفة للصلاة. المسلم الذي يصلي داخل الكعبة بإمكانه الصلاة في أي اتجاه. تم تجديد بناء الكعبة عدة مرات عبر التاريخ. والنبي إبراهيم هو اول من أعاد رفع القواعد من البيت مع ابنه إسماعيل. يوجد في ركن الكعبة الحجر الأسود ويعتقد انه جاء منذ عهد آدم عليه السلام لكنه ليس حجر خارقا او ليس له قوي غير طبيعية لكنه يمثل رمزا بالنسبة للمسلمين.
[33] (سبأ:10).
[34] (آل عمران: 96).
[35](العهد القديم، المزامير: 84(.
[36] الإمام الحاكم في المستدرك والإمام ابن خزيمة في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنه.
[37] (الأنعام:80).
[38] داعية إسلامي ومدافع عن حقوق الإنسان أمريكي من أصل إفريقي (إفريقي أمريكي)، صحَّح مسيرة الحركة الإسلامية في أمريكا بعد أن انحرفت بقوَّة عن العقيدة الإسلامية، ودعا للعقيدة الصحيحة.
[39] تعتبر الفردانية إن الدفاع عن مصالح الفرد مسألة جذرية يجب أن تتحقق فوق اعتبارات الدولة والجماعات، في حين يعارضون أي تدخل خارجي على مصلحة الفرد من قبل المجتمع أو المؤسسات مثل الحكومة.
[40] (الأعراف: 80 -82).
[41] https://kaheel7.net/?p=15851 موسوعة الكحيل للإعجاز في القرآن والسنة.
[42] (البلد: 10).
[43] مقتبس من كتاب خرافة الإلحاد. د. عمرو شريف. طبعة 2014م.
[44] (رواه مسلم).
[45] (الأنعام: 28).
[46] (المجادلة :18).
[47] (الأعراف: 36).
[48] (الزمر :7).
[49] (البقرة :286).
[50] (الفرقان:70).
[51] (التغابن:9).
[52] (الزمر:7).
[1] (الحشر: 7).
[2] (الحديد: 7).
[3] (التوبة:34).
[4] (الملك: 15).
[5] (صحيح الترمذي).
[6] (الفرقان: 67).
[7] (صحيح البخاري).
[8] (آل عمران:130).
[9] (الروم: 39).
[10] (البقرة:219).
[11] (آل عمران: 159).
[12] (النحل: 125).
[13] (الأعراف :31 -33).
[14] (البقرة: 168-169).
[15] (النساء: 119).
[16] (النساء:29).
[17] (البقرة: 195).
[18] (الأعراف: 157).
[19] (صحيح البخاري).
[20] (صحيح البخاري).
[21] (صحيح البخاري).
[22] (الأحزاب:59).
[23] (طه:118).
[24] (الأعراف:26).
[25] (النساء:3).
[26] (النساء:129).
[27] (البقرة: 282).
[28] (النساء :11).
[29] (النساء:34).
[30] (الروم :21).
[31] (البقرة: 37).
[32] (النمل: 23).
[33] (رواه الترمذي).
[34] (الأحزاب:35).
[35] (النساء:19).
[36] (النساء:1).
[37] (النحل:97).
[38] (البقرة:187).
[39] (الروم:21).
[40] (النساء:127-128).
[41](النساء:35).
[42](العهد القديم، سفر اللاويين 20: 10 –18).
[43] (العهد الجديد، إنجيل متى 5: 27– 30).
[44] (العهد الجديد،1 كورنثوس 6: 9 – 10).
[45] (العهد الجديد، إنجيل يوحنا 8: 3 – 11).
[46] https://www.alukah.net/sharia/ 0/82804/
[47] (العهد الجديد، إنجيل لوقا 16: 17).
[48] (النساء: 17).
[49] (النساء: 110).
[50] (النساء: 28).
[51] (صحيح مسلم).
[52] (آل عمران: 152).
[53] (حديث صحيح الإسناد).
[54] (الأعراف: 85).
[55] (المائدة:8).
[56] (النساء:58).
[57] (النحل: 90).
[58] (النور:27).
[59](النور:28).
[60](الحجرات:6).
[61] (الحجرات:9).
[62] (الحجرات:10).
[63] (الحجرات:11).
[64] (الحجرات:12).
[65] رواه البخاري ومسلم.
[66] (النور: 33).
[67] (التوبة: 6).
[68] (الإسراء:23-24).
[69] (الأحقاف:15).
[70] (الإسراء:26).
[71] (متفق عليه).
[72] (مسند الإمام أحمد).
[73] (رواه مسلم).
[74] (حديث صحيح في سنن ابن ماجه).
[75] (الأنعام:38).
[76] (متفق عليه).
[77] (رواه البخاري ومسلم).
[78] (الأعراف:56).
[79](الروم:41).
[80] (البقرة: 205).
[81] (الرعد: 4).
[82] (النساء:36).
[83] (النساء:19).
[84] (المجادلة: 11).
[85] (الضحى:9).
[86] (البقرة: 220).
[87] (النساء: 8).
[1] (العهد القديم، سفر التكوين 17: 20).
[2] (العهد القديم، سفر التكوين 16: 11).
[3] (العهد القديم، سفر التكوين16: 3).
[4] (العلق: 1-5).
[5] (العنكبوت: 48).
[6] (الأنعام: 90).
[7] (النساء: 82).
[8] (هود: 13).
[9] (القصص: 50).
[10](صحيح البخاري).
[11] (العهد القديم، سفر أشعياء 29: 12).
[12](الأعراف: 158).
[13](صحيح مسلم).
[14]www.fatensabri.com كتاب عين على الحقيقة. فاتن صبري.
[15] كتاب “الأبطال”.
[16]كان صعود النبي على ظهر دابة تسمى البراق. والبراق: دَابَّةٌ أَبْيَضُ، طَوِيلٌ، فَوْقَ الْحِمَارِ، وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، له لجام، وسراج، كانت تركبه الأنبياء عليهم السلام. (رواه البخاري ومسلم).
[17] http://muslimvilla.smfforfree.com/index.php…
[18] تاريخ الإسلام” (2/ 307-318).
[19] (البقرة:256).
[20] (التوبة: 29).
[21] ابن قدامة في المغني.
[22] (فصلت:34).
[23] (آل عمران: 134).
[24] (الممتحنة: 8-9).
[25] (المائدة: 32).
[26] (التوبة:6).
[27] (التوبة: 12).
[28] (التوبة: 29).
[29] (الأنفال :39).
[30] (البقرة: 190).
[31] (النساء: 29).
[32] الحديقة مجموعة أدب بارع وحكمة بليغة. سليمان بن صالح الخراشي.
[33] (آل عمران: 64).
[34] (االأنعام:159).
[35] (التوبة:31).
[36] (الأعراف:188).
[37] (الكهف: 110).
[38] (الجن: 18).
[39] (الإسراء:95).
[40] (الأنعام: 9).
[41] (الزمر:7).
[42] (سفر التثنية: 16:24).
[43](النساء :157-158).
[44] (البقرة: 285).
[45] (أل عمران: 59).
[46] (الكهف:110).
[47] (الأعراف: 158).
[48] كتاب إساءة الرأسمالية والشيوعية إلى الله. الأستاذ الدكتور غازي عناية.
[49] (الكهب :49).
[50] (التغابن :14).
[51] (البقرة:178).
[52] (حديث صحيح).
[1] (الفرقان: 23).
[2]Atheism a giant leap of faith Dr. Raida Jarrar. ِ
[3] مقتبس من كتاب خرافة الإلحاد. د. عمرو شريف. طبعة 2014م.
[4] (الإخلاص 1-4).
[5] (الإخلاص 22-24).
[6] (طه:13).
[7] (المائدة :67).
[8] (آل عمران:79).
[9] (القلم:4).
[10] (الأحزاب :21).
[11] (الشورى: 11).
[12] (البقرة :255).
[13] (الذاريات :56).
[14] (الكهف: 110).
[15] (البقرة: 185).
[16] (البقرة: 286).
[17] (النساء: 28).
[18] (البقرة: 111).
[19] (المؤمنون: 117).
[20] (يونس: 101).
[21] (النساء: 82).
[22] (ال عمران: 7).
[23] (الروم: 30).
[24] (النساء :26 -27).
[25] (الأنبياء: 30).
[26] (الأعراف: 32).
[27] (المائدة :3).
[28] (الأعراف: 158).
[29]تحتوي النسخ الأصلية لهذه الكتب على رسالة التوحيد وهي الإيمان بالخالق وعبادته وحده، لكن قد دخلها التحريف، وقد نسخت بعد نزول القرآن وشريعة الإسلام.
[30] حديث جبريل، أخرجه البخاري (٤٧٧٧) ومسلم بنحوه (٩).
[31] (غافر: 78).
[32] (البقرة: 285).
[33] (البقرة:136).
[34] (الأنبياء: 20).
[35] (التحريم :6).
[36] (الأنعام :121).
[37] (الروم: 19).
[38] (المؤمنون: 115-116).
[39] (الجاثية: 21-22).
[40] (الحج: 5).
[41] (يس: 77-79).
[42] (الروم:50).
[43] (لقمان :28).
[44] (الزلزلة: 7-8).
[1] (الأنبياء: 22).
[2] (الحشر:24).
[3] (الحديد:3).
[4] (السجدة:5).
[5] (فاطر:44).
[6] (الشورى:11).
[7] (الإخلاص 1-4).
[8](النساء: 111).
[9] (الكهب :49).
[10] قناة يقين لنقد الإلحاد واللادينية. https://www.youtube.com/watch?v=HHASgETgqxI
[11] (آل عمران:190).
[12] (المُلك: 3).
[13] (القمر: 49).
[14] (إبراهيم:32).
[15] (النحل: 5 – 8).
[16] (الواقعة:68-69-70).
[17] (الفرقان:45).
[18]The Divine Reality: God, Islam & The Mirage of Atheism..Hamza Andreas Tzortzi
[19] (الطور:35-37).
[20] (سبأ: 22).
[21] (الذاريات: 50).
[22] (الأنعام: 103).
[23] https://www.youtube.com/watch?v=P3InWgcv18A فاضل سليمان.
[24] من أقوال الشيخ محمد راتب النابلسي.
[25] (العنكبوت: 19-20).
[26] (النجم: 10).
[27] (الكهف: 109).
[28] (الكهف: 29).
[29] (البقرة: 31).
[30] (البقرة: 35).
[31] (البقرة: 37).
[32] (البقرة: 30).
[33] (النساء: 95).
[34] (الذاريات:56-58).
[35] (العنكبوت: 6).
[36] (الكهف: 7).
[37] (البقرة: 30).
[38] (البروج:16).
[39] (الأنبياء: 23).
[40] (الأعراف: 146).